هل تستحق الحياة أن نكون إيجابيين؟

|

حسين يونس

هل فكَّرتم يوماً في حقيقة النجاح والدوافع التي تقود إليه؟ عندما نكون مغمورين بالإيجابية ومحاطين بالإيجابيين.. هل ننجح فعلاً ونحصل على ما نريد؟ أم أنَّ الحقيقة عكس ذلك؟ ماذا لو كانت الإيجابية محاولة لتحويل البشر عن حقيقتهم السلبية؟ ماذا لو كان هذا النوع من الحياة يحولنا من أناس أصحَّاء طبيعيين إلى مرضى في أنفسنا وأجسادنا؟ ماذا لو كانت الإيجابية التي يُنادي بها المطوِّرون ما هي إلاَّ وهم ليس له وجود؟ ماذا لو كانت عبئاً يُؤرِّق مضاجعنا لمثاليات غير قابلة للتطبيق؟ ماذا لو كانت الإيجابية في حقيقة الأمر نوع من الهروب من العالم الحقيقي إلى آخر خيالي؟ قد تكون حالة انفصال عن الواقع وتجاهل لما هو مهم في حياتنا من أحداث لا ينبغي إغفالها.

بالمقابل، ماذا لو كانت السلبية هي المفتاح الحقيقي للنجاح؟ هل فكَّرتم يوماً أن السلبية قد تكون أعلى درجات الحرص الذي يدفعنا للتَعلُّم والبحث عن الحقيقة للخروج من أزمات مُحتَمَلة وإخفاقات مؤكَّدة؟

ألا تلاحظون أنَّ الحرص اليوم يؤوَّل على أنه سلبية؟ على الرغم من أنَّ التجربة تقول أنَّ الحريصين أقل عُرضة من غيرهم للسقوط في الحُفر لكثرة التفاتهم أثناء المسير، الشيء الذي يُمكِّنهم من رؤية الشر الذي يقع فيه الهائمون في الإيجابية.

لماذا يجب أن يبتسم الإنسان لمَن حوله عندما يكون ينزف من الداخل؟ هل من الحكمة أن يتغاضى الإنسان عن حقه في تَلقِّي الاعتذار من شخص أساء إليه بحجة الإيجابية؟ وإذا أصرَّ على موقفه نعتوه بالسلبي؟ فالأولى أن يُصارح صديقه أو زميله بأن تعليقه كان جارحاً بدلاً من التجاهل والكتمان والاحتراق الداخلي، أو أن يُبادر مثلاً بتغيير عمله إذا كان يُمثِّل مصدراً لتعاسته. أيضاً، لماذا يجب على المرء أن يبقى في وطنه ما دام لا يرى منه خيراً؟ وإذا هاجر بعيداً قال عنه البعض أنه سلبي؟ بالمقابل، لماذا يجب أن أبقى ذليلاً في المهجر بين أقلية بائسة غير مرغوب فيها؟ ماذا لو وجدت نفسي في فرصة أفضل في الشرق؟ هل هذه سلبية؟

تقول المعالجة النفسية «توري رودريغيز – Tori Rodriguez» في مقالها: المشاعر السلبية ضرورية للحفاظ على الصحة العقلية: (بالرغم من أنًّ المشاعر الإيجابية تستحق أن نشجعها، لكن المشكلات تنشأ عندما يميل الناس إلى الإيمان بأنهم يجب أن يكونوا سعداء دائماً) وتضيف (إن المشاعر السيئة لا تقل أهمية عن المشاعر الممتعة، فكلٌّ منهما يساعد على إعطاء النجاحات والإخفاقات الحياتية معنى وقيمة).

تقول «غبرييل أوتينغين – Gabriele Oettingen» أستاذة علم النفس بجامعة نيويورك وصاحبة كتاب (إعادة التفكير في التفكير الإيجابي) في مقال: التفكير الإيجابي قد يكون عقبة أمام تحقيق أهدافك، أنها اكتشفت عندما بدأت دراسة التفكير الإيجابي أنَّ المعتقدون بها يتخيلون ويحلمون بما يريدون تحقيقه ومن ثم يشعرون بأنهم أنجزوا مهمتهم ويستريحون، وبالتالي يفقدون دوافعهم اللازمة لجعل الأمور تتحقق على أرض الواقع.

في اعتقادي، أنَّ ما يحتاج إليه الإنسان اليوم هو المرونة في التفكير بدلاً من الإيجابية المُطلقة التي لا يقوى عليها لأنها تُخالف فطرته إضافة إلى أنها غير قابلة للتطبيق، لابد أن يُصبح قادراً على الاستفادة من السلبية والإيجابية معاً.. تماماً كقُطبَي البطارية، فحتى تعمل الدائرة الكهربائية تحتاج إلى قطب سلبي وإيجابي، ووقتها فقط تتولَّد الطاقة ويستطيع الإنسان التقدُّم وإكمال المسير، فلا ينتقل إلى الإيجابية قبل المرور بنفق السلبية كي يعي بواقعية ما هي حقيقة الأمر الذي ينوي إتمامه.

