عندما كنت أحيا في الغرب، كان ينتابني سؤال دائم (لماذا إسرائيل ليست دولة حضارية مثل كندا وأمريكا فيما يخص نظامها وطموحها ككيان؟ كيف من الممكن أن يكون حالنا في فلسطين وحال البشر الذين كانوا يحيون فيها قبل النكبة لو كان هذا الكيان يرغب فعلاً في إقامة دولة حضارية حقيقية على غرار الدول الغربية؟). أعتقد أنه لو لم تكن إسرائيل دولة فاشية عنصرية بربرية كما نعرفها، قد نكون جميعنا اليوم نحيا في أرض الميعاد في دولة مُزدهرة تماماً كما هو الحال في دول العالم الأول. ولا أخفيكم أني كنت أتمنى لو كان ذلك حقيقياً، فإن لم نحظَ بحكم عربي آمن على أرض فلسطين، أقلها.. يكون هذا المُحتَل لديه طموح في أن يبني دولة عادلة نحيا فيها جميعاً بدلاً من الهجرة بعيداً إلى الغرب الذي نتَغنَّى بنظامه العادل ليل نهار.
بينما كنت أكتب هذا المقال، شاهدت فيلماً على منصة نتفليكس بعنوان (أينشتاين والقنبلة) وهو دراما وثائقية عن حياة عالم الفيزياء «ألبرت أينشتاين» تُؤرِّخ من خلال استخدام لقطات أرشيفية وكلماته الخاصة عما حدث له بعد فراره من ألمانيا النازية موطنه الأصلي. ولفت انتباهي ما قاله بشأن ألمانيا وقتها والذي يتطابق مع افتتاحية هذه المقالة (ما دمت أملك خياراً في أمري، لن أعيش إلاَّ في بلد تسود فيه الحريات المدنية، والتسامح والمساواة بين المواطنين أمام القانون، وهذه الشروط غير موجودة في ألمانيا في الوقت الراهن).
لكن عندما بحثت في حقيقة هذا الكيان والأهداف التي من أجلها تم إنشاؤه، أدركت أنه ليس من الممكن – في أي حال من الأحوال – تحقيق ذلك، لا في الأمس ولا اليوم ولا في المستقبل، فلو كانت نوايا الدول التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية طيبة في إنشاء هذا الكيان على أرض فلسطين، لساد السلام منذ عقود طويلة، ولما استغرقت اتفاقية أوسلو ثلاثة عقود من سراب الانتظار لعقد سلام كاذب لن يتحقق، فإسرائيل هي مشروع استثماري غربي بامتياز، هدفه زعزعة استقرار الشرق الأوسط والدول العربية والسيطرة عليها وعلى مفاصل صنع القرار فيها، كما أنها فزَّاعة لنشر الذعر في نفوس الأنظمة العربية وشعوبها للانتقاص من أمنهم وثقتهم في أنفسهم، وأي محاولة لعقد سلام مع هذا الكيان هو ضرب من الخيال يتنافى جملة وتفصيلاً مع الأهداف الحقيقية لتأسيسه والتي تصب بالكامل في مصلحة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فإسرائيل لم ولن تكون في يوم من الأيام مشروع سلام واستقرار، بل مشروع حرب واستنفار.
يقول المُفكِّر وعالم الاجتماع المصري الدكتور عبدالوهاب المسيري، الباحث في شؤون اليهود واليهودية والصهيونية، أنَّ إسرائيل ما هي إلاَّ حاملة طائرات أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة كانت ستضطر إلى وضع خمس حاملات طائرات عسكرية في البحر الأبيض المتوسط للسيطرة على الشرق الأوسط والتي ستُكلِّفها خمسون مليار دولار إضافة إلى المواجهة المباشرة مع العالم العربي والذي سيجعل أمريكا عدواً مُباشِراً مع العرب، الأمر الذي لا يخدم مصالحها السياسية، فوجَدَت أنه من الأفضل الاستثمار في الكيان الإسرائيلي ليكون هو خط المواجهة المباشر مع العرب وذلك من خلال إنفاق عشرة مليارات دولار فقط على إسرائيل بدلاً من الخمسين مليار دولار على حامات الطائرات، وبذلك تكون إسرائيل الفزَّاعة والابن الضال الذي يحمل اللوم كاملاً، وتبقى أمريكا والدول الغربية يلعبون دور حمامات السلام، فكان هذا الخيار الأفضل والأرخص والأنجع الذي تستميت الحكومات الأمريكية المتعاقبة على دعمه وحمايته جيلاً بعد جيل.
