رجالنا وحرير الأعناق

|

حسين يونس

في الأسبوع المنصرم وبينما كنت في مترو الأنفاق متجهاً إلى عملي في مدينة تورونتو، كنت أُبحر في روائع كتاب ( صيد الخاطر ) لـ « أبو الفرج بن الجوزي » رحمه الله، وتوقفت عند الفصل الواحد والثلاثين ( الخير والشر ) والذي تحدث فيه عن لبس الحرير، وكيف أنَّ جنود السلطان في زمانه كانوا لا يؤلمهم الذنب، وقد استباحوا هذا الحرام لأنفسهم ولم ينزعجوا منه، فتوقفت لحظة عن القراءة … وحنيت رأسي لأتفقد ربطة العنق التي كنت أرتديها … وإذ بها مصنوعة من الحرير الخالص ( 100% Pure Silk )، وتساءلت على الفور: لماذا أرتديها وهي حرام؟! وكأني كنت غافلاً عنها أو متغافلاً … لا أدري، أو أني كنت بحاجة لرجل تقي مثل ابن الجوزي ليذكرني بهذا الكلام!!

أغلقت الكتاب وجلست أفكر وأسترجع ذاكرتي وأسأل نفسي … لماذا أرتديها؟ هل فعلاً كنت لا أدري أنها من الحرير الخالص؟ أم أني استحللتها لأنها لا تلامس جسدي فلم أجد بأساً من ارتدائها؟

وصلت إلى مكان عملي لأبحث في هذه المسألة، والتي كنت قد توصلت إلى حكمها في قرارة نفسي، وبعد خمس دقائق من البحث، وجدت إجماعاً على حرمة ارتداء ربطات العنق المصنوعة من الحرير الخالص، وعدت في نفس اليوم إلى منزلي لأتخلص من ربطات عنقي الحريرية وأبقي على المصنوعة من ( البوليستر – Polyester ).

الفتاوى كثيرة في هذا الشأن وأنقل منها ملخص لفتوى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات والتي أجابوا فيها على سؤال حكم إرتداء ربطة العنق المصنوعة من الحرير، فقالوا:

( إذا كانت ربطة العنق مصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص، المأخوذ من دودة القز المعروفة وكانت فوق الأربع أصابع فلبسها حرام لما روى أبو داود والترمذي بسند حسن عن علي رضي الله عنه قال: رأيت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه وذهباً فجعله في شماله ثم قال: (( إنّ هذين حرام على ذكور أمتي )) وزاد في رواية ابن ماجه: (( حل لإناثها )). وإذا كانت من الحرير الصناعي ( القطن المعالج )، فلا مانع من لبسها للرجال ما دامت طاهرة، أما إن كانت مخلوطة بخيوط أخرى كالصوف، والقطن، والكتان وغير ذلك وكانت نسبة الحرير أكثر فيحرم لبسها أيضاً، لأن العبرة بالأغلب والأكثر على مقتضى أصول قواعد الشريعة ) [2].

قد يظن البعض أن الموضوع ثانوي، ولكنه ليس كذلك، فرجال المسلمين لا يرون أي شيء يُغضب الله ثانوياً، أما ذكور المسلمين فنعم … قد لا يكترثون، فهم يتقلبون في شريعة العجل الغربي ما بين إظهار للعورات وهتك للحرمات، أما رجال الأمة والذين تستحي منهم الجبال لأنهم حملوا ما عجزت هي عنه … فلا، أوضاعهم مختلفة تماماً. وما يُدمي القلب أنَّ أمتنا المجيدة أصبح ذكروها كثر ورجالها قلة، فالله المستعان وعليه التكلان.

ختاماً، لا أريد أن يُفهم من كلامي لا من قريب ولا من بعيد أني ألمح إلى أنَّ ربطة العنق حرام … فهي ليست كذلك على الإطلاق، وأنقل رأي الشيخ الدكتور سلمان العودة – والذي أميل إليه – عندما سئل عن رأيه في ربطة العنق للرجال، فقال:

( لا أرى بربطة العنق بأساً، لأنها لم تعد من خصائص الكفار، بل عدد من الشعوب الإسلامية دخلت هذه الربطة في صميم لباسها، كما هي الحال في مصر، والشام، والعراق، وكثير من بلاد المغرب وغيرها، والأمر إذا اشتهر وذاع انتفت منه صفة الخصوصية، وزال منه محذور التشبه، ولو كان أصله من غير المسلمين ).

وأتمنى أن لا يستوقفني متحذلق ليخبرني أين أنا من مصائب الأمة، وأني في وادٍ والأمة وجراحها في وادٍ آخر لأناقش سفائف الأمور، فأنقل له ولغيره ما رواه « ابن دحلان » في الفتوحات الإسلامية:

( في إحدى معارك المسلمين في بلاد الترك، طال الحصار حول حصن من حصون الترك، كما أحس المسلمون بالملل، فبحث قائد الجيش عن سر تأخر هذا النصر ، وكانوا أول ما يفتشون في أوراقهم عن إخلاصهم لله تعالى، ثم الفرائض، ثم عن السنن، فوجدوا أنهم لايملكون سواكاً ولو واحداً للتسوك به قبل الصلاة، فاضطر المسلمون إلى استخدام لحاء الأشجار وفروعها بدلاً عن السواك، ولم يكن أحد يدري أن جاسوساً للأعداء وسط الجيش، فرأى المسلمين للمرة الأولى يستاكون، فخاف واضطرب، وسريعاً ما اتجه إلى قومه يخبرهم مذعوراً أنَّ المسلمين يشحذون أسنانهم ليأكلونا، فخاف قومه وألقى الله الرعب في قلوبهم، وفتح الحصن وارتفعت راية لا إله إلاَّ الله ) الفتوحات الاسلامية (1/425) لابن دحلان.

دمتم بخير وطاعة.


بعض مراجع الفتاوى:

  1. إسلام ويب – ( حكم لبس الكرافات المصنوعة من الحرير )
  2. الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات – ( ما حكم وضع الرجل ربطة عنق من الحرير؟ )

رأيان حول “رجالنا وحرير الأعناق”

    • مرحباً بك أخر الكريم وجزاك الله كل الخير على حُسن ظنك وكلماتك الطيبة التي تساقطت على قلبي كقطرات الندى وأسأل الله أن لا يحرمك أجر ما سألت لي .. ولا أقول إلاَّ كما قال الصديق رضي الله عنه: ( اللهم أنت أعلم منى بنفسى وأنا أعلم بنفسى منهم، اللهم اجعلنى خيراً مما يظنون، واغفر لى ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون ).

      كل التوفيق.

      رد

أضف تعليق