مصر بين الطبل والعصا

|

حسين يونس

ذهبت إلى عملي صباح الأربعاء الماضي وعقلي كان مُشتتاً بسبب الأحداث المصرية، إذ كنت آمل أن يتوصل الرئيس مرسي والفريق السيسي إلى حل حضاري يُجنب البلاد ويلات العنف والإنقسام حتى يتسنى للجمهورية الثانية مواصلة طريق الديمقراطية الوليدة، كنت أتمنى أن تأتي الأخبار بمشروع سياسي وطني يحفظ ماء وجوه جميع الأطراف في البلاد، لكن ما حدث مع الأسف الشديد كان غير ذلك تماماً، إذ في نهاية اليوم وبينما كنت أقود مركبتي عائداً إلى المنزل، كنت استمع إلى إذاعة كندا المحلية والتي أتت بخبر عزل الرئيس مرسي على رأس الأخبار العاجلة، ولحظتها .. لم أكن أتوقع حجم الإنزعاج الذي نزل على قلبي لحظة سماعي الخبر !! تقريباً نفس الشعور الذي انتابني يوم إعدام الرئيس العراقي الراحل « صدام حسين ».

بعدها تساءلت .. ما الذي ضايقني؟ فأنا لست من مؤيدي الرئيس مرسي، كما أني لست من مؤيدي جماعة الإخوان، وكنت قد كتبت في أكثر من مناسبة نقداً لهم ولطريقة إدارتهم للدولة، لكن بعد مراجعة أفكاري المتشابكة وجدت أنَّ استيائي تلخص في النقاط التالية:

  1. كنت أحلم كعربي حرّ أن أرى رئيساً عربياً يُسلم السلطة للرئيس الذي يليه بعيداً عن سياسة الخلع والعزل وتكسير الرؤوس، هذا الحلم قد يبدو تحقيقه أصعب من تحقيق الثورة نفسها، فالثورة أصبحت سهلة وتقودها الفوضى ولا تحتاج إلى الإنضباط والتقيُّد بالقانون، أما تداول السلطة السلمي لا يمكن إدراكه إلاَّ في ظل دولة الدستور والقانون المدني والتي بات تحقيقه أشبه بمعجزة للشعب العربي.
  2. كنت أتمنى أن يبقى الإسلام بعيداً عن المشهد، فبينما كان الإخوان يلجئون إلى سياسة التمترس بالإسلام، كانت سمعة الإسلام على المحك وسهام العقم تنهال عليه من كل حدب وصوب.
  3. أزعجني أن أرى مصر تعود إلى الدولة البوليسية من جديد تحت سطوة العسكر بعدما خطت خطواتها الأولى نحو ركب العالم الأول لتنعم بالديمقراطية والعدل والقانون.
  4. كنت أتمنى أن تثبت مصر ولو لمرة واحدة أن لديها حكماء بالفعل .. ينطقون بما يلزم لدرء الفتن الداخلية بدلاً من الآراء الحادة والتطرف السياسي، لا أدري لماذا لم يتم اللجوء إلى العلوم السياسية التي تلقاها ساسة مصر في أرقى جامعات العالم؟ كنت أتساءل أين هم الأكاديميون والمستشارون الذين جنبوا مصر أكثر من مرة خوض حروب مع إسرائيل وجاراتها الإفريقية، لماذا لم نرى حنكتهم السياسية داخلياً؟! لماذا دائماً يتم اللجوء إلى الحلول القصيرة المدمرة؟!

أسئلة كثيرة وآراء متناقضة وحكمة غائبة وتحليلات خاطئة .. إحباطات كثيرة ومتتالية أزعجت الكثير من أبناء الأمة العربية، إلاَّ أنه لابد من كلمات مهمة في ضوء الأحداث الجارية لمراقب من خارج الصندوق ..
كلمة لأهلنا في مصر .. وكلمة للرئيس مرسي .. وكلمة للأحزاب والجماعات الدينية.

كلمة لأهلنا في مصر
أثبت التكتل الشعبي قدرته على إجبار أيٍّ كان من الإنصياع لقرار الحشود بما فيهم الحاكم وقادة أركان الجيش ورجال الدين، وهذا ثابت عبر التاريخ وفي أكثر من مناسبة.

وأعترف أن التجربة المصرية أعانتني على فهم مواقف لم أتمكن من استيعاب كيفية حدوثها، وعلى رأسها خروج المهدي الذي بشَّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبايعة المسلمين له، فلم أكن أفهم كيف يمكن له أن يوحِّد المسلمين ويقودهم في ظل الدول البوليسية التي تحكمنا وترسانة إمبراطوريات الشر المتتالية على الكرة الأرضية، والحقيقة أنَّ كل قوى الخير والشر في نهاية المطاف تقبل الإنصياع للأقوى، وفي تجمهركم الميداني كان هنالك قوة لا توصف أجبرت الجميع على الإنصياع لهذه القوة، وهذا تماماً ما سيكون عليه الأمر في مكة المكرمة يوماً ما، إذ سيتجمهر المسلمون عند الكعبة المشرفة لمبايعة إمامهم المُسمى بالمهدي لقيادتهم، فالجمهور وقتها هو من سيختار قائده .. وهو من سيدفع به إلى دفة القيادة رغم كرهه لها، والشاهد هنا من خلال التجربة المصرية أنَّ قوى الجماهير لا يمكن لأحد إيقافها ما دامت متحدة مهما بلغت التقنيات المستخدمة لإيقاف هذا الحشد.

