في كل مرة أدخل فيها بلداً متحضراً، أسأل نفسي نفس هذا السؤال: (( كيف فعلوها؟! ))، سألت نفسي هذا السؤال مراراً وتكراراً عندما زرت المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، والآن كندا … كيف تمكن هؤلاء القوم الذين يدينون بديانات مختلفة – غير الإسلام – وينتمون إلى أعراق مختلفة – غير العربية – من التقدم والإزدهار في شتى قضايا الإنسان من ثقافة، حرية، أدب، أخلاق، علم، سياسة، نظام … إلخ، كيف؟! كيف يمكن لإنسان غير مسلم وغير عربي أن يتمتع بمثل هذه الصفات؟! ألم ننشأ على فكرة أنَّ هذه الحياة هي فقط حكر على المسلمين العرب؟ ألم يُعلمنا أهلنا ومدرسونا بأننا أهل الكرامة العالية والأخلاق الحميدة والحق المبين؟ لماذا إذاً لا نلحظها إلا في بلاد الكافرين؟ لماذا إذاً أصبحت كرامتنا العربية والإسلامية في أدنى مستوياتها؟ وأخلاقنا لا تمت للإنسانية بصلة، والحق المبين الذي ندعي أننا أصحابه … أصبحنا بعيدين عنه أشد البعد، ماذا بقي لنا غير الإدعاءات الواهية والمتشكلة بأشعار المديح لكرامة الأجداد، والقشور الإسلامية، وأقنعة المساجد؟ ماذا بقي لنا غير الخوف والجوع والذل والخنوع؟
لعل أحد القراء يتساءل الآن … لماذا هذه البداية السلبية لمقال يأتي بعد غياب أربعة أشهر؟ ولماذا هذه السلبية في الطرح وأنت قادم من بلد إيجابي مثل كندا؟
الجواب: كنت أعتقد أني لو هاجرت إلى كندا وتركت أمتي العربية … ستشفى جراحي الحضارية، وسيتسنى لي أن أبدأ حياة جديدة بكل معنى الكلمة لا تنغصها الشوائب العربية، ولكني كنت مخطئاً جداً، ففي أثناء وجودي في كندا وفي كل مرة كنت أرى فيها شيئاً جميلاً كالأخلاق العالية للتعاملات اليومية، وأنظمة الدولة التي تتحرك كدقات الساعة، والقيادة الراقية للمركبات، والقيمة العالية للإنسان كإنسان، وإنتشار الكتاب والقراءة، كنت أجد غصة في نفسي وأتساءل … ويل قومي … أين هم من كل هذا؟ ما الذي ينقصهم حتى يكونوا مثلهم؟ ثم أراجع نفسي مرة أخرى وأقول لها … العرب رضوا بالجهل والتدجين حياة ومنهجا … ما بالك وبالهم … أتركهم وشأنهم … لتحترق أمتي العربية!
لم أستطع … لم أستطع أن أنسى أمتي وحالها الذي يكسر الخاطر، لم أستطع الإنسلاخ عنهم … وتذكرت رد “سعد بن عبادة” رضي الله عنه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حادثة غنائم الجعرانة يوم حنين عندما قال له (( ما أنا إلا من قومي يا رسول الله ))، وتذكرت يهودي بني قريضة، الذي كان له يد على “سعد بن معاذ“، وفضل الموت مع قومه في غزوة بني قريظة على ألاَّ يحيا دونهم رغم أنَّ رسول الله قبل شفاعة سعد له، وترك له زوجته وأولاده وبيته وأمواله.
هذا حالي مع قومي الذين أحبهم، فالكنديُّون والغرب لا يحتاجونني ولا يحتاجون كتاباتي وأبحاثي، هم فعلوها – أي الحضارة – وسعيدين جداً بها، الدور علينا الآن … يجب أن نتوقف عن تمجيد التاريخ والبدء في صناعته من جديد، يجب أن نمنح أمواتنا الذين ماتوا من خمسمائة عام … ومن ألف عام تقاعداً يليق بهم … وأن نسمح لمن بيننا اليوم في قيادتنا وبناء مستقبلنا. لا يمكن لأمة أن تنهض وهي ما زال يحكمها شخصيات باتت تراباً من مئات السنين، جزاهم الله عنا كل الخير سلفنا الصالح، فقد صنعوا التاريخ وأفضوا إلى الله، اليوم الدور علينا نحن الذين نعيش الحاضر أن نكمل ما بدءوه وأن لا نقف فقط على أطلالهم.
