في مثل هذا اليوم من العام الماضي، كتبت لكم مقالاً عن أهم أمور تعلمتها في ٢٠١٦، وكانت نيتي أن أكتب هذا العام مقالاً مماثلاً عن أهم الأمور التي تعلمتها في ٢٠١٧، لكن خطر لي أن أكتب عن شيء واحد فقط طالما أرَّق مضجعي وحال بيني وبين السعادة الداخلية التي يحلم بها أي إنسان.. ألا وهو تأخر الإنجاز، فأنا حالي حالكم وأعاني تماماً كما تعانون، ولدي الكثير من الأهداف التي تأخر تحقيقها والمشاريع العالقة على الورق التي لم ترى النور بعد، وأعتقد أني مؤخراً بدأت أفهم الأسباب التي أدت إلى هذا التأخير، وأحببت أن أسلط الضوء على هذه القضية في آخر يوم من السنة، علَّ وعسى تجدون حلاً في السطور القادمة لتحصيل الإنجاز في العام الجديد!
- المعلومة: من أهم الأمور التي تجعلني أقف مكاني عاجزاً عن التقدم في طريق الإنجاز هو كثرة المعلومات، فقد يعتقد الكثير من الناس أنَّ هذا أمر جيد بحيث تستفيد من كل معلومة تقع بين يديك، والحقيقة التي اكتشفتها مؤخراً أنَّ كثرة المعلومات هي السبب الرئيسي وراء تأخير الإنجاز! فزماننا هو زمن الضوضاء والأصوات الصاخبة، وما يميزه عن الأزمنة السابقة كثرة المعلومات وتضاربها، فلو أردت أن تُنجز في حياتك حقاً.. لابد من تقليل المعلومات العامة وتكثير المعلومات الخاصة، والمقصود بالمعلومات الخاصة هي تلك التي لها علاقة مباشرة بأهدافك التي تنوي تحقيقها، فلو قرأت كل معلومة تأتيك وكل كتاب يقع بين يديك، ستصبح نجمة صغيرة في سماء واسعة بدلاً من أن تكون شمساً ساطعة في نفس السماء.
- الأولوية: اليوم لا تسمع على ألسن الناس غير جملة واحدة (لم يعد في الوقت أي بركة!) مستشهدين بأحاديث أشراط الساعة حول سرعة إنقضاء الوقت في آخر الزمان، والحقيقة أني بدأت أدرك أنَّ هذا الأمر ليس حقيقياً، وحتى فهمنا للحديث الشريف لم يكن فهماً صحيحاً. فالوقت هو هو.. لا يتبدل ولا يتغير، فلا يمكن إدخاره أو إبطاؤه أو حتى تسريعه، فجميعنا يملك نفس الـ ٢٤ ساعة في اليوم الواحد، ونفس عدد الأيام في الأسبوع الواحد، ولكن كثرة الضوضاء والتشتيت والرغبة الجامحة في تجربة كل شيء ومتابعة كل شيء، يجعل اليوم يمر سريعاً دون أن نشعر بأي إنجاز فيه، وذلك ما يُطلق عليه الناس (قلة البركة)، ولو قللنا من تلك الضوضاء وركَّزنا في أولوياتنا التي ننوي تحقيقها، سنتمكن من الإنجاز والحصول على تلك البركة التائهة في حياتنا. والحديث الشريف الذي يستشهد به الناس لا يعني بالضرورة أنَّ الوقت سيصبح أسرع لذاته، بل سيصبح أسرع لأننا لا نُحسن إدارته، فنحن مَن يُمكننا أن نُقرر كيف يتم إنفاق ذلك الوقت لو فهمنا ذلك.
- الهروب: كلما أردت أن أبدأ بمشروعاً يحتاج إلى عصف ذهني واستجماع قدراتي العقلية والفكرية، أشعر بالتعب والإرهاق، وأقرر أن أهرب قليلاً للحصول على قسط من الراحة، فإما أهرب إلى الفراش مُعاهداً نفسي أن أقوم بهذه المهمة بعد الاستيقاظ، أو إلى عالم السوشال ميديا، أو إلى التلفاز! وكلها أمور أصبحت روتينية قاتلة تحدث باستمرار وكأنها جزء من حياتي، وهذا الشيء بدأ يُدمرني من الداخل كثيراً، وأحاول دائماً فهم السبب وراء الرغبة المستمرة في الحصول على قسط من الراحة قبل إنجاز شيء يُذكر، وفي تقديري أنَّ ذلك الهروب منوط باعتقاد وهمي أنَّ الأمر الذي أقدم على تنفيذه كبير ومُرهق جداً بحيث أحتاج إلى الراحة كي أعود لإنجازه من جديد بحيوية ونشاط، ولا يوجد حل له سوى تحدي نفسي والبقاء في مكاني إلى أن أنجز ما جلست لأجله!
