في الأول من يوليو (تموز) الحالي، خرج رئيس وزراء كندا « جاستين ترودو » ليُهنيء شعبه الحر باليوم الوطني في كلمة مقتضبة عكست مدى الحضارة الإجتماعية التي وصلت لها البلاد، وأكد فيها على أهمية هذه المناسبة التي أصبحت الفدرالية الكندية فيها دولة واحدة متماسكة. وقمت من خلال صفحتي على الفيسبوك بنشر رابط تلك الكلمة وعنونتها بـ (كلمة ولي أمرنا … أمير المؤمنين #جاستين_ترودو بمناسبة الذكرى ١٤٩ على تأسيس #كندا 🇨🇦)، وما كانت سوى دقائق … حتى انهالت عليَّ الإنتقادات والشتائم.
بعدها بأيام قليلة، خرج علينا نفس الرئيس ليُهنيء رعاياه المسلمين في كندا بمناسبة إنتهاء شهر رمضان الفضيل وحلول عيد الفطر المبارك، وقمت من خلال نفس الصفحة بنشر تلك الكلمة … ولكن هذه المرة عنونتها بـ (#جاستين_ترودو … ولي أمر #كندا … يُهنِّئ رعيته من #المسلمين المؤمنين بمناسبة عيد الفطر المبارك 🇨🇦)، لكن هذه المرة وعلى خلاف سابقتها، لم يأتني نقد واحد أو شتيمة، الأمر الذي قادني إلى إعادة النظر في كلا الموقفين وأسباب ردَّات الفعل المتفاوتة.
في الحقيقة إعادة النظر لم تكن لخطأ إرتكبته، فأنا مازلت أعتقد أني لم أكن مُخطئاً في شيء، ولكن في محاولة لفهم طريقة العقل العربي وما يؤثر فيه من أفكار ومعتقدات، فما هو ذلك الشيء الذي جعل البعض يثور في المنشور الأول خلاف المنشور الثاني؟ فالمنشور الأول جاءت فيه كلمة (أمير المؤمنين) صريحة بينما الثاني جاءت فيه ضمنية، وبين كلا المنشورين لا يوجد فرق في المعنى على الإطلاق.
ما خلصت إليه أنَّ المشكلة تكمن في المفاهيم والمصطلحات التي تؤثر على أفكارنا بشكل كبير خصوصاً الشرعية منها … أو ما نعتقد واهمين أنها شرعية، فالمشكلة لا تكمن في المفاهيم نفسها إنما في طريقة فهمنا لها، وهذه المشكلة تحولت اليوم إلى مُعضلة أفسدت علينا حياتنا وضيَّعت الكثير من الخير.
لو أخذنا مصطلح (أمير المؤمنين) مثالاً لتسليط الضوء على قضية التفكير والنظر إلى الأمور، لوجدنا أنَّ عدد مِن المسلمين ليس بالهين يعتقد بأنَّه مصطلح شرعي خاص بالأمير المسلم، وعندما نقول مصطلح شرعي فلابد من أن يكون له مرجعية شرعية من القرآن الكريم والسُنَّة النبويَّة، مثل مصطلح (رضي الله عنه)، فهو جملة خبرية تفيد الدعاء، وهو الطلب من الله سبحانه وتعالى أن يرضى عن الصحابة الكرام، كما أنه يجوز الدعاء وطلب الرضى من الله لكل مسلم حتى وإن لم يكن صحابياً، لقوله سبحانه { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } الآيات ٧ و ٨ من سورة البيِّنة.
