أرجو من قرَّاء الشبكة الأعزاء أن يتحلُّوا بالصبر إلى أن ينتهوا من قراءة المقال قبل أن يتهموني بترويج الفكر الإستعماري الضال، الذي يهدف إلى إضعاف المسلمين وإنقاص عددهم، كما يدعو أمم الأرض كلها لإحتلالنا بشكل مباشر وغير مباشر لمصادرة ثرواتنا التي وهبنا الله إياها بحجة تخلفنا وإهدارنا لها. فأنا اليوم بصدد قضية مهمة جداً متفاقمه أوصلت المسلمين إلى درجات دنيا من الحضيض، حيث أصبحوا لا يستطيعون التحرر منه بسبب الفهم الخاطئ لما يقرءون ويسمعون.
فموضوع اليوم يبحث في مسألة الإنجاب النوعي وأهميته في ظل الظروف السياسية والإقتصادية الراهنة، فالإنجاب الكمّي الغير منظَّم يزيد من تفاقم مشاكل المسلمين، فالعالم كله بما فيهم العرب يعانون من أزمة غذاء حادة، ألحقت الضرر بدول العالم الثالث على وجه الخصوص، تلك الدول التي تمتاز بتكاثر كبير وغير منظم، أضف إلى ذلك أزمة السكن وصعوبة الحصول عليه في ظل التضخم الإقتصادي الذي يجتاح قطاع العقارات ويُحدث غلاء معيشي لا يُطاق، وما يعانيه مواطنو الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً خير شاهد على ذلك.
وما يزيد من تفاقم المشكلة بشكل مزري، إستبداد الحكومات العربية التي أهلكت الحرث والنسل ولم تبقي أي خير لشعوبها سوى الرحيل عن أوطانها لطلب الرزق الحلال متأسين بالآية الكريمة في قوله تعالى { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } النساء من الآية 97، فالحكومات العربية مع الأسف لا توفر التعليم المجاني، وإن وجد… يكون ركيكاً سيئاً لا يبني أجيالاً، كما لا توفر العلاج الصحي المجاني كما في الدول المتقدمة، حتى أصبحنا نسمع عن بعض الدول العربية التي مازالت تعاني من أمراض مزمنة كالملاريا والكوليرا، فالقضية أصبحت تحتاج من الأهل التخطيط السليم والتأني الحكيم قبل التحمس للإكثار من الإنجاب.
وأود الإشارة إلى الأحاديث الشريفة المتداولة بين الناس فيما يتعلق بمسألة الإنجاب والتي حُمِلت على غير محملها، فمن الأحاديث المشهورة من رواية سعيد بن أبي هلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( تناكحوا تكثَّروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ))، والحقيقة أن هذه الرواية بهذا المتن صنفت على أنها ضعيفة، حيث ذكرها الألباني في ضعيف الجامع 2484، بل ذكر السبكي في طبقات الشافعية الكبرى أن نص الحديث بـ (تكثَّروا) لم يجد له إسناداً، وهكذا ذكر الغزالي ضعف الحديث نفسه في كتابه “إحياء علوم الدين”.
أما الحديث الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم قال: (( تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة )) مختصر المقاصد للزرقاني 326، والشاهد من إستدلالي هنا أن النص الصحيح ذُكر فيه كلمة (تناسلوا) أي طلب الذرية وإبتغاءها، وهذا لا يشترط الكثرة المفرطة، أما النص الضعيف ذُكر فيه كملة (تكثَّروا) والتي تعني المبالغة في التناسل بهدف الكثرة والوفرة. والأهم من هذا كله أن العلماء صنفوا هذا الحديث في باب الحث على النكاح، ولم يُصنفوه في باب الإكثار من الإنجاب.
لا أريد عزيزي القارئ أن يُفهم من كلامي أني أدعو إلى تحديد النسل بعدد معين لكل عائلة… معاذ الله، ولكني أدعو إلى التناسل بتخطيط وحكمة لرفع نوعية الذرية إلى أرقى المعايير، وهذا يعتمد على الأهل أنفسهم الذين يعرفون قدراتهم التربوية والمالية أكثر من غيرهم، فمن الممكن أن عائلة عبدالله تتحمل الإنجاب حتى 6 أبناء، وعائلة عبدالرحمن لا تتحمل أكثر من 3، فأنا أقول نعم للتنظيم ولا للتحديد، نعم لإعمال العقل والتخطيط ولا للتبعية العمياء والعشوائية، نعم للإدراك والفقه ولا للجهل والعمومية، نعم للتواضع والمسئولية ولا للمفاخرة والجاهلية، فالأعداد الكبيرة المُبالغ فيها تُرهق الأهل في تربيتهم لأولادهم مما يجعلهم يرضون بأي شيء من باب التخلص من أعباء التربية والنفقات المالية، وبهذا الهوان ستنخفض جودة الذرية في الأمة، مما يُبقيها في قاع الإخفاق، ولعل منكم من يقول أن المولود يأتي ومعه رزقه، وهذا كلام صحيح لا غبار عليه، ولكن ليس بالضرورة أن يحظى الوالدان بذلك الرزق مباشرة، لعله يُؤجل إلى حين آخر بعيد.
