شاركت مساء البارحة في ندوة ثقافية لمناقشة كتاب ( اللاهوت العربي ) للكاتب المصري « يوسف زيدان » في ( نادي الكتاب – Book Club ) في الجامعة الأردنية والتي كانت عبارة عن ثلاثة محاور رئيسية: ( العنف، الدين، السياسة )، فأحببت أن أشارككم مداخلتي والتي طُلب مني أن أبعثها خطياً حيث لاقت إعجاب اللجنة الإعلامية هناك.
قبل البدء في سرد مداخلتي، أود الإشادة بفكرة ( نادي الكتاب – Book Club ) والذي أعاد إلى المثقف الأردني ( الصالونات الأدبية ) والتي كانت تحث المفكر على البحث والقراءة والكتابة والتعبير والمناقشة والنقد وكل ما يخص الفكر الحر، أيضاً أود أن أشكر القائمين على هذا الصرح الفكري الهام والذي يحتاج إلى عاملين حقيقيين في الميدان، فالتحضير والتنسيق والمراجعة وإدارة الحوار بشكل راقي وأسبوعي يحتاج إلى الكثير الكثير من المهارات والإنفتاح على العالم الحر، فأكثر ما أعجبني … إحترام الحضور لبعضهم البعض رغم إختلاف الأعمار والمناصب والخلفيات الدينية والفكرية، وهذا شيء غاية في الروعة.
*** بداية المداخلة ***
العنف: بما أنَّ كلمة العنف مقرونة بالوحشية والهمجية … سأستبدلها بكلمة ( القوة )، ورأيي أنَّ القوة أمر فطري يلجأ له الإنسان عند الحاجة، فالإنسان مفطورعلى اللجوء إليها إذا ما حاول بالطرق السلمية مرة تلو المرة الحصول على حقه، فلو عاد إليك ولدك إلى المنزل يسيل دماً من رأسه بسبب جاره، ستذهب في بادئ الأمر إلى ولي أمر الجار لتشكي إليه سوء فعل ولده، ولو تكرر الأمر في المرة الثانية ولم يفعل ولي الأمر أي شيء إزاء صنيع ولده … مباشرة ستتجه إلى السلطة الشرعية والمتمثلة بأقرب مركز شرطة لتردع الجار ووالده، وإن لم تنصفك السلطة الشرعية … ماذا ستفعل؟ ستعلم ولدك أنه في المرة القادمة لو تعرض لك فلان … إستخدم القوة للدفاع عن نفسك، ولو كان ولدك ضعيفاً لربما ألحقته بدورة قتالية للدفاع عن النفس أو حتى تدخلت أنت بنفسك لحمايته. هذا الأمر الفطري البشري تجاه ما يسمى بالعنف ( القوة )، وإلاَّ … لما كانت الدول إحتاجت لإنشاء وزارات الدفاع وإنفاق هذه الميزانيات الضخمة على ترسنتها العسكرية لتطوير قوتها. ومن الجدير بالذكر أنَّ القوة العسكرية هي جزأ لا يتجزأ من سياسة الدولة، فالكثير يُسيء إستخدام كلمة السياسة على إعتبار أنها دبلوماسية وفقط، والحقيقة أنَّ الدبلوماسية نوع من أنواع السياسة وهناك أنواع أخرى كالقوة العسكرية.
طبعاً التاريخ العربي والعالمي شهد ومازال يشهد سوء إستخدام للقوة والمتمثل بـ ( العنف )، سواء من جهات أحادية كمليشيات الجماعات الدينية والعرقية، أو من جهات رسمية كالدول السيادية، وبالطبع كلٌ له تبريره إزاء هذه الإستخدامات والتي تكون في أغلب الأحيان غير صحية وغير عادلة في حق البشرية جمعاء. ومن الظلم والإجحاف إلصاق ظاهرة سوء استخدام العنف فقط بالجماعات الإسلامية والعربية، فلو نظرنا إلى شرق العالم وغربه سيشيب رأسك من كمية العنف المتواجد في الصين وسريلانكا ودول القوقاز وإسبانيا وإيرلندا ودول كثيره في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل الجماعات الإرهابية والعنيفة جداً في كولومبيا مثلاً تفوق بقدراتها قدرة الحكومة الكولومبية، ولكن كل شيء يعتمد على الإعلام وما يروق له أن يُسوقه.
