بينما كنت في حيرة من أمري أقلِّب القنوات المصرية محاولاً فهم مُخرجاتها، كنت أقلب بين يدي لسان العرب، فسألته عن معنى الكنانة، فقال لي فيها كلاماً عميقاً: هي من الكِنُّ والكِنَّةُ والكِنَانُ، وتعني ( وِقاء كل شيءٍ وسِتْرُه )، وزاد فقال: ألم تقرأ في النحل من الآية 81 قوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا } أي حصوناً ومعاقل يُلجأ إليها للحماية، فقلت .. ما أجمله من وصف وما أكمله من معنى .. لا يليق إلاَّ بمصر الأمصار .. لم تُكنَّى بأم الدنيا عبثاً، فهي كذلك .. كنانة العرب والمسلمين، والتفت بعدها إلى التلفاز بحسرة وقلت: أناشدكم الله .. لا تخلعوا عنها ثوب الكنانة.
منذ أيام كتب الحكيم « فهمي هويدي » – يستحق اللقب بجدارة – في مقاله اليومي في صحيفة الشروق بعنوان ( فلسطين فى الوطنية المصرية ) عن سؤال تلقاه أثناء وجوده في الأردن من أحد مثقفي فلسطين حول إحتمالية إعتداء مصر عسكرياً على أهل فلسطين في قطاع غزة، فكان رده:
كيف يمكن أن يخطر إحتمال كهذا على بال مثقف فلسطينى؟!
بينما كنت أقرأ تلك السطور .. انتابني شعور من الغم ثقيل جداً .. أثقل فكري وضيَّق نَفَسي ودعاني إلى تخيل حدوث – لا سمح الله – مثل هذا السيناريو الشيطاني المشئوم الذي بات يلوح في أفق الإعلام الآثم، إذ هل فعلاً يمكن أن تقوم مصر في ساعة غفلة بالإعتداء على فلسطين بحجة محاربة الإرهاب؟! هل من الممكن أن تستذئب الشقيقة الكبرى لتملأ أنفاق غزة دماءاً؟! هل تُصدق عزيزي القارئ إحتمالية تحول مصر من كنانة الأمة العربية وقلبها وضميرها الحيّ .. إلى يد الأعداء الضاربة بهذه السهولة؟! لا يمكن !! مجرد طرح مثل هذا التساؤل يشعرني بالخوف والغثيان، ليس لأني أسكن القطاع .. ولكن لأني أعلم وقتها أنَّ القيامة باتت على الأبواب.
إذا كنا استكبرنا خطيئة إغلاق المعابر في وجه أهل القطاع .. فكيف سنقبل بقصف القطاع؟! كيف يمكن شحذ العقول المصرية النيرِّة للتآمر على أهل القطاع .. تارة إغلاق المعابر .. وتارة بناء جدار حديدي .. وتارة قصف الأنفاق التي تمثل الرئة الأساسية لأهل غزة .. واليوم ضرب القطاع؟! ألا يكفي ما سجله التاريخ حول لجوء أهل غزة إلى باطن الأرض بحثاً عن الزاد والماء والهواء؟ هذه وحدها إهانة للضمير المصري لن ينساها التاريخ أبداً.
مصر التي علَّمت العالم العربي القضاء والقانون، وكتبت دساتير بعض الدول العربية .. يخرج من رحمها اليوم قانونيون مثل المحامي « أحمد إمام » الذي تقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد كل من « عمرو دياب » و « هاني شاكر » بسبب غنائهما ضد إسرائيل حسب ما أوردت صحيفة الأهرام المصرية الخبر.
أنتم متخيلين يا جماعة تطور العلاقات العربية الصهيونية؟ كلما شاهدت الإعلام المصري اليوم وقرأت أقلام الكتاب والمفكرين في الصحف والمجلات .. أقول في نفسي: من المؤكد أنَّ الأخوة في مصر يمازحوننا .. أكيد هذه مزحة الكاميرا الخفية وسينتهي المقلب عما قريب، وأقول للأحبة في الإعلام المصري .. إن كنتم ( بتهزروا ) معانا .. فخلاص يا جماعة .. أصل الهزار ثقل والأعصاب تعبانة !
