في مساء تلك الليلة، تواصلت سارة وخلود عبر الهاتف للدردشة قليلاً، وكان الحديث حول التغيير الذي تمران به، وقد بدا أنه يؤرِّق سارة أكثر من خلود..
خلود: لماذا أنت متثاقلة من وجود أسرتك في المنزل؟
سارة: ليس تثاقلاً بقدر أنه أمر لم أكن جاهزة له، فأنا كانت لدي خطط لتطوير حياتي كما تعلمين، وأشعر أنَّ الحجر المنزلي سيحرمني منها.
خلود: ما الذي دفعك لهذا الاعتقاد؟
سارة: لماذا أشعر أنك لا تعيشين معنا على نفس الكوكب؟ سأقضي يومي بأكمله أخدم أفراد الأسرة من دون توقف! متى سأجد وقتا لنفسي؟
خلود: أنا أفهمك.. بالتأكيد سيكون الأمر برمته مُرهِقاً في بدايته، لكن قد تكون هذه فرصة رائعة لتدبير حياتك بالشكل الذي تريدين، فأنا وجمال مررنا بمثل هذه المعاناة عندما كنا نعيش في الغرب قبل العودة إلى الشرق، وكان جمال يعمل في المنزل لخمس سنوات، والبيوت في الغرب كانت أصغر بكثير من البيوت في الشرق، ومع ذلك.. استطعنا تَعلُّم الكثير وتكيَّفنا مع الوضع إلى أن أصبحنا نحب وجودنا في المنزل مع بعضنا البعض.
سارة: والله يا خلود أنت محظوظة.. لا أدري من أين أبدأ!
خلود: إبدأي بالأهم قبل المهم، وأكتبي كل شيء على الورق حتى يتسنَّى لكِ رؤية الصورة الكاملة لحياتك خلال الـ ٢٤ ساعة فلا تنسين أياً مما خططتِ له.
سارة: وما هو الأهم وما هو المهم؟
خلود: بالتأكيد سلم الأولويات يختلف من أسرة لأخرى، ولكن هنالك أمور مشتركة بين جميع البشر، على سبيل المثال.. أوقات نوم واستيقاظ زوجك وأولادك أهم ما تبدئين به التخطيط، ووقت النوم أهم من وقت الاستيقاظ لأنه سيُسهِّل بداية اليوم التالي.
سارة مُقاطعة: أعطني مثالاً من حياتك فيما يخص تجهيزات المساء؟
خلود: أهم ما أقوم به قبل النوم.. تنظيف المنزل بالكامل بحيث يكون جاهزاً في اليوم التالي، فأنا لا أحب أن أهدر وقت الصباح في التنظيف، وعِوَضاً عن ذلك أستغله في ممارسة الرياضة والجلوس مع جمال للفطور وشرب القهوة وتجاذب أطراف الحديث. وجمال لا يحب أن يستيقظ على رائحة كريهة في المنزل ولا يحب أن يسمع صوت مكنسة الكهرباء في ساعات الصباح.
سارة: هذا يعني أنك لن تحظي بأي وقت في المساء للاسترخاء لمشاهدة التلفاز والمسلسلات؟
خلود: أنا لا أهوى مشاهدة التلفاز كثيراً ولا أحب مشاهدة المسلسلات.. أحب مشاهدة الأفلام أكثر، والأفلام نشاهدها مرة في الأسبوع من مساء كل يوم خميس، وأحب أن أجلس مع زوجي والأولاد للحديث والقراءة وهكذا.
سارة: ما شاء الله عنك يا خلود، أنت مثالية!
خلود: الأمر ليس منوطاً بالمثالية، إنما بالثقافة المحيطة، فقد تغيرت كثيراً عندما هاجرنا إلى الغرب، وذلك الاختلاف الثقافي كان كفيلاً بتغيير حياتنا بشكل كبير.
سارة: على الرغم من أني أحب الحياة الغربية كما أراها في الأفلام، إلاَّ أني أحب الشرق ولا أهوى الاغتراب.