الخلاصة هنا، أنَّ ظاهرة استخدام القوة هي ظاهرة بشرية فطرية قديمة كقدم هذه الأرض، فهي أزلية منذ أن لجأ قابيل إلى القوة فقتل هابيل، وستبقى هذه الظاهرة موجودة إلى أن ينتهي هذا العالم ويرث الله الأرض ومن عليها. والأصل أن يسود العدل في المجتمعات المدنية حتى لا يشعر الفرد بالحاجة لاستخدام القوة، وهذا ما كان في مجتمعات دول العالم الأول كاليابان والدول الإسكندنافية وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية ومن قبلها في فترة الخلافة الإسلامية الراشدة.
الدين والسياسة: مداخلة واحدة لمحورين غاية في الأهمية، وإذ أصبحت أستغرب وأستنكر كيف أصبح الدين والسياسة … صراع بين الخير والشر … أو بين الجنة والنار … أو بين الملائكة والشياطين، وهذا أمر غريب ومرفوض جداً، والأصل في السياسة: ( تسيير أمور الجماعة وقيادتها ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد )، وتعريف ( السِّياسةُ ) في لسان العرب: ( القيامُ على الشيء بما يُصْلِحه )، وبما أنَّ الأصل في السياسة خدمة البشرية وليس إستغلالها، جاء الدين بتشريعه مُكمِّلاً للسياسة وليس بديلاً عنها، لأن الأصل في الديانات السماوية حفظ البشرية وإرشادهم إلى عبادة الله والعدل والمساواة وإعمار الأرض، ولو تُركت السياسة كما هو عليه الحال اليوم، ستصبح تحيزاً وإستغلالاً لمصالح الرعية لحساب جماعات أخرى، ولغاب العدل وتفشى الظلم وعمَّت المفسدة وما يُسمى بالإرهاب. فلا ينبغي فصل السياسة عن الدين ولا الدين عن السياسة، ولكن ما ينبغي فصله وفوراً هو … العصبية الطائفية عن الدين، والعصبية القبلية عن السياسة، وبذلك يصبح الدين نقياً جاهزاً لأن يكون مرجعية سليمة للسياسة، وبالتالي تصبح السياسة نقية جاهزة لأن تكون آلية عمل وتنفيذ بالرجوع إلى الدين.
طبعاً أنا أتكلم عن الحالة المثالية للدين والسياسة، والتي لم توجد بكثرة في التاريخ، ففترة العصور الوسطى في أوروبا والحروب الصليبية كانت سوداء بمعنى الكلمة وذلك لسوء إستخدام كلٍ من الدين والسياسة، وكذلك فترة طالبان في أفغانستان والقاعدة في أكثر من مكان تدل على نفس الشيء.
*** نهاية المداخلة ***
ما أجمل أن تعيش في بلدك … لأول مرة أكتشف في حياتي أن للدنيا لون آخر، لأول مرة أكتشف أني لست آلة عمل … ولأول مرة منذ عشر سنوات أشعر أني لست دجاجة لتفريخ البيض للكفيل … لأول مرة أشعر أني إنسان … أفكر وأحلل وأنقد وأبني … وأنَّ رأيي مرحب به، فالحمدلله رب العالمين على نعمة الوطن والإستقرار.
( وبما ان الاصل في السياسة خدمة البشرية وليس استغلالهاجاء الدين بتشريعة مكملا للسياسة ) كلام رائع حسين يعطيك العافية ..
كلام جميل وراقي.
أعجبتني المداخلة الأخيرة. أدام الله الأمان والستقرار على بلاد المسلمين.