الآن عزيزي القارئ، دعني آخذك في لقطات لأكثر ما أعجبني في كندا:
-
النظام: النظام في كندا عبارة عن دقات ساعة لا تتقدم عن موعدها ولا تتأخر، النظام هناك هو روتين حياة متشبع للنخاع، أجمل ما في النظام أنه يحفظ الحقوق، ويُريح العقول والأبدان، ويحقق العدالة.
-
البشاشة: سماحة الوجه في كندا – وإن بدت مصطنعةً في بعض الأحيان – متطلب أساسي لسوق العمل والحياة اليومية، ورغم أنك تعلم أنها ليست دائماً حقيقية، إلاَّ أنها تُضفي شعوراً رائعاً في نفسك. أنا سمعت الكثير من النقاد العرب يتكلمون عن إصطناعية البسمة لدى الغرب، وأنها ليست نابعة من القلب، وأنا أقول لهم … ومن قال أنها يجب أن تكون نابعة من القلب؟ عندما تتأمل في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (( تبسمك في وجه أخيك صدقة )) هذا لا يعني بالضرورة أنَّ قلبي يجب أن يحب ويعشق كل أخوتي المسلمين الذين أقابلهم في الطرقات، ولكن يجب علي أن أصنع بسمة على وجهي إنصياعاً لأمر رسول الله، ونشراً للوجه البشوش في أرجاء المجتمع الإسلامي والذي يزيد من نشاط الروح والبدن لدى المُبتسم ولدى مشاهدي البسمة. أرجو العودة إلى مقالة ( أقنعة المساجد ).
-
المكتبة العامة: المكتبات العامة في كندا عبارة عن مدرسة مستقلة بحد ذاتها، مليئة بالمرح والنشاطات الأكثر من رائعة، الدعوات لحضور الأمسيات في المكتبة أو لإحضار أطفالك لحضور نشاطات ثقافية وترفيهية متعددة تأتيك إلى هاتف منزلك، ويتم تسجيل إسمك والتأكيد عليك في أكثر من يوم لحضور تلك النشاطات والتي تختلف بين دروس في الطهي للفتيات وربات البيوت، دورات في توعية الأمهات في كيفية التعامل مع الأطفال، نشطات في الحاسب الآلي، نشطات في القراءة الجماعية، نشاطات في الأعمال الفنية، نشاطات توعوية عن أنواع الحشرات والحيوانات، نشاطات محادثة عامة لتقوية اللغة الإنجليزية، أمسيات لأبناء المهاجرين لتثقيفهم عن قوانين كندا … والكثير الكثير الذي لا يسعني أن أحصيه الآن. في الحقيقة أكثر ما أدخل الفرح على أطفالي في كندا هي هذه المكتبة العامة. تخيل أنَّ كل ما تقوم به من حضور للفعاليات المختلفة أو إستعارة للكتب والمراجع والإسطوانات المدمجة … هو كله بالمجان.
-
قيادة المركبات: أنا لم أعبر يوماً طريقاً في حياتي مع شعور كامل بالأمان طال عنان السماء مثل ما شعرت في كندا. أثناء وجودي في كندا، قمت أنا وزوجتي بإجتياز الإختبار النظري لقيادة المركبات، وجلسنا ندرس قوانين المرور التي أبهرتنا، فقد لفت إنتباهنا أنَّ محور قوانين المرور تدور حول السلامة العامة وبالتحديد “المشاة” وعابري الطريق، سواء كانوا بشراً أو حيوانات، أضف إلى ذلك سلامتك الخاصة داخل المركبة وسلامة أطفالك، فقانون كندا يقدس السلامة العامة، ويجرم منتهكيها أشد التجريم ويفرض عليهم العقوبات المالية الطائلة.
-
شبكة المواصلات: حافلات المواصلات في كندا كانت عبارة عن تسلية جميلة لي ولأسرتي، كنا نتجول بين الطرقات في حافلات مكيفة نظيفة تصلح لقراءة الكتب والتفكير في أمور حياتية هامة، كما أنها تخدم جميع فئات الشعب كالمتضررين جسدياً، فالأعمى الذي لا يستطيع أن يرى إسم المحطة القادمة، يستطيع أن يسمع صوتاً آلياً ينطق إسم المحطة قبل بلوغها بقليل، والأصم الذي لا يستطيع أن يسمع إسم المحطة يمكنه أن يقرأها على لوح إلكتروني يشير إليها مع الوقت والتاريخ، كما أن الحافلات في كندا تعمل حسب وقت مُجدول بدقة بالغة كالطائرات ويمكنك معرفة الأوقات بالتفصيل عن طريق موقعهم الإلكتروني على شبكة الإنترنت. لقد قضيت أكثر من شهر بين الحافلات ولم أضيِّع يوماً وقت حافلة أبداً، لأني أعلم وقتها قبل مغادرة منزلي، ولا أجمل من ذلك!
