عندما نفكر في الأمور المفيدة التي نود القيام بها، غالباً ما تكون خارج المنزل، وعندما نعود إلى المنزل نتركها ونتجه لما هو غير مفيد، وعندما ينقضي اليوم تلو اليوم، نتكدر لأننا لم نوفق في القيام بما هو مفيد، فعلى سبيل المثال، وأنت خارج المنزل وعندما تفكر بقراءة كتاب، يشتد حماسك لذلك، ويرتفع الأدرينالين لأقصى درجاته من شدة الحماس، وتعود إلى المنزل وتغتسل وتستريح قليلاً بعد تناول وجبة طعام دسمة، وفجأة … ينتهي بك الحال في غرفة الجلوس تشاهد التلفاز لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات، وتشعر بعد ذلك بالأسى في داخلك لأنك لم تُفلح في الوصول إلى رف الكتب لتناول كتابك المفضل والشروع في قراءته، ويمضي اليوم تلو اليوم وأنت على هذا الحال يعتريك الخمول داخل المنزل، ويأتيك الحماس للأمور المفيدة وأنت خارجه، وعندما تعود كأن شيطاناً يتلبسك ولا تستطيع الحراك إلى رف الكتب أبداً. وتذهب لزيارة المكتبة ويشتد حماسك مرة أخرى وأكثر من السابق وتتحمس لشراء الكتب الجديدة وتقطع العهود على نفسك بقراءة جميع ما اشتريت، وبعد ذلك … تتكدس رفوف خزانة الكتب في منزلك بالكتب الجديدة الجميلة، ولكن دون أن تلمسها، وينقضي الشهر تلو الشهر والعام تلو العام والكتب على حالها تشكو أمرها إلى الله.
قس على ذلك كل شيء مفيد كممارسة الرياضة مثلاً، فعندما تشاهد فيلماً حماسياً يُعجبك بطله، أو تشاهد تقريراً صحياً يحض على ضرورة إنزال الوزن الزائد وممارسة الرياضة، تتحمس تماماً كقراءة الكتاب، وتقرر الإشتراك في نادٍ صحي أو شراء الآلات الرياضية الباهظة الثمن وتأتي بها إلى منزلك، ومن ثم ماذا يحدث … ينتهي بك المطاف في غرفة الجلوس تشاهد التلفاز من جديد! وتتكدر على النقود التي أضعتها على الإشتراك أو الآلات الرياضية، فتغتم كلما مررت بجانب النادي الصحي لأنك لا تقوى على الذهاب للتمرين، أو تغتم كلما شاهدت الآلات الرياضية التي تُزين منزلك، ولم تستفد منها سوى إضاعة المال والمساحة، وبعد ذلك تصبح كالهم على قلبك لأنها تذكرك بضعفك وذنبك الذي اقترفت. هذه الأمور تولد الضنك في القلب، وغالباً ما يحدث هذا الأمر مع « فئة الخيال » والتي تعرضنا لها في مقالة (هوليوود … ملاذنا الدائم) فهُم دائمي التخطيط والتَّمني … ولكنهم قليلي العمل لما يتمنون.
التردد والعزوف عن القيام بالأمور المفيدة له أسباب عديدة مثل البيئة المحيطة والعادات السيئة التي تمارس بشكل يومي، لكن هنالك أمر مهم جداً سأتعرض له اليوم، هل فكرت يوماً عزيزي القارئ أنك ضحية لمكر الشيطان الرجيم؟ طبعاً الديانات السماوية كلها تُقر بوجوده وهو ليس أمراً خيالياً لا يُمكن تصديقه، يقول الله تعالى في مُحكم التنزيل: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } سورة الأعراف من الآية 27، وهذه نقطة مهمة يغفل عنها الكثير من الناس، فلابد عزيزي القارئ أن تُدرك أنَّ الشيطان يفوقك خبرة وعدداً، وإن كنت تستريح وتنام، فهو لا ينام أبداً، وله الكثير من الحشود والأتباع المتخصصين في إحباط بني آدم وإغوائه عن الخير في شتى المجالات، فكم مرة دُعينا إلى الخروج في الهواء الطلق مع أناس نحبهم، وفجأة يُراودنا شعور بالكآبة إزاء ذلك، ونبدأ بالتعذر بعدم القدرة على الخروج، وأنَّ هنالك الكثير من الأمور التي تشغلنا، وربما نضطر إلى الكذب لتلافى ذلك. مع العلم أنه عندما نُحرج ونقبل الخروج، نسعد كثيراً بذلك ونحمد الله على أننا وفقنا بالخروج وتمضية وقت طيب، إذاً للشيطان تأثير لا بأس به علينا ويجب إيجاد طريقة لتخطيه.