خلود: التجربة أثبتت أنك إن لم تكوني مضطرة للاغتراب، يمكنكِ تطوير حياتك وأنت في مكانك، ففي ظل الثورة التكنلوجية والمعلوماتية التي نعيشها اليوم، بات الأمر سهلاً للتعرف على ثقافات الأمم الأخرى من دون مغادرة منزلك.
سارة: سيتطلب الأمر الكثير من البحث.. العملية تبدو مرهقة جداً!
خلود: صحيح.. لكنها تستحق!
استمر النقاش حول الطريقة المُثلى للحياة في ظل الحجر المنزلي، وفي كل مرة كانت تكتشف سارة أنها تحتاج الكثير من التغيير، ولكن التحدي الذي كان أمامها هو أنَّ التغيير لابد أن يكون مشتركاً مع باقي أفراد الأسرة.. وهو أن تُقنع رأس الهرم (خالد) بمساعدتها في التغيير وتطوير حياتهما المليئة بالمنغصات وعدم الراحة من كثرة الغموض وقلة المصارحة.
***
على الرغم من وجود خلود في العالم الافتراضي من خلال منصات التواصل الاجتماعي منذ سنين، إلاَّ أنها لم تكن تهوى متابعة المشاهير وحياتهم اليومية، فهي تستثمر وقتها في السوشال ميديا بشكل فعَّال لتعلُّم معلومة جديدة من مصادر موثوقة ومتابعة مَن يستحق للحفاظ على وتيرة التطوير.
كانت خلود متواجدة فقط على منصتي (الفيسبوك – Facebook) و (اليوتيوب – YouTube)، وكانت تسمع أولادها يتحدثون كثيراً مع أصدقائهم عن منصة (إنستغرام – Instagram)، فسألت نتالي عنها وأخبرتها أنها أفضل وأسرع لمشاهدة صور ومقاطع مرئية قصيرة للذين تتابعهم، فقررت خلود إنشاء حساب على إنستغرام ولم تكن تعي حجم التغيير الذي ستلحقه تلك المنصة في حياتها.
***
استيقظت سارة في اليوم التالي وكانت مكالمتها مع خلود قد أثَّرت فيها إيجاباً، فكانت مفعمة بالإيجابية وتريد أن تضع خطة فعَّالة لأسرتها تمكنها من إدارتها بإيجابية علَّها تستفيد وتُفيد، وكان أهم ما على قائمة أولوياتها هو تحسين العلاقة مع زوجها خالد قدر المستطاع من دون أن تُثقِل عليه، فهي مدركة لحجم الأعباء النفسية التي يمر بها في العمل ومزاجه المُتقلِّب بسبب عدم استقرار الأوضاع المادية لأسرتها ذات المصاريف الكبيرة.
في تلك الأثناء، كان خلود وجمال يستعدان لممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق، فالأجواء الباكرة كانت مُنعشة والحجر المنزلي يسمح لهم بالسير في الشوارع شريطة ألاَّ يبتعدوا كثيراً عن محيط الحي الذي يقطنون فيه. وبينما هم سائرون، كانت سيدة تسير في الاتجاه المعاكس، وكلما اقتربت تلك السيدة كان جمال يزداد تحديقاً بها، حتى أصبحت أمامهم تماماً وحدث ما لم يكن متوقعاً..
جمال: إيمان؟ يا لها من مفاجأة!
إيمان: جمال.. غير معقول! كنت قد سمعت أنك انتقلت للعمل هنا، لكن لم أكن أتوقع أن نلتقي بهذه السرعة!
نظر جمال إلى خلود: حبيبتي، هذه إيمان التي كانت..
فقاطعته خلود ويبدو أنها لم تكن سعيدة بهذا اللقاء: أعلم من هي.. ومستغربة من صدفة اللقاء، يا لها من دنيا صغيرة.
إيمان: فعلاً.. دنيا صغيرة جداً، وسعيدة بهذا اللقاء.