-
الخصوصية: لم أتعود في الوطن العربي أن أنتبه مطلقاً لقضية مثل الخصوصية، فنحن العرب نحب أن نتدخل فيما يُعنينا وما لا يُعنينا ودائماً ما نجعل من أنفسنا أوصياء على من حولنا دون إذن مُسبق، ولكن في كندا … الخصوصية هي أكثر من طريقة حياة، فقد إنتبهت إلى أن شعوري بالسكينة والراحة والأمان في طرقات كندا نابع من تمتعي بالخصوصية، الخصوصية أساس في الدستور الكندي، لدرجة أنها تصل إلى الزوجة، فعلى سبيل المثال، عندما كنت أتابع إنجاز الأوراق الحكومية عن طريق الهاتف، كانوا يفصحون عن الأوراق التي تخصني وتخص أطفالي الذين هم دون سن البلوغ، عندما كنت أطلب الإستعلام عن أوراق زوجتي، كانوا يعتذرون عن الإفصاح عن أي شيء يخصها، ويطلبون مني إبلاغها هي بالإتصال، كان يقول لي مأمور الدولة في إتصالاتي المتعددة: سيدي، لا نستطيع الإفصاح عن أي معلومات تخص زوجتك، لعلها لا تريدك أن تعلم أي شيء عنها، هذا أمر خاص بها وعليها هي الإتصال والإستفسار بنفسها … وليس أنت، وإذا كانت هي ترغب في تفويضك بالمتابعة، فما عليها إلاَّ أن ترسل لنا بورقة رسمية موقعة منها تبلغنا فيها بأنها لا تمانع من تفويضك لمتابعة المعاملات والأوراق الخاصة بها. بل أكثر من ذلك، عندما جاء وقت ولادة زوجتي لطفلتنا الثالثة “نور” وهممنا بالذهاب إلى المستشفى، قمت بإبلاغ إدارة المستشفى في قسم الولادة بأننا مسلمون، ولا نرغب بأن تخلع زوجتي حجابها أمام الرجال، لذلك أتمنى عليكم أن توفروا لنا ممرضات نساء يقمن بتطبيبها، وهذا ما كان بفضل الله، فجلسنا في المستشفى ما يُقارب اليومين ولم يدخل علينا ذكر واحد، وأحترموا خصوصيتنا وديننا تماماً، فلهم مني جزيل الشكر والتقدير.
-
المبادرة: جلست ذات يوم أنا وأسرتي في حديقة عامة خضراء كالتي في قصور الملوك والرؤساء، قضينا فيها أكثر من ثلاث ساعات في جو جميل وهواء عليل إلى أن إقترب وقت الغروب، وعندما هممنا بمغادرة الحديقة وجدنا إمرأة مُسنَّة تناهز الثمانين عاماً خرجت من منزل قرب الحديقة وبدأت في تنظيفها، وعندما إقتربت منا بدأت بملاطفة بناتي الصغيرات، وطبعاً ثقافتي العربية أبت إلاَّ أن أتدخل فيما لا يُعنيني وأن أسألها سؤالاً مباشراً … لماذا تقومين بما تقومين به هنا في الحديقة؟ هل أنت من فريق التنظيف المسؤول عن نظافة الحديقة؟ فأجابت بإبتسامة هادئة: ( أنا لا أعمل مع أي فريق نظافة، أنا أسكن بجوار الحديقة، وما أقوم به هو عمل تطوعي تعودنا عليه في كندا، ولابد للإنسان أن يخدم المجتمع قبل مغادرته للحياة )، فما كان مني أنا وزوجتي إلاَّ أن نشكرها ودعونا الله بأن يباركها … وفي داخل أنفسنا تمنينا أن يهديها الله للإسلام لتكون في الجنة. فاجأني الكنديُّون بمبادراتهم، أقف أنا وزوجتي قرب إحدى محطات الحافلات في وسط المدينة نحاول فهم الإرشادات المكتوبة لأوقات الصعود، وتأتي إلينا سيدة كندية لاحظت أننا نحتاج إلى مساعدة … فما كان منها إلاَّ أن عرضت علينا المساعدة، وقرأت لنا المكتوب وشرحته لنا وبكل بشاشة وسرور، مع العلم أن زوجتي محجبة وملامحنا عربية إسلامية، ولم يمنعها ذلك أبداً من عرض المساعدة علينا.
