لماذا لا نبحث عن السبب؟

|

حسين يونس

“السر” الذي يتكلم عن إيجابية التفكير وعن قانون الجذب لكل ما يهواه الفرد، ولعل أيضاً البعض قد قرأ كتاب “خرافة السر” الذي ينقض فكرة كتاب “السر” تماماً ويتهم مؤلفة الكتاب بالخرافة والدجل. في الحقيقة أود بدايةً التقدم بالشكر الخاص للشيخ “عبدالله العجيري” على ما بذل من جهد طيب في حراسة العقيدة الإسلامية من خلال كتابه “خرافة السر” الذي تصدى فيه للعقائد الباطلة وبيَّن الملابسات الشرعية، فالعمل مهم ومطلوب بلا أدنى شك. ولكني في الحقيقة أعتب على الشيخ العجيري أنه لم يتطرق لمسألة غاية في الأهمية تخص المجتمع الإسلامي، ألا وهي: لماذا ينجذب المسلمون إلى مثل هذه الكتب؟

أنا أعتقد أن الشيخ العجيري كان من الأولى له أن يبحث بشكل منفصل ومتوازي سبب تعلق المسلمين بمثل تلك الكتب، فالمسألة تعدت آفة قراءة هذه الكتب لتصل إلى مستويات الحياة اليومية من خلال متابعة المسلسلات المدبلجة كالتركية منها والمكسيكية قبلها، فالشيخ “محمد المنجد” الذي قدَّم كتاب “خرافة السر” يعترف أنه قد أصبح عدد طلبة العلم أقل من السابق بسبب تلك الكتب وأفكارها.

فمما لا شك فيه أنَّ المسلمين وبما فيهم العرب على وجه الخصوص يُعانون من عقدة الخواجا، أي أن كل ما هو غربي مُصدَّق ونقي ومتطور ولا غبار عليه، مع العلم أننا نحن في قطاع المنشئات مثلاً، نعاني من نفس العلَّة، فعملائنا يُجبروننا في كثيرٍ من الأحيان باللجوء إلى الأجانب حتى نوفَّق في الفوز بمناقصة مشروعٍ ما، فهم لا يثقون في الخبرات العربية، فهي يجب أن تكون مدعومة بخبرات عالمية غربية، وهذا الشيء يُرهقنا كثيراً في قطاع الأعمال كما يُرهق المشايخ والدعاة في المجال الدعوي.

من فترة بسيطة قمت ببحث مسألة تعلق المسلمين بما هو غربي خصوصاً أو غير عربي عموماً، فكانت هنالك أمور عديدة تكمن فيها العلَّة، أولها الأسلوب الجديد الراقي في طرح تلك الكتب لمشاكل يعاني منها المسلم بشكل يومي، كمسألة قلة المال وإدارة الميزانية والثقة بالنفس والتعامل مع الآخرين وإيجابية التفكير والتميز في العمل وغيرها من الأمور المهمة في حياة الفرد على الصعيد الشخصي والمهني، أضف إلى ذلك صلة تلك الكتب بالواقع الحقيقي للفرد، فهي لا تطرح قضايا تاريخية ليس بالإمكان إستيعابها أو تطبيقها حالياً، بل على عكس ذلك تماماً هم يلمسون الواقع ويطرحون حلول عملية من خلال ورش عمل فعَّالة تؤدي بالكثير منهم إلى النجاح، فأنا مثلاً لا أستطيع إنكار أنَّ الكثير من الكتب المترجمة في مجالات التنمية البشرية والتفكير الإيجابي أسهمت في تطوير حياتي ونقلها نقلة نوعية إلى ما هو أحسن وأفضل بفضلٍ من الله، فهي تعلمك كيفية إستغلال قدراتك التي وهبك الله إياها.

فأنا أستغرب عندما ينتقد الشيخ المنجد في مقدمة الكتاب الكثير من العلوم الإنسانية المهمة للمسلمين كـ (صناعة القائد) و(بناء العلاقات) و(إدارة الحياة) وغيرها من المهارات الحديثة لأنها مبنية على عقائد مستوردة وباطلة، أشعر بالإحباط حقيقةً عندما أقرأ ذلك النقد الغير مُبرر، يعني أنا لا أدري أين يوجد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ما يتحدث عن منهجية عمل لبناء قائد ناجح، أو كيفية صقل مهاراته القيادية لتلبي إحتياجات العالم الحديث، كما لا أستطيع أن أجد منهجيات متَّبعة في فنون بناء العلاقات والتواصل المهني التي تشمل قطاعات المنشئات والأعمال، أنت تستطيع أن تجد مواقف رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية تستنبط من خلالها أصول بعض الفنون في التحدث والإنصات مثلاً، ولكنك لا تجد ما يدلك على أن تصبح كذلك، هذه مسألة تحتاج إلى بحث وتأليف وتعليم.

