في مقال الأسبوع الماضي (لماذا نفشل؟) تطرقت إلى قضية مهمة جداً فيما يخص مهارات إدارية تسهل النجاح وتنأى بصاحبها عن الفشل، مثل إدارة التوقعات والمخاطر، مع إجتناب الفكر الوهمي الذي يروج له «تجَّار الإيجابية» الذين يحولون بين الإنسان والواقع من خلال إغراقه في عالم من الأوهام تعود عليه بأمراض نفسية كالإكتئاب السريري وغيره من المدمرات النفسية المستعصية إذا لم يتم تداركها في وقت مُبكِّر.
والآن يريد بعض المجتهدين من المتابعين البدء في تنفيذ ما ذكرته لهم، فتساءلت سيدة تنوي الهجرة إلى كندا عن كيفية إدارة التوقعات والمخاطر لبلد لم تزره من قبل ولا تعرف عنه أي شيء، والجواب يبدأ من خلال تحديد الأمور التي لا يمكنك الإستقرار من دونها في كندا، ولنأخذ العمل مثالاً على ذلك، ولنتبع الخطوات التالية:
١) إبحث عن أجوبة لكل الأسئلة التي لا تملك لها جواباً:
في كندا لا توجد معلومة خفية، فالمواقع الرسمية الموجودة على الإنترنت تمنحك كل ما تريد من معلومات بالمجان ومن دون مقابل، كل ما عليك فعله هو الإستفادة من محركات البحث على الإنترنت وتحصيل أكبر قدر من المعلومات، فلو كنت طبيباً وتريد البحث عن كيفية معادلة شهادتك الجامعية لفهم إجراءات الحصول على رخصة مزاولة المهنة، سيمكنك ذلك بكل يسر وسهولة، ولكن مع الأسف الشديد الكثير لا يرغبون في بذل جهد كافي في عملية البحث وتحصيل المعلومة، ويكتفون فقط بطرح الأسئلة، والأصل هو البحث بقوة وبعمق وبشكل يومي إلى أن تحصل على المعلومة الصحيحة والشاملة، والبحث في الإنترنت قد يكون من خلال الصيغة التالية:
- المدن والمقاطعات التي يوجد لديها وظائف شاغرة لمهنة الطب.
- أفضل المقاطعات التي تسهل معادلة الشهادة مقارنة مع غيرها.
- المقاطعات التي إقتصادها أفضل من غيرها.
- التحديات التي تواجه مهنة الطب.
- وهكذا.
٢) خفِّض من توقعاتك لتصبح واقعية، ولا تجعلها عالية كي لا تصبح وهمية:
تخفيض التوقعات خصوصاً لبلد نجهله ولا نعلم عنه شيء، سيساعدك في الإستعداد لأسوأ الإحتمالات وكيفية التعامل معها لو حدثت، أما لو كانت توقعاتك عالية، فستصبح قدرتك على تخيل حدوث الإحتمالات السيئة صعبة، وإذا حدثت ستحط من عزيمتك لأنك لم تكن تعلم عنها ولست جاهزاً للتعامل معها، وهذا ليس تشاؤماً إنما واقعية.
٣) إسأل نفسك، ماذا عساي أن أفعل إن لم أجد عمل؟
الحلول التي يمكنك اللجوء إليها قد تختلف من شخص إلى آخر حسب قدراته والإمكانيات المتاحة له، ونذكر منها:
- إدخار قدر من المال قبل قدومك إلى كندا يكفيك لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
- الإحتفاظ بمهنتك في بلدك الأم – إن أمكن – من خلال التقديم على إجازة طويلة من دون راتب.
- العمل في المهن التي تندرج تحت ما يُسمَّى «وظائف للبقاء على قيد الحياة – Survival Jobs» وهي مهن متواجدة فوراً للمهاجرين مثل المقاهي والمولات التجارية وغيرها.
- وهكذا.
٤) إبحث عن الأسباب التي يمكن أن تعيقك عن إيجاد عمل:
غالباً ما تكون الأسباب التالية هي العائق، وأيضاً ستختلف تلك العوائق من شخص لآخر ومن مقاطعة لأخرى، ونذكر منها:
- ضعف اللغة الإنجليزية.
- إنعدام الخبرة الكندية
- الإحتياج إلى معادلة الشهادة الجامعية.
- الجهل في ثقافة البلاد.
- إنعدام العلاقات المهنية.
- ضعف مهارات التواصل مع البشر.
- ضعف الإقتصاد في المقاطعة أو المدينة التي انتقلت إليها.
- قد يكون تخصصك أصلاً غير مطلوب في كندا ولا يأتي بالمال، فستحتاج إما أن تترك البلد لممارسة ما تحب، أو أن تأخذ قراراً مصيرياً بتغيير تخصصك لآخر مطلوب، وهذا قد يكون أصعب ما يمكن أن تواجهه في كندا.
- وهكذا.
٥) خطط لتجاوز الموانع التي أعاقتك عن إيجاد عمل:
لو تمكنت من إنجاز النقاط السابقة بالتفصيل، فسيمكنك التخطيط لتجاوز أزمة البحث عن عمل بنجاح مؤكد، وكل ما عليك فعله هو أخد كل عائق على حدة والعمل على توفير حلول عملية له، كما سيمكنك الوصول إلى حلول جيدة من خلال البحث على الإنترنت، كالبحث مثلاً عن:
- أسهل طريقة للحصول على الخبرة الكندية في مجال تخصصك.
- طرق معادلة الشهادة الجامعية.
- كيفية بناء العلاقات المهنية في كندا.
- أفضل الأعمال المطلوبة في كندا.
- وهكذا.
بهذه الطريقة، سيمكنك الحصول على خطة عملية وواقعية لإدارة التوقعات والمخاطر، من روح الواقع ومن دون تشاؤم أو إيجابية زائفة، فأصل الإيجابية الحقيقية يتلخص في المقولة الغربية التالية:
(Hope for the Best, and Be Prepared for the Worst)
(تمنَّى الأفضل، وجهِّز نفسك للأسوأ)
وقد أثار متابع آخر نقطة مهمة وتساءل قائلاً أنه في بعض الأحيان، قد يغرق مجموعة من الناس في بحر من اليأس والسلبية، فهل ينفع وجود جرعات من الإيجابية حتى وإن كانت مجرد جرعات وهمية؟
والجواب أنه لولا تلك الجرعات الوهمية من الإيجابية الزائفة، لما وصل الحال بالبعض إلى ذلك اليأس وتلك السلبية أصلاً، فممارسة الوهم لا يأتي سوى بالوهم، والجرعات الوهمية قد تفيد على المدى القصير، ولكن أثرها سلبي جداً على المدى البعيد، وهذا ما أثبته العلم اليوم، فالوهم سيبقى وهماً وضرره أكبر من نفعه.
كم هو جميل وراقي أن ينظر المرء ويتطلع لرقي مجتمعه وذلك بأن لا يبخل بتقديم خبراته وتجاربه لأفراد مجتمعه .. وللعلم أن هذه المشاركات والحوار البناء يعود بمكاسب جمى وخبرات عديده اخرى ومنوعه للجميع … موضوع مهم جدا وشيق عزيزي حسين وهو من صميم حياتنا ولك الأجر إن شاء الله …
احسنت اخي حسين،، كلامك واقعي و منطقي.