كانت خلود في تلك الأثناء كأنها تتقلَّب على نار مشتعلة، وكانت تنظر إلى جمال وهو يتحدث مع إيمان، وكانت تُجري مسحاً كاملاً لإيمان من رأسها حتى أخمص قدميها..
إيمان: خلود؟ خلود؟
كانت خلود سارحة لم تنتبه إلى نداءات إيمان: نعم؟
إيمان: كنت أسألك كيف الأولاد نتالي ورامي؟ لابد أنهم قد كبروا كثيراً منذ آخر مرة التقينا فيها؟
خلود: بالتأكيد، فهذه سُنَّة الحياة، جميعنا يكبر ويمضي قُدُماً، وبعضنا يَعلق في الماضي لا يستطيع تجاوزه!
شعر جمال بنوع من الإحراج بسبب تعليقات خلود التي كانت غير سعيدة بهذا اللقاء، فقال: لا نريد أن نُعيق رياضتك الصباحية، نتمنى لك يوماً سعيداً مليئاً بالنشاط والحيوية..
وما أن همَّا بالانصراف.. أوقفته إيمان مُبادرة: دعني أعطيك رقم جوَّالي لنبقى على تواصل..
جمال: بالتأكيد!
وبينما كانوا يتبادلون أرقام الجوَّالات، كان ينظر جمال خلسة إلى خلود ليراها عابسة والشرار يقدح من عينيها.
خلود: أريد أن أعود إلى المنزل.
جمال: لم نكمل مشينا بعد..
خلود: متعبة وأشعر بأنه تم استنزاف طاقتي، إن أردت.. أكمل وحدك وأنا سأذهب، أو إلحق بإيمان لتكمل معها المشي.
جمال: ما هذا الكلام الذي لا داعي له يا خلود؟ سأرافقك إلى المنزل.
بدا جمال في تلك اللحظات متوتراً وضعيفاً وهو ذلك العاقل الذي لا تغادر الهيبة والوقار مُحيَّاه، وبينما كان يسير إلى المنزل كان يفكر بالقَدَر الذي جمعه مرة أخرى بإيمان (يا لها من صدفة!) قال جمال في نفسه.
***
استيقظ خالد ليرى سارة منهمكة في التمارين الرياضية، فثنى شفتيه وهزَّ رأسه إعجاباً بها، ومن ثم ذهب إلى المطبخ يجهِّز كوباً من القهوة، وبعدها إلى الشرفة ليحتسيها مع سيجارة كعادته.
كانت سارة تنظر إلى خالد خلال التمرين وهو يدخن السيجارة تلو الأخرى، وفجأة ركضت إلى الشرفة.. فقد كان يهم بإشعال النارجيلة..
سارة: أرجوك أجلها ولا تبدأ يومك بها..
نظر إليها خالد متعجباً: ما خطبك؟!
سارة: أرجوك.. دعنا نتناول الفطور سوية ولا تشعل هذه المشؤومة، نريدك أن تجلس معنا في الداخل.
نظر خالد إلى سارة نظرة لم تعتد عليها.. فيها شيء من الاستعجاب والإعجاب، ثم قال وعلى وجهه ارتسمت بسمة خفيفة: حاضر.. حاضر يا زوجتي!
تهلل وجه سارة وكأنها وُلِدَت من جديد، لم تعتد أن ينصاع خالد لأوامرها بهذه السهولة، فدائماً ما يفعل ما يحلو له ولا يهمه أحد!
نادت سارة أولادها كي يستفيقوا ويُجهِّزوا أنفسهم للفطور، وذهبت على عجالة لتستحم، كانت تشعر بشيء جميل في داخلها.. لا تدري ما هو، كانت تنتظره منذ فترة طويلة وأخيراً حدث، فقد كانت سارة امرأة مليئة بالطاقة والطموح، لكنها تائهة لا تدري من أين تبدأ كي تصل إلى ما تريد!