عندما جاء يوم السفر، وصعدت إلى الطائرة عائداً إلى الرياض، ما كان مني إلاَّ أن دعوت في قلبي أن يحفظ الله كندا وشعبها على حسن معاملتهم وروعة أنظمتهم التي وفرت الأمن والعدل وكل ما يحتاجه الإنسان.
أريد أن أسمع منك عزيز القارئ… بالله عليك … ما الذي قام به الكنديُّون لا يستطيع العرب القيام به؟
أستاذ حسين ,
تأكد تماما أن ما تقدمه لنا هنا في هذا الموقع لهو عزيز و غالي و ثمين , بل هو عصارة خبرات و اختزال ثقافات في مقالات تقدمها لنا بالمجان دون أن نتعب أو نشقى في سبيل جمعها , و قد أثار حفيظتي بالفعل التوجه السلبي للكثير من القراء في أمتنا الحبيبة حيث ينهلون من مشارب المعرفة والعلم دون أن يبادروا بالإسهام بما لديهم من تعليقات أو مداخلات قد تكون مفيدة و ذات أهمية , إنها ثقافة التخزين ! مع الأسف .
لم تبخل علينا بما لديك , فتقبل مني بالغ الشكر والتقدير .
من ناحيتي اجد الموضوع ممتدا لترسبات تاريخية منشؤها ليس ببعيد ، فالقعود عن الإصلاح والاكتفاء بالحد الأدنى من الالتزام بالقوانين عنصران ترسخا في وجدان الشعب العربي بعمومه نظرا للسياسة المتفردة التي اتبعتها معظم القيادات في عالمنا العربي ، التفرد في صنع القرار و تهميش الشعوب على امتداد ما يقارب الخمسمئة عام مابين سيطرة عثمانية ثم انتدابات واستعمارات أوروبية الى النهوض المفاجيء للحكومات القائمة على السلطة العسكرية .. تاريخ من التهميش والاحكام الطارئة التعسفية أدت بالعربي الفرد الى انفصال ملغوم عن شعور الإنتماء للجماعة التي يعيش داخلها … بات مفتقدا للإحساس بأهمية دوره داخل مجتمعه ، شعر بأنه حرف زائد لا مكان محسوم له في أبجدية الوطن ، تراخى وتكاسل واستسلم وأعجبته حالة اللا انضباطية واللا إنتاجية ، وجد من حوله ينهبون فحلل لنفسه العمل بالمثل ، وجدهم لا يقرؤون فقرر أن يريح رأسه بسحبة سيجارة وكاسة شاي على القهوة مع مجموعة من الشباب الذين يشاطرونه حالة اللا إنجاز التي تروق لعلية القوم ممن يحتكرون المال وصنع القرار و يتخذون لأنفسهم أبراج مشيدة تحميهم من غضب العامة ان وجد له طريقا للتفجر . كلا أنا لست أضع اللائمة على خمسمئة عام من التهميش والنخبوية العسكرية .. لست أبدا أحلل للفرد ان يعلق إخفاقاته على شماعة الحكومات .. أنا فقط أعود للجذور حيث بدأت الرواية بفصولها الأولى ، أما وقد طالت بِنَا القصة و خرجت عن الحد فلا بد لنا من النظر في البذرة ، النواة ، الأساس ، الأم !
إني أكاد أجزم أن الأم هي من تحدد مقياس الإنتاجية والانضباط لدى الجيل الذي تشارك في إنجابه وإطلاقه لهذه الأمة ، ولا أستشهد هنا إلا بالقول الشعبي الذي حفظناه ( تسلم البطن اللي جابتك ) ، تلك المرأة التي قررت أن تزرع غرسة حسنة فنالت بها عند الله خير ثواب .
