بينما كنت أقلب صفحات النكبة لاسترجاع ما أهدره ( الصهيوعربيون ) و ( المسلمون الكاثوليك )، وقعت على فيديو لمتحدث جيش الدفاع الإسرائيلي « أفيخاي أدرعي » يُهنيء فيه أقرانه الصهاينة بمناسبة مرور 66 عاماً على إغتصاب فلسطين وتأسيس إسرائيل .. الكيان الأعظم عنصرية وفاشية في العالم، والذي دعا الله فيه أن يحفظ إسرائيل أبية وسيدة !!
رغم الغصَّة العميقة التي شعرت بها .. إلاَّ أني لم أستغرب تربع إسرائيل على عرش السيادة للعام الـ 66 على التوالي، إذ كيف لإسرائيل ألاَّ تكون سيدة وقد أنجزت كل هذه الإنجازات التاريخية في المنطقة والعالم؟!
ماذا أنجزت إسرائيل؟
- أتوا بحكام عرب .. أقل ما يُقال فيهم أنهم أعظم قوَّادين عرفهم التاريخ .. بل لم يشهد لهم مثيلاً على الإطلاق !! يتناوبون على حمل راية الدياثة وتوريثها لخلفائهم وشعوبهم، حتى آتت أُكُلها في حكومات بلا أخلاق وشعوب بلا وعي، إذ كيف بالرجل لا يكون قوَّاداً .. وقد هتُك ستره في وسط بيته .. واغتُصب شرفه أمام عينه .. فيغفر للمجرم ويصفح على ملَّة مانديلا، ويتوسل بعد ذلك إلى المُغتَصِب بأن يُخفف وطئته للضحية؟!
- أخلَّت بموازين الفِهم لدى المسلمين، يثورون في كل مكان فداءاً للأقصى وحَجَره .. ولا يثورون لسفك دماء إخوتهم من المسلمين، نعم .. لا نقبل باستباحة مقدساتنا أو تدنيسها، ولكنها لم ولن تكون أهم من أرواح المسلمين، هكذا علَّمنا سيد المرسلين ﷺ الذي قال للكعبة أن المسلم أعظم حرمة منها، والكعبة أغلى وأشرف من الأقصى، ودماء المسلمين في فلسطين أغلى عند الله من الكعبة المشرفة.
- كرَّست الهزيمة النفسية في وجدان المسلمين، فقَلما تجد من يؤمن بفكرة النصر، حتى باتت جموع غفيرة – مثقفة – تُردد فكرة الإستسلام للأمر الواقع، ودائماً ما يقولون على الملأ وبكل وقاحة: ( ماذا عسانا أن نفعل؟ لقد استنفذنا كل شيء وليس باليد حيلة !! ) حتى صدَّق الناس أنهم قد استنفذوا كل السُبل لتحرير فلسطين، والله يعلم أنهم لم يُعِدُّوا العُدَّة ولم يقوموا بشيء على الإطلاق !! لا من عِلم أو إيمان أو فِهم أو وحدة أو مال أو سلاح، فكيف بهم لو أعدوا العدة فعلاً .. هل سترى لإسرائيل بقية؟
- تطبيع مُهين لا ترضى به الكلاب الضالة، حتى امتلأت أسواق العرب والمسلمين بالصناعات الإسرائيلية، كما امتلأت تل أبيب بسفراء العرب يطرقون كؤوس الخيانة في وزارة الخارجية الإسرائيلية وهم يَقسِمون يمين السمع والطاعة أمام المُغتصب .. مُعاهدين بألاَّ يتحرك من أرضهم ما يُهدد أمن إسرائيل، وإذا أراد المسؤولون العرب السخرية من عقول شعوبهم أكثر .. قالوا لهم أنهم يتواصلون مع إسرائيل ويبعثون سفراءَهم من أجل مساعدة أهل فلسطين ليوفروا لهم الطعام والماء والدواء والمستشفيات الميدانية وقت القصف، بينما يرفض هؤلاء المسؤولون استقبال لاجئ فلسطيني واحد على أرضهم !! بالله عليكم .. أي سخف هذا الذي نعيشه كل يوم؟؟ كيف يمكن لإسرائيل أن تزول ونحن من نمدها بأكسجين البقاء؟!
- عزلوا أهل فلسطين عن الأمة العربية والإسلامية حتى أظهروا لنا صهيوعرب يُصرِّحون بكل وقاحة أنَّ قضية فلسطين شأن خاص بأهل فلسطين وليس للعرب طاقة بحملها، كما أنهم فقدوا أدنى ذرة شرف في تبني رأي لصالح فلسطين حتى أصبحوا يؤيدون إسرائيل جهاراً نهاراً في حقها في الرد على حركة حماس وقتل المسلمين في غزة !!
- أجبر الإسرائليون الصهيوعرب على التبرِّي من آيات القرآن الكريم التي تَنبُذ مُجرمي بني إسرائيل، حتى ألغوها من المناهج الدراسية ليُخرجوا لنا جيلاً مَسخاً مُخنثاً فاقد الهوية، لا يفقه حقاً ولا يحمل سلاحاً .. وبالتالي لا مواجهة .. والمزيد من السيادة لإسرائيل.
