في الآونة الأخيرة، أصبحت أبحث عن الأمور التي تعينني على الإنجاز خلال اليوم، وركَّزت بحثي على أهم الأوقات التي إن أحسنت تدبيرها والتجهيز لها، ستؤثر إيجاباً على بقية اليوم. وبعد المراقبة والتفكير، وجدت أنَّ فترة الصباح أساس اليوم وبنيته التي إما تجعله مُوفَّقاً أو مُخيِّباً، فإما تنتقل من إنجاز إلى إنجاز، أو تنهار من التعب والكآبة، وتبقى تعد ساعات اليوم كي تنقضي، أملاً أن يكون اليوم الذي يليه أكثر إنجازاً وتوفيقاً.
من ناحية أخيرى، وجدت أنَّ بنية الصباح تعتمد اعتماداً كلياً على ما نقوم به في الليلة التي قبلها، فإذا نجحنا في إدارة آخر اليوم، أعدكم بأنكم – بإذن الله – ستستيقظون بنفسية مُشرقة وطاقة مُتجددة وعقول مُتزنة، وهذا الأمر بالتأكيد يحتاج إلى جهد ومكابدة لتعلم عادات مسائية حميدة غير تلك التي نمارسها اليوم، تجعلنا في دوامة من التعب والإرهاق واليأس المستمر!
ما سأطرحه لكم في السطور القادمة هو من صميم مراقبتي وخبرتي، ولكم أن تضيفوا عليه ما ترونه مناسباً لمضاعفة الطاقة والأمل قدر المستطاع، والإلتزام بتلك الممارسات حتى تصبح عادة نُورثها لأهل بيتنا ومن حولنا.
- المعدة الخاوية: في كل مرة أخلد فيها إلى النوم ومعدتي خاوية أو شبه خاوية، أحصل على نوم عميق يُريح روحي وجسدي، الأمر الذي يجعلني استيقظ في اليوم التالي وأنا في قمة الإنتعاش قادراً على الإستمتاع بصلاة فجر خاشعة وممارسة الرياضة الصباحية بقوة ونشاط. وبدأت مؤخراً التوقف عن الطعام في تمام السابعة مساءً كي أعطي فرصة لجسدي بتنظيف نفسه وتنقية أعضاءه وحرق ما تراكم من الشحوم. ولو تأمَّلنا كلمة (الفطور) بالإنجليزية لوجدنها عبارة عن كلمتين إثنتين (Break) و (Fast) أي (إنهاء الصيام)، فلو توقفنا عن الطعام في السادسة أو السابعة مساءً، وتناولنا الفطور في السادسة أو السابعة صباحاً، فتلك ١٢ ساعة كاملة كفيلة بتنقية الجسد مما فسد، وإنعاشه ليوم جديد.
- النوم المُبكِّر: تعلمت خلال ممارستي للتطوير الذاتي أنَّ الإنجاز مقرون بالصباح والحميمية مقرونة بالليل، فنور الشمس يمنح الروح قدرة على الإنجاز يعجز عنه الليل، وعتمة الليل تمنح الروح عاطفة وغرام لا يمكن لنور الصباح المنافسة عليه، الأمر الذي يجعلنا نُعيد ترتيب أولوياتنا لعلاقات صحيحة، فالنهار للعمل والإنجاز والليل للعائلة والعاطفة، الأمر الذي جعلني أتوقف عن السهر ليلاً والخلود إلى النوم في وقت مُبكِّر نوعاً ما. وأصبحت الساعة البيولوجية لجسدي مُنضبطة لا تُخطئ، فعندما تُصبح الساعة قريب التاسعة، ينتابني النعاس وأبدء بتجهيز نفسي لأخلد إلى النوم في العاشرة. فإذا بقينا نسهر الليل بشكل مستمر لن نحصل على أي طاقة في اليوم التالي، ناهيك عن ضعف إكمال الأعمال في تلك الليل، الأمر الذي سيهزم الصباح ويُصيب الإنجاز بمقتل ينهار معه بقية اليوم.
- قائمة مهام: في اعتقادي أننا لسنا مضطرون لإنفاق ساعات العائلة الخاصة بنا على العمل، فالعمل من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً كافٍ تماماً لبناء محطة فضائية أو مُفاعل نووي! ولو راقبنا عدد الساعات التي نهدرها في الأحاديث الجانبية خلال ساعات العمل، لوجدنا أنَّ ساعات العمل الحقيقية لا تتعدى ٣ ساعات في اليوم! وباقي الساعات تذهب على الدردشات والتدخين والقهوة والسرحان أمام شاشة الكومبيوتر وغيرها من الأمور، ولو ركَّزنا على استثمار ساعات العمل لإنجاز ما يحتاجه العمل حقاً، لما اضطرننا لنقل أعمالنا إلى المنزل. وحتى تُنجز في اليوم التالي، أكتب قائمة بالمهام التي تنوي إنجازها خلال ساعات العمل، وجهِّز كل ما يجعلك تدخل المكتب لتبدأ العمل مباشرة. الأمر الذي سيجعلك مستمتعاً بيومك وسيد الموقف في العمل، الأمر الذي يُضفي على النفس شعوراً رائعاً في ساعات الصباح الأولى عندما تستيقظ وأنت تعلم ما عليك إنجازه خلال اليوم.
