منذ مدة أدمنت متابعة برنامج إجتماعي على قناة ABC الأمريكية بعنوان (ماذا كنت ستفعل؟ – ?What Would You Do) والذي يقوم بتجارب إجتماعية (Social Experiments) من خلال كاميرا خفيَّة هادفة – ليست كبرامج رامز جلال – يقوم فيها الممثلون باستفزاز المجتمع الأمريكي لفحص حسِّه الإجتماعي تجاه مواقف معينة غالباً ما تكون غير إنسانية وشاذة عن المجتمع الغربي، كالتعدي على المشردين في الشوارع، أو رفض بائع في متجر ما التعاطي مع زبونة لأنها مسلمة محجبة أو يهودي يرتدي قبعة اليهود، أو طرد زبون من متجر راقي لأنَّ ملامحه وطريقة لباسه متواضعة، وإلى غير ذلك من المواقف التي اختيرت بعناية فائقة من قِبَل فريق البرنامج بقيادة مُعدِّه الفذّ (جون كينيونس – John Quiñones).
البرنامج غاية في الروعة لأكثر من سبب:
- فهو يُسلط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة جداً، حيث لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش سوياً إن لم يكن لأصحابه ردة فعل إزاء ما يرون من أخطاء لا يمكن السكوت عنها، وكأنه يُذكرهم بقوله تعالى { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران الآية ١٠٤.
- يقوم جون بعد الإنتهاء من التصوير بالتحدث إلى الذين تم إختبارهم وهم لا يعلمون أنهم كانوا جزءاً من تجربة إجتماعية ويسألهم عن الأسباب التي دعتهم لأخذ موقف إيجابي بالتدخل، ويتم الإشادة بهم وبإنسانيتهم وهم كثر، أما الذين تخاذلوا واتخذوا موقفاً سلبياً، فيذكرهم – وهم قلة – بالأمور التي كان يمكنهم أن يقوموا بها حتى لا يغرق المجتمع بأسره، وكأنه يُذكرهم باللعنة التي أنزلها الله على كفَّار بني إسرائيل على لسان أنبيائهم داوود وعيسى عليهم السلام لأنهم { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } المائدة من الآية ٨٠، طبعاً مع اختلاف تعريف المنكر بين المجتمعات، لكن العبرة في ردة الفعل، فما فائدة مجتمع يفهم المنكر من خلال وصف القرآن الكريم له ولكنه لا ينهى عنه، ومجتمع يفهم المنكر من خلال وصف الفلاسفة له لكنه يُكافح من أجلها؟
وبما أني من عشَّاق تطوير المجتمعات البشرية، ترك هذا البرنامج أثراً كبيراً في نفسي، فأصبحت لا أتمالك دموعي في كل مرة يتمكن البرنامج من إظهار الجانب الإنساني للمجتمع الغربي، كما أثبتت لي تجربتي في كندا أنَّ فكرة التعميم هي من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الإنسان العاقل، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تعميم سيئة ما على مجتمع كامل بأسره مهما كانت تلك السيئة، فلا يمكن القول بأن كل المجتمع الأمريكي يكره العرب والمسلمين، هذا كلام فارغ وعاري عن الصحة لا يُروّج له إلاَّ جاهل أعمى، أو القول بأنَّ المجتمعات الغربية تكره الإسلام وتترصده للنيل منه واستئصال شأفته، هذا أيضاً كلام ليس له أي أصل على الإطلاق، ولابد دائماً من التفريق بين المجتمعات المدنية وإداراتها السياسية، الفرق كبير جداً ولا يمكن أن نضعهم جميعاً في خانة واحدة بحجة أنَّ المجتمع هو من اختار قادته من خلال صناديق الإنتخابات، هذه فرضية سخيفة لا يمكن أن يخلص لها العارفين بتلك المجتمعات، الناخبون في الغرب لا يُهمهم سوى الأمن والتعليم والصحة والإقتصاد لتوفير لقمة العيش وسداد الديون وحياة آمنة كريمة، فالمجتمع الغربي لا يتطلع للنيل من الأعراق أو الديانات الأخرى، هذا يمكن أن يكون صحيحاً في حق بعض الأحزاب السياسية المتطرفة أو مُبشري الكنائس الذين لا يؤمن بهم أو يكترث لكلامهم سوى القليل جداً، لأنَّ المجتمعات الغربية تتقلب في معتقداتها ما بين الإلحاد واللاأدرية، وليسوا متأثرين بأجندات المُنصّرين المريضة كما يُخيَّل لنا.