***
دخل جمال وخلود إلى المنزل.. طبقت الباب بقوة والغيرة تأكل قلبها، وضع جمال جوَّاله على الطاولة وهو لا يدري ماذا يفعل مع زوجته الغاضبة..
جمال: لماذا كل هذا؟ لقد تجاوزنا هذه الفترة وأرى أنك تبالغين بردة فعلك!
خلود: أبالغ؟ ألم ترى نفسك وأنت تتحدَّث معها والسعادة تملأ وجهك؟!
جمال: ما الذي كنت تتوقعين مني فعله؟ تجاهلها وكأنها غير موجودة؟
خلود: كان يمكنك تجاهلها بدلاً من مبادرتها بالتحية..
جمال: كنت أنوي فعل ذلك لكن هي التي بادرت بالتحية وليس أنا..
خلود: تكذب وأنا كنت أشاهد كل شيء؟! أنت الذي بادرتها وأوقفتها.. عيب عليك!
جمال: والله لا أتذكَّر مَن بادر مَن.. لكن على أي حال لا أعتقد أنَّ ردَّة فعلك ستكون أخف حِدَّة إن بادرتني هي.
خلود: تصرَّف بمسؤولية عندما تكون برفقة زوجتك! هل هذا صعب عليك يا مُفكِّر يا مُحترم؟
جمال: أنت تعلمين جيداً أني أحترمك، وكل ما تقولينه ليس حقيقي.. أرجوكِ كُفِّي بلاءكِ عني.. فالأمر لا يستحق!
استيقظ رامي ونتالي على صراخ والديهما، ودخلا إلى الصالة مستغربين من الذي يحدث، فهذه ليست عادتهما في النقاش بهذه الحِدَّة..
نتالي: أمي.. ما الذي يحدث؟
التفت جمال إلى خلود: هل هذا جيد؟ هل هذا ما تريدين؟ هستيريا صباحية لمجرَّد الالتقاء صدفة بشخص لا تحبينه؟
خلود: أنت تعلم أنَّ ما أغضبني تعاملك مع الموقف.. ليس إلاَّ..
جمال: وكيف كانت الطريقة المُثلى برأيك للتعامل مع الموقف؟
خلود: احترام زوجتك عندما تكون برفقتك!
جمال: تريدينني كالأبلة عندما أمشي بالشارع.. جبان لا أستطيع أن أتعاطى مع الحاضر بسبب قصص قديمة؟ تريدينني مهزوزاً أمام الناس كي تشفي غيظك؟
خلود: لو كنت تحترمني وتهتم لأمري لما رضيت أن تأخذ رقم جوَّالها.
جمال: خلود.. دعينا نهدأ ونتجاوز هذا الموقف.. لن أبقى في دوامة جدالك العقيم!
ذهب جمال إلى غرفته وأصبح الجو العام في المنزل غائماً وسلبياً للغاية، كانت خلود تشعر بأنها تختنق.. فلم تتمالك نفسها وجلست في الصالة تبكي بحرقة، وجلس بجانبها رامي ونتالي يُعانقانها ويطبطبان عليها.
***
تناولت عائلة سارة الإفطار والبهجة كانت تعمُّ المكان، الجميع كان يشعر بحيوية غير اعتيادية من دون أن ينطق أحد بكلمة، فخالد كان جالساً على الطاولة يتناول فطوره وعيناه لا تفارق سارة التي كانت تتعامل معه باهتمام بالغ لم يعتد عليه، وكأنه يقول لها (أريني منكِ خيراً، وسأريكِ من السعادة نهراً)، فالعناد لا يُولِّد سوى العناد، وما جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان.
بعدما انتهوا من طعام الإفطار، جلست العائلة تتجاذب أطراف الحديث وهم يحتسون الشاي، وكان فايروس كورونا محور الحديث..
