شاهدت منذ أيام وثائقي الجزيرة (في سبع سنين) الذي حاول تسليط الضوء على قضية التطرُّف الفكري بشقيه اليساري الإلحادي واليميني الإرهابي خلال فترة السنوات السبع الأخيرة منذ تولي الرئيس السيسي زمام السلطة في مصر، وعلى ما يبدو أنَّ الوثائقي لم يرق لفئة من الناس، فهناك من رآه دعوة صريحة لتزيين طريق الإلحاد، ودعوة لنبذ الجهاد والتنفير من كل ما هو إسلامي، فأصحاب هذا الرأي يرون الوثائقي يبالغ في تلميع فئة منحطة من المجتمع لا تستحق تسليط الضوء عليها لأنها ضئيلة جداً، وهناك مَن كفَّر وجرَّم القائمين على هذا العمل!
في الحقيقة أنا لا أميل لكل ما سبق، الشيء الوحيد الذي قد أتفق معه هو حقيقة أنها فئة ضئيلة، لو لم يُسلِّط الإعلام الضوء عليها لما عرف عنها أحد أي شيء، لكن من الجدير بالذكر أنها في طريقها إلى التكاثر إن استمر تجاهلها كما هو الحال اليوم. فمن الضروري فهم أعراضها وأسبابها والسبيل إلى علاجها، سواء في شِقِّها اليساري الإلحادي أو اليميني الإرهابي.
مَن عرف طبيعة كتاباتي، سيُدرك أني ضد أي محاولة لتجاهل الواقع وانتظار الإنفجار الكبير القادم لا محالة إذا بقي العرب المسلمون يعانون من حالة الإنكار (Denial). هذه الفئة من العرب ليست بالقليلة وتعاني الكثير من الهزائم الفكرية بسبب حالة الإنكار التي لا تفارق عقولهم، وقد واجهت منهم الكثير أثناء تغطية تجربتي الكندية وتسليط الضوء على الصعاب التي تواجه العائلة المسلمة التي تجاهد كل يوم للحفاظ على عقيدتها نقية من أي تحريف. وقد أدركت وقتها أنَّ هذه الفئة لا ينبغي لها لعب أي دور في نهضة الأمة لأنها (الغثاء الحقيقي) الذي تنبأ به الرسول الكريم، وأقصى ما يمكن لها القيام به هو هدم أعمدة المجتمع من خلال التخلي عن الدور الحقيقي تجاه أنفسهم وذويهم. فهم عبارة عن جيش عرمرم من المُثبِّطين!
لا أعتقد أنَّ الإلحاد هو الخطر الذي يُهدد المجتمعات الإسلامية في الوقت الحالي، فذلك خطر قادم ولكن على المدى البعيد، وهو نتيجة طبيعية للخطر الذي نعاني منه اليوم، فالذي أراه خطراً حقيقياً يهدد المجتمعات الإسلامية في هذه الأيام هو (تحريف الدين) وليس (ترك الدين). فترك الدين هو ردَّة فعل عاطفية تُعبِّر عن مدى ضعف عقول المرتدين الذين يعانون من مشاكل نفسية قبل أن تكون دينية، وغالباً ما يكون البيت هو المسؤول الأول عن هذه الردَّات من خلال فشل الأسرة في تأمين مجتمع داخلي سَوي، يُغني عن التخبُّط والتناقض الخارجي.
هذا هو الخطر الحقيقي الذي تعاني منه اليوم المجتمعات الإسلامية، ففي ظل انتشار الجهل الشرعي وغياب أبسط مفاهيمها فيما يخص عقيدة الكفر والإيمان، أصبح المسلمون يتَّبعون ديناً يُسمَّى (الإسلام) غير ذلك الذي نزل على محمد بن عبدالله، إنه دين مُحرَّف ركيك ضعيف لا يُفرِّق بين الكفر والإيمان ولا بين الحلال والحرام، يدفع بالمسلمين بعيداً عن بياض العقيدة الناصعة إلى منطقة رمادية تجعل المسلم يدور حول نفسه تائهاً كتيه بني إسرائيل في سيناء، لا يمكنه أن يفهم دينه أو أن يجد الحق وحتى أن يصل إلى الله، فينتقل المسلم من الإسلام ليُصبح (لا أَدَري) أي أنه يؤمن بوجود الله لكن من غير دين مُحدد، ومن ثم الإنتقال الأخير إلى الإلحاد الأكيد كما شاهدنا في وثائقي الجزيرة (في سبع سنين).
