من يقود دفة كندا؟

|

حسين يونس

حتى أختم موضوع كندا، سأتعرض اليوم للقوى المؤثرة فيها، فكندا كما ذكرت في تدوينتي السابقة، حالها كحال دول العالم كلها، اللوبي الصهيوني يسيطر على كثير من مجريات الأحداث فيها، كما يُحكم القبضة على سياساتها وتوجهاتها الداخلية والخارجية والكثير من القطاعات المهمة: (كالإعلام، المصارف، والأحزاب السياسية)، وقد توصلت إلى قناعة فحواها أنَّ اللوبي الصهيوني في أمريكا الشمالية من خلال تواجده خلف الكواليس، لهو أكثر فاعلية في خدمة يهود العالم من دولة إسرائيل نفسها الظاهرة للعيان، فقوتهم في الظل أكبر بكثير من قوتهم في العلن، فأغلب أهدافهم يُحصِّـلونها من خلال التأثير في قرارات الولايات المتحدة التي تخدمهم، فالعالم يستمع للولايات المتحدة وينفذ أوامرها … في الوقت الذي يرفض الإستماع لإسرائيل وما تتمناه، هذا كله جعل الولايات المتحدة تـنزلق خلف خدمة اليهود وحدهم متناسين مصالحهم الخاصة، حتى بات العالم يكره الولايات المتحدة ويكن لها كل العداء لمساندتها المنقطعة النظير للدولة العبرية.

هنالك بعض القضايا التي أزعجتني في كندا، فاليهود لهم مكانة خاصة وقوة بالغة على مستوى الكنيسة والإعلام بشكل لا يمكن أن يتصوره العقل، وهنا تكمن العلة … إذا لا يتقن العرب سياسة لعبة التحالفات والتعامل مع الشعوب الغير إسلامية، وسآتي لكم الآن بالأمثلة الواضحة.

اليهود والكنيسة
إستطاع اليهود بحنكتهم أن يُقنعوا نصارى أمريكا الشمالية ونصارى العالم كله بأنهم ضحية … ضحية حروب العنصرية … مرة مع الألمان ومرة مع العرب، وأنه لابد لهم من أن يحبوا الشعب اليهودي حتى يكونوا نصارى حقيقيين، فالمسيح عليه السلام كان يهودياً وأمه يهودية، وأثبتوا لهم هذا من خلال الكتاب المقدس وآيات العهد القديم – أي التوراة – حتى أصبحت هنالك منظمات حقوقية إنسانية ودينية كندية وأمريكية تطالب بحب اليهود ومساعدتهم، وأصبحت الكنائس تروج لهذه الفكرة من خلال قداس – صلاة – يوم الأحد، وكيف أن كره اليهود سيغضب السيد المسيح، هذا كله يحدث في الوقت الذي يجاهر فيه اليهود بكرههم للنصارى والقدح في عرض مريم إبنة عمران – الطاهرة عليها السلام – بإفترائهم على عيسى رسول الله أنه ابن زنى – حاشاه عليه السلام – في نصوص مذكورة في صريح توراتهم المحرفة وتلمودهم الزائف، تتم هذه الحملة الإعلامية اليهودية المنظمة والذكية بطريقة لا يتصورها العقل … لنذهب معاً إلى الجانب الإعلامي.

اليهود والإعلام
بينما كنت أقلب قنوات التلفاز في كندا وقعت على قناة تبث برامج التعاطف مع يهود العالم، وكيف أنهم ذاقوا الويلات حتى وصلوا إلى أرض الميعاد في فلسطين، ويتم بث مناظر هبوط طائرات المهاجرين اليهود من شتى أنحاء العالم إلى مطار بن غوريون في تل أبيب – الإسم الفلسطيني “تل الربيع” – وينقلون مناظرهم وهم يحمدون الله أن أتم عليهم هذه اللحظة، كما يتقدم لإستقبالهم رئيس الدولة الإسرائيلي ورئيس الوزراء أيضاً وجموع غفيرة من المواطنين اليهود، ويقوم المهاجرون الجدد بالسجود على الأرض حمداً لله فور نزولهم من سلم الطائرة وهم يقبلونها ويبكون … ويقوم المراسل الإسرائيلي بنقل الأحداث الجارية بعواطف جياشة وكبيرة جداً، ويهب المراسل بنفسه ليساعد المسنِّين من النزول من سلم الطائرة وهو يبكي ويقبل رؤوسهم وأيديهم وفي نفس الوقت يخاطب المشاهدين مباشرة ويقول لهم ( من أجل هذه اللحظة عملنا معاً لأكثر من ثلاثة آلاف سنة … نشكر العالم الحر على مساعدته لبني إسرائيل … اليوم سيرضى عنكم الرب ) … منظر عاطفي لا يمكن تخيله ولا يمكن وصف الطريقة التي تم إستخدامها لإخراج هذه المناظر، الشاهد هنا … ولك أن تصدق أو لا تصدق عزيزي القارئ … أنا مسلم عربي فلسطيني … بالغ راشد عاقل … من أهل السنة والجماعة … من أوائل المتضررين من الإحتلال الإسرائيلي لبلدي فلسطين … ذرفت دموعي تعاطفاً مع ما شاهدت! لم تحتمل عواطفي ما شاهدته من كمية الحنان النابع من هؤلاء اليهود لبعضهم البعض! وبينما كانت عيناي تدمع … كنت أسأل نفسي: ( ما الذي حدث لي حتى أتعاطف كل هذا التعاطف معهم؟! هل جننت؟ وإذا كنت أنا من أنا … الذي أعلم ما أعلم من فتنة وفساد هؤلاء القوم قد بكيت على هذه اللقطات … كيف بالمواطن الكندي وغيره من الذين لا يعلمون شيئاً على الإطلاق؟! ) … ألا يعني لكم هذا الموقف أي شيء؟