في إحدى خطاباته السابقة، أكَّدَّ الرئيس بايدن على هذه الحقيقة عندما قال أنَّ إسرائيل هي أفضل استثمار قامت به دولته، وأنَّ كل هذ المليارات التي تنفقها الإدارة الأمريكية على إسرائيل هي الأفضل نفعاً على الإطلاق، بما أنَّ إسرائيل حاملة طائرات أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، هل تعتقد أنه سيُسمَح لها أن تكون غير ذلك كأن تكون دولة سلام عادلة مُتحضَّرة كما هو الحال في الغرب؟ مستحيل، فهذا يُخالف الهدف الذي أُنشِئَت لأجله، والأهم أنه لن تُوجَد دولة عربية واحدة مهما تنازلت وانصاعت للولايات المتحدة قادرة على أن تكون بديلاً عن إسرائيل في المنطقة، والسبب أنه لو انصاعت الحكومات العربية انصياعاً كاملاً، ستبقى المُعضلة في شعوبها التي تأبى أن تنصاع، لذلك العمل جارٍ اليوم على قدم وساق لمسخ الجيل العربي القادم ليكون نسخة أقبح عن مواطني إسرائيل الذين أتوا بهم من كل زقاق الأرض لتنفيذ أجندات لا تحمل في طيَّاتها أي مبادئ إنسانية أو قيم أخلاقية. وفي هذا الصدد، لفت انتباهي ما قاله أينشتاين في نفس الفيلم الذي ذكرته آنفاً (الوضع الحالي في ألمانيا هو حالة من الاضطراب النفسي للجموع، فقد جمع «هتلر» حثالة البشر من الشوارع والحانات وشكَّل منهم تنظيماً يحميه، وهو أسوأ تجسيد لحياة القطيع.. النظام العسكري والذي أمقته) والذي ينطبق تماماً على ما فعلته بريطانيا في فلسطين من خلال وعد بلفور واحتلال فلسطين وتوطين الحثالة التي جمعوها من شوارع وحانات أوروبا ليقوموا بأسوأ مجازر في حق المدنيين كما هو مُؤَرَّخ في نكبة عام ١٩٤٨ ومازالوا يقومون به اليوم في قطاع غزَّة المنكوب من تطهير عِرقي ومجازر جماعية لم تشهدها المنطقة العربية من قبل.
هذا يأخذنا إلى نتيجة حتمية فحواها أنَّ إسرائيل ستبقى قائمة ما دامت الولايات المتحدة قائمة، والأنظمة العربية ستبقى داعمة لهذا الكيان ما دامت ترغب البقاء في الحكم، وعملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر جعلت هذا الأمر جلياً لا غبار عليه، وسيبقى قرار السِلِم والحرب ومستقبل منطقة الشرق الأوسط في يد هُبَل العصر الحديث.. أمريكا.
نقطة أخرى مهمة على هامش الحديث، أستغرب عندما أرى البعض مُنبهراً بالتقدُّم والتفوُّق الإسرائيلي في المجالات العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية وغيرها من المجالات.. أستغرب كثيراً، فهم يَعزون هذا التقدُّم والتفوُّق إلى أنَّ اليهود أذكياء، والغريب أنهم لم يعوا حقيقة أنه لو أُتيح المجال لأي شعب على وجه الأرض أن يحصل على مثل هذا الدعم السخي لعقود متتالية سيصل إلى نفس هذا التقدُّم والتفوُّق – لا محالة – مهما كان مُتخلِّفاً، وهذا يُفسِّر تفوُّق العرب عندما يُهاجرون إلى الغرب بعيداً عن المنظومة العربية التي نُسِجَت كي تفشل شعوبها وتبقى في حاجة الغرب المتفوِّق، وعلى غرارها جميع دول العالم الثالث مع الأسف الشديد. في نفس السياق، لفتني ما قاله أينشتان في نفس الفيلم الذي ذكرته آنفاً (البشر الأحرار فقط، هم مَن يصنعون الاختراعات والأعمال الفكرية التي تجعل للحياة قيمة).
