{ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } .. ألجأ إليه وأشكو همي وكمدي على ما آلت إليه أحوال مصر التي تكالب عليها العرب والعجم لتدميرها، ولا شك أنَّ أعداءنا اليوم وعلى رأسهم الكيان الصهيوني قد سجلوا نصراً غير مسبوق على أمتنا بسبب الأحداث الجارية هناك والتي نقلت العرب من ديكتاتورية عظيمة إلى ديكتاتورية أعظم، ولما كنا نكتب في نقد هذه الأحداث التي تُسمى بالربيع العربي محاولين كشف أبعاده المؤلمة .. كنا نُتَهم بالجهل والعمالة، هذا الربيع الذي كان من اليوم الأول ربيعاً عسكرياً وقوده المُستضعفون من الشعوب .. الشعب الذي مازال يعشق البذلة العسكرية والنظارة السوداء ليضرب أوتاد دولة الظلم والطغيان ويُثبِّت أركانها في أرضنا ووجداننا، وبما لا يدع مجالاً للشك .. صدقت نبوءة محمد ﷺ في حق هذا الزمان الأسود الذي سماه (( المُلك الجبري )) الذي اختفت منه كل سبل الحرية والحياة الكريمة ليسود فيه العسكر والإجبار على الباطل بالقهر والإكراه.
إنَّ ما يراه العالم اليوم من جرائم بشعة تقع في مصر هي جرائم غير مسبوقة في تاريخها الحديث، ولعل أسوأ ما في هذه الأحداث أنَّ القائمين على المشهد لهم أجندات باتت واضحة المعالم فحواها بناء دولة مصرية مفتتة ومجردة من كل قيم الإسلام، ليصبح أهلها يتمتعون فقط بأشكال المسلمين الخارجية من لحية وحجاب، مع أفكار منحرفة تكفر بكل ما يمت للإسلام بصلة.
أبواق الجاهلية تعلو في سماء مصر داعية إلى الفرعونية .. يرددون جهاراً نهاراً على ضرورة تطهير مصر من الإسلام وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الفتح الإسلامي من كفر وضلال .. حتى أصبح النفاق هو سيد الموقف في الإعلام المصري الخاص والعام .. يُريدون هدم أسس الإسلام الإنسانية من خلال اللجوء إلى أساليب دنيئة على رأسها الأساليب الإسرائيلية المشهورة في تعويد الناس على رؤية قتل المدنيين الأبرياء، فنقلوا مشهد القتل الفلسطيني إلى مصر حتى أصبح كل من له ملامح إسلامية جائز قتله بحجة أنه إرهابي من تنظيم الإخوان، وأسوأ ما في هذا المشهد القاتم غياب أهل العقل والحكمة بما فيهم شيخ الأزهر الذي أبى قول الحق ليصبح راهباً في ديَر تاركاً منبره للفريق « عبدالفتاح السيسي » وزمرته يتحدثون عن الإسلام كما يتحدث الإسرائيليون عن السلام !! كان أولى بهم تطهير مصر من عصابات البلطجة التي أهلكت الحرث والنسل .. ولكن مشهد الفساد لا يمكن أن يكتمل في مصر من دون هؤلاء الصعاليك .. صبية أمن الدولة والعسكر.
يُريدون تحطيم قيم الوحدة الإسلامية وعزل مصر عن أشقاءها العرب والمسلمين، فيقول لي أحدهم ما دخلك في الشأن المصري؟ فأرد عليه { إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }، حتى أصبح هنالك فئة من المصريين متعاطفين مع الكيان الإسرائيلي أكثر من تعاطفهم مع أشقائهم في فلسطين !!
إنَّ ما هو أشد بشاعة من مشهد القتل في مصر .. التحريض عليه !! فيؤسفني إنفصام العقل والفهم الذي مازال يعاني منه فئة واسعة من أبناء مصر بدعمهم وتبريرهم للقتل، ونسوا أو تناسوا ما قاله رسول الله ﷺ (( لَزَوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ مِنْ قتلِ مؤمِنٍ بغيرِ حقٍّ )) .. ولكن ما قيمة هذه الدُرر السَّنيَّة إذا أصبح الإسلام نسياً منسيِّا؟
أعيد وأكرر .. أنا ضد فكر ومنهج الإخوان، ولكني أيضاً ضد الظلم والطغيان !
ماذا عساي أن أقول للمسلمين في مصر؟ هل يرضون بالذل والظلم والهوان؟ أم يثبتوا على ما يرونه حقاً لهم؟ أقول لهم ما قاله رسول ﷺ: (( لا تَتَمَنَّوْا لقاءَ العدوِّ، وإذا لَقِيتُموهم فاصبِروا )) أي لا تتمنوا في أي حال من الأحوال لقاء العدو والإشتباك معه، ولكن إذا حدث الإشتباك ولابد من ذلك .. فاثبتوا واصبروا ولا تتراجعوا، وبما أن الترسانة الأمنية والعسكرية في مصر باتت هي العدو، أصبح واجباً على الأحرار الثبات في الميادين بشتى الطرق التي تضمن لهم نيل حقوقهم والعيش بكرامة.
فقط أذكركم بأن جيشكم ليس خير جنود الأرض .. بل أسوأها، والحديث الذي يتناقله العامة وينسبوه كذباً وبهتاناً لرسول الله ﷺ:
(( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك خير أجناد الأرض ))
حديث كاذب موضوع ليس له أصل ولم يقل به رسول الله ﷺ، فلا تغرنكم البذلة العسكرية والنظارة والسوداء التي ستبيد أحراركم ولن تذر منهم على أرض مصر ديَّارا.
وفي الآونة الأخيرة كنت دائم التفكر في وصية رسول ﷺ التي قال فيها:
(( سيصيرُ الأمرُ إلى أن تَكونوا جُنوداً مجنَّدةً، جُندٌ بالشَّامِ، وجندٌ باليمنِ، وجُندٌ بالعراقِ، قالَ ابنُ حوالةَ: خِر لي يا رسولَ اللَّهِ إن أدرَكْتُ ذلِكَ، فقالَ: عليكَ بالشَّامِ، فإنَّها خيرةُ اللَّهِ من أرضِهِ، يَجتبي إليها خيرتَهُ من عبادِهِ، فأمَّا إن أبيتُمْ، فعليكُم بيمنِكُم، واسقوا من غُدُرِكُم، فإنَّ اللَّهَ توَكَّلَ لي بالشَّامِ وأَهْلِهِ ))
لماذا لم يذكر جند مصر في الحديث؟ هل هي إشارة إلى أنَّ جيش مصر وقتها سيكون على عداء مع الإسلام لأنه سيتم إفساده عنوة؟ الله أعلم .. ولكن قد يكون الأمر كذلك، وأنتم وحدكم وإخوتكم العرب والمسلمون من يمكنه تحديد مستقبل الإسلام في مصر.
فيا شرفاء وأحرار مصر ..
{ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ } ..
{ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } ..
{ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } .. صدق الله العظيم.
* ملاحظة: بينما أخط هذا المقال استوقفتني تغريدة على التويتر للصحفية والناشطة الحقوقية اليمنية « توكل كرمان » الحائزة على جائزة نوبل للسلام تقول فيها:
( في طريقي إلى رابعة العدوية، لا أستطيع إلاَّ أن أكون مع الأحرار )
هذه المرأة التي ارتفعت في سماء العزة وتفوقت على الكثير من رجال العرب والمسلمين، قامت بما لم نقم به نحن الرجال المُدَّجنون .. فلها مني كل التحية والتقدير.