منذ أيام، خطر لي أن أمتحن فهم بناتي للعقيدة الإسلامية، وهل هنَّ على دراية بحيثيات الكفر والإيمان ومتى يكون المسلم مسلماً ومتى يُصبح كافراً خارجاً عن الدين؟ فتناولت ورقة وقلم، ورسمت دائرة وسألتهن: لنفترض أنَّ الإسلام داخل هذه الدائرة وأنَّ كل مَن بداخلها مسلمون، وكل مَن بخارجها النقيض، هل لكم أن تبيِّنوا لي إن كنتم داخل تلك الدائرة أم خارجها؟ وإن كان الجواب أنكم داخلها.. أريد منكم أن تبيِّنوا لي لماذا أنتم في داخلها؟
لا أخفيكم أحبابي النتيجة كانت مخيبة جداً! لم تستطع أي واحدة منهن معرفة لماذا هنَّ مسلمات في داخل الدائرة وكيف يمكن أن يصبحوا خارجها لا سمح الله. فنظرت إلى زوجتي وقلت لها: (وأنا الذي أنافح عن الإسلام وعقيدته خارج البيت، هكذا يكون حال بيتي من الداخل؟!) وبدأت بشرح أبجديات التوحيد لهن وكأهن قد دخلن الإسلام للتو!
ما حدث مع بناتي ما كان ليحدث إلاَّ في حالة واحدة، أنني وزوجتي قد أهملنا تربية بناتنا وركزنا فقط على رعايتهم، ناهيك عن الإهتمام المبالغ فيه بمناهج المدارس العالمية (International School) التي يرتادونها في الشرق الأوسط، فالمصيبة كبيرة والخطر لم يعد على أبوابنا.. بل داخل بيوتنا، ولا أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل.
قبل الختام، أود أن ألفت نظركم إلى أني أعتقد أنَّ اسم الوثائقي مُضَلل وغير دقيق، فهذا الذي شاهدناه في المادة المعروضة ليس حديث العهد ولم يبدأ منذ سبع سنين، إنما بدأ منذ عقود طويلة ودائماً ما كان موجوداً، والمتابع الفطن يعلم أنَّ فكرة الإلحاد ليست حديثة العهد في الوطن العربي، لكن الحديث هو جرأة الإعلام في تسليط الضوء عليها، فمجتمعاتنا العربية قد غزاها الكثير من المصائب كالكفر والإلحاد والشذوذ والإرهاب التي لم تكن وليدة السنوات السبع الأخيرة، لكن الفرق بين الماضي والحاضر هو قوة الإعلام وجرأته على عرض تلك المصائب والتي غالباً ما تكون نتيجة التوترات السياسية في المنطقة، ورغبة بعض الدول والحكومات في الإنتقام من بعضها البعض.
في هذه الأيام الصعبة، لا يسعني سوى أن أستودع الله عقيدة ذريتنا من كل تحريف، دمتم بخير.
أشكرك أستاذ حسين علي هذا الطرح ، لم أشاهد البرنامج ولكن أري أن تحريف ألأسلام فعلا قد بدأ وقد يكون الخطر القادم وبجواره الإلحاد فالأدوات لذلك تعددت ونحن هنا ينبغي لنا أن نتوصل الي الأسباب التي دفعت بالمسلم للإلحاد فليس بالضرورة انه يعاني من مشاكل نفسية سابقة إنما حوصر بما يكفي من عوامل قد فاقت قدرته الاستعابية والفكرية مما سبب له خلل في الإيمان وأولها المنصات الإعلامية التي تبث لنا ما يسمونه اليوم الإسلام المتمدن ، أيضا الحصص الدينية في المدارس ذو المنهاج الدولي ضعيفة جدا لا ترقي حتي لشرح العقيدة (والكثيرون من المغتربين العرب مضطرين لوضع أولادهم في تلك المدارس وخاصة لمن رجع الي دول عربية وأولاده كبار )والثورات الاسلامية التي قامت باسم الدين وفشلت ، اضافة الي حركة داعش التي تتحدث باسم الاسلام بشكل وحشي ثم أيضا هناك الحروب الأهلية التي تحدث علي أراض عربية بين السنة والشيعة ، وأننا كمسلمين ما زلنا من دول العالم الثالث ، تلك كلها فتن يفتتن به الفرد المسلم فيتخبط منها ويفقد القدرة علي التحليل السليم في هذا الزمن الصعب وخاصة لمن كان أيضا بالأصل منبته الإسلامي ضعيف أقصد هنا (التربية البيتية الدينية) ونحن نعيش في عصر الغلبة للقوي لا عسكريا فقط إنما فكريا!
فأعاننا الله تعالي جميعا آمين.
اخي الكريم ,لاحظت من المقالك الاتي:
1-حكمت على فئة من الناس ووصفتهم باصحاب المشاكل النفسية “….فترك الدين هو ردَّة فعل عاطفية تُعبِّر عن مدى ضعف عقول المرتدين الذين يعانون من مشاكل نفسية …” بناء على تجربتي بالحوار مع الملحديين ان هنالك عقول لا تستطيع ان تستوعب ان الدنيا اتت من العدم من دون اله خالق لكل شيء (عقل المؤمن ) وهنالك عقول قادرة على استعاب ذلك وقلبها مرتاح. البيت ليس له اي دخل بالموضوع والدليل نوح وابنه , فرعون وزوجه و هنالك الكثير من الامثلة
2- معك حق تماما ان الخطر ليس من الالحاد بل من الاعلام الجرئ.تاييدا لكلامك , الالحاد موجود منذ زمن النبي (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) , زمن الامويين وزمن العباسيين . اكتب بالجوجل الشخصيات الملحدة زمن العباسيين (أبو العلاء المعري مثلا) . الجميل بالامر ان زمن العصر الذهبي استطاع المجتمع المحافظة على الدين بطريقة جادلهم بالتي هي احسن . وهذا ما علينا فعله في هذا الزمن ,بمجرّد انك اعترفت بالملحد واحترمته بصدق سيسكت تلقائيا لان معركته انتهت ولا يوجد شيء يحكيه للاعلام او يقنع به احد من خلال الاعلام. الاعلام دائما يسلّط الضوء على الامور التي تاتي بمشاهدات اكثر وقراات اكثر . عندما يصبح الموضوع تافه ولا قيمة له الاعلام سيتركه على الفور.