قد لا ننتبه إلى أنَّ أمريكا اليوم بدأت في مرحلة تحصيل فوائد استثمارها من مشروعها الإسرائيلي، فباتت تدفع العالم الثالث للجوء إلى إسرائيل بدلاً من اللجوء إلى أمريكا، فعندما تلجأ دولة عربية إلى الولايات المتحدة للحصول على دعم في المجال العسكري أو الاستخباراتي أو التكنولوجي، تقوم الولايات المتحدة بتوجيههم إلى إسرائيل الدولة الأقرب للعرب والأكثر تطوراً، وتقول لهم.. يمكنكم الاستفادة من إسرائيل وبأسعار تفضيلية بدلاً من اللجوء إلينا، فهي حليف أمريكي ويمكنها أن تخدمكم بما أنكم حلفاء لأمريكا، لكن ستحتاجون إلى التطبيع معها أولاً كشرط لنيل تلك الخدمات، وفي السابق كان مسموحاً للدول العربية بأنَّ تُطبِّع في ظلام الليل تحت الطاولة والاستفادة من الخدمات الإسرائيلية، لكن اليوم أصبح سقف الشروط مرتفعاً والتطبيع تحت الطاولة مرفوض بالكامل، فمَن يريد الاستفادة من الخدمات الأمريكية من خلال وكيلها الإسرائيلي في المنطقة عليه أن يُطبِّع جهاراً نهاراً وغير ذلك بات مرفوضاً.
لا أُنكر أني سعدت كثيراً باللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر، ولا أنسى العواطف الجيَّاشة التي غمرتني.. تماماً كتلك التي غمرتني عام ٢٠١١ إبَّان مسرحية الربيع العربي، لأكتشف بعدها بأيام أنَّ حماس قد أكلت الطُعم وانجرفت في خِضَم خطة كبيرة وعميقة جداً دُبِّرت منذ سنين، تماماً كما أكلت الشعوب طُعم الربيع العربي المشؤوم والذي لم يتمخض عنه أي خير البتَّة. وأعلَمُ تماماً أنه مازال هناك من يأمل من أن يتمخض خير ما من الأحداث القائمة اليوم على أرض غزَّة، لكن ما آلت إليه الأمور خلال ستة أشهر من الحرب تُنبئ بعكس ذلك تماماً.
لابد الانتباه إلى حقيقة أنَّ سيناريو (٧ أكتوبر ٢٠٢٣) في فلسطين هو السيناريو الشقيق تماماً لـ (١١ سبتمبر ٢٠٠١) في الولايات المتحدة الأمريكية، والمستفيد الوحيد من عملية ٧ أكتوبر هو الكيان الغاصب تماماً كما كانت الولايات المتحدة هي المستفيدة الوحيدة من أحداث ١١ سبتمبر. ففي كلا السيناريوهين، تم استفزاز العرب المسلمين والتضييق عليهم والتنكيل بهم والنيل من قضاياهم المركزية. في سيناريو ١١ سبتمبر، تم استفزاز منظمة القاعدة والتي أرادت أن تقوم بنصرة الإسلام والمسلمين لما آلت إليه أحوالهم في العراق وفلسطين والشيشان وغيرها، فكانت الاستجابة التي رأيناها كلنا على شاشات التلفاز في منهاتن من تفجير الطائرات المدنية في بُرجيّ مركز التجارة العالمي، بالمقابل، رأينا الاستجابة الأمريكية الجاهزة لهذا السيناريو والذي قلب الكرة الأرضية رأساً على عقب، ولم يعد العالم كما كان قبل أحداث ١١ سبتمبر، ورأينا بعد سنين كيف كانت أمريكا وحلفاؤها هم المستفيدون الوحيدون من تلك الأحداث ولا أحد غيرهم.
السناريو نفسه يحدث اليوم، تم استفزاز حركة حماس على مدى سنين متتالية تحت حصار قاسٍ وتضييق على أعضاء حركتها في كل بقاع الأرض لتقوم بما قامت به في ٧ أكتوبر، ورأينا جميعاً الاستجابة الإسرائيلية الجاهزة وما آلت إليه الأمور في القطاع المنكوب، وسنرى قريباً جداً كيف ستتمكَّن إسرائيل من الاستفادة من هذه الأحداث بشكل لم يسبق له مثيل، على الرغم من أنه لم يَتحقق لها كل ما تصبو إليه بعد، ولكن مع الأسف.. مازالت الأمور تسير في الاتجاه الذي نهايته سيخدم مصالحها ومصالح مَن يقف خلفها ويدعمها.