قد يكون السبب الوحيد وراء اختياراتنا لكل ما تقدَّم هو البحث عن الاستقرار، نحاول أن نكون إيجابيين كي نكون مستقرين حتى وإن كانت الإيجابية وهم ليس له وجود، الأمر الذي يؤدي إلى تعاسة البعض عندما يهجرون الأوطان على الرغم من انتقالهم لدول العالم الأول، ماذا لو كنا نحن المشكلة التي أدَّت إلى فساد الوطن؟ ما احتمالية تعاستنا في المهجر لأننا حملنا في أنفسنا نفس الأمراض التي أفسدت الوطن؟ تفكير قد يراه البعض سلبياً، لكنه قد يكون الطريق الوحيد للانتقال إلى المرحلة الثانية من الإيجابية، من خلال مرونة التفكير وتَقبُّل الواقع، لأنَّ أي تجاهل ما هو إلاَّ قنبلة موقوتة للفشل.. تم تأخير موعد انفجارها.

الإنسان عبارة عن مجموعة من الأفكار والعادات والتجارب التي إما أن تحمله إلى أعلى الدرجات أو تودي به إلى أسفلها. لابد لنا من أن نرى الأمور من منظور المنطق بدلاً من منظور القطيع. ماذا لو تغيَّرت نظرتنا للأمور والقرارات التي يجب اتخاذاها من منظور (المعنى) بدلاً من منظور (القطيع)؟ والمقصود بالقطيع عوام الناس.

لو راجعنا القرارات التي اتخذناها ونحن واهمين أننا اتخذناها لأننا نؤمن بها، قد نندهش أنها كانت تحت تأثير المجتمعات التي نتواجد فيها والإعلام الذي نشاهده، وليس وفقاً لما نؤمن به، وقد تكون كلها قرارات لحظيَّة لا نقوى على مجابهتها بعد فترة من الزمن، فلا نجد سوى الإيجابية كمُبَرِّر لما اتخذناه من قرارات خاطئة دون وعي.

الذي نقوم به فعلاً، هو تجاهل الأمور التي تحتاج منا جهداً ومجابهة، نتجاهلها إما بحجة الانفتاح والتطوَّر، أو بحجة الالتزام والتَدَيُّن، أو بحجة الإيجابية، وكلها أمور جيدة ويمكن أن تكون مجتمعة إن كانت ذات معنى. نتجاهل بعض الأمور بسبب أنها موروث تاريخي لا يناسب الحضارة، في الوقت نفسه نتجاهل أخرى لأنها تتعارض مع الدين الحنيف، أضف ما نتجاهله لأننا لا نريد أن نكون سلبيين في نظر المجتمع، وفي الحقيقة أنَّ هذا التناقض سببه البحث عن الشعور بالرضى، ولا يمكن أن نحصل عليه إذا سرنا عكس التيار، فبمجرد سيرنا مع التيار العام للمجتمع والإعلام الذي يُسوِّق أفكاره، نحصل مباشرة على ذلك الشعور الجميل الذي قد يكون متعارضاً مع مبادئنا التي نؤمن بها، ونبدأ في إقناع أنفسنا أننا نسير في الطريق الصحيح، بل نبحث عمَّن يُفتي لنا بأنَّ ما نقوم به له ارتكاز شرعي من صميم الدين الحنيف.

عندما نُهاجر إلى أماكن نجهل قوانينها وتحدياتها فكأنما تمت دعوتنا إلى لعبة لا نعلم قواعدها، فالأجوبة التي تأتي متأخرة قد تكون مُرهقة وقد تكلفنا الكثير، وتَحمُّل ألم السؤال عندما يأتي باكراً، أفضل بكثير من تَحمُّل ألم الجواب عندما يأتي مُتأخراً، فلا ينبغي أن يكون صدرنا ضيقاً لكثرة الأسئلة، إنما يجب أن يكون ضيقاً لقلة الأجوبة، وهنا تكمن المرونة لحياة أكثر منطقية.

طرح الأسئلة بهذه الطريقة ليس لتصعيب الحياة، إنما لخلق مساحات جديدة من التفكير، فالأسئلة تجعل العقل يخرج عن نطاقه اللحظي المحدود والذي يعمل أوتوماتيكياً حتى وهو نائم إلى نطاق أكثر اتساعاً وانتباهاً ويقظة، فإن لم يكن لدينا القدرة على إجابة تلك التساؤلات التي ذكرناها آنفاً، فقد يكون أجدر بنا تصحيح مسارنا بدلاً من الاستمرار في طريق خاطئ. السؤال دائماً يخلق مجالاً للحوار مع الآخرين ومع أنفسنا، بدلاً من الصمت المستمر الذي يقتل التفكير الحر أو الإبداعي، فالأسئلة الكثيرة تجعلنا نتعرض لأجوبة كثيرة ومختلفة وقد تكون متعارضة فيما بينها، وهنا يأتي دور المرونة المنطقية للتوفيق بين كل تلك الإجابات والحصول على أفضلها لذلك المكان والزمان.

رأيان حول “هل تستحق الحياة أن نكون إيجابيين؟”

  1. I totally agree with you Hussein, it is not good to ignore negative behaviors because you are positive , you have to face some tough situations sometime but with courage in our sick society, I consider myself as a positive and calm person, but I am suffering sometime with weird people .
    All the best my friend
    Rami

    رد

أضف تعليق