موقف البريد
ذهبت في يوم من الأيام في كندا إلى مكتب البريد لأرسل بريداً، وحينما إنتهيت من إرساليتي، وقعت عيني على طوابع بريدية معلقة على الحائط تروِّج لأكثر من ستين عاماً من الصداقة بين كندا وإسرائيل، وكيف أنَّ إسرائيل عانت لمدة طويلة من التمييز العنصري، بالمقابل لم ولن أجد أي طابع مماثل لأي صداقة عربية إسلامية مع كندا يروِّج لدور العرب والمسلمين المهاجرين في بناء كندا مثلاً … أو لدور العرب والمسلمين في تغذية العالم بالذهب الأسود (النفط) … حتى وإن ذهبت إلى الأرشيف الوطني الكندي … فلن أجد!، أجزم برأيي لأني أعلم قومي جيداً، وأعلم كيف أنهم لا يهتمون إلى مثل تلك اللفتات البسطية في شكلها والكبيرة في مفعولها، أول ما يخطر في بال العربي عندما يستمع إلى تعليقي ( نحن لسنا بحاجة لا إلى الكنديِّن ولا إلى غيرهم من الكافرين! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام … إلخ ) ويبدءون بالإستشهاد بقول الحق في غير مكانه … ولا يهتمون إلى أهمية العلاقات ودورها في نهضة الأمم، أنا لا أدري أين هم المبتعثين العرب الدوليين المتخصصين في العلاقات العامة؟! لماذا لا يكترثون إلى مثل هذه اللفتات البسيطة والتي من شأنها أن تُحدث إنقلاباً في النظرة العالمية تجاه العرب والمسلمين؟

رئيس الوزراء الكندي الأسبق "جان كريتيان"

اليهود والعلم
تمكن اليهود من علوم الدنيا أيما تمكن، وأصبح لهم اليد العليا في شتى أنواع العلوم داخل الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، حتى يكاد أن يستحيل أن تأتي سنة لا يكون فيها يهودي قد تم ترشيحه لجائزة نوبل وفوزه بها. فقد إستطاع اليهود أيضاً من أن يكسبوا ثقة العالم بإحترافيتهم للعلوم. ذات يوم بينما كنت أشاهد الأخبار في كندا، وإذ بخبر عملية أجريت لرئيس الوزراء الكندي الأسبق “جان كريتيان – Jean Chretien” يتصدر أهم الأخبار في ذلك اليوم، وكيف أنه قام بإجراء هذه العملية المهمة والحساسة في منطقة الدماغ في المستشفى العام اليهودي بمدينة مونتريال، لاحظ أنه فضَّل المستشفى اليهودي على سائر المستشفيات المتواجدة في كندا … هكذا نجح اليهود!

ما الذي أريده من هذه التدوينة؟ لماذا كل هذا الكلام عن اليهود وعن تبوئهم هذه المكانة العالية في أكثر من عصب حساس؟

إخوتي الكرام، هل أقمتم قبل اليوم في أي بلد غير عربي؟ أنا فعلت … فقد أقمت في أكثر من قارة ولمدة طويلة، أقمت في أوروبا … ورأيت ماذا يفعل العرب والمسلمون هناك، جل ما يقومون به هو نصب العداء لكل كائن غير مسلم يمشي على الأرض … وأنا أتساءل لماذا؟ لماذا كل هذا العداء لغير المسلمين الذين لا يعلمون أي شيء لا عن ديننا ولا عن بلادنا العربية التي قدمنا منها؟ لماذا أول ما ننزل في بلاد أجنبية نُريهم منَّا أقبح الأفعال والخصال؟ لماذا لا نفكر في إستغلال وجودنا هناك وبناء الجسور بيننا وبين العالم؟ لماذا فعلها اليهود ونحن لم نستطع؟ أكثر ما يميز اليهود هو تمتعهم بالقدرة على إدارة لعبة العلاقات الدولية.

لقد علمتني الحياة أنَّ الخير وكل الخير لا يأتي إلاَّ بإقامة العلاقات الإيجابية مع كل البشر مهما كانت إنتماءاتهم وخلفياتهم الدينية والعرقية، كما علمتني أنَّ العلاقات تأتي بالفرص والخير والعلم والدعم وكل ما يتصوره ولا يتصوره العقل.