في الحقيقة أنا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الكثير من المسلمين في نفورٍ دائم عن أهل العلم، الأغلبية الساحقة أصبحت تعتقد أنهم سيبقوننا في ذيل القافلة البشرية، وهذا بالضبط ما يحدث في واقع الحياة من ضعف الكوادر العربية، مما نتج عنه اللجوء المستمر إلى إستيراد الأجانب لقيادة وتسيير أمور المنشئات وغيرها، لا ينبغي للشيخ المنجد أن يضع كل العلوم الإنسانية في سلة واحدة ويهاجم كل ما هو جديد ومستورد، كيف يمكن أن نساوي بين (صناعة القائد) و(البرمجة اللغوية العصبية)؟ الفرق بينهما كما بين الأرض والسماء، هذا كلام مرفوض لأنه سيزيد من حجم فوَّهة نقص الثقة بين المسلمين وعلمائهم، مما يجعلهم أكثر قرباً من تلك الكتب التي يجدون فيها مُرادهم.

المسألة أخطر وأكبر مما نتصور، فأنا عندما أعود لمقولة: ( الإسلام دين صالح للتطبيق في كل زمان ومكان ) أستنبط منها أمراً مهماً، وهو أن الإسلام دين عالمي عصري قادر على إراحة البشرية بتطبيقه مهما إختلفت عصورهم، وهذا لا يتطلب تطبيقه بنفس الهيئة التي كانت على زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلو نظرنا إلى الكثير من المسائل الفقهية كمسألة الصلاة بالسلاح مثلاً، كانت محظورة على زمن النبي لطول الأسلحة وضخامتها، الشيء الذي كان بدوره يؤذي المسلمين في الركوع والسجود، كما أنها كانت تُشغل عن الصلاة، أما الآن عندما تطور السلاح إلى قطعة حديدة صغيرة تُحمل بالجيب أو على الخصر، أصبحت مسألة الضرر في المسجد غير واردة ولا حرج في حمله والصلاة فيه، فالإسلام لا يهدف إلى شقاء مُتبعيه، لابد من النظر إلى أحوال المسلمين بعملية أكثر وليونة أكبر، وهذا الشيء الذي لا يراه مشايخنا الفضلاء والذي أدى بدوره إلى فقدان الثقة يوماً بعد يوم في المراجع العلمية كما ذكرت آنفاً.

فالمسلمون يحتاجون شيئاً مفيداً ينطبق على واقعهم المرير، فالفتوى التنظيرية لا يمكن تطبيقها في العالم الحديث، في الوقت أنك عندما تبحث بنفسك عن آراء علماء المسلمين القديمة، تتفاجأ بوجود فتاوى تخالف ما نسمعه اليوم من حيث السهولة واليسر.

فلو وقفنا على المسلسلات المدبلجة لنعرف سبب شغف أبناء المسلمين بها لوجدنا أنهم يجدون فيها الذوق الرفيع والمظهر الأنيق والنصيحة الهادئة والمعاملة الطيبة، في الوقت الذي تعاني خطب وكتابات وحوارات المشايخ والدعاة من النمطية المملة والرتابة القاتلة التي ليس لها أي صلة بالواقع الحديث، وهذه هي العلة! هذه المسألة تحتاج الكثير من البحث والتحقيق، ولا يسعني أن أسردها في مقالٍ واحد، كما تتطلب تعاون من جميع طبقات المجتمع بما فيهم الطبقة الأهم، طبقة العلماء والدعاة.

