هل تساءل أحداً يوماً، ما هذا الشيء الذي نحمله فوق أكتافنا؟ ما قميته وماهيته؟ وهل نتعامل معه بشكل جيد فنملئه بما هو مفيد ونعمل على صيانته من الأوبئة؟ أم أننا مازلنا لا نعلم قيمته؟ ولماذا وضعه الله سبحانه وتعالى في أعلى منطقة في الجسد؟ لماذا لم يكن في المنتصف أو ما دون ذلك؟ ألا يعني هذا لنا شيئاً؟ كما يُقال: « من كان في الأعلى لا يرى إلاَّ ما هو في مستواها »، ألا يعني هذا أننا يجب أن نترفع في إستخدامه عن الدونيَّات؟ لماذا يُضطر الإنسان لحمل شيء رفيع مثل العقل دون الإستفادة منه؟ فطالما كان العقل ومازال أساس الحضارة البشرية وإنطلاقتها، ألم يُعرف الله بالعقل؟ ألم يُعرف الخطأ والصواب بالعقل أيضاً؟ مادمنا ندرك كل ذلك … لماذا إذن لا نُحسن إستخدامة؟
بداية عزيزي القارئ أود الإشارة إلى أنَّ استخدام العقل يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه لاستخدامه من جهة، والتدريب اليومي على استخدامه من جهة أخرى، حاله حال باقي أعضاء الجسد، كما يمكنك استخدامه في الخير أو في الشر، ويمكن كذلك اختيار عدم استخدامه البتة، وإغلاقه والإنجراف وراء أحد ما يُفكر عنك، الغريب في الموضوع أننا نقول للذين استغنوا عن التفكير أنهم قد أراحوا أنفسهم من هذه المهمة، وأوكلوا غيرهم ليُفكروا نيابة عنهم، والحقيقة أنهم قد أرهقوا أنفسهم بهذا الإستغناء، وجعلوا حياتهم صعبة للغاية، بل أنهم عصوا الله سبحانه وتعالى معصية كبيرة، فقد أمرنا الله عز وجل في صريح القرآن الكريم باستخدام عقولنا فقال سبحانه في أكثر من موقع: { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } من الآية 50 سورة الأنعام، { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } من الآية 82 سورة النساء، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } من الآية 44 سورة البقرة، { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } من الآية 78 سورة هود، كلها مصطلحات تحث على التفكير والتدبر واستخدام العقل، فمن دون هذه المهمة تنعدم الحياة وتفقد قيمتها، ويصبح حالنا حال الدواب، نحتاج إلى من يرعانا ويُطعمنا ويسقينا بل ويحيمنا.
فلسفة غريبة خطرت لي … لا أدري لماذا، ولكني أتساءل …. ألسنا كذلك؟ نحتاج إلى من يُفكر عنَّا ويخترع لنا، ويصنع لنا ما نركب وما نأكل وما نشرب … بل ويحمينا إذا اعتدى علينا أحد؟ لماذا قامت الولايات المتحدة بتحرير الكويت من الغزو العراقي؟ … لماذا لم يقم العرب بذلك؟ ألم يقل الله في مُحكم التنزيل: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } من الآية 9 سورة الحجرات؟ هل قد وصلنا فعلاً إلى هذه الدرجة التي أصبحنا فيها عازجين عن إدارة أمورنا بأنفسنا؟ هل الولايات المتحدة هي ولية أمرنا فعلاً؟ إذاً هنالك مشكلة … بل معضلة كبيرة سببها الإستغناء عن العقل!
العقل ليس هو المتهم بل من يحمله، العقل نعمه عظيمة فتنت الكثيرين من البشر حتى أصبحوا يعبدون العقل، ففي نهاية القرون الوسطى تحرر الأوروبيين من الكنسية ولاهوتها اللاعقلاني، وجعلوا العقل هو الحكم الوحيد، وكان مبدأهم هو أنَّ العقل كل شيء وما عداه فوهم وخرافة، فخرجت أوروبا الحديثة التي تؤمن بالعلم فقط، والعلم غذاء العقل، إذ أنَّ العقل لا يتسنى له العمل دون العلم، فما هي قنوات العقل التي تستقبل العلم؟
قنوات الإستقبال لدى العقل خمسة: العين والأذن والأنف والفم واليد، فهو يتغذي من خلال هذه الحواس، فلو زودنا العقل بما يلزمه من الوقود النقي الخالي من الشوائب من خلال هذه القنوات، سينطلق بسرعة هائلة ليخترع ويُبدع، فلا تنتظر من العقل أن يعمل دون تغذية هذه القنوات، فهو يحتاج إلى العلم حتى يبدأ بالعمل، كما يحتاج أيضاً تَعلُّم كيفية إستخدام العلم وترجمته إلى عمل، فالعلم دون فهم آليات استخدامه لا ينفع!
دعني أُخمِّن عزيزي القارئ من أنك على دارية تامة لما ذكرته آنفاً، ولعلك لم تسمعه بهذه لطريقة التي من الممكن أن تغير نظرتك إلى العقل وتبدأ فعلاً بالتعامل معه بشكل مختلف، ففي كثير من الأحيان يجهل الإنسان حقائق بسطية، ولكنها مهمة لتغير حياته ومجتمعه، أنظر عزيزي القارئ إلى حضارة اليابان الشرقية، وحضارة أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وستعلم أني مُحق فيما أقول، كل ما قاموا به أنهم أَعمَـلوا عقولهم واحترموها، ثم غذُّوها بالعلم، ثم تعلموا كيفية ترجمة العلم إلى عمل، وماذا كانت النتيجة … حكموا العالم، وأصبحنا نحن العرب لا يمكننا الإستغناء عنهم ولا عن خيرات عقولهم.