أخيراً عزيزي القارئ، هل لك أن تذكر موقفاً واحداً حدث معك في حياتك جعلك تنعم بالخير بسبب علاقاتك الإيجابية مع الآخرين؟

7 رأي حول “من يقود دفة كندا؟”

  1. السلام عليكم اخي ، مارأيك في الهجرة الي مناطق قليلة الكثافة السكانية في كندا كمنطقة نياجرا بالنسبة للعرب و ساير المهاجرين وجزيت خيرا

    رد
  2. فعلا كلامك صحيح ١٠٠ بالمئه ، ولاكن عزيزي هل تعلم ان مايحصل للعالم العربي كله من ورا الرئساء والله هم من ينشرون ويعلموننا كره الغرب اجمع وهم يكونون لهم احباب حتى لا احد ينافسهم ويخدم مصالحهم بانهم من يمسك الشعب العربي وانهم رئساء مروضون لنا . والله ياعزيزي انا ارى اننا الى الاسفل والى الجحيم سوا فلسطين ولا السعوديه ولا جميع العرب الى الجحيم وسترا كلامي …. وانا مثلك قلت كلامي لاني ذهبت اوروبا وجلست بها ورأيت انهم اناس رائعون ومشكلتنا عدم تعليمهم عن ديننا وعن مانكون وليست مشكلتنا بل مشكله انه لايوجد لشعب دعم لهذه الامور

    رد
  3. عندما تخرجت من الجامعة كنت مهندس بدون خبرة فتوظفت في احدى شركات القطاع الخاص وكونت صداقة مع مهندس أكبر مني سناً وهو مسيحي وبعد فترة بسيطة اكتشفت انني أعمل في شركة داخلها مافيات وكانتونات فظيعة ويحكمها الجهل الفظيع منذ تأسيس الشركة قبل 50 عام ولكن بالتعاون بيني وبين هذا المهندس العزيز استطعنا ترويض الشركة بالكامل حتى اصحاب الشركة اضطروا للإلتزام والخضوع لتعليمات الآيزو ..أنا أقيم الإنسان بمدى محبته وفائدته لمجتمعه بغض النظر عن دينه , سأقول لكم شيئاً والله قد لاتصدقونه أثناء عملي في الشركة اكتشفنا سرقات كبيرة يقوم بها أناس يختبئون خلف لحيتهم وأحدهم كان امام المسجد الصغير الذي يصلي فيه العمال خلال استراحة الغذاء..

    رد
  4. صدقت أخي حسين في كلامك. يؤكد على ذلك الاحصائية التالية التي وصلتني عبر قناة حول العالم بجوال جريدة الرياض للكاتب الأستاذ فهد الأحمدي ونصها كالتالي:

    – أكبر عدد من اليهود يعيشون في: أمريكا (5.6 مليون نسمة ثلثهم في نيويورك) وإسرائيل (4.3 مليون نسمة) وروسيا (1.4 مليون) وفرنسا (640 ألف) وكندا (350 ألف) وبريطانيا (320 ألف) والأرجنتين (250 ألف) والبرازيل (150 ألف) واستراليا (92 ألف) وأخيرا جنوب أفريقيا (70 ألف)!

    وللقارئ أن يتصور حجم الأموال (وبالتالي السلطة) التي يهيمن عليها العنصر اليهودي في نيويورك لوحدها!

    رد
    • اليهود يقدرون العلم و البزنس ..صديقتي مبتعثه وسألت مدرسة يهودية عن سر تفوقهم وقالت اننا ننجب عدد قليل من الابناء ونحرص على ان نعلمهم في احسن الجامعات والمدارس .اغلب اليهود ما يعملون بل الناس يعملون لهم بما معناه انهم مبادرين واصحاب اعمال وشركات ولا يحبون ان يعملوا تحت رحمة غير اليهود لانهم يتوقعون انهم سيميزون ضدهم لهذا لجأوا للبزنس والاعمال الحره والطب والابحاث والعلوم..اليهود في اي بلد يدعمون بعضهم البعض ويستحوذون على شركات كثيرة حتى اصبحوا يحتكرون كثر من المجالات الاقتصادية وسر قوتهم انهم عصبه و متحدين ولديهم جميعات ليدعمون بعضهم و اسرائيل .

      بخصوص قولك ان المسلمين يكرهون الغربيين في بلادهم فكلامك صحيح وانا ارى ان كراهية الغرب لنا مبرره ..المسلمين ايضا والعرب يكرهون ويكنون العداء لبعضهم حتى في دولهم فأنا من دوله عربية خليجية وكثير من المقيمين يحاربون و يحسدون ويكرهون اهل البلد و يحاولون ان يضروهم بأي طريقه ممكنه سواء مسلمين عرب اوعجم اما غير المسلمين العرب فهم احسن ناس قابلتهم هنا باستثناء الهنود طبعا.

      رد

أضف تعليق