دائماً ما كان حزب المحافظين في كندا يجهر بعنصريته على الملأ غير آبهٍ بحقوق الأقليات وحرياتهم التي كفلها الدستور، حتى خسر الحكم في أكتوبر الماضي جرَّاء تلك العنصرية التي كرهها الجميع، فقد شوَّه ذلك الحزب سمعة كندا في المحافل الدولية وخلق لها عداءات من لا شيء، ناهيك عن ميله الكبير للصهوينية والكيان الإسرائيلي، لدرجة أنَّ هناك مِن النقَّاد مَن أطلق على مجلس العموم الكندي إسم الكنيست الإسرائيلي بسبب قراراته المجحفة في حق فلسطين والقضايا العربية.
من الأمثلة على ذلك، التصريحات العنصرية لوزير الهجرة الأسبق «جيسون كيني» في أكثر من مناسبة، ففي عام ٢٠١٢م قام بزيارة إيرلندا ليحثَّ مواطنيها على الهجرة إلى كندا، وذكر خلال مقابلة متلفزة على قناة إيرلندية في الدقيقة (7:12) عن رغبته في استقطاب مهاجري إيرلندا لأنهم متوافقون مع الثقافة الكندية، طبعاً هذا التصريح في كندا يعتبر تصريحاً عنصرياً بكل المقاييس، وقد أثار وقتها إستياء الرأي العام الكندي، لأنه يعني بكل وضوح أنَّ العرب والهنود واللاتينيين والصينيين والروس وغيرهم من المهاجرين الذين لا ينحدرون من أصول بيضاء، ليسوا متوافقين مع الثقافة الكندية الغربية المتمثلة في الرجل الأبيض الكاثوليكي ذو الميول الصهيونية، وبالتالي هم رجسٌ ليس مُرحَّب بهم ولا نرغب في قدومهم إلينا!
بل أكثر من ذلك، لم يتوانى نفس الوزير عن إصدار مذكرات مسيئة في حق النائب البريطاني الشهير «جورج غالاوي» ليتم منعه من دخول كندا بتهمة الإرهاب لوقوفه بجانب العرب والمسلمين وعداءه العلني لإجرام الدولة الصهيونية، وعندما وصل الخبر إلى النائب البريطاني، ركب أول طائرة متجهاً إلى كندا ليتحدى صهيونية «جيسون كيني» وعنصريته العمياء في دعم الإجرام الإسرائيلي، وإتجه إلى مكتب «جيسون كيني» الخاص في مدينة كالغاري لمقابلته شخصياً، ولكنه لم يتمكن من ذلك بحجة أنَّ الوزير متواجد في العاصمة أوتاوا، فقرر النائب البريطاني التوجه إلى العاصمة لمقابلته هناك ولكن من دون جدوى، فالذي قرر طوعاً ربط أغلال الصهيونية على رقبته لن يتمكن من مواجهة الأحرار.
في الإنتخابات الفدرالية الأخيرة من عام ٢٠١٥م، وفي سابقة هي الأولى من نوعها في برلمانات العالم الأول قاطبة، وصل في وقت واحد عشرة نواب مسلمين من أصول مختلفة، وهذا لم يحدث من قبل في أي دولة من دول العالم الأول على الإطلاق، وجميعهم أعضاء في الحزب الليبرالي الحاكم، وهم:
- مريم مُنصف (مسلمة من أصول أفغانية)
- إكرا خالد (مسلمة من أصول باكستانية)
- سلمى زاهد (مسلمة من أصول باكستانية)
- ياسمين راتانسي (مسلمة من أصول تانزانية)
- عمر الغبرة (مسلم من أصول سورية)
- مروان طبَّارة (مسلم من أصول لبنانية)
- على إحساسي (مسلم من أصول إيرانية)
- مجيد جوهري (مسلم من أصول إيرانية)
- أحمد حسين (مسلم من أصول صومالية)
- عارف فيراني (مسلم من أصول أوغندية)
دعني أصارحك عزيزي القارئ – كالعادة – بأمر واقعي، قد يكون حزب المحافظين في كندا عنصري بغيض، ولكنه صاحب مبدأ، فعنصريته هذه ناجمة عن مبادئه التي يؤمن بها حتى وإن لم نوافقه عليها، لكنه في نهاية المطاف صاحب مبدأ، وأنا شخصياً أحترم أصحاب المبادئ.