3-بالنسبة للاولاد ,تمنيت لو انك لم تشرح لهم شيء وتركتهم على فطرتهم (فطرت الله التی فطرالناس علیها) . ربما لو انك سالت بتواضع من دون ان تشعرهن (اني اعلم ما لا تعلمون) لماذا انتن مسلمات في داخل الدائرة؟ لكنت تعلمت منهن شيء لم تسمعه من قبل.
استاذ حسين ،، عذرا على سؤالي ولكن كنت اود ان افهم ماذا تعني بحاله الانكار لاني لم استوعب ماذا تعني وانكار ماذا بالضبط …
بالنسبه لما ذكرته عن فهم الدين الصحيح وحتى تجربتك مع بناتك وذكرت دور التعليم ، فالمدارس لها دور كبير في تثبيت مفهوم الدين وتعميقه في قلوب ابنائنا اكثر من المنزل فهم يقضون اكثر وقتهم في المدرسه وفي العشر سنوات الاخيره واكثر اصبح توجه الأغلبيه لتعليم ابنائهم في المدارس الدوليه والتي يكون تدريس الدين فيها ثانوي ومجرد تلقين هذا غير اختلاطهم بطلاب من جنسيات مختلفه ومن ديانات مختلفه ويتاثرون بهم وبعاداتهم ولاهتمام هذا النوع من المدارس بالمناسبات التي لاتمت لديننا بصله وهو من الاسباب الكبيره لابتعاد الاجيال الجديده عن الدين وعدم فهمه الفهم الصحيح ، لقد احسست بهذا الفرق عندما نقلت ابنائي من مدرسه خاصه بالرغم من انها ليست دوليه لمدرسه حكوميه ، وجدت اهتمام مدرسات المدرسه الحكوميه بماده الدين وطريقه غرسه في عقولهم واهتمامهم بكل مناسبتنا الدينيه بشكل كبير جعل ابنائي يهتمون ويسالونني في المواضيع الدينيه والشخصيات الاسلاميه التي يدرسونها ما اسعدني باني اتخذت قرار نقلهم بالرغم من انهم كانو يدرسون نفس المنهج في المدرسه الخاصه ولكن الاهتمام في الحكومه كان اكثر ليس مجرد تلقين بل غرس قيم دينيه بتطبيق عملي وتعليم البنات اهميه الحشمه ما ذكرني بايام دراستي ، المشكله اعرف الكثير ممن يضعون اولادهم في مدارس دوليه ويشكون من تدريس الدين ويشكون من طبيعه الاجواء في هذه المدراي بسبب اختلاف الجنسيات والمدارس ولكنهم يريدون تعليم عالي ومناهج اجنبيه ،، نحن نعرف سبب المشكله ونعرف الحل ولا نريد الحل الصحيح من اجل ماذا …. ؟؟؟ من اجل مظاهر ولغه اجنبيه..ونسينا بانه لفهم الدين ولفهم القرآن بالشكل الصحيح لابد من تعلم اللغه العربيه على اصولها و تاسيسها في أبنائنا وغرس قيم الدين الصحيح في الوقت الذي لا يمكن أن تتوفر هذه الشروط في المدارس الأجنبيه
اشكرك على هذا التحليل الرائع و خصوصا الزاوية التي رأيت منها واقعنا
انا إبن شيخ مدير مؤسسة للتعليم العلوم الشرعية و انا على علم اليقين انه مجتمعنا يؤمن باسلام ليس كما يدرس في المدارس الخاصة به و لا كما كان عليه اسلافنا الصالحون فلو سؤلت اي كان من العامة عن مغزى 5 صلوات أو الحج لاجابك بانها عبادة فقط فاصبح الدين كاسلوب للحياة فقط
مشكور استاذ يونس
أتفق معك في كل ما ذكرت ما عدا نقطة وهي أني أرى أن البرنامج هدفه أكبر بكثير من تسليط الضوء على القضية، والذي أراه محاكاة العاطفة الإنسانية للتبرير و التحقير من خيار الإلحاد كخيار متاح و رفع لسقف الخيارات المتاحة كردة فعل على ما يلاقيه وسيلاقيه الإنسان العربي في بلاده.