- القراءة: أكثر ما يُضفي على القلب انتعاشاً قبل النوم ويستمر أثره حتى اليوم التالي هو القراءة، حتى لو كنت غير قارئ، اجعل لنفسك كتاباً تقرأه قبل النوم ولو لدقائق معدودة. إقرأ صفحة أو اثنتين لمدة ١٠ دقائق، هذا وحده كفيل بأن يجعلك تحصل على معلومة جديدة كل يوم، تُنعش عقلك وتمنحك ثقة بالنفس. وإن كنت لا تهوى قراءة الكتب، جاهد نفسك.. ويمكنك أن تبدأ بقراءة مقالات ومنشورات مفيدة وموثوقة بعيداً تُرَّهات الفيسبوك وقصصه المكذوبة. إقرأ لكُتَّاب معروفين وثقات من مواقعهم وصفحاتهم الرسمية، حتى لا تكون أضوحكة العقلاء في اليوم التالي عندما تشاركهم الخرافات المتناقلة في السوشال ميديا.
- الهدوء: أصبحت أنتبه في الآونة الأخيرة إلى أنَّ الهدوء في ساعات النوم الأخيرة يمنحني ليلة هانئة، فحاول أن تبتعد عن أي نقاش مُستفز مع زوجتك ومَن حولك، ولا تشاهد التلفاز وأخبار الخيانة والقتل، وابتعد عن اليوتيوب وشاشات الحاسوب والجوَّالات، ولا تتواصل مع أي شخص يمكن له أن يُعكِّر مزاجك في نهاية اليوم، وهذا لا يمكن إلاَّ من خلال إفراد وقت للقراءة، بحيث يجعلك صامتاً، وياحبذا لو أصبحت هذه عادة أُسرية يتمتع بها باقي أفراد العائلة. ومن تجربتي أستطيع أن أؤكد أنَّ كل ما يلزم الطفل كي يقرأ، هو أن يراى كتاباً في يدي والديه، وسرعان ما يتبنون تلك العادة تأسيَّاً بهم!
- عزز قيمتك في العمل: لا شك أنَّ الغالبية الساحقة من البشر بعربهم وعجمهم يعملون في وظائف لا يحبونها حتى لو كان المنصب رفيعاً، ولا شك أنَّ الإنسان إذا عمل في وظيفة يحبها، سيستيقظ في اليوم التالي وهو في قمة النشاط، لكن هذا الأمر ليس مُتاحاً للجميع مع الأسف الشديد بسب الحاجة إلى المال. لكن ما يمكننا القيام به، هو التركيز في ذلك العمل على ما يُميِّزنا ويجعل لنا قيمة إضافية مُقارنة مع غيرنا، ففي كل عمل مهما كانت طبيعته، هنالك بعض المهام التي يمككنا أن نُتقنها ونحبها، الأمر الذي سيُضفي على النفس نوعاً من الرغبة في الذهاب إلى العمل بدلاً من الإعراض عنه بالكلية. حاول أن تبحث عن هذه الأمور التي يمكنك أن تتقنها بشكل رائع، وذلك وحده كفيل بأن يجعلك تستيقظ في الصباح نشيطاً قادراً على استيعاب الجوانب الأخرى التي لا تطيق.
- سرحان اللحظات الأخيرة: عندما تنتهي من القراءة وتخلد إلى النوم، حاول أن تتخيل الطريقة التي ستُنجز بها مهام اليوم التالي، وتخيل كيفية اجتياز تلك المهام الصعبة والتي تضايقك، كإدارة المدير المزعج أو العميل المُتعب، واعمل دائماً على تخيل حوارات يمكن من خلالها استيعابهم وليس التصدي لهم، ولا تجعل همَّك الإنتقام.. فذلك يُرهق النفس ويُمرض الجسد ويجعلك كالجثة في الصباح لا يمكنك الإستيقاظ، ففي نهاية المطاف.. الحياة ليست لتكسير الرؤوس، إنما لتطويرها والرقي بما في داخلها من عقول. ولا يوجد أفضل من الهدوء والحكمة والحجة البالغة والكلمة الطيبة لإنجاز تلك الحوارات الصعبة. وتذكَّر دائماً أنَّ هؤلاء الذين لا تتفق روحك معهم من مدير وزميل وعميل، هم أيضاً قد يكون لديهم آراء صحيحة ونافعة أكثر من تلك التي لديك! فالموضوعية في التفكير والحيادية في النظر إلى الأمور يؤدي إلى الإنصاف في الحوار وتذييل المشاكل وحلِّها بكل يسر وسهولة.
سأكتفي بهذا القدر حتى لا أطيل عليكم، وأنا متأكد أنَّ لديكم الكثير من الأفكار التي يمكن أن تُشكِّل إضافة نوعية لهذا المقال، فشاركونا تجاربكم حول ما يمكننا القيام به للإستفادة من يومنا قدر الإمكان، علنا نستفيد منها جميعاً.
شكراً لك أستاذ حسين على هذا المقال الجميل، وهي تذكرني كم نحن محظوظين عندما نعمل بدوام ثابت بخلاف ما هو حاصل مع الكثير من المهاجرين المهرة الجدد الذين يضطرون للعمل بغير اختصاصاتهم وبأعمال لا تتناسب أبدا مع ربع مهاراتهم وبدوام ليلي أو الدوام بمناوبات مختلفة تجعلك عبداً كاملا لصاحب العمل الذي يريدك أن تكون متوافراً 24\7 بحيث يقضي على أية أمل لديك بتنظيم وقتك أو تطوير نفسك في التسجيل بمدارس لغة أو الدراسة في كلية او جامعة، وكل هذا مقابل 12 دولار تضمنه لك كندا اللئيمة وكأنه ابقاء على الحد الأدنى لتبقى صحيحاً قادرا على أداء أعمال العبودية المقنّعة..