كاثوليكية المُفكر الإسلامي

|

حسين يونس

في كل يوم أقرأ فيه لكتابنا ومفكرينا العرب في الصحف والمواقع الإلكترونية والتويتر، أشعر أني في طريقي إلى الشلل والإعاقة الدائمة !! وفي كل يوم يسقط فيه قناع عن قلم .. أحزن حزناً شديداً على ما كنت أكنه من تقدير واحترام لهذا القلم الذي خرج صاحبه من ميدان الثوابت الفكرية مذموماً مخذولاً كما يخرج الجندي المهزوم من ساحة المعركة، ويبدو أنه أفضل لي أن أتوقف عن القراءة حتى أصون ما تبقى من صحتي.

غرَّد البارحة أحد – النُخب الفكرية الإسلامية – على التويتر مُعلقاً على فوز الرئيس الأمريكي « باراك أوباما » في إنتخابات الرئاسة الأمريكية بدورة ثانية فقال:

عندما يفوز أي رئيس أمريكي بولاية ثانية يُصبح أكثر جرأة في قراراته، ﻷنه لا يحق له خوض الإنتخابات القادمة، فنتمنى دعمه للحق في فلسطين وسوريا !!

قد تبدو التغريدة عادية .. ولكنها ليست كذلك، وقد أزعجتني جداً للأسباب التالية:

  1. لم أعد أحتمل سياسة تكريس فكرة ( الأمة المُعاقة ) في عقولنا وعقول أبناء أمتنا العربية، الأمة المُعاقة التي يجب عليها اللجوء إلى الغرب في كل كبيرة وصغيرة والإعتماد عليهم والتوسل إليهم لإيجاد حل لقضايانا العربية والإسلامية، بل لم أعد أحتمل الترويج لمثل هذه الأفكار، خصوصاً بعدما هاجرت إليهم وعشت بينهم وعملت معهم وعرفت جنسهم وأفكارهم وميولهم ونظرتهم في الحياة. في حياتي كلها لم أقدِّر قيمة العِرق العربي الذي أنتمي إليه كما أقدره اليوم، هذا مَبحَث مُنفصل ولعلي سأتطرق إليه لاحقاً بإذن الله، لكن الشاهد هنا أننا أصبحنا حمقى باحثين عن سراب الماء في صحراء أمريكا وحلفائها، أو قل أصبحنا كالأرانب نلهث خلف الجزرة التي تُلوِّح بها لنا أمريكا، وهذا السيناريو أصبح يُشعرني بالإشمئزاز والقرف، لأننا نحن العرب لسنا كذلك ولن نكون أبداً كذلك، قد يجوز في حق الحكام والزعماء العرب، ولكنه لا يجوز أبداً في حق أمة عريقة كأمتنا العربية.
  2. لم أتوقعها منه أبداً، لأنَّ المُغرد محسوب على التيار الإسلامي الصَحَوي الذي عُهِدَ على أصحابه الإنتعاش الفكري فيما يخص عزة الإسلام والعرب والمسلمين، كما عُهِدَ عليه مُحاربة التبعية والإستقلال بالرأي بعيداً عن جموع المُقلدين.
  3. انفصاله عن الواقع فيما يخص السياسة الأمريكية والغربية، وكأن الرئيس أوباما يملك من أمره أو من قراراته شيئاً، أو كأنه قَلِق بالشأن العربي .. لا ينام الليل يفكر في حل لسيلان دماء العرب والمسلمين في فلسطين وسوريا وباقي البقاع. الرئيس الأمريكي لا يكترث إلاَّ لمصالحه ومصالح حزبه واللوبي الذي أتى به للحكم ليخدمهم ويجعلهم أغنياء وذوي نفوذ، منصب رئاسة الولايات المتحدة هو منصب عبودية لا منصب حرية، الرئيس الأمريكي عبد لأسياده في البيت الأبيض. هل فكرت عزيزي القارئ ولو لدقيقة لماذا كل هذا الإقتتال على رئاسة الولايات المتحدة؟ هل أوباما قلق بأمته الأمريكية والعالم؟ هل فعلاً هذا ما يُؤرِّقه ويقضُّ مضجعه كما كان حال القادة الحقيقيين أمثال « أبو بكر الصديق » و « عمر بن الخطاب » و « عمر بن عبد العزيز »؟ أم أنها الشهرة واللذة والسلطة حاله حال غيره من زعماء العالم الحديث؟ كفانا أحلاماً أرجوكم ! الرئيس الأمريكي قبَّل أيدي سادته الصهاينة في المحفل الماسوني وركع على ركبتيه وقطع على نفسه الوعود المغلظَّة والمواثيق لحماية إسرائيل، ولن ينزل عليه الوحي لا في الدورة الثانية ولا في الدورة المئة ليهديه في قراراته لتصبَّ في صالح العرب والمسلمين، بالله عليك يا عزيزي المُفكر في أي عالم تعيش؟ لو قالها غيرك لقلنا ليبرالي متحرر، لكن أن تقولها أنت .. فهذه صدمة أثرت بي كثيراً.