إليكم بعض الفوائد التي جنتها إسرائيل من أحداث ٧ أكتوبر حتى اللحظة:
- نظامها الأمني والعسكري: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تختبر قدراتها الأمنية والعسكرية بشكل عملي لم يسبق له مثيل، فكما هو معروف أنَّ إسرائيل لم تتعرَّض لأي عدوان حقيقي في عمقها الجغرافي منذ حرب ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣، وهذه الأحداث منحت إسرائيل الفرصة لتدارك أي خلل في منظومتها الأمنية والعمل على تقويتها بشكل متين. في دراسة أمنية نشرتها (مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي) بعنوان (الأمن الإسرائيلي بعد ٧ أكتوبر) لكاتبها «أرييل ليفيت» يقول فيها (لقد كان هجوم حماس بمثابة اختبار للمبادئ الأساسية للنظرة الأمنية الإسرائيلية، وعقيدتها العسكرية والدفاعية التقليدية، وسياسة الأمن القومي التي تنتهجها)، فهذه الأحداث شكَّلت فرصة ذهبية لإسرائيل كي تختبر مدى نجاعة أسلحتها العسكرية الجديدة المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإصلاح أي خلل فيها لتقويتها بشكل أفضل، كما أنها قامت باختبار تحديثات القبَّة الحديدية ومدى سرعة استجابتها للتصدِّي لأحدث صواريخ حماس المصنوعة محليَّاً بواسطة خُبراء إيرانيين، الأمر الذي سيُمكِّنها من فهم تقنية عمل الصواريخ الإيرانية إن حدثت مواجهة أكبر.
- الاستثمار الأمريكي: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تختبر سرعة الاستجابة الأمريكية، وأن تتأكَّد من أنها كانت ومازالت أهم وأثمن مشروع لدى الإدارة الأمريكية وأنها قادرة من الاعتماد على أمريكا وحلفائها عند الحاجة وفي أي وقت ومهما كانت الظروف.
- الاتفاقيات العربية: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تختبر الالتزام العربي تجاهها، ففي اعتقادي أنَّ إسرائيل اليوم قد تكون الأكثر سعادة بهذه الأحداث بسبب ما رأته من التزام الدول العربية المُطَبِّعة وغير المُطَبِّعة بأمنها ودعمها ضد أي عدوان يمكن أن يُهدد وجودها. هذا الالتزام العربي المُنقطع النظير منح إسرائيل الجرأة على القيام بكل ما قامت به حتى اللحظة، ولم يكن ممكناً أن تختبر مدى التزام هذه الدول من دون أحداث ٧ أكتوبر.
- انعدام الثقة وقِلَّة الحيلة: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تعمل على توسيع فُوَّهة انعدام الثقة وقِلَّة الحيلة لدى المواطن العربي، فقد استطاعت أن تقوم بجرائم في غزَّة أكبر من جريمة هدم المسجد الأقصى وقالت للعرب والعالم أجمع (أروني ماذا أنتم فاعلون؟) والإجابة العربية كانت مظاهرات شعبية، مقاطعة اقتصادية، اجتماعات طارئة، تنديد وشجب، هُدنة إنسانية، محكمة دولية ومساعدات مظلِيَّة، ولم يتوقف القتل. إضافة إلى أنها عوَّدت العقل البشري على رؤية استباحة الدماء من خلال الشاشات على الهواء مباشرة، الأمر الذي ولَّد عند الناس عادة على رؤية تلك الدماء تسيل.. دماء أهلهم وإخوتهم تسيل ولا أحد يُحرِّك ساكناً، لا حاكم البلاد الذي نُسبِّح بحمده ليل نهار، ولا إمام المسجد الذي اعتدنا على اللجوء إليه في أحلك المسائل ليُساعدنا في حلِّها، ولا النُخبة المُثقَّفة التي نتَّبع أفكارها وكل ما تكتب.. لا أحد، فقدان تام وكامل وشامل للثقة.
- الهزيمة النفسية: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تستمر بما بدأته منذ تأسيسها في اعتماد منهجية زرع الهزيمة النفسية في نفوس أعدائها، فقد نجحت من تمكين هذه الهزيمة النفسية في نفوس الأمة العربية والإسلامية، والأهم.. في نفوس الفلسطينيين في الداخل. فقد تمكَّنت من ترجمة حقائق الضعف والتطبيع والخيانة إلى أرض الواقع بحيث غرست في نفوس الفلسطينيين وأهل غزَّة بالتحديد أنهم لم يعودوا ذو أهمية لدى الحكومات العربية والإسلامية وحتى العالمية، ودماؤهم رخيصة وأرواحهم زهيدة، وتصفيتهم باتت مهمة أكيدة ينتظرها القريب قبل الغريب للمضي قُدُماً في قطار التطبيع والتنمية، وأنَّ قضيتهم لم تعد محورية ولا أحد يكترث لأمرهم بعد اليوم، فأفضل لهم أن يرحلوا بعيداً إن أرادوا الحياة أو أن يبقوا ليموتوا بصمت.