الشاهد مما سبق أنَّ هنالك ألقاب لا يمكن إطلاقها إلاَّ على المسلمين بسبب مرجعيتها الشرعية الواضحة والتي تحوي في مضمونها دعاء بنيل رضى الله ودخول جنته وفقاً لمعتقد أهل السُنَّة والجماعة، وهذا خلاف لقب (أمير المؤمنين) والذي يُفيد الإخبار عن الحال ولا يُفيد الدعاء، كما أنه ليس جملة شرعية من نصوص الكتاب والسُنَّة، فقد كان إجتهاداً من الصحابة عندما تولَّى « عمر بن الخطاب » ولاية المسلمين بعد « عبدالله بن أبي قحافة » إذ قال عمر (كان أبو بكر يُقال له خليفة رسول الله ﷺ، فكيف يُقال لي خليفة خليفة رسول الله ﷺ … يطول هذا؟) فقال له « المغيرة بن شعبة » (أنت أميرنا ونحن المؤمنون … فأنت أمير المؤمنين)، قال عمر (فذاك إذاً).
لقب أمير المؤمنين ليس لقباً شرعياً، وأي زعيم في العالم لديه فئة من المسلمين في شعبه يرعى شوونهم ويوفر لهم الأمن والحماية وحرية الإعتقاد والعبادة يمكنه أن ينال هذا اللقب بجدارة، فهو أميرهم في بلده التي يحكمها مهما كان دينه أو ملته، فأنا لم أقل أنه يجوز لغير المسلم أن يكون أميراً عليهم في بلادهم الإسلامية، ولكن في بلده التي هاجر إليها المسلمون طوعاً، واليوم في كندا أصبح هناك مليون ونصف المليون مسلم تحت رعاية وليِّ أمرها.
من الجدير بالذكر أنَّ لقب (أمير المؤمنين) لا يحمل في معناه لقب (خليفة رسول الله ﷺ) الذي ناله حصراً « أبو بكر الصديق » رضي الله عنه، فلو كان الأمر كذلك لوقعنا في مشكلة أعوص … وهو إطلاق لقب (أمير المؤمنين) على مُجرمي الخلافة مِن بني أميَّة والعباس وعثمان، فمجرميهم لم يستحقوا لقب (خليفة رسول الله ﷺ) لا من قريب ولا من بعيد.
أنا متأكد تماماً مِن أنَّ الذين إنتقدوا إطلاقي لقب (أمير المؤمنين) على رئيس وزراء كندا كانت نيتهم طيبة، وحميتهم على الإسلام هي التي دفعتهم إلى ذلك، ورائع أن يكون للمسلمين غيرة على دينهم، ولكن الأروع أن تكون تلك الغيرة نابعة عن فهم ولشيء يستحق!
ألقاكم – بإذن الله – يوم السبت القادم ١٦ يوليو (تموز) في حوار مرئي مباشر عبر صفحتي على الفيسبوك لمناقشة فكرة المقال نقاشاً حضارياً وذلك في الأوقات التالية:
- توقيت البث المباشر: ١١:٠٠ الصباح (تورونتو) | ٤:٠٠ العصر (الرباط) | ٦:٠٠ المساء (مكة)
- رابط الصفحة: https://www.facebook.com/HusseinYounesWriter
*ملاحظة:
- التوقيت أعلاه هو التوقيت الجديد للقاء المرئي المباشر إبتداءاً من السبت القادم.
- سيتم تقصير اللقاء من (٩٠) إلى (٤٥) دقيقة، بحيث يتم شرح المقال في أول (٣٠) دقيقة، ومن ثم تلقي المشاركات والإجابة عليها في آخر (١٥) دقيقة.
تحديث: أشكر جميع المتابعين الكرام على إهتمامهم ومداخلاتهم وقت الحوار المباشر لمناقشة المقال أعلاه. يمكن مشاهدة تسجيل الحوار على الروابط التالية:
١) الفيسبوك: حوار مباشر على الفيسبوك (أمير مؤمني كندا)
٢) اليوتيوب:
اخ حسين ما قصدك في (وهو إطلاق لقب (أمير المؤمنين) على مُجرمي الخلافة مِن بني أميَّة والعباس وعثمان
هل تقصد ان عثمان رضي الله عنه من مجرمي الخلافة؟!