في العالم اليوم توجد حركة عالمية ضد إسرائيل تُسمى بـ (Boycott, Divestment and Sanctions) أي (المقاطعة، سحب الإستثمارات، وفرض العقوبات) وتُختصر بـ (BDS)، وهدفها زيادة الضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء الإحتلال والإستيطان في الأراضي الفلسطينية، ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، وإعادة اللاجئين إلى أراضيهم المسلوبة، وأصبحت دول العالم تتعامل مع هذه الحركة بكل جدية، خصوصاً في أوروبا، وهناك العديد من الجامعات قامت بمقاطعة جامعات إسرائيلية.
وصل صدى هذه الحركة إلى كندا، واضطر مجلس العموم الكندي يوم الإثنين الماضي إلى التصويت حول شجب تلك الحركة والتنديد بها، لأنَّ كندا وإسرائيل تشتركان في تاريخ طويل من الصداقة والعلاقات الإقتصادية والدبلوماسية، وكندا بدورها ترفض سحب إستثماراتها من إسرائيل كما ترفض مقاطعتها وفرض العقوبات عليها، وتم فتح التصويت للنواب: هل تؤيد ذلك الشجب؟
في مجلس العموم الكندي أربعة أحزاب رئيسية:
١) حزب المحافظين:
وهو الحزب الذي يقود المعارضة، وقد صوت بالإجماع بـ (نعم) على شجب الحركة والإبقاء على العلاقات مع إسرائيل، وهذا ليس غريباً عليه، فلطالما جاهر بولاءه لإسرائيل كما ذكرت آنفاً.
٢) الحزب الديمقراطي الجديد:
وهو حزب معارض، وقد صوَّت بالإجماع بـ (لا) على شجب الحركة ويدعو إلى قطع العلاقات بإسرائيل، وهذه النتيجة كانت متوقعة من هذا الحزب الذي طالما وقف إلى جانب القضايا العربية بكل صراحة، على الرغم من أنَّ زوجة رئيس الحزب «توماس مولكير» يهودية، ولكن لم يثنيه هذا الأمر عن التصويت لصالح مبادئه التي يؤمن بها.
٣) الكتلة الكيبيكية:
وهو حزب معارض، وقد صوَّت بالإجماع بـ (لا) على شجب الحركة ويدعو إلى قطع العلاقات بإسرائيل.
٤) الحزب الليبرالي:
وهو الحزب الحاكم، وقد صوت بالإجماع بـ (نعم) على شجب الحركة والإبقاء على العلاقات مع إسرائيل إلاَّ ثلاثة نواب صوتوا علناً بـ (لا) وأيدوا الحركة وأهدافها، وخالفوا بذلك رئيسهم في الحزب «جاستين ترودو» المؤيد لإسرائيل، والمفاجأة أنه ولا واحد من هؤلاء النواب من أصول عربية أو إسلامية، لكنهم أحرار وشرفاء:
مَن صوتوا بـ (نعم) هم مع إسرائيل
ومَن صوتوا بـ (لا) هم مع فلسطين
المخزى أنَّ هناك نائبين مسلمين صوَّتوا بـ (نعم) دعماً للصهيونية، وهما «مريم مُنصف» و«علي إحساسي»، أما باقي النواب المسلمين الثمانية فقد إمتنعوا عن التصويت وإلتزموا الحياد خوفاً على مقاعدهم البرلمانية، أسباب معلومة ولكنها غير مفهومة، لم يستطيعوا أن يكونوا أحراراً كأقرانهم النواب الثلاثة، ولم نستفد منهم مجتمعين أي شيء على الإطلاق!