وقِس على ذلك تعدد الزوجات، عندما عدد المسلمون بعشوائية ودون تخطيط، أصبح التعدد لعنة عليهم، وأذلهم وأثقل كاهلهم، وكما ذكرنا في مثال الإنجاب، لا نستطيع أن نضع حد للتعدد ولا نستطيع أن نحث الجميع على التعدد، لأن ما يصلح لفرد في المجتمع قد لا يصلح لغيره، فالتعدد مباح ومطلوب ولكن بدراسة القدرات المتاحة لكل فرد.
فلو سألنا أنفسنا كيف سيُسر ويُفاخر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأعدادنا التي لا فائدة منها؟ لابد من أن يُعمِلَ المسلم عقله ويتدبر مقاصد الشريعة وما حث عليه النبي، هناك فرق كبير بين تنظيم النسل وتحديده، فلو قارنَّا عائلة أنجبت 3 أولاد وعملت على تعليمهم بشكل جيد، وعائلة أخرى أنجبت 8 أولاد مع تعليم شبه معدوم، أتساءل… أي العائلتين ستكون قد خدمت المجتمع الإسلامي؟ أي العائلتين سيفخر بها النبي الكريم؟ أترك لك الجواب والتعليق.
بالمقابل لو إستطعنا أن نجد عائلة تستطيع إنجاب 10 أولاد وقادرة على تعليمهم جميعاً فهذا خير وبركة ومجد للأمة، ولكن هذا الأمر كما ذكرت آنفاً يحتاج إلى تخطيط حكيم حتى ينجح، فكلٌ منا يعلم إستطاعته للسنوات القادمة، إلا أن يُحدث الله أمراً كان مقضياً سواء إيجاباً أم سلباً، وهذا كله في علم الغيب المتروك لله وحده، وبما أن موضوع الإنجاب ومستقبله أمر غيبي، فأنا أعتقد أنه لا مانع من أن يُدعم بصلاة الإستخارة في فترة التخطيط حتى يكون مشروعاً في طريقه الصحيح.
عزيزي القارئ، يجب أن تعلم أن عشوائية الإنجاب دون إدراك العواقب، هو تحطيم للقدرات البشرية التي تذهب هباءاً لأنها لا تحظى بحقها في الإستغلال والظهور، هذا ما يدعو إليه الإستعمار، الجهل الدائم والفقر المدقع والأوبئة المستعصية، فلا ينبغي أن نقلب نِعَم الله علينا إلى نِقَم كالتعدد الأهوج للزوجات والإنجاب بكثرة للمفاخرة، فالوالد لا يُريد أن يقضي عمره كله خارج منزله يكد من أجل أن يُعيل عائلته الكبيرة التي تفوق طاقاته المتاحة، متى سيلتفت إلى أمر التربية؟ فالأم غير قادرة على القيام بمهام التربية وحدها، فللأب الدور الأساسي في ذلك، ولعلي سأتطرق لموضوع تربية الأطفال في مقال منفصل بإذن الله.
اعجبتني طريقة طرحك في تمويه طريقة تحديد النسل بوصفها بتنظيم النسل وان كنت لا تراها كذلك فأنا منذ زمن ادعوا الى تحديد النسل ب ٢ على الأكثر لأن عندما يصل تعداد العالم الى ١٠ مليار ستكون هناك مشكله في الموارد بغض النظر عن الذي يقولون مثلما رفعنا معدل انتاج الغذاء العالمي في ال١٠٠ سنه السابقه سنرفع مستوى الانتاج الى ابعد من ذلك عندما يزيد العدد .. احب ثقتهم عندما يتحدثون وكأن الثروات موزعه بشكل متساوي وكأنه لا يوجد مجاعات ولم يفكروا بالمساحه والازدحام والاراضي.. لو الأمر بيدي لجعلته الزاميا والله ..
التنظيم بدلاً من حد النسل، أجد ذلك مثيراً للإهتمام للغاية، لأن نتائج ستكون إيجابية في نوعية الجيل الجديد. كان لي حديث مع أحد معارفي منذ شهرين تقريباً، فقال لي ما يلي: ( لقد سبق لي أن أنجبت 6 أطفال، وليس لدي أي خطة للحد من ذلك، أنا أحب الأطفال ). وعندما تحدثنا مزيداً عن نمط حياته وكيفية تربيته لأطفاله، كان واضحاً أنه الشخص المناسب والمتشجع لإنجاب المزيد من الأطفال بسبب الجهد الذي يضعه في تربية أولاده والقيم التي يعلمهم إيها، وعلى الرغم من ذلك، هناك أفراد في دول غربية معينة يحصل فيها الأهل على أموال إضافية من الحكومة بالتوازي مع عدد أولاده، والقصد من هذا المال هو المساعدة في تربية الطفل، ولكن ومع الأسف، يُساء إستخدام هذا المال تماماً من قبل الوالد، وهذا الشخص هو مثال على من يفتقد مهارات الأبوة والنتيجة ستكون وقتها مدمرة على الأسرة وعلى المجتمع.