من الأهمية بمكان أن يعي أهلنا في مصر أن سلاح التجمهر قد يعود عليهم بالكوارث لو أُسيء استخدامه، ولعل نشوة الفرحة بإزالة الرئيس مرسي لفئة من الشعب ما زالت تُسيطر على أذاهنهم دون أن يعوا بعد حجم المصيبة التي حلت بهم، مصر اليوم التي انتفضت وخرجت وألقت بصناديق الإقتراع بالقمامة قد عادت لنظام مبارك من جديد وأحيته بقوة دون أن تشعر، فقد عاد ( نظام العصا ) الذي كانت عليه البلاد قبل ٢٥ يناير ٢٠١١م !!

نصائح مهمة للشعب المصري:

  1. مهما كانت نقمتكم على الرئيس مرسي، لا تقللوا من قدره ولا تهينوا شخصه، فقد سجله التاريخ حاكماً لمصر، فلا تحتقروا هذه الفترة من عمر بلدكم مهما بلغ حجم الإنزعاج منه ومن جماعته، وافتخروا بأنه كان لكم أول رئيس عربي جاء عن طريق الإنتخاب منذ آخر مرة انتخب المسلمون فيها حاكمهم « علي بن أبي طالب » رضي الله عنه، فمنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا لم يأتي حاكم عربي مُنتخب على الإطلاق بل ممالك موروثة على ملة هرقل ملك الروم، وهذا شيء حق لكم أن تفخروا به.
  2. مؤيدي الرئيس مرسي هم أيضاً إخوتكم وهم أيضاً مصريون وسيبقون بينكم لا محالة، فلا تجعلوا إختلافكم يُفسد مسيرتكم تجاه دولة مدنية متحضرة.
  3. تذكروا أنَّ كل من حولكم قد يخدعونكم حتى لو كانوا أقرب الناس لكم، إلاَّ الله ورسوله .. فلن يخدعاكم أبداً.
  4. لا تتوهموا أنَّ الرئيس القادم سيقدم أفضل من الرئيس مرسي، فكل الرموز العربية بما فيها المصرية قد عانت ويلات الإحتلال والديكتاتورية، ويجب إدراك حقيقة أن موسى عليه السلام لم يترك عصاه على أرض مصر لإحداث المعجزات، فالخوارق لن تحدث وكل شيء سيحتاج إلى وقت وصبر، وكما أحسنتم الخروج لابد لكم أن تُحسنوا الجلوس ليستوي الأمر لكم كما يجب.
  5. تأكدوا من أنَّ الدول التي علَّقت مساعداتها لكم بسبب انتخابكم للرئيس مرسي وقرروا أخيراً الإفراج عنها بعد عزله، هؤلاء لا يكترثون بكم ولا بمصر !! ولا يمكن أن يكونوا إلا خصوماً لكم لأنهم شركاء في مسرح الجريمة.

سؤال مهم للشعب المصري:
إذا كان تجمعكم وخروجكم إلى الميادين العامة قوة حقيقية لا مثيل لها، هل سألتم أنفسكم من ذا الذي ضرب الطبل وأخرج الحشد وحدد تاريخ الخروج؟

كلمة للرئيس « د. محمد مرسي »
سيدي الرئيس د. مرسي، لكم مني كل الإحترام والتقدير، قد تكون مسلماً تقياً نزيهاً ذو نية طيبة صاحب صلاة وقرآن، ولكن هذا كله لا يكفي لتولي دور القيادة، وكل هذه الصفات الحميدة هي جيدة لك في ذاتك، ولكن على الأغلب أنَّ الشعب لن تطاله منها أي فائدة.

الشعب يحتاج إلى العدل والمساواة والتسامح والتعليم والصحة والكرامة وحرية الإعتقاد .. الشعب لا يحتاج إلى رئيس فقط يُطلق لحيته ويصلي في جماعة ويحفظ القرآن .. الشعب يحتاج إلى رئيس مفوَّه محنَّك له خبرة وحضور .. يَحكمه بالقوة والحكمة، ولا يحتاج إلى رئيس صامت خائر حائر لا يدري من أمره شيء .. يُغير رأيه بين الفينة والأخرى.

