منذ نعومة أظفارها.. وابنتي خديجة هادئة تكره الصوت العالي وتعشق الموسيقى الكلاسيكية، تحب أن تسرح في خيالها، ودائماً الجسد في مكان.. والروح في مكان آخر.. وبالكاد تتحدث!
كنت أستغرب من ذلك الهدوء وانتقده في بعض الأحيان إلى أن كبرت وبدأت تظهر مواهب ذلك الهدوء..
خط في الكتابة أنيق، رسومات تشكيلية جميلة، ألوان متناسقة، لغتها في الحديث أنيقة، تحب السينما الإنجليزية التي تصور إتيكيت العائلة المالكة في بريطانيا، وطريقة حديثها وتناولها للشاي وقراءتها للكتب، تستهويها العادات الملكية لدرجة أنها أصبحت تُعلم نفسها اللكنة الإنجليزية في الحديث والتي هي مختلفة عن اللكنة الكندية والأمريكية حتى أصبحت تتصرف كأميرة، خصوصاً عندما تكون مع نفسها في خلوتها.. تسرح منفردة في عالم لا نفهمه!
في شهر نوفمبر الماضي شاركت خديجة في مسابقة فنية بطلب من مدرستها، ورسمت لوحة أنفقت عليها أيام متتالية، وبعد أيام من تسليمها تم ترشيح لوحة خديجة لتكون الممثل الوحيد لمدرستها في منافسة على مستوى مقاطعة أونتاريو، وإذا فازت في المرحلة القادمة.. ستنافس على مستوى كندا.
من باب دعم خديجة التي ستمثل المدرسة، قامت إدارتها بتعليق كلمة تشجيعية كما ترون في الصورة أعلاه، وأنا شخصياً سعدت بها جداً.
بطبيعة الحال، كنت أضغط على ابنتي في فترة من الفترات أن تكون طبيبة أو ما شابه، وذلك بحكم الثقافة التي نشأت فيها، ولكن اليوم.. إذا طلبت مني أن تذهب إلى كلية الفنون بدلاً من كلية الطب.. لن يكون لدي أي مانع وسأعمل على تحقيق رغبتها!
فلو دفعتها رغماً عنها إلى تخصص لا ترغبه، سأكون قد بنيت لها قبراً من الفشل، ستحيا فيه طيلة عمرها إلى أن تغادر الحياة، أما لو ذهبت إلى ما تحب وفقاً لقدراتها العقلية ومهاراتها الفطرية، فسأمهد لها طريق النجاح في الدنيا والذي يقود بدوره إلى النجاح في الآخرة، وهذه هي وصفة صناعة المبدعين والقامات!
تذكروا..
لو أرغمنا السمكة على تسلق شجرة كمعيار للنجاح، ستنهزم وينعتها الجميع بالفشل..
ولو أرغمنا السلحفاة على دخول سباق الجري.. ستنهزم هي أيضاً..
فكما صحَّ عن المصطفى ﷺ (( كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ )).