ثقافة السعادة

|

حسين يونس

على الرغم من اشتياقي كثيراً للكتابة التي انشغلت عنها بسبب عملي، إلاَّ أني أيضاً أصبحت أميل إلى الكتابة القصيرة المختصرة التي يمكن من خلالها إيصال الفكرة على مبدأ (ما قلَّ ودلَّ)، وفي بالي الكثير لأكتبه عن السعادة وثقافتها التي نبحث عنها جميعاً، خصوصاً تلك المقرونة بالسفر وتغيير المكان، إلاَّ أني آثرت اختصار المقال قدر المستطاع حتى لا أطيل كي تبقوا في سعادة خلال القراءة.

دعوني أخبركم كم هو جميل أن يسافر الإنسان بعيداً عن حياته التي تعب في صناعتها واعتاد عليها، لكن الأجمل أن يسافر بعيداً من دون التخلي عنها، ففي السفر يحدث التغيير الذي نحتاجه بعيداً عن الروتين اليومي، حتى وإن كان مصحوباً بإرهاق وتعب وحسرة في بعض الأحيان، إلاَّ أنه يعود علينا بالكثير من الفوائد، كتقدير النِعَم التي ألفناها وفقدت قيمتها في نظرنا، وتجربة أمور جديدة والاطلاع على ثقافات أخرى، والأهم.. أن نعيش في خانة المجهول لا يعرفنا أحد، لا صديق، ولا جار، ولا مدير، ولا غفير، ذلك الشعور الذي يهب النفس راحة ولحظات استرخاء قد لا تتكرر إلاَّ في السفر.

لكن يجب الانتباه أيضاً أنَّ السفر إلى بعض البلدان قد يأتي معه نوع من الحسرة لحظة الفراق، فقد يتمنَّى الشخص لو أنه جزء من ذلك المكان بعيداً عن مكانه الأصلي، ولا يدري أنَّ العشب دائماً شديد الاخضرار على الجانب الآخر من السياج.. إلى أن يسكن ذلك الجانب ويُصبح وطناً، فيبهت خضاره رويداً رويداً حتى يُصبح قاحلاً بسبب الألفة!

وقد تأتي الحسرة اعتقاداً منا أننا وجدنا أنفسنا التائهة في ذلك المكان، وأنه المكان الصحيح الذي يجب علينا التواجد فيه، وقد نكون مُخطئين في ذلك الاعتقاد أيَّما خطأ.

الأجمل من السفر نفسه هو الاتزان في لحظته، الأمر الذي يجعلنا نستمتع فيه كثيراً، فلا يُشتت الانتباه عن مُتعة اللحظة سوى كثرة التَّمني، ولا يُنغِّص عيش المرء ويُكدِّره سوى الشعور بأنَّ ذلك المكان المؤقت أفضل من الأمكنة التي ينتمي إليها.

أولى بنا أن نخلق في بلداننا الأصلية أو التي نُقيم فيها بشكل دائم كل شيء جميل شاهدناه خلال سفرنا وترحالنا، ذلك قد يكون الشيء الوحيد الذي يجعل للسفر قيمة في حياتنا، وإلاَّ.. سيبقى شعور الهروب من واقعنا اليومي هو الشعور الوحيد الذي يرافقنا طيلة حياتنا ولن يزيدنا إلاَّ بؤساً وضنكاً.

المعادلة باختصار.. إن لم تكن قادراً على خلق السعادة في المكان الذي تنتمي إليه، فلن تكون قادراً على خلقها في أي مكان آخر تذهب إليه، فإن كنت تبحث عنها خارجك وفي مَن هم حولك.. فلن تجدها أبداً، فالعشب ليس أكثر خُضرة على الجانب الآخر من السياج، إنما هو أكثر خُضرة حيث تسقيه!

كل شيء يبدأ من الداخل، فابدأ بنفسك، حاول أن تسقيها بماء نظيف، طوِّرها، اعمل على تنقيتها، نقِّي بيئتك، غيِّر علاقتك، غيِّر عملك، تعلَّم شيئاً جديداً، اخلق مجتمعاً صحيَّاً في بيتك ومن حولك، وبعدها.. ستصبح السعادة دائمة ترافقك أينما ذهبت.

رأي واحد حول “ثقافة السعادة”

أضف تعليق