غروب العراق.. وما بعده

|

حسين يونس

في يوم الخميس الماضي، قضيت ثلاث ساعات أشاهد وثائقي ( خيانة صدام وأسرار الحرب ) الذي بثته قناة العربية في الذكرى العاشرة لسقوط بغداد الرشيد، وما إن إنتهيت .. حتى شعرت بغصة كبيرة في قلبي لما آلت إليه العراق الأبية وبوابة العرب الشرقية، ولا شك أن ما حلَّ بالعراق مصيبة كبيرة لم يُدركها العرب بعد، وما يُميز هذا الحدث الجَلَل أني لم أتلقاه عن طريق كتب التاريخ كما تلقيت مصائب العرب والمسلمين من ( سقوط الخلافة ١٩٢٤م ) و ( النكبة ١٩٤٨م ) و ( النكسة ١٩٦٧م ) .. وصمات عار كثيرة في سجل الأجداد أليمة كلما قرأتها، أما ( سقوط بغداد ٢٠٠٣م ) .. فهذا عارنا نحن .. عار الأحفاد، والعار الأكبر أن لا يتم التمييز بين قائد ظالم فاجر كصدام .. وبين أرض عربية مسلمة وشعب شقيق، فيختلط الحابل بالنابل لتضيع كرامة شعب في ظل عباءة طاغية، إذ كيف بالعرب يجتمعون على إضاعة العراق بحجة قيادته وتسليمه لُقمة سائغة لأعداء الله المجوس؟! مصيبة كبيرة أن يكون للعرب يد في ضياع كل قُطر عربي، ومصيبة أكبر أن لا يكون لهم يد في إرجاع أيٍّ منها، شاهت وجوه المنافقين .. واسود وجه من تبخر ماء وجهه.

ما أجرأنا على الفشل ..
ما أجرأنا على الهزيمة ..
ما أجرأنا على حمل العار ..
ما أوقحنا من أمة أضاعت قدْرها وتسولت النصر فلم يتصدق عليها أحد !

ثلاث ساعات استرجعت خلالها شريط أحداث تاريخ عشته لحظة بلحظة، وأذكر تماماً الهاتف الذي جاءني من زميلي في العمل يوم كنت أعمل في السعودية ليُخبرني بأن بغداد قد سقطت وأن الجيش الأمريكي قد رفع رايته وسط عاصمة هارون الرشيد، لن أنسى تلك اللحظات ما حييت، ولوهلة وأنا أتلقى الخبر .. شعرت أني لا أقوى على الوقوف .. وبدأت أتصبب عرقاً والخوف يدب في قلبي .. فسألت زميلي مباشرة: أين ذهب الجيش العراقي؟ أين المقاومة؟ سؤال لم أعثر له على إجابة بين ذهول وإنكار للواقع، وأنا أردد وأقول .. الجيش قادم .. لا محالة سيأتي .. لعله انسحب تكتيكياً لينقض خلال أيام على الأعداء فيجعلوا من بغداد قبراً لهم !! ولم أكن أدرك وقتها أنَّ تفاؤلي اللاواقعي كان ينطق من داخل قبر الهزيمة !

بينما كنت أراجع هذا الشريط المؤلم، تذكرت مقالة « غادة السمان » بعنوان ( أحمل عاري إلى لندن [١] ) والتي كتبتها في المطار وهي مهاجرة إلى بريطانيا إبَّان نكسة 1967م، وأكثر ما لفت نظري وشغل فكري في هذه المقالة أمران إثنان:

  1. أن الإنسان حتى لو هاجر إلى القمر .. لن يتمكن من أن يمحو عاراً أصابه أبداً، وستبقى لعنة هذا العار تلاحقه إلى قبره، وصدقت غادة في مقالها الذي كتبته منذ أكثر من 45 عاماً، فقد عشت مواقفاً مماثلة خلال هجراتي المتتالية، وكلما كان العلوج يهمزون ويلمزون عروبتي وإسلامي وضعفنا الغير المُبرر، كنت أتخفى في محاولة فاشلة خلف أبراج دبي الجميلة ومولاتها الخلابة كنوع من الإنتصار، كنت أخبرهم عن مصايف لبنان وجبال الأرز ورُخص وقود المركبات في السعودية .. لعلهم ينظرون إليَّ باحترام ويعطونني قيمة إجتماعية، ولكنها الهزيمة والإكتواء بنارها، علامات الكيِّ مطبوعة على جبيني ويراها الجميع ولن تفارقني.
  2. تقول غادة في المقالة نفسها: (الفجيعة الحقيقية هي في استمرار الأساليب التي قادت إلى الهزيمة ورفض إعادة النظر في أسلوب العمل، وأنه ليس بالشِعر وحده يُحارِب الإنسان). فإن لم يكن إعادة النظر من خلال نقد الذات وجلدها لإيجاد سبل التطوير .. فكيف يكون؟ يقززني دعاة الإيجابية العرب الذين يضعونها في غير موضعها، إيجابيتهم التي يدعون إليها زائفة .. فهي دعوة للتغاضي عن السلبيات وإهمالها – وكأنها ستصلح من تلقاء نفسها – والحق أن الإيجابية لا تكون إلاَّ من خلال نقد الذات بشكل موضوعي يفسح المجال لمعرفة الخلل وسبُل الإصلاح.