من جهةٍ أخرى، أعتقد أنه كان من الأفضل للشيخ العجيري الرد والتعليق على كتاب “السر” بأسلوب إيجابي وتسميته “السر في الإسلام” بدلاً من “خرافة السر”، وهذا لن يندرج تحت تمييع الدين أو أسلمة كل ما نقرأ… أبداً، بل سيساعد على إيصال رسالة الإسلام إلى الكثيرين بشكل أفضل وأكثر إقناعاً بما فيهم مؤلفة الكتاب الأسترالية، ليت الشيخ إتخذ منهجية التأكيد على ما هو موجود في الإسلام فعلاً كالتفاؤل وحسن الظن والثقة بالله في إستجابة الدعاء والإلحاح فيه، مع إيضاح اللبس في فهم القدر ومعاني العقيدة، وأهمية العمل لنيل ما نريد وبيان مبدأ التوكل على الله والفرق بينها وبين التواكل دون سخرية أو تجريح، فمن الواضح أن الشيخ العجيري لا يعلم مدى التأثير الإيجابي لهذا الكتاب في تحسين نفوس المجتمع الغربي، هذا الكتاب فيه معاني مفهومة وسهلة للقارئ الغربي أكثر من إنجيلهم – كتاب النصارى المقدس – الذي هو عبارة عن رسائل وخواطر لرهبانهم، كان أولى بالشيخ مراسلة الكاتبة وإيضاح المعاني المذكورة في كتابها والموجودة في الإسلام أصلاً وحثها على قراءتها من مصدرها الأصلي بمعناها الرباني الحقيقي، إن كانت هي فعلاً مؤمنة بما كتبته، فستنحني لله رب العالمين دون أدنى شك، وهذا ما فعله الكثير من المسلمين المعاصرين على رأسهم الدكتور “زغلول النجار” والشيخ “عبدالمجيد الزنداني” في مناظراتهم لعلماء غير مسلمين الذين توصلوا إلى إختراعات وأبحاث علمية تفيد البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، حيث تم إثبات وجود ما توصلوا إليه في القرآن الكريم والسنة النبوية منذ قرون عديدة، الشيء الذي أدى بدوره إلى إعتناقهم الإسلام بمجرد مناقشتهم وإيجادهم للحقيقة.

أنا بالطبع لا أدعو إلى أسلمة كل ما نسمع أو نقرأ، ولكني أدعو إلى بناء علاقة تبادل فكري وثقافي بيننا وبين الآخر بهدف الدعوة إلى الإسلام وإثبات ما هو حق عندنا من دون الإستهزاء بهم والتعالي عليهم، فلا أعتقد أن المؤلفة ألفت الكتاب لتضرب به عقيدة الإسلام، والدليل على ذلك أن اللغة العربية لم تكن من اللغات الأولى التي تُرجم إليها الكتاب، فلا داعي للعيش بعقلية المؤامرة المستمرة التي لا تعود على صاحبها بأي خير.

أما بالنسبة لمنظِّري الطاقة وقوانين الجذب، فأنا أعتقد أن المسألة لا تتعدى الربح المادي، فهم يقولون فكّر إيجابياً بما ترغب وبشكل يومي ومتكرر، وسيتحقق لك يقيناً ما تريد، أنا أقول أنه لا يوجد على وجه الكرة الأرضية أناس يطبقون هذه النظرية كما نطبقها نحن أبناء الشعب الفلسطيني، نحن نفكر ونحلم بقوة كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة بالعودة إلى أرضنا المحتلة، بل نتخيل كيف من الممكن أن تكون حياتنا أفضل لو عشنا فيها، وهذا الحلم والتخيل الإيجابي تعدى الستين عاماً، وقد عجز قانون الجذب عن تحقيقه.

أريد أن أختم بكلمات بسيطة من صميم ديننا الحنيف، أنه لابد من الدعاء وحسن الظن بالله، الشيء الذي يتطلب تفاؤلاً وعدم قنوط بما يمكن أن يهبه الله لنا، فالأماني تتطلب عملاً وجهداً مضنيان لتحقيقها، لأن الله يأمرنا بالعمل معها، وليس بالضرورة أن يُستجاب لنا كل ما نتمناه، فقد تؤجل الإستجابة إلى وقتٍ آخر في الدنيا أو حتى إلى موعدٍ آخر في الآخرة لحكمةٍ يعلمها الله، وهذا يتطلب مواصلة الدعاء وحسن الظن بالله مع العمل، الأمر الذي يشق على النفس المحافظة عليه.

 

رأي واحد حول “لماذا لا نبحث عن السبب؟”

  1. أنا لم أقرأ الكتاب ولكني شاهدت الفيلم الوثائقي، ويجب أن أعترف أني كنت مبهوراً بطريقة عرضه والرسائل الإيجابية التي ينشرها، وأعتقد أنَّ إقتراح ( حسين يونس ) يمثل قيمة كبيرة للكتاب المنشور لو كان تحت إسم ( السر في الإسلام ) والذي بدوره سيخدمنا بشكل أفضل بكثير. وكما شاهدت في الفيلم الوثائقي، فقد كنت على يقين من أنَّ الإسلام يتناول الكثير مما تم مناقشته هناك، ولكن أن يكون ذلك في كتاب مع المراجع … فذلك من شأنه أن يعزز قيمنا الاسلامية وأن يكون مصدر إلهام لنا للمضي قدماً في التفكير الإيجابي.

    رد

أضف تعليق