لكن في الحقيقة لم يكن هدفي من هذه المقالة التطرق إلى مصيبة التعميم، ولكن كل ما وددت التطرق إليه هو أين نحن العرب من هذا؟ ماذا كنا سنفعل لو كنا في نفس الموقف؟ هل سنكترث لمجتمعاتنا كما يكترث الغرب لمجتمعاتهم؟
لست سلبياً ولكن أتكلم من خبرة، ما هي الجمل التي تتردد إلى ذهنك ويقولها لك من حولك لحظة حدوث أمر ما يستوجب تدخلك؟
- وأنا مالي؟ خليني في حالي!
- إبعد عن الشر وغنيله!
- إمشي بجانب الحائط وأطلب من الله الستر ولا تتدخل في شئ!
- لو تدخلت … قد تُصيبني شرارة من هذه المصيبة أو أتورط فيما لا يعنيني … لن أتدخل!
- لولا أنها مُتبرجة … لما تجرأ عليها … هي السبب فيما جرى لها … لن أتدخل ولتذهب إلى الجحيم!
- ولو كانت مُحجبة: أكيد أنها أوحت له بشئ ما جعله يتجرأ عليها … لن أتدخل لأنه لا يوجد شك بأنها هي السبب وتستاهل ما جرى لها!
- لو تدخلت لأحمي الضعيف … سيأتي المُعتدي خلفي ليترصد بي وبأهل بيتي … لن أتدخل!
وقس على ذلك الكثير من المواقف التي ننفر منها ونأبى أن نُحرك ساكناً إزاءها خوفاً من ردات فعل مُفترضة ليس لها أساس من الصحة في أغلب الأحيان، وأكيد سيقفز من يستشهد لنا بالحديث الموضوع الذي يُنسَب زوراً إلى رسول الله ﷺ والذي اشتهر على ألسنة الناس (الخير فيي وفي أمتي إلى يوم القيامة)، وأتساءل … إن كان الخير باقياً في أمة محمد ﷺ … فأين هو؟! ولماذا أمته في ذيل قوافل الأمم تحتقر بعضها بعضاً وتطحن بعضها بعضا؟ لا يُعقل!
لا أنكر أنَّ هنالك من أهل الخير في أمتنا من يتصدى حسب قدرته لما يرى من مفاسد، ولكن كيف ستصمد هذه الطائفة من الشرفاء والصالحين أمام أمواج الفساد الجارفة والتي أصبحت تُصنف كل محاولة إصلاح على أنها إفساد وإرهاب؟ كيف لها أن تبقى وتكبر في ظل هذه الشر المُمَنهج؟ لا يمكن!
لذلك سمَّاهم رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح أنهم طائفة … أي قلة وليسوا كثراً (( لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي علَى الحقِّ ظاهرينَ لا يضرُّهم من خذلُهم حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّهِ )) صحيح الترمذي ٢٢٢٩، وهذه طائفة … وليست أمة، وهي في اضمحلال بيِّن مع الأسف الشديد.
لعل هذه السلبية عند العرب تعود لأسباب وجيهة، وتلاحظها جلية عندما ترى حالهم وتصرفاتهم في العالم الأول، المشكلة في نظري تكمن أنهم ترعرعوا في مجتمعات غير متزنة إجتماعياً، في كتبها تدعوا إلي الفضيلة، وفي حياتها تمارس الرذيلة، فينشأ العربي متناقضاً لا يدري أيتبع النبي الذي في الكتاب، أم المجتمع من حوله؟ إضافة إلى أنَّ مجتمعات العرب كلها وبدون استثناء مجتماعت تربت على الخوف من سطوة الجلاد مما أحدث فجوة ثقة بين المواطن وبين رجل السلطة المتمثل برجل الأمن، فلا يرغب أحد في أن يدخل مركز شرطة ليُدلي بشهادته في شئ شهد عليه عدا عن الإقتراب منه، هذا كله وأسباب عديدة ولَّدت هذه السلبية والجفاء المجتمعي.
فإذا جاءك المهموم … أنصت، وإذا جاءك المُعتذر … إصفح، وإذا قصدك المُحتاج … أنفق، وإذا جاءك الملهوف … أغثه، فليس المطلوب أن يكون في جيبك مصحف، ولكن المطلوب أن تكون في أخلاقك آية.
دمتم بخير.
“الشخص المحايد هو شخص صحيحٌ أنه لم ينصر الباطل، ولكنه بالتأكيد خذل الحق”.
وكسنةٍ حميدة…
دمتم بخير
ما أجمل مقولتك أخي أحمد … شكراً لك لمرورك ولهذه الكلمات الرائعة !