كان أولى به تجاهل هذه الإنتخابات لأنها لن تغني ولن تُسمن من جوع، وأن يستمر في دعوة الأمة إلى التوجه الصحيح لنصرة نفسها من خلال اللجوء إلى الله والعودة إليه، والبحث عن أزمة الأمة الحقيقية التي أدت بها إلى القاع، ودعوتها إلى الوحدة في المصير من خلال التخلي عن الكِبر والغرور والعنصرية فيما بينها، والتحلي بأخلاق الإسلام والتوحد في مواجهة أعداءنا، أما فلسطين وسوريا وغيرهما ما هم إلاَّ نتيجة الخلل الذي اعترى الأمة، والذي سيصلح من تلقاء نفسه إذا ما استيقظت وعادت هذه الأمة المجيدة إلى سابق عهدها.

لكن هناك من أثلج صدري اليوم، مقال قرأته على موقع الجزيرة نت وأنا في طريقي إلى العمل بقلم د. « عبد الستار قاسم » دكتور العلوم السياسية في جامعة النجاح في مدينة نابلس الفلسطينية، وأنقل عنه فكرة مهمة يرد فيها هذا الدكتور – الغير إسلامي – على أمثال مفكرنا – الإسلامي – فيما يخص اللجوء إلى الغرب والإعتماد على الولايات المتحدة في إيجاد حل لدماء وحقوق العرب المهدورة فيقول:

إسرائيل ودول الغرب التي تدعمها لا تعطي شيئاً للضعفاء، وإنما يستعملونهم في مواجهة الأقوياء بخاصة في مجال الفتن الداخلية

وأنا أقول .. ما أجملها من حقيقة وما أكملها من فكرة .. إسرائيل والغرب لا تعطي شيئاً للضعفاء، ومفكرنا الإسلامي يريد أن يزيدنا ضعفاً وتعلقاً بمزاج القرارات الغربية ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.

*يمكن قراءة المقالة على موقع الجزيرة نت والتي بعنوان: ( عباس يستفز الناس )، مقالة مفيدة من أولها إلى آخرها وأنصح بقراءتها كاملة.

ختاماً أقول لمفكرينا الإسلاميين والليبراليين، نحن العرب لا نريد من يُرشدنا إلى الذل ويبني أفكار منحرفة تجرفنا إلى القاع وتُلهينا عن الحقيقة وإداراك بوصلة الصواب، بل نريد من يصحح مسارنا الفكري ويُعيد إلينا الثقة من جديد، وأنا لا أصدق أنه من الممكن أن يحمل مفكر أياً كان مساره وتوجهه مثل هذه الأفكار في زمن الثورة المعلوماتية والبراعة السياسية، ومن يقول بمثل هذا القول فهو لم يُدرك بعد حقيقة العرب وكنوزهم المدفونة أو قل المُغيَّبة، العرب قبل الإسلام وبعده لم يكونوا على ماهم عليه منذ 100 عام إلى اليوم، وعندما تخالط شعوب الأرض الأخرى وتعيش قريباً منهم .. وقتها فقط تدرك قيمة العرب كأمة وعِرق وتدرك سبب الحكمة الإلهية التي جعلت الرسالة عندهم باصطفاءه سبحانه القائد الأعلى للرسالة السماوية الخالدة منهم.

وتأكد تماماً عزيزي القارئ، أنه لو رُفع الدين عن البشر وبقي العِرق للمقارنة بينهم .. لحُقَّ للعرب أن يفخروا بعِرقهم !

4 رأي حول “كاثوليكية المُفكر الإسلامي”

  1. أخي حسين أثرت فضولي في القيمة التي شعرت بها حين خالطت شعوب الأرض الأخرى وعشت بينها, حقيقة يهمني معرفة شيء من القيمة,فقد تحسن الثقة لدي, فنحافظ على ما بقي ونعززه, مع طلب ما فقد..
    إن كان هناك مقال عن انطباعات مقارنة في القيمة..

    رد
  2. نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. لا الغرب ولا الشرق بل رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا.

    رد

أضف تعليق