كنت قد ذكرت في مقالات سابقة أني لا أتوقع من أي رئيس وزراء كندي التخلي عن مناصرة إسرائيل لأجل قضايا العرب والمسلمين، وهذا كان واضحاً منذ اليوم الأول في الحملة الإنتخابية لرئيس الوزراء «جاستين ترودو»، لكن ما لم أكن أتوقعه هو الخزي والعار الذي جلبه نوابنا المسلمون لنا، أولئك الذين إنتخبناهم بكل حب وإخلاص، وأخص بالذكر «عمر الغبرة» النائب عن منطقتي والذي أعطيناه أصواتنا وشحذنا همم الجالية المسلمة لانتخابه، أذكِّره بأنَّ أصوات تلك الجالية وحدها التي أوصلته إلى قبة البرلمان وليست أصوات الجالية اليهودية، ذلك المقعد الذي يجلس عليه اليوم لم يكن يحلم به لولا أصوات تلك الجالية التي تحب فلسطين ولا ترضى بذلك التمثيل المُخزي لها في البرلمان الفيدرالي.
من سمح لك بأن تصمت وألاَّ تضغط الزر بـ (لا)؟ كيف طاوعتك نفسك؟ كيف أثَّر بك كرسي البرلمان ولم يؤثِّر بك مناظر الظلم والقتل في فلسطين؟ ألم تفكر في الجالية التي إنتخبتك وإكتفيت بالتفكير بمقعدك البرلماني؟ ذلك المقعد الذي لن يعود كما كان لأنَّ حرارته ستزداد من تحتك إلى أن يحترق تماماً ولن تراه من جديد، هل تعلم لماذا؟ لأنَّ جاليتنا الكريمة تستحق تمثيلاً برلمانياً يليق بها، ومستقبلك السياسي آيل إلى الأفول لأنَّ أعيننا تراقب وأقلامنا تكتب … والتاريخ لا يرحم أحد!
سقط نوابنا المسلمون في أول إختبار لهم، وتفوَّق عليهم المحافظون العنصريون لأنَّ لديهم مبادئ يؤمنون بها، فحشد من المبادئ يجعلك تثبت في مُعترك الحياة أفضل من حشد من الجنود، ولا بارك الله في أمة تعمل ضد نفسها، ويا فرحة إسرائيل فيكم، إلى الأمام!
كلمات طيبة، أحييك.
Here is what Omar said:
http://www.parl.gc.ca/HousePublications/Publication.aspx?Pub=hansard&Language=e&Mode=1&Parl=42&Ses=1&DocId=8105393#Int-8796377
كلمة مشينة وليس لها أي قيمة!
الغبرة ساوى بين الجاني والمُعتدى عليه، ويحتاج إلى الإخلاص للحق والعدل، كما يحتاج إلى الكثير من النضج سياسي، والقضية الفلسطينية أكبر منه ومن أن يخوض بها بهذه السذاجة والسطحية.
كل التوفيق
تقصد
1_ان هناك نائبين مسلمين صوتوا (بنعم) و ليس لا على الشجب
2_،،من سمح لك بأن تصمت وألاَّ تضغط الزر بـ (نعم)؟
فقط تصحيح املائي بسيط غير المعنى اذا سمحت،
١) من صوتوا بـ (نعم) هم مع إسرائيل
٢) من صوتوا بـ (لا) هم مع فلسطين
بناءاً عليه، تم تصحيح النقطة الأولى، لأنَّ النائبين صوتوا بنعم، أما ما طالبت به عمر الغبرة هو التصويت بلا.
جزاك الله خيراً وشاكر مرورك وإهتمامك ~ كل التوفيق