إنه من صنع أيدينا ولا أحد غيرنا ..
دولنا تضيع بخيانات وإحتلالات عسكرية ..
وأخرى تضيع بثورات وحروب أهلية ..
وبين ذاك وذاك .. تبقى وجوهنا سوداء وهزائمنا دهرية ..
لأننا لم نُدرك بعد قيمتنا الحقيقية ..
ولم نعي ونفهم أهمية رسالتنا السماوية ..
وفي ظل حمقى الديمقراطية وتجار الملة الإسلامية ..
لا يبقى لنا إلاَّ إطفاء مدننا العربية ساعة تضامنية ..
تعاطفاً مع الحجر .. تماماً كتعاطفنا مع الأقصى وإغفالنا لشلال الدماء الفلسطينية ..
إذ كان أولى بنا دس رؤوسنا في التراب ساعة .. حياءاً من الله على إزهاق الروح البشرية !!

السؤال الأهم لهذا القلم المتشائم – الواقعي – ذو الحِبر الأسود: هل بقي لنا من سبيل إلى حل؟

أقول وأعي ما أقول:
عندما يعيش البشر في مجال محكوم بسُنن وقوانين ..
خُطت من ذهب في كتاب مُبين ..
لمخلوق يسمع ويرى ويدرك ماهية اليقين ..
وقتها فقط .. ستولد الحلول وتكشف عن نفسها لنقول بعدها .. آهٍ .. كم كنا غافلين !!

كل التوفيق.


[١] المراجع: مقالة (أحمل عاري إلى لندن) صفحة ٧٥، من كتاب (الجسد حقيبة سفر) الأعمال الغير الكاملة ٢ لغادة السمان.

رأيان حول “غروب العراق.. وما بعده”

  1. اه يا حسين , و الله لقد اوجعتنى , عنوان المقاله نفسه سرحت فيه 10 دقائق و انا انظر اليه و كلمه ما بعده تتردد فى ذهنى بخوف من المستقبل, العراق و لا حول و لا قوة الا بالله
    هل نحن من ينطبق قول الله فينا اننا نخرب بيوتنا بأيدينا
    و الله اخشى اشد الخشيه من هذا و لكن للأسف ما اراه حولى يؤيد لى هذا القول, العراق و قد ذهب و هو البوابه الشرقيه
    فمن التالى
    المشكله ان كل واحد بيعمل مع الاعداء كى لا يعمل مع اخيه المختلف عنه فى فكره او مذهب حياتى و ليس دينى
    و اعلام يغذى النار و يزيدها اشتعالا
    ما يحدث الان هو عملية غسيل مخ للمصريين و من بعدهم العرب قاطبه
    كنت اتكلم مع مديرى عن المجاهدين فى سبيل الله (بمناسبه انه رأى صورة ايمن الظواهرى فقال رأيت شخص على وجهه غضب الله – فبينت له انه من الاساس كان طبيب بشرى و ذهب الى افغانستان للجهاد)
    و ذكرت له ان هناك ناس تركوا ملذات كثيره و ذهبوا للجهاد فى افغانستان و الشيشان و منهم الاغنياء كبن لادن و خطاب و غيرهم

    فكان الرد و ايه اللى كان فى افغانستان علشان يروحوا
    و لما هما جدعان كده مارحوش فلسطين ليه
    دول جماعه مخبوله 🙁

    الغسيل لا يأتى مرة واحده و لكنه يأتى بدرجات و بحرفيه شيطانيه

    ربنا يستر و يجعل هناك من يقاوم و يقف امام هذا المد
    —————–
    بمناسبه الهجره الى كندا
    كنت فى موقع الهجرة الكندى http://www.cic.gc.ca/english/index-can.asp
    عملت اختبار مدى ملائمتى للهجره
    و لاحظت انهم كذا مرة سألوا عن امكانيه انى احضر للحصول على farm و ادارته و توقعت ان تلك النقطه تعطى افضليه للمهاجر
    و لكنهم لم يكتبوا ما هى التكاليف التى يجب ان تكون متوافره معى لعمل هذا الاستثمار , احسه اسهل الطرق للهجره

    جزاك الله خيرا

    رد
    • الله المستعان أخي محمد .. وعليه التكلان، بلا شك أن آخر الزمان .. زمان تلبيس ٳبليس .. زمان ٳزهاق الحق وٳحقاق الباطل .. زمان الحمقى والرويبضة .. ٳنه زمان غضب الله وضلال المسلمين .. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.

      أما بالنسبة لسؤالك عن الهجرة، للأسف أني لا أملك إجابة له بسبب إنقطاعي عن أخبار الهجرة ومستحدثاتها منذ أن حططت رحالي في كندا وحصلت على الإقامة الدائمة، لكني علمت أن الكثير من القوانين قد تغيرت ولا أملك تفاصيل كثيرة مع الأسف، وكل ما عليك فعله هو متابعة نفس الموقع الذي أرفقته في التعليق لأنه الموقع الرسمي لشؤون الهجرة الخاصة بالدولة الكندية وكل التفاصيل ستجدها هناك، ولكن ستحتاج منك إلى إنفاق وقت في البحث والقراءة للتتمكن من الإحاطة بأمور الهجرة.

      شاكر لك مرورك، كل التوفيق

      رد

أضف تعليق