كندا ليست سواء

|

حسين يونس

كندا دولة فدرالية (إتحادية) تتشكل من ١٠ مقاطعات و ٣ أقاليم، بحيث تنقسم السلطة فيها دستورياً بين الحكومة المركزية (الفيدرالية) ووحدات حكومية أصغر تُسمَّى بـ (المقاطعات والأقاليم)، أي أنَّ الفدرالية الكندية تحوي في داخلها دولاً مستقلة تماماً تُدير شؤونها بنفسها فيما عدا إدارة شؤون الدولة الدفاعية والدبلوماسية والمالية، فالجيش والخارجية وخزينة الدولة قابعة تحت إدارة الحكومة المركزية، عدا عن ذلك … مثل إدارة الشؤون الإجتماعية والتعليم والصحة والأمن الداخلي، فجميعها من مسؤوليات المقاطعة.

وهنالك فرق بين المقاطعة والإقليم، فالمقاطعة هي منطقة مستقلة ذاتياً تُدير نفسها بنفسها من خلال برلمانها المحلي، وتستمد سلطتها الإدارية مباشرة من القانون الدستوري، والمقاطعات العشر التالية هي من الأعلى إلى الأدني حسب كثافة السكان:

  • مقاطعة (أونتاريو – Ontario)، وعاصمتها مدينة (تورونتو – Toronto)
  • مقاطعة (كُيبيك – Quebec)، وعاصمتها مدينة (مدينة كيبيك – Quebec City)
  • مقاطعة (كولومبيا البريطانية – British Columbia)، وعاصمتها مدينة (فكتوريا – Victoria)
  • مقاطعة (ألبرتا – Alberta)، وعاصمتها مدينة (إدمونتون – Edmonton)
  • مقاطعة (مانيتوبا – Manitoba)، وعاصمتها مدينة (وينيبيغ – Winnipeg)
  • مقاطعة (ساسكاتشوان – Saskatchewan)، وعاصمتها مدينة (ريجاينا – Regina)
  • مقاطعة (نوفا سكوتشيا – Nova Scotia)، وعاصمتها مدينة (هاليفاكس – Halifax)
  • مقاطعة (نيو برانزويك – New Brunswick )، وعاصمتها مدينة (فريدريكتون – Fredericton)
  • مقاطعة (نيوفاوندلاند واللابرادور – Newfoundland and Labrador)، وعاصمتها مدينة (سانت جونز – Saint John’s)
  • مقاطعة (جزيرة الأمير إدوارد – Prince Edward Island)، وعاصمتها مدينة (شارلوت تاون – Charlottetown)

أما الإقليم فهو منطقة تقبع تحت إنتداب الحكومة الفدرالية، وتستمد صلاحياتها من الحكومة الفدرالية في العاصمة أوتاوا، والأقاليم الثلاثة التالية هي من الأعلى إلى الأدني حسب كثافة السكان:

  • إقليم (الأقاليم الشمالية الغربية – Northwest Territories)، وعاصمته مدينة (يالونايف – Yellowknife)
  • إقليم (يوكون – Yukon)، وعاصمته مدينة (وايت هورس – Whitehorse)
  • إقليم (نونافوت – Nunavut)، وعاصمته مدينة (إيكالويت – Iqaluit)

هذا يعني أنَّ كندا ليست سواء، فطبيعة النظام الفيدرالي أنه يحوي بداخله مقاطعات أفضل من غيرها من الناحية الإقتصادية والإجتماعية، فهناك مقاطعات ازدهرت لأسباب كثيرة من أهمها: (الموقع الجغرافي، الثقافة السائدة، سياسة الحزب الحاكم)، فإذا لم تقم بالبحث عن المقاطعة المناسبة لك مهنياً واجتماعياً، فستضطر بعد حين إلى مغادرتها والبحث عن مقاطعة أخرى تناسبك، وتغيير المقاطعة في كندا ليس أمراً سهلاً، فمن عيوب النظام الفدرالي أنه يحوي في داخله – كما ذكرت آنفاً – دويلات مستقلة في قلب دولة واحدة، فعلى سبيل المثال إذا أردت الإنتقال من مدينة “تورونتو” في مقاطعة “أونتاريو” للعيش في مدينة “فانكوفر” في مقاطعة “كولومبيا البريطانية”، فهذا سيكون بمثابة الهجرة من دولة إلى أخرى بمعنى الكلمة، وسيتطلب الأمر تغيير رخصة القيادة وبطاقات التأمين الصحي وتَعَلُّم مصطلحات حكومية جديدة مختلفة عن المصطلحات التي كنت قد تعلمتها في مقاطعتك الأولى وهكذا، بل ربما اضطررت لتعلم لغة جديدة كالفرنسية بمجرد إنتقالك إلى مقاطعة كُيبيك الفرنسية، وهذا شيء مرهق بكل تأكيد.