خلال فترة مراهقتي كنت كثير الشغف بمواضيع الجن والشياطين، لدرجة أني إقتنيت الكتب التي تتحدث عنهم، ومن أكثر الأمور التي جذبت إهتمامي سؤال واحد: هل يستطيع الشيطان أن يعلم ما في نفسي؟ وبحثت كثيراً في هذا الأمر، وبطبيعة الحال لن يكون هنالك جواب شافٍ لمثل هذا السؤال إلاَّ عند رجال الدين، والجواب كالآتي: ( لا يعلم ما في نفس الإنسان إلاَّ الله سبحانه وتعالى، فإن كان هنالك شعور بالخوف أو الفرح أو غير ذلك، فلا تستطيع الجن والشياطين أن تعلم أياًّ من ذلك، ولكنهم يتعاملون مع ظواهر الأمور، فإن رأى منك الشيطان رغبة في القراءة، يحشد كل رجله وركبه لكي يثنيك عن ذلك ويجعلك تشعر بالنعاس مثلاً، وإن رأى منك رغبة بمساعدة المسلمين بإنفاق المال، يجعلك تشعر بأنك ستنفق آخر ما تملك، وإن رأى منك رغبة بممارسة الرياضة، يجعلك تعتقد أنك ستقوم بنقل جبل من مكانه وهكذا، وغالباً ما يقوم الإنسان بمقدمات قبل القيام بأي عمل، كالبوح بصوت مرتفع بما ينوي القيام به، والتفكير متى الوقت المناسب للقيام بذلك وكيف سيقوم به، وفي هذا الوقت يكون الشيطان قد كسب الوقت ليغويك عن ذلك ).
خلال تفكيري بهذه القضية، توصلت إلى فلسفة جربتها ورأيت أنها نافعة جداً، حتى أنَّ بعض الأصدقاء قام بتجربتها وشعر بفائدتها الناجعة، كل ما عليك فعله هو مفاجأة الشيطان، كيف يمكن ذلك؟! عندما تأتي الرغبة الجيدة في داخلك وتود القيام بها، لا تفكر كثيراً ولا تبح بها لكل من تراه، فقط قم ونفذ مباشرة وسترى كيف أنك ستنجح في تخطي الشيطان، جربها ولن تندم، إن شعرت برغبتك بقراءة القرآن الكريم، قم وتناول المصحف وابدأ بالقراءة، إذا شعرت برغبتك بممارسة الرياضة البدنية، قم وانهض ولا تفكر، واذهب مباشرة إلى النادي الصحي وابدأ بالتمرين، إذا جاءتك دعوة للخروج مع أصدقاء تحبهم وجلستهم نافعة وكنت غير منشغل بأمور مهمة، فقط غير ملابسك وشاركهم التنزه في الهواء الطلق خارج جدران المنزل وهكذا.
من ناحية أخرى، فاجيء الشيطان عندما يدور جدل مع أحد أصدقائك أو زملائك ولا ينتهي النقاش بخير أو إتفاق، فاجئه وانهي الكلام بجمل حكيمة مثل: ( الإختلاف لا يُفسد للود قضية )، ( طالما إتفقنا على أمور كثيرة، واختلافنا اليوم لا يعني شيئاً )، عندما تنشب مشكلة ويحتد النقاش مع زوجتك أو زوجك، فقط أنهي النقاش بما هو خير ولا تجعل الشيطان يقتل متعتك في الدنيا بما وهبك الله.
فاجيء الشيطان … باغته، لا تجعله يكسب الوقت في ثنيك عما هو مفيد، هو ليس قوة عظمى مستحيل قهرها، ولكنه خصم لا يُستهان به، لابد من تخطيه وهذا يستلزم التفكير والتخطيط.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعكم بما طرحت من فلسفة بسطية ولكنها مفيدة جداً لعلها ستغير حياتكم إلى الأفضل بإذن الله.
عنجد موضوع مهم جدا ويمثل كل دقيقه في حياتنا اليوميه
شكرًا كثير حسين على مجهودك
في ميزان حسناتك انشالله
هنا وجدت حل لأمر أعاني منه كثيراً وعندما أبوح به يتعثر أمري سبحان الله ..
سأبدأ بالوصية واسأل الله لي ولمن قرأ هذه التدوينة وكاتبها الخير والفلاح ..
حفظك الرحمن ..
رداً على تعليق الشيخة محمد
صدقتي أختي الكريمة، بل دعيني أضيف على ما تفضلتي: التأجيل والمماطلة ليست كسلاً فحسب … بل هي الطاعون والموت!
كل فشل يلحق بالفرد العربي المسلم نتيجته الأولى … التسويف، وهذا يساوي الإهمال بكل معنى الكلمة.
سرني جداً تعليقك، ومرحباً بك أختي الكريمة صديقة جديدة للموقع.
شدني عنوان الموضوع و أعجبني تسلسل الطرح و راق لي محتواه ..
فعلا التأجيل و المماطلة هما دائما وراء الكسل و التكاسل عن أداء الأعمال ..
والشيطان همه تثبيط ابن آدم عن عمل الخير .. فلا ينفع معه إلا الاقدام على العمل دون الالتفات لأي صوت يثني عن عمل من أعمال الخير
رداً على تعليق قوت القلوب
أوافقك الرأي أختي بأن الإنسان يمل من المحاولة بسبب إستعجال الثمار والنتائج، وهذه من عيوب النفس البشرية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ولكنكم تستعجلون )).
لو أننا لا نستعجل النتائج لحققنا نجاحات عظيمة، وهذا يتطلب منا الواقعية في التخطيط والتي توافق طبيعة