سارة: سمعتك وأنت تتحدَّث يوم أمس مع جمال، أنت ترى أنَّ هذا الفايروس مُدبَّر؟
خالد: ليس لدي أدنى شك في ذلك، فهو مُدبَّر ومُصنَّع في مختبرات خاصة تابعة لمخابرات الدول العُظمى.
ياسمين: ما الهدف من وراء ذلك يا أبي؟
خالد: في اعتقادي أنَّ الهدف هو اختبار أسلحة بيولوجية جديدة استبدالاً للأسلحة التقليدية المُدمِّرة للعمران والبُنية التحتية.
ياسمين: ماذا يعني أسلحة بيولوجية؟
خالد: هي أسلحة تحمل في داخلها جراثيم وميكروبات أو فايروسات هدفها التخلُّص من البشر، وهي موجودة بالفعل منذ زمن، لكن الدول الإمبريالية التي تقود العالم تعمل على تطويرها لاستهداف عِرق مُعيَّن وجنس مُعيَّن، فيمكنهم إطلاق تلك الأسلحة في مكان واحد يستهدف أناس معينين ويترك غيرهم.
يارا: واو.. وكأني قرأت مثل ذلك السيناريو في أحد القصص الروائية!
خالد: كل ذلك تم ذكره بالفعل في الكثير من الروايات والأفلام منذ عشرات السنين.
سارة: وكيف يتم استخدام هذه الأسلحة؟
خالد: قد يتم استخدامها عن طريق نشر العدوى كما حدث مؤخراً مع فايروس كورونا، فيتم تجنيد أناس مصابين يتقصَّدون نشر الفايروس بين الأصحاء بشكل مُتعمَّد، وقد شاهدنا الكثير من تلك المقاطع المرئية التي التقطتها كاميرات المراقبة في الصين وأمريكا وغيرها، أو عن طريق إلقاء قنابل لا تُحدِث انفجارات نارية لحظة ارتطامها بالأرض، إنما تنشر دخان أو ضباب في المكان الذي تنفجر فيه من دون صوت أو آثار انفجار، لتبدأ رحلتها في البحث عن ضحاياها.
أحمد: كيف سنحمي أنفسنا يا أبي من تلك الأسلحة؟
خالد: والله يا ولدي هذا سؤال وجيه ومهم ليس لدي جواب عليه، في تلك المواقف لا حامي سوى الله، وتفادي مثل تلك الأسلحة غير ممكن سوى في اعتزال المدينة والعيش في القرى والأرياف أو وسط الصحراء.
سارة: تماماً كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يعتزل المسلم الناس في آخر الزمان لحظة انتشار الفتن، وما تقوله يا خالد من أكبر الفتن التي ستشهدها الأرض.
خالد: أنا شخصياً كما تعرفون أحب المدينة ولا أهوى حياة الأرياف، لكن مؤخراً بدأت أتمنى أن يكون لنا بيت في الريف مع مزرعة نحرثها ونأكل منها بأمان إلى أن نلقى الله بعيداً عن حياة المدن المقرفة والغير مُريحة، فإن لم نمت من الكورونا، سنموت قريباً من العمل في بيئة الشركات السامة جداً، وكل يوم أذهب فيه إلى العمل، أشعر أني أموت موتاً بطيئاً.
***
جاء وقت المساء، ولم يتفوه جمال وخلود بأي كلمة، فقد كانت خلود جالسة تتواصل مع أختها أماني عن طريق الواتساب، بينما كان جمال مشغولاً في قراءة كتبه والبحث على الإنترنت.
خلود: تخيَّلي مَن قابلنا اليوم؟
أماني: مَن؟
خلود: إيمان..
أماني: أي إيمان؟
خلود: الحرباء ذاتها..
أماني: بربك؟ أنت تمزحين؟
خلود: لا والله لا أمزح، وزوجي السافل كان سعيداً بهذا اللقاء!
أماني: كيف حدث ذلك؟ اروي لي القصة من طقطق إلى السلام عليكم..