What would you do
بعد السلام والتحية لكاتبنا الحاضر المهاجر ,
من ضمن الأسئلة التي تندرج في قائمة الاختبارات والتقاويم الدراسية في مادة اللغة الانجليزية .. يظهر سؤال
What would you say in the following situations
انه من اسئلة الوظائف اللغوية التي تختبر قدرة الطالب على استخدام اللغة في التعامل مع المواقف المباشرة سواء لفظا أو فعلا , و لعله من أبرز انواع الأسئلة تحديا و تسامحا حيث يعمل المعلم على التغاضي عن الأخطاء الاملائية او القواعدية في حال ثبت له أن الطالب قد استخدم قدرته العقلانية لحل الأزمة أو الموقف المعروض أمامه . للمعلم مطلق الحرية في اختيار المواقف طالما كانت تلتزم الحدود والضوابط المرتبطة بالمجتمع ( الكويت في حالتنا ) دون التقيد بمعطيات المنهج الدراسي والمواضيع المسيطرة على الدروس في الكتاب ,
من هنا , وبصفتي مراقبة للاختبارات المعدة من قبل زميلاتي المعلمات في قسم اللغة الانجليزية , بدأت ألحظ التوجه العام لديهن في اختيار مواقف سطحية لا ترقى للبعد الحضاري والأخلاقي الذي نسعى له كمعلمين , و قدر لي الله أن أطرح الفكرة لدى ادارة المدرسة لخلق منتدى ثقافي صغير ( آخذ في الاتساع ) يضم المعلمات و أولياء الأمور للتحاور في المواقف الحياتية التي يجب اشراك الطالب في تحليل مفرداتها و ادراك اهدافها على الصعيدين الديني والاخلاقي . وبالفعل , تم تخصيص غرفة في المدرسة لتكون مقرا لتلك الاجتماعات العفوية اللا اجبارية , و توافد اولياء الامر لدعم جهودنا وكانت الثمرة مباركة و تبشر بالخير .
اقدم مثالا لما كانت عليه نوعية الاسئلة قبل و بعد :
هكذا كانت …
What would you say or do in the following situations
Your friend feels hungry
Your brother has a toothache
A man is asking about the directions to the supermarket
وهكذا أصبحت
An old woman is trying to cross the street
Your classmate has broken your pencil by mistake
Two sisters are fighting over a doll
لك ان تتخيل استاذ حسين الاجتهاد اللا مسبوق الذي حل في نفوس الطلاب لدى محاولتهم ايجاد المخارج والحلول والتفنن في تقديم النصائح و المبادرة بالمساعدة الاختيارية , ما الذي قمنا بفعله ؟؟
كسرنا قيود المنهج , تعاملنا مع اللغة على أنها وسيلة لا غاية , اشركنا اولياء الامور لنيل دعمهم و مؤازرتهم , تناوبنا على حضور الاجتماعات غير المدفوعة الأجر , احتسبنا الأجر عند الله … و بحمده ومشيئته انجزنا غيضا من فيض الطموحات التي أوكلنا الله برعايتها والسعي من أجل تحقيقها كمعلمين .
تلك كانت تجربة متواضعة وما نحن الا مدرسة من ضمن ملايين المدارس في امتنا الاسلامية , ومن المؤكد ان بواعث النهضة الاخلاقية موجودة من المحيط الى الخليج , في كل بيت وحي و مدرسة .
قد يختلف متتبعو السند والرواية في ضعف حديث أو صحته , إلا ان الحديث الذي اشرت إليه في مقالتك قد يكون دافعا لشحذ الهمم عندما تدخل المعلمة فصلها صباحا وهي تبتسم و تقول :
” السلام عليكم أبطال الغد و أحبة الرسول , ما رأيكم لو بدأنا صباحنا هذا ب .. ” الخير في و في امتي الى يوم القيامة ” .. هيا فليخبرني كل واحد منكم عن مشروعه الذي سيطلقه لهذا العام الدراسي بغاية تصديق كلمات رسولنا الكريم ”
إنهم يتجاوبون , ما علينا سوى أن نزرع غرسة !
ليت كل امرء يتقن عمله فلا نكون من المتهاونين الذين حق عليهم العذاب .
أشكر لك روعة المقال أستاذ حسين , و أتمنى أن يغير المستقبل القريب واقعنا المختنق بثاني أوكسيد التهاون .
سبحان الله يا ريما … طالما كانت مهنة التدريس تجذبني … إلاَّ أنَّ مجتمعنا العربي – مع الأسف – قد شوَّه هذه المهنة كثيراً وحقَّر منها !!
وما تفضلتي به … أقل ما يمكن تعبير عنه أنه عبارة عن إبداع في التعليم، فلا يمكن التقيد بطريقة أو منهجية واحدة، وكل طالب يحتاج إلى أسلوب مختلف عن الآخر لإيصال المعلومة له، فلا يمكن تحقيق هذا الأمر من دون مُعلم مُبدع، يملك من المهارات التعليمية والنفسية ما يُأهله لذلك.
بلغة أخرى … التعليم مهنة المبدعين !!
أحسنتي ~ كل التوفيق