- زرع عقيدة الخوف والقلق: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تضع إطاراً قانونياً لعقيدة الخوف في نفوس مُعارضيها، فأي إنسان مهما كانت جنسيته أو ديانته قام بالاعتراض على ما تقوم به إسرائيل من مجازر، يتم فصله من عمله، حتى طالت هذه اللعنة الدول العربية والإسلامية. فحوَّلوا العرب المسلمين الأقوياء في نفوسهم وعقيدتهم إلى شعوب خسيسة ومَخصِيَّة، تماماً كما كان العرب في الجاهلية يَخصون العبيد، فلم يُبقوا فينا رجلاً إلاَّ خَصَوه، حتى أصبح لا يعنينا من حياتنا اليومية سوى الخوف على أقواتنا والقلق من خسارة أعمالنا، وبذلك تحوَّلنا من أمة قوية إلى أمة أنانية، لا يهم الحاكمية سوى البقاء في الحُكم، ولا يهم الرعية سوى الترفيه والأكل والشرب.
- كسر القُدسِيَّة الإنسانية والقوانين الدولية: استطاعت إسرائيل من خلال أحداث ٧ أكتوبر أن تُثبت للعالم أجمع ولكل شعوب الأرض الغاضبة بشتى أعراقها ودياناتها المختلفة – والتي مازالت تتظاهر في شوارع بلدان العالم الأول تعبيراً عن غضبها إزَّاء ما يجري في غزَّة من مجازر وجرائم وتطهير عِرقي وإبادة جماعية – من أنَّ إسرائيل في مرتبة الآلهة، والآلهة لا تخضع لقوانين البشر المُتَمثِّلة بمواثيق مجلس الأمن والمعاهدات الدولية والمُنظمات الإنسانية، وقد تكون هذه النقطة الأهم بين كل ما تقدَّم.
قد يخطر ببالك السؤال التالي: ما العمل إذاً؟ كيف سيأتي التحرير؟ بالتأكيد هذا سؤال مهم ومحوري، ولكن يؤسفني أني لا أملك لكم جواباً، وإن كنت أملك.. فلن أبخل عليكم بمشاركته. وقد أكون لا أدري كيف يمكن لفلسطين أن تتحرَّر، ولكني أدري تماماً أنَّ الجهاد الكلاسيكي الذي تعودَّنا أن نقرأه في الكتب لن يُجدي نفعاً ولن يُحرِّر شبراً، وأحداث ٧ أكتوبر خير دليل على ذلك.التحرير لا يمكن له أن يأتي إلاَّ من خلال منهجيات جديدة ومُبتَكرَة، وجهود مُتظافرة بين الحاكم وشعبه، فالشعب وحده لن يستطيع أن يُحرَّر شيئاً من دون الحاكم، وأحداث الربيع العربي عام ٢٠١١ شاهدة على ذلك. والحاكم الذي ينوي التحرير مفقود ليس له وجود سوى في كُتب التاريخ. وقد يُفسِّر هذا الأمر سبب بقاء اليهود في فلسطين حتى قيام الساعة، وفقاً لما تنبَّأ به الرسول الكريم في أحاديث علامات الساعة وأشراطها، والتي وصفت وجود مَسَالِحَةِ اليهود (أي الذين يحملون السلاح) ينصرون المسيح الدجَّال آخر الزمان في مهمته التخريبيَّة.
اتفق معك في السبب الأساسي لإنشاء هذا الكيان ويمكن ان تضيف كلمة “المندوب السامي الأمريكي”.
اختلف معك كليا في تشبيه ٧ أكتوبر بالربيع العربي او سبتمبر ١١. حيث أن سبتمبر ١١ كان عبارة عن فيلم أمريكي صهيوني بامتياز ولم يكن للمسلمين فيه لا ناقة ولا جمل. والربيع العربي حدث في دولتين او ثلاثة لا أكثر وهو عبارة عن انتفاضة ضد الظلم العسكري. أما ما يحدث في فلسطين فهو يختلف تماما. فهناك احتلال للارض وتهجير لأصحاب الأرض. فكان ان من الله على عباده المؤمنين في قطاع غزة الذي اعتبره يمثل كامل النسيج الفلسطيني حيث تم اعداد الشباب لاجيال متعاقبة على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ودأبوا على النهل من العلم والتعلم فتمكن علماؤهم من التفوق على امريكا والكيان في العلم والتكنولوجيا وختراق الأمن السيبراني لديهم وتحطيم قوة الردع لديهم والقادم أعظم. انت تنظر إلى القشور .يجب أن تنظر بعين ثاقبة وان تؤمن بأن النصر قادم ولو بعد حين.