- الآنية: مؤخراً بدأت ألحظ أني لست إنساناً آنياً، بمعنى أني لا أعيش الحاضر، فإما عالق في الماضي أو متعثر في المستقبل، والحاضر مُهمَل تماماً بكل ما تعني كلمة الإهمال من معنى، ولاحظت أيضاً أنَّ هذه مشكلة يعاني منها الكثير من العرب والمسلمين، فالماضي لا يتركنا نهنأ بحاضرنا، والمستقبل يُخيفنا بشكل يجعلنا دائماً تائهين، حتى بات بيننا وبين الحاضر حجاب سميك! وهذه ليست دعوة لعدم الإستفادة من الماضي أو رسم ملامح المستقبل، فهذا مطلوب بلا شك.. ولكن في مرحلة التخطيط فقط! ومشكلتنا أننا نُطيل الوقوف هناك بحيث أصبحنا عالقين في تلك المرحلة دون أن نبدأ في تنفيذ أي شيء، ونبقى على هذه الحال إلى أن تضيع الأهداف وتتبخر الأحلام في الهواء، والحل في نظري يبدأ من مكابدة النفس كي تعيش الحاضر من خلال بدء التنفيذ مباشرة وفوراً، فيجب علينا أن نحشد كل طاقتنا في التركيز على الحاضر (الآن)، وننسى كل شيء آخر إلى أن ننتهي من إنجاز المشروع الذي بين أيدينا.
- البيئة: كلما أحطت نفسك بأناس إيجابيين يُشاطرونك أحلامك ويتفقون معك في الأمور التي تنوي القيام بها، كلما أصبحت وتيرة الإنجاز أسرع والجلد أكبر، وبدأت في عام ٢٠١٧ تجربة جديدة في توسيع نطاق معارفي الذين أشعر بأنَّ لديهم ما يستحق للتواصل معهم، حتى لو كانوا يعيشون في دول بعيدة. تقول إحدى الدراسات بأنك لو غيَّرت الناس من حولك، فأنت ترفع نسبة النجاح والإنجاز عشرة أضعاف! وهذا أمر أدركته منذ زمن، لكن زدت من التركيز عليه مؤخراً، لكن الكثير من الناس تستحي من محيطها ولا تعمل على تغييره أو تطويره، وتبقى قابعة في نفس المكان إلى أن تحترق جميع الأهداف والمشاريع أمام أعينها.. وهذا أصل الضعف! فلا تستهينوا بمحيطكم، وانتبهوا إلى أولئك الذين تُدخِلون إلى حياتكم.
- التركيز: منذ فترة كنت أتابع على التويتر كاتباً سويسرياً بدأ في مشروع كتابه الجديد، وكان قد كتب تغريدة (أنا في إجازة من الفيسبوك والتويتر إلى أن أنهي كتابي القادم!)، وفي الحقيقة لم أرى في حياتي مشوشاً للإنجاز مثل شبكات التواصل الإجتماعي، والكثير من الكُتَّاب بدؤوا ينتهجون هذا النهج خلال التأليف لإنجاز مشاريع الكتابة، فاليوم كثرة العمل والإلتزامات الإجتماعية والمسؤوليات التي لا تنتهي جعلتنا أبعد ما نكون عن الإنجاز، فقد ننجح نجاحاً كبيراً لو أدركنا حقيقة أننا في هذه الحياة أصبحنا كالذي يمشي على حبل مشدود مُمتد في الهواء، وحتى نصل إلى ضفة الإنجاز بسلام دون أن نتعرقل، لابد أن نكون في قمة التركيز على طول ذلك الطريق الشاق الذي اخترنا أن نسير فيه. فالذي يمشي على حبل، ليس لديه وقت يُضيِّعه ولا يمكنه أن يلتفت عن مساره دون حاجة، ويلزمه أن يعتزل كل ما يُشوش عليه مسيره كي يصل بسلام وهدوء. وصدقوني أنَّ المشي على ذلك الحبل في الهواء أفضل بكثير من المشي على أرض لا نحبها، تلك الأرض التي تقتل كل شيء جميل في حياتنا وتُحطِّم كل أحلامنا وآمالنا، ويكفي أننا في نهاية الطريق سنصل إلى الضفة الأخرى التي سنبني فيها مملكة النجاح، والتركيز هو كل ما نحتاجه لذلك.