- عزلوا أهل الضفة الغربية عن أهل غزة وجعلوهم جماعات مُتناحرة، كما عزلوا عرب الداخل – أو ما يُسمى بعرب الـ 48 – عن بقية فلسطين، وعملوا على تهويدهم بالقوة، حتى استسلم البعض لهذه الضغوط وباتوا كمدجَّني الأندلس.
- أرهبوا العالم من خلال سنّ قوانين تُجرِّم التعرض لليهود ولو حتى باللسان بحجة معاداة السامية، مع العلم أنَّ السامية تعود إلى سام بن نوح عليه السلام الذي خرج أيضاً من نسله العرب وفقاً لما أخبرنا به رسول الله ﷺ (( سامٌ أبو العرَب، ويافِثُ أبو الروم، وحامٌ أبو الحبَش )) سنن الترمذي 3931. منذ فترة وجيزة كنت في محل بيع جوالات في مدينة تورونتو في كندا، وسألني البائع الكندي ذو الأصول الصينية عن جذوري، فقلت له أنَّ جذوري تعود إلى فلسطين المحتلة، فقاطعني وقال لي بصوت منخفض لا يسمعه غيرنا: ( أنا أعلم كل شيء عن فلسطين، وأنا وجماعتي الكنديين من الجذور الصينية .. جميعنا ضد إسرائيل ونؤيد حق العرب في فلسطين )، فتبسمت وسألته مستغرباً عن سبب خفض صوته إلى هذا الحد؟ فقال لي: ( حتى لا يسمعنا أحد ! )، فسألته عن السبب؟ فقال لي: ( حتى لا نُعرِّض أنفسنا لأي مشاكل )، فزاد استغرابي .. وسألته عن حرية التعبير في كندا .. فقال لي: ( عندما تتكلم عن اليهود .. إنسى حرية التعبير !! ).
المزيد من السيادة لإسرائيل
في المرحلة الحالية إسرائيل تسعى بكل ما أوتيت من قوة على إجبار العالم بما فيهم العرب الإعتراف بيهوديتها، فماذا يعني أن يعترف العالم بإسرائيل دولة يهودية؟
- الوقوف أمام الرأي العام الحر العالمي الذي ينتقد إسرائيل، فبعد الإعتراف بأنها دولة يهودية هذا يعني أنَّ النقد أصبح موجهاً للديانة اليهودية وبالتالي هذا يعني معادة السامية، فكما هو معلوم أنها أصبحت جريمة يعاقب عليها القانون الغربي، والصهيوعرب على الطريق لتبني مثل هذه القوانين الحمقى !!
- اليهود أدركوا أن حل الدولتين غير ممكن وقد فشل فشلاً ذريعاً، فلم يجدوا غير إجبار الفلسطينيين والعالم على الإعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وهذا الإعتراف سيمنع أي فرصة لطرح حلول مستقبلية بديلة كحل دولة ديموقراطية واحدة على غرار بريطانيا وكندا تجمع الهويتين العربية والإسرائيلية تحت قبة برلمان واحد، الأمر الذي سيجعل اليهود أقلية في مثل هذه الدولة الحرة، فالإعتراف بإسرائيل دولة يهودية دينية سيمنع أي طرح مستقبلي من هذا القبيل.
- دولة يهودية تعني إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى الأبد، فهم ليسوا يهوداً وبالتالي لا يمكنهم أن يعودوا إليها، كما سيعني ترحيل عرب الداخل الذين سيفقدوا حقهم في المواطنة هناك، ولابد من ترحيلهم خارج حدود دولة الإحتلال عاجلاً أم آجلاً.
فلسطين قضية محورية، والإحتلال الجاثم فيها لا يُشكل خطراً فقط على فلسطين .. بل تعدى حدودها ليُصيب المنطقة بأسرها في مقتل وتناحر غير مسبوق، والمشكلة أنَّ الجميع – عرباً وعجماً – قد تخلوا عن فلسطين وحقها في الحرية، فكل من يتدخل في القضية فهو في الحقيقة يتدخل لصالح إسرائيل وليس فلسطين !!
شئنا أم أبينا، ستبقى فلسطين الرقم الأصعب في المنطقة تتنقل من وهم إلى وهم، حتى باتت دولة الإعترافات الوهمية التي ملَّت أمتها منها ومن نزاعاتها الداخلية على السلطة، وأعداء فلسطين أكثر وأكبر من إسرائيل بكثير، والواقع والتاريخ يشهد بأنه لا يمكن لأهل فلسطين تحريرها بمفردهم .. هذا ضرب من الخيال، فلابد من تكاتف الأمة بأكلمها للتخلص من هذا السرطان العالمي المُسمَّى بإسرائيل، وكلما زاد عزل القضية عن أمتها كما هو الحال اليوم .. كلما أهدر المزيد من الحقوق التاريخية في فلسطين، إذ أصبح من الضرورة بمكان إعادة نبض القضية في وجدان الأمة من جديد من خلال إنشاء قيادة عربية جديدة تكسر إحتكار فتح وحماس لها، قيادة تجمع في داخلها قادة من جميع الأقطار العربية والإسلامية لرفع سقف المطالب والحقوق وحماية فلسطين التاريخية.
كل عام والنكبة في قلوبنا .. وبإذن الله باقون وعائدون .. ما بقي الزعتر والزيتون.