أخذت خلود تروي لأماني تفاصيل الموقف.. وأهم ما قالته لها: لقد خلعت حجابها ونحَّفت جسمها وعدَّلت أنفها ونفخت شفاهها..
أماني: لا أصدِّق!
خلود: صدقي صدقي.. لقد أمضيت أكثر من ساعتين وأنا أبحث عنها في السوشال ميديا إلى أن وجدتها، سأبعث لك حساباتها لتشاهدي بنفسك كيف كانت قبل عمليات التجميل وكيف أصبحت اليوم..
أماني: يا الله كم تغيَّرت.. لا أصدق أنها إيمان التي كنا نعرفها، أصبحت كعارضات الأزياء!
خلود: هذا ما يقهرني، ويبدو أنها ما زالت عزباء وقد أعطت رقم جوَّالها لجمال.
أماني: احترسي يا خلود منها، فهي أصبحت جميلة جداً وقادرة على أن تسلب لُبَّ زوجك بكل سهولة، خصوصاً أنها تعرفه جيداً.
خلود: أنا في حيرة من أمري ولا أدري ما أفعل؟! سأترك له البيت وأهجَّ إن فكَّر في التواصل معها.
أماني: لا تكوني غبية وفكِّري جيداً قبل الشروع بأي فعل قد تندمين عليه.
انتهت خلود من تبادل الرسائل مع أماني، وعادت مرة أخرى لتتصفَّح حسابات إيمان على منصات التواصل الاجتماعي، فانتهت من حسابها على الفيسبوك، وانتقلت إلى حسابها على إنستغرام، وبدأت تقارن بينها وبين إيمان في الشكل والجسم، وبينما كانت تُقلِّب صورها على إنستغرام، كانت تُقلِّب نفسها على نار مُشتعلة تزداد مع كل صورة أجمل من التي كانت تليها.
بينما كانت خلود تشاهد صور إيمان، كان إنستغرام يقترح عليها متابعة حسابات أخرى مشابهة لحساب إيمان، ويبدو أنَّ إنستغرام قد صنَّف حسابها كعارضة أزياء أو فاشينيستا، الأمر الذي زاد من غيرة خلود كثيراً، فالحسابات المُقتَرَحة كانت لعارضات مشهورات غاية في الجمال، وعدد المتابعين لدى إيمان كان يفوق المائة ألف مُتابع! وأدركت إيمان لحظتها أنها ستخوض حرباً مع إيمان أشرس من حرب البشرية ضد فايروس كورونا!
تأخَّر الوقت كثيراً وكانت خلود مُنهكة من يوم ضاع سدى ولم ُتنجز فيه أي شيء يُذكر سوى حرقة الأعصاب وتقفِّي أثر إيمان في العالم الافتراضي، فقررت الذهاب إلى النوم، وفي طريقها إلى الغرفة.. طنَّ جوَّال جمال مُنذراً بوصول رسالة واتساب جعلتها تقف مُتَسَمِّرة تختلس النظر كي تقرأ اختصارها الذي يظهر على شاشة الجوَّال المُغلقة.
يتبع..
هذا اول جزء بقرئه.. وشدني صراحة مميا يجعلني اقرء الاجزاء الاولى… بصراحة هاذا حال النساء عندما يتعلق الامر بامرءة اخرى يزداد ضيق حدود تفكيرها وعقلها حتى ان كانت مثقفة ومتعلمة ههههههه
أضحك الله سنك يا أستاذ حسين، انعطاف غير متوقع في الأحداث، يعني انعكست الآية في العائلتين!! عندي سؤال: دائما في هكذا روايات يتخيل القارئ مثلي أن السرد يعكس أحداث حدثت مع الكاتب أو عاصرها، هل ترى نفسك جمال أم خالد؟ و سؤال آخر: هل الأحداث تعكس من عاش في الشرق أو الغرب سلبا و إيجابا؟
القصة مشوقة و ننتظر بقية الحلقات بفارغ الصبر، جزاك الله كل خير و أرجو لك التوفيق و السداد.