تذكر أنَّ البدايات الخاطئة لا يمكن لها أن تجلب نهايات صحيحة، الأمر الذي سيُعيدك مرة أخرى إلى أهمية التخطيط والذي فصَّلته في مقالي السابق (لماذا اخترت الهجرة إلى كندا؟، وأذكر أحد الأطباء العرب في كندا، كان يحاول جاهداً معادلة شهادة الطب في مقاطعة أونتاريو، وكان قد أنهى كل الإمتحانات المطلوبة في غضون ٣ سنوات، لكن معيار قبول اللغة الإنجليزية في تلك المقاطعة هو الأعلى في كندا، ولم يستطع تحصيل المعدل المطلوب، فنصحه طبيب آخر بالإنتقال إلى مقاطعة “مانيتوبا” لأنَّ معدل اللغة الذي حصل عليه مقبول هناك، وأخذ صديقنا بالنصيحة وانتقل إلى تلك المقاطعة من دون أي تردد، لأنه اختار ألاَّ يعمل في مقهى أو كسائق أجرة، فالخيار يبقى بين يديك، ولن يُجبرك أحد على أن تفعل ما لا تريده على الإطلاق، لكن هذا سيتطلب منك أن تفهم ما هي مؤهلاتك وما هي قدراتك وما هي خطتك، وبعدها ستصنع مستقبلك بنفسك من دون أدنى شك، وعدا عن ذلك … ستضطر أنَّ تسمح للآخرين بأن يفرضوا عليك خططهم ليصنعوا مستقبلك كما يُريدون.

فلو نظرنا إلى خطة مقاطعة أونتاريو لنقارنها مع خطة مقاطعة مانيتوبا، قد نلاحظ أنَّ الأولى اكتفت بعدد الأطباء لديها، فجعلوا الإلتحاق بتلك المهنة صعباً للغاية، وقد تكون أيضاً حاجتهم تتمحور حول المهن الحرفية أكثر من غيرها، الأمر الذي دفع المهاجرين – عديمي الخطط – التخلي عن أحلامهم والإنضمام لتلك المهن بسبب الحاجة. بينما نرى أنَّ الثانية مازالت تستقبل المزيد من الأطباء، فسهَّلت معايير المعادلة لديها.

مقارنة ثانية بين مقاطعة أونتاريو ومقاطعة كُيبيك الفرنسية، حيث تعمل الثانية جاهدة لإصدار قوانين – تدعي أنها حضارية – لحظر الرموز الدينية في جميع مرافق الدولة والجامعات على غرار قدوتها الروحية … فرنسا. وعلى العكس منها قامت بعض جامعات مقاطعة أونتاريو بحملة دعائية مضادة، تستهدف الطلبة المهاجرين ذوي الرموز الدينية مثل المسلمين واليهود والسيخ، ونشرت صورة لطالبة مسلمة محجبة في كلية الطب مكتوب عليها: (نحن لا يهمنا ما فوق رأسك، بل يهمنا ما بداخله).

husain

فلا تستهين بالتخطيط أبداً، فهو طريقك الوحيد لنيل ما تريد. وبالنسبة لي، مقاطعة أونتاريو هي مقاطعتي المفضلة، فهي مقاطعة كبيرة تعادل مساحتها مساحة العراق أو سوريا، وهي مهمة من النواحي التالية:

  1. سياسياً: تحوي في داخلها العاصمة الفدرالية “أوتاوا”، مما يُتيح المجال للوصول إلى البرمان الفيدرالي وصانعي القرار من خلال مسيرات التعبير عن الرأي، فالحدث في أوتاوا العاصمة ليس كأي حدث في أي مدينة أخرى، فهو يحصل مباشرة على زخم إعلامي كبير.
  2. إقتصادياً: تحوي في داخلها العاصمة الإقتصادية “تورونتو”، فعندما كنت أبحث عن عمل في جميع المقاطعات، كانت تصلني مقابل كل فرصة عمل خارج “أونتاريو” … خمسة داخلها، الأمر الذي جعلني أحسم أمري على البقاء فيها.
  3. جغرافياً: واقعة في جنوب شرق كندا، فهي قريبة من حيث السفر من الدول العربية مقارنة بالمقاطعات الأخرى، ومطاراتها تتيح السفر مباشرة إلى أغلب دول العالم، كما أنها قريبة من أوروبا والشرق الأمريكي.
  4. إجتماعياً: تحوي في داخلها أكبر تعدد عرقي، وهي تعتبر الأفضل لاستطيان العرب والمسلمين، خصوصاً تلك المدن التي تندرج تحت (منطقة تورونتو الكبرى – Greater Toronto Area)، ففيها جالية إسلامية كبيرة – متعلمة – لها وضعها وقيمتها، كما تنتشر فيها المساجد والمدارس الإسلامية بكثرة، فعلى سبيل المثال في مدينة (ميسيساغا – Mississauga) التابعة لمنطقة تورونتو الكبرى والتي أقيم فيها حالياً، ينتشر من حولي على بعد ٤ كيلومتر مربع أكثر من ٧ مساجد، الشيء الذي سهل لي ولأطفالي الحفاظ على الهوية العربية والإسلامة ضمن نسيج المجتمع الكندي، فقد أدى هذا التكتل إلى انتشار الطلبة المسلمين في جميع المدارس الحكومية، وقد حصل ذات يوم أن دخلت المعلمة على صف ابنتي قبل عيد الأضحى بيومين، وسألت الطلبة البالغ عددهم ٢٦ طالباً: (من منكم مسلم ولن يأتي إلى المدرسة يوم عيد الأضحى؟) فرفع ١٦ طالب يده، فاضطرت المعلمة إلى أن تعلن يوم عيد المسلمين يوم ترفيهي لبقية الطلبة الحاضرين بسبب غياب أغلبية الطلبة عن الفصل.

تذكر جيداً … كندا ليست سواء، فتحصيل أكبر عدد من المعلومات عنها مع إدراك لما تنوي القيام به هناك، سيُسهل عليك هجرتك ويرفع من شأنك.

أضف تعليق