كان أولى بك سيدي الرئيس أن تقتدي بالممثل « أرنولد شوارزنيجر » الجاهل بالسياسة والذي حكم ولاية كاليفورنيا بنجاح لفترتين متتاليتين لاستعانته باستشاريين مخضرمين، مع العلم أنَّ ولاية كاليفورنيا أكبر وأغنى ولاية أمريكية على الإطلاق، كان أولى بك الحفاظ على مستشاريك بدلاً من الحفاظ على جماعتك الغير متمرسة سياسياً والتي أودت بك إلى الهاوية !!

مصر لا يمكن أن يحكمها رجل جالس على قائمة الإحتياط في حزبه، مصر تحتاج لقائد بالفطرة، فالشعب انتظرك لتأتي بحل سياسي يُبهر الجميع تتجاوز به الأزمة، ولكنك مع الأسف الشديد لم تكن قادراً على ذلك لأسباب عديدة .. على رأسها ضيق الأفق، حزبية التوجه، وقلة الخبرة، وتأكد سيدي الرئيس أنَّ السياسة ليست لك، ومصر ليست معهد تدريب على الرئاسة، والوضع لا يحتمل تجارب، وإذا كنت نجحت في البرلمان كمعارض يوماً ما، هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنك ستنجح كرئيس للدولة !!

كلمة للأحزاب والجماعات الدينية
لا شك أنَّ أحداث الأربعاء الأخيرة شكلت لكم ضربة قوية كإسلاميين بشتى جماعاتكم الإخوانية والسلفية، بل حتى طالت هذه الضربة مع الأسف الشديد الإسلام نفسه حتى بات المسلم لا يستطيع أن يستشهد بآية من كتاب الله ليُذكر بها المسلمين من شدة نقمهم عليكم بسبب ممارساتكم الدعوية المتدنية جداً، فقد ظهرتم بمظهر المتعطش للإنتقام من المجتمع، وكأنكم خلعتم أقنعتكم وتعجلتم الفرح بدولتكم التي لم تستمر طويلاً !!

لابد من إدراك حجم المشكلة التي تعانون منها، فقد منَّ الله عليكم بإعلام أسأتم استخدامه أيَّما إساءة، وأظهرتم جهلكم بدين الله وأحكامه وانحرافاً صارخاً عن مسار الشريعة واتباعكم للقشور بدلاً من الجوهر، فقد زيَّن لكم الشيطان جزءاً من الإسلام الظاهري كالعمامة والحجاب، والثوب واللحية، وحفظ القرآن وصلاة الجماعة، وأزاغكم عن أجزاء الإسلام العظمى والمهمة فظهرتم بمظهرٍ أرعن، ولعلكم لا تعلمون أنَّ ما كنتم تمارسونه في إعلامكم وقنواتكم الفضائية كان عبارة عن فحش فكري وسُخف ثقافي وقلة أدب أظهرت الإسلام بمظهر لا يليق به .. بل أظهرت الحق باطلاً فأصبح الناس بمنأى عن الحق بسببكم، مما أدى إلى إهلاك المسار السياسي في مصر والذي بدوره أصاب الرئيس مرسي بمقتل في إدارته للدولة.

تغافلتم عما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله )) صحيح البخاري 127، فمارستم الصراحة الحمقاء وخضتم بمواضيع لا تصلح للعامة وأنتم تعلمون أنَّ عموم الناس اليوم أكثرهم للحق كارهون.

أثبتم أنه لا يوجد في الأمة من هو كفء لحمل الحق وتمثيله أمام العالم .. حتى أنتم !! فعندما تُصبح رؤى الدجالين وأضغاث أحلامهم أفيوناً تستعطفون به عامة الناس لنصرة الرئيس مرسي، وقتها يُصبح بني إسرائيل أفضل منكم بدرجات، فتارة رؤيا لثمانية طيور على كتف الرئيس مرسي تُؤول على أنه باق في الحكم لفترتين رئاسيتين !! ورؤيا أخرى لجبريل عليه السلام يظهر في مسجد رابعة العدوية لنصرة مرسي !! هذه وحدها كانت تكفي لإسقاط الرئيس وزمرته التي ظهرت بمنظر الدجاجلة، حماقتكم فاقت التصور وجعلت أعداء مصر الحقيقيين يظهرون بمنظر الحكماء المتزنين.

إنَّ ممارساتكم الخاطئة جداً في مصر هي درس لكم ولعموم الإسلاميين خارج مصر أيضاً، حتى تعلموا أنَّ الله سبحانه وتعالى طيب لا يرضى بالبذاءة، وتذكروا دائماً أنَّ من جهل العلم أخفق العمل، ومن تعجل الفرح حصد الفشل !!

4 رأي حول “مصر بين الطبل والعصا”

  1. عزيزى حسين

    ما اروع قلمك , لمست كبد الحقيقه

    ادعو لنا فى مصر فالكثير غير فاهم و للأسف الاخوان استطاعوا بغباء منقطع النظير مع حمله الاعلام التى يجب ان تدرس فيما بعد
    ان يجعل معظم اطياف الشعب تكرهه و تكره كلمه اسلامى

    رد

أضف تعليق