- التنفيذ: من أهم الأمور التي بدأت تطويرها في حياتي هو القدرة على الإنتقال إلى التنفيذ مباشرة وعدم إطالة الإنتظار في فترة التخطيط، فإذا أردت أن تنجح فعلاً، كل ما عليك فعله هو المباشرة في التنفيذ حتى وإن كانت الخطة غير مُكتملة، وبدأت ألحظ أنَّ الصخور الكبيرة التي كنت أخشاها قبل بدء المشروع بدأت تتكسَّر مرة تلو المرة فور بدء التنفيذ، ولن تجد في حياتك كلها شيء يقودك إلى الإنجاز سوى التنفيذ مباشرة.
- الوقت: قد ننتبه أو لا ننتبه، أننا وصلنا في حياتنا إلى الكثير من المحطات المهمة، وعلى الرغم من ذلك.. لم نصل حتى الآن إلى حقيقة أننا شارفنا على مغادرة الحياة، والاعتقاد بطول الأمد جعلنا نقع في فخ التسويف القاتل ولم نعد نعرف كيف نخرج منه! دعوني أطرح قضية الوقت من منظور مُختلف قليلاً، أنا الآن في الـ ٤١ من عمري، وسلالتي التي أنحدر منها متوسط أعمارهم ٦٠ سنة. فهناك من فارق الحياة قبل ذلك السن أو بعده بقليل، الشاهد أنَّ هذا الرقم يجب أن أضعه دائماً نُصب عيني، وهذا يعني – فرضاً – أنه تبقَّى في عمري ١٩ سنة. طبعاً الأعمار بيد الله، وقد أفارق الحياة غداً أو بعد ٥٠ سنة، لكن هذا لا يهم الآن، المهم التركيز على قضية الوقت بشكل علمي يخدم الفكرة بعيداً عن الاستثناءات. من ناحية أخرى وبسبب كثرة المهام والمسؤوليات في حياتنا، أصبح الإنجاز خلال الـ ٢٤ ساعة شبه مستحيل، خصوصاً عندما تكون أهدافك التي تنوي تحقيقها بعيدة تماماً عن مجال عملك كما هو الحال لدي! أحاول أن أحترف الكتابة والتأليف، وأنا في حقيقة الأمر كاتب غير متفرغ لأنَّ مجال عملي الذي يأتي لي بالمال بعيد كل البعد عن مجال الكتابة، وإذا أردت أن أنجز شيء يُذكر في مجال الكتابة، أحتاج من ٥ إلى ٧ أيام متتالية من العمل المستمر كي أرى النتيجة، لذلك بدأت أجعل وحدة قياس الإنجاز هي (الأسبوع) وليس (اليوم)، بحيث أصبحت مشاريعي تأخد طابعاً واقعياً أكثر من السابق. فإذا كنت لم تنتبه للصورة أعلاه التي أرفقتها في مقال اليوم، فتلك المربعات عبارة عن عدد الأسابيع المتبيقة في حياتي من اليوم وحتى أبلغ الستين، وإذا نظرت إليها هكذا.. هل تعتقد أنها كثيرة؟ لا أعتقد!
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سبحان الله. أشعر أنك تتكلم عني تماما … فأنا اعاني من كل ما ذكرته في ما يخص تعطل الانجاز و أنا منذ مدة ابحث عن سبب هذه المشكلة و أعتقد انها أصبحت منتشرة كالوباء عفانا الله.
السبب وراء ذلك حسب بحثي المتواضع في الموضوع هو بإختصار “المحيط الاصم” اي عدم وجود اعتبار لما تقوم به في المجتمع الذي تستهدفه من مشروعك.. فأكيد ان الانسان الطموح يفقد حماسه و فاعليته اذا انجز مشاريع رائعة في الماضي و لكنها لم تجد اذان صاغية تهتم بها و لم يرى لها أي أثر في واقع الناس. يعني انك تشعر بأنك تنفخ في الريح.
راءع اخي حسين ،وفقك الله داءما الي كل الخير واعانك علي تحقيق كل ما تتمني
كلامك اصاب كبد الحقية انا ايضا اعاني من تأخر الانجاز و حرقة ضياع الوقت !
مقال جميل جدا
شكرا للك اخ حسين
كل ما تفضلت به صحيح وواقع حالنا هذا وللأسف الشديد
اطال الله في عمرك واعمارنا جميع ان شاء الله
جزاك الله خير
مقال اكثر من رائع والله
جزاكم الله خيرا على ما تكتبه
اسأل الله ان يبارك فيك وفى ذريتك ويحفظكم