أنصحك عزيزي القارئ بأن لا تسلِّم عقلك لأحد، فتسليمه يعني تحجيمه والإستغناء عن قدرته المهولة، ففلسفة العقل شيقة لمن تدبَّرها، تعلم الإستفادة منه بتنشيطه وتغذيته بالعلم النافع، ولا ترضى على النفسك أن تكون مجرد رقم في السجل المدني.
ختاماً أنهي مقالتي بأبيات جميلة من بلاغة لغتنا العربية، والحقيقة أني حاولت أن أعثر على قائلها ولم أوفق، فهي عبارة عن مناظرة بين العقل والعلم:
عِلمُ العليم وعقل العاقل اختلفا، من ذا الذي منهما أحرز الشرفا
فالعلـم قال أنا أحـرزت غايتـه، والعقـل قال أنا الرحمـن بـي عُرفا
فأفـصـح العـلـم إفـصـاحاً وقـال لـه، بأيـنـا الله فـي قـرآنـه إتـصـفا
فبان للعقـل أن العلـم سيده، فقـبَّـل العقـل رأس العلـم وانصرفا
أختي الكريمة ريم، سلام الله عليكي.
العاطفة العربية هي سبب كل الأزمات والنكبات التي نعيشها اليوم، إذ أن العاطفة العربية غير لا يمكن إحكامها بالعقل، وهنا تكمن المشكلة.
أنا أرى أن الإنسان الذي يتمتع بالموهبة الحسنة ويعي مدى المشكلة التي تعانيها أمتنا اليوم … قادر بلا ريب على تحسين أدآء حياته وأن يُصبح مؤثراً بشكل إيجابي في مجتمعه، سواء كان في بيته لم ينفصل عن أسرته بعد، أو كان منفصلاً.
إن كنت مازلتي في بيت أهلك لم ترتبطي بفتى الأحلام، كل ما عليك فعله هو صنع عالم خاص بكي وإجتناب كل العوامل والمؤثرات السلبية حتى وإن كانت من أقرب الأقرباء، وكوني حذرة في إرتباطكي بزوج المستقبل لأنه سيكون النور الوحيد الذي ستري من خلاله العالم الإيجابي الحقيقي والذي سيعينك على بدأ حياة جديدة كلها أمل ونشاط وإنتاج.
الخلاصة أننا كلنا قادرين على التغيير، فلنحسن إختيارنا للتغيير لأننا سنتحمل مسؤولية هذا التغيير، وسيحاسبنا أبناؤنا والتاريخ على هذا الإختيار، كما سيحاسبنا الله على ذلك.
كل التوفيق.
النقطتين التي أشرت إليها أخي وهي ” توجيه العقل وتدريبه يومياً ” هي فعلاً الحل الصحيح لإعمال العقل، المشكلة تكمن في عاطفة الإنسان، والتي كثيييراً كثيييراً ما يستسلم الفرد لها من خلال الإحباط، والذي قد يصل أثره لاتخاذ القرار بإيقاف عمل العقل في أي اتجاه يتسبب بهذه المشاعر السلبية!!
مع هذا الكم من الإحباطات، سيكون من الصعب على الكثيرين الاستمرار، خصوصاً من نشأ في بيئة لا تدعم الإبداع ولا إعمال العقل سواء كانت هذه البيئة أسرية أو عملية أو على مستوى المجتمع، فما هي نصيحتك، خصوصاً لمن لا يملك تغيير بيئته؟
أنا متأكد يا عزيزي لؤي أنك ذقت هذه الخصوبة أثناء وجودك في كندا وعملك في منشأة محترفة مثل IBM لمدة طويلة.
ولكني أفكر مليَّاً إن كانت الهجرة هي الحل فعلاً لمشكلات شعوبنا العربية، لماذا يُضطر المسلم إلى كل هذا في حين أنَّ الهجرة حلاً مؤقتاً؟
لعل من أحد الحلول العملية الواقعية هو وصولنا إلى طبقة الإدارة لنتمكن من التحسين الأداء، وإنشاء منشئات خاصة بنا وأعمال حرة لنتمكن من ذلك بالفعل، فالوظيفة مع منصب صغير لن تفي بالغرض أبداً.
من الأمور التي تساعد العقل على الابداع هو ايجاد الأرض الخصبة له. للأسف نرى الكثير من أبناء أمتنا الحاصلين على شهادة الدكتوراة يتركون بلادهم ويهاجرون الى بلاد الغرب لوجود الأرض الخصبة لاعمال عقولهم. ماذا لو أتيحت لهم فرص مثيلة في بلادهم وحظوا بنفس التقدير والدعم! والغرب يعلم قيمة هذه الموارد البشرية التي تأتي لهم بحلتها الزهية وهي جاهزة ومتعطشة للعطاء. أسأل الله أن يجعل بلاد المسلمين أرضا خصبة لاعمال العقول السليمة وباذنه تعالى أن نجني أحسن الثمار منها.