مازلت أعزِّي نفسي بشرفاء مصر وضمائرهم الحية .. فهم يُعوَّل عليهم الكثير خصوصاً في المرحلة الحرجة القادمة، فأنا متأكد من أنهم لن ينسوا فلسطين ولا أي تراب عربي آخر، ولن يسمحوا بشق صف الأمة الواحدة مهما كلف الأمر، وهم لذلك كفءٌ بإذن الله.
أختم بسؤال مشهور ومتكرر، يتلقاه كل شخص ( غير مصري ) يتكلم في الشأن المصري: لماذا كل هذا الإهتمام بمصر؟ فأقول:
-
قال الله تعالى: { إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } سورة النساء 92.
-
قرأت اليوم في موقع مجلة ( ذا إيكونومست – The Economist ) خبر يقول: أنَّ مصر الدولة العربية الوحيدة في الشرق الأوسط التي يتم تغطية أحداثها عالمياً كل دقيقة، فالعالم كله بما فيهم إسرائيل يهتمون لشأن مصر .. ألا أهتم أنا لشأنها؟!
-
لن تجد في الأمة العربية دولة واحدة تجمع على أرضها ما يُقدَّر بـ 85 مليون مسلم دفعة واحدة كما في مصر، ولن تجد ما يُقدَّر بـ 6 ملايين من أتباع أهل الكتاب دفعة واحدة متعايشين بسلام مع المسلمين منذ مئات السنين كما في مصر، ولن تجد جيشاً واحداً يحوي في داخله كل هذا العدد من المسلمين الأشاوس كما في جيش مصر، ناهيك عن توفر شتى أنواع العلوم الشرعية والتقنية والآداب والفنون الجميلة والكثير من العلوم المهمة في أرض واحدة كما في مصر .. فكيف يمكن تجاهل كل هذا الخير؟
-
مصر منبر يصنع الأعلام ويُخرجهم إلى العالمية، فمن أراد أن يكون له إسم على مستوى العالم عموماً والعربي خصوصاً .. فعليه بمصر، فلو أخذنا التويتر مثالاً، فلا يمكن أن تجد أردنياً أو كويتياً أو فلسطينياً أو لبنانياً لديه أكثر من 20 إلى 25 ألف متابع .. إلاَّ إذا توفرت له العالمية، بينما في مصر نرى أعلاماً متوسط متابعيهم بين 500 ألف إلى مليون، وهذا المثال يعني الكثير بلا شك.
-
مصر قاعدة أمة .. ويكفي أنها تسمح لي أن أتخذ من أرضها وطناً، وهذا شرف لا يُضاهيه شرف، فكيف لا أهتم لشأنها؟
غفر الله لكل من أساء إليها من أبناءها، وقطع دابر كل من تربص بها شراً من أعداءها، وعجَّل الله بزوال كربها، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
أخي حسين
كم أنت رائع بمقالاتك
كم أنت رائع بشبابك
كم أنت رائع بإسلامك
استمر بمقالاتك وكتاباتك التي تعبر عن ما في داخلي
استمر بإعتزازك بإسلامك
استمر بإعتزازك بعروبتك
استمر بإعتزازك بفلسطينيتك
استمر استمر استمر
وأنا مستمر بمتابعتك من فترة طويلة وأنتظر مقالاتك بفارغ الصبر لانها تزيل عني الهم وتعبر عما بداخلي
بارك الله فيك وبوالديك ورحم الله والدك
جزاك الله كل خير يا ماهر على هذه الكلمات النقية والصادقة، وصدقني يعجز قلمي على أن يُجاري الدُرر التي كتبتها لي.
أشكرك من الأعماق وأتمنى لك متابعة طيبة ~ كل التوفيق.