أعود لتعليق أختي التي سبقتني هنا و تحدثت عن نشر الوعي والتوجه للعامة ضمن دورات و نشرات توعوية ، ونعود لنقطة البدء حيث يقع اللوم على أصحاب السلطة التي امتنعت عن إرساء القوانين بشرحها أولا و الانضباط في تطبيقها ثانيا ، ثم نعود للفرد الذي استوعب المعضلة ولم يحاول إيجاد الحلول بالبدء بنفسه ، ثم نعود لتعليق الأخ الكريم بأن الله لا يصلح ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم ، ثم أنتهي النهاية المحسومة عند العروة الوثقى ألا وهي ديننا الذي أضعناه وقد حفظنا الله به ، ثم أختم المقال بذكر فضل المستشرقين الذين اختزلوا حضارة العرب والإسلام و وضعوها ضمن مناهج تم تدريسها وتلقينها لأبناء الغرب الذي استقبلها أحسن استقبال و التزم بها دون أن يعلم أنه يطبق شريعة المسلمين التي استطاع المستشرق الغربي امتصاصها كالإسفنجة وتقديمها للأمم الغربية على أنها مباديء الحضارة الحديثة القائمة على العقل والمنطق والعلمانية البحتة .
حفظ الله أمي وأمهاتكم وأمهات المسلمين
صدق من قال ( مدرسة )
يمكن تلخيص مشكلة العرب الحقيقة في أنها غياب حس المسؤولية تجاه أنفسهم وذويهم ومجتمعاتهم، وذلك بسبب إختلال ميزان المبادئ والقيم الإنسانية التي لا يمكن للمحتمعات الراقية النهوض من دونها.
كما أن غربتي في العالم الأول أفصحت لي عن أسباب أخرى مشينة لهذا التردي العربي، على رأسها الأنانية وحب الذات، والعجيب أن هذه الصفة التي تعطل نهوض المجتمع ليست حكراً على العرب وحدهم، بل منتشرة بين أغلب سكان العالم الثالث بعربهم وعجمهم، وهنالك أسباب وجيهة لهذه الأنانية سأسلط الضوء عليها في مقال منفصل بإذن الله.
وأتفق معك حول دور الأم المحوري وأهميته في إنشاء جيل ذو قيمة عالية.
لا تعلمين مدى سعادتي بمداخلاتك القيمة، فمضى وقت لم أرى فيه قرَّاء للموقع من خلفيات ثقافية عالية.
شكراً لك وكل التوفيق
كلام رائع لكنني بصراحة مش عارفة إجابة السؤال, سنين طويلة نحن المسلمون نسأل هذا السؤال, لماذا غيرنا تقدموا بهذه الدرجة ونحن نتأخر للوراء, لعدم وجود الرقابة وعدم وجود العدل في تنفيذ العقوبة في حالة التقصير أو عمل الغلط, مع ان فعلا اللي يسافر منا للخارج بيتبع القوانين وطريقة المعيشة الرائعة والنظيفة في كل شيء أما في بلادنا فالغالب منا لا يريد الإتقان في أي شيء, إسلامنا دين عظيم لكن للأسف لا نعمل بما فيه, فالحكومات لا تؤدي دورها من أجل تقدم بلادنا وكذلك الأفراد. لكن عندي أمل كبير ان هذه الأحوال تتغير في القريب بإذن الله, جزاك الله خيرا.
@سوسن امين, أصبتي أختي الكريمة سوسن … الأفراد … نعم الأفراد، سوف تتغير الأحوال وتتحسن لو كل فرد منا أخذ زمام المبادرة وبدأ بمراقبة نفسه وأفعاله وتصرفاته وبدأ بتحسينها.
أنا لا أحتاج إلى وزير أو أمير حتى يعلمني كيفية التقيد بقواعد المرور أو المحافظة على نظافة الشارع من بالقمامة والأوساخ.
لو بدءنا نحن الأفراد بمراقبة أنفسنا وتطوير سلوكنا … تأكدي تماماً من أننا سنرتقي بأداءنا العربي في وقت قصير وملحوظ بإذن الله.
كل التوفيق
حمدا على السلامة أخي الكريم وعودا حميدا ..
جميع قراء المدونة في شوق الى كتاباتك الاجتماعية العادفة ..
وأسلوبك التلقائي الممتع..
لي عودة للتعليق ان شاء الله ..
@نوره, بارك الله فيك وفي إنتظار تعليقات ومداخلاتك المشوقة يا نورة.
“ما الذي قام به الكنديُّون لا يستطيع العرب القيام به؟ ”
لا شيء. والدليل هو أن العرب يتأقلمون بكل سهولة مع الأنظمة الغربية ويستطيعون بسهولةأن يتعايشوا معها ويتبعوها ما دامت موجودة ومعروف مزايا اتباعها وعواقب مخالفتها. البعض سيحاول أن يتجاوزها لأنه لم يعتد احترام القانون ولكن بعد أن يتعرض لوخامة العقوبة يتعلم. المطلوب هنا أن توضع هذه الأنظمة وتطبق على الجميع بلا استثناء حتى تصبح جزء لا يتجزء من نسيج المجتمع ونبدأ نرى الفوائد الجمة ومن ثم ندافع عنها بكل ما نملك كما رأينا من مايكل مور والقسيسة ديبرا لينزي يدافعون عن قيم بلادهم مهما خالفهم التيار.
@لؤي علي, مادامت حكوماتنا تعاني ما تعانيه، ويبدو أنها لا يوجد لديها أي نية في تحسين الوضع العربي … لماذا لا نبدأ بتطبيق النظام بأنفسنا؟ لماذا لا نعاهد الله على إخراج نشئ مسؤول يعي النظام والأخلاق وأهمية الحفاظ على المجتمع الذي نعيش فيه؟
ما فعله الكنديون ولم يفعله العرب مرتبط بعدة أمور منها:
– وجود نظام، وتعريف الناس به.
ففي الرياض مثلاً عندما انطلق نظام ساهر لضبط حركة المرور لم يسبقه برنامج تعريفي أو توعوي واضح ومكثف، فتكبد الكثيرون عناء دفع غرامات هائلة لأخطاء لم يعتادوا أنها أخطاء في نظامنا المروري! فلا مدارس القيادة تعلّم، ولا المدارس تربي، ولا الإعلام يوضح، والأهل في عالم آخر!!
بينما في كندا وغيرها يتربى الطفل على النظام، ويكبر والنظام روتين طبيعي تقبح مخالفته!
في كندا يمكنك معرفة الأنظمة بسهولة، في المواقع والأماكن، والآن عرفنا أنه حتى المكتبات العامة تعرفك بالنظام!
– التعليم: هنا يقبِل الخريجين الكفوئين على تخصصات مثل الهندسة والطب، وتبقى التخصصات التعليمية والتربوية ملاذا للمضطرين للحصول على مقاعد دراسيةوإن لم تكن ضمن اهتمامهم أو رغبتهم!
هنا يتم اختيار المعلمين والأكاديمين على أساس المعدل الدراسي كأهم عامل للمفاضلة، ووفقاً لطرق الدراسة لدينا، فسيحصل على المعدل الأعلى من يحفظ أكثر، أو يمتلك لباقة أكثر مع أساتذته!
بينما هناك توجد معاهد تخرج معلمين مؤهلين للتدريس، فالتعليم شأنه مقدس وليس كل من تخرج مؤهل للتعليم وتربية الأجيال!!!
النظام والتعليم، هما أبسط وأكثر الأمور بداهة، ورغم ذلك يتم إهمالها بشكل مؤسف هنا!! طبعاً ناهيك عن التربية ودور الأهل والحرية والعدل وغيرها من العوامل ..
لذا فطالما أن الحال كما هو عليه، فكيف ينهض المجتمع العربي، طالما أنه متكئ على أسس بالية مهترئة!
والدور ليس على الحكومات فحسب – وإن كان الدور المناط بها كبيراً – لكنه دور التجار في الاستثمار في تنمية الشعوب بدلاً من حسابات البنوك، ودور المدارس والجامعات في الالتزام بدورها الحقيقي في التنمية، ودور الأهل في إحسان التربية، ودور كل واحد منا في تنمية ذاته ومهاراته وتفكيره..
مع أهمية الابتعاد عن التنظير الممل، وخوض ساحات العمل الجاد المستمر..
@ريم حسن, إذاً المشكلة برمتها واقعة على عاتق الدولة من ناحية الأنظمة وتطبيقها، والفرد من ناحية السلوك النظامي وأخلاقه في تحمل المسؤولية والإنصياع للنظام.
أنا أرى أنه لابد من إدراك واقعنا وواقع حكوماتنا والفوضى العارمة التي تعانيها بلداننا … لابد من تجاهل دور الحكومة والبدء في تحمل المسؤولية بأنفسنا!
أعني في ذلك أني أنا كفرد عربي … لا أحتاج إلى الحكومة لكي تعلمني أني لا يجب أن ألقي بالأوساخ من نافذة المركبة، ولا أحتاج الحكومة أن تعلمني أني لا يجوز لي أن أتجاوز الإشارة الحمراء أثناء القيادة.
أنا لا أبرء المسؤولين … هم مقصرين وبشدة، ولكني أطرح فكرة جديدة في كيفية تحسين اللمجتمع من خلال سلوك الفرد العربي والذي يمكن أن تساهم به الأسرة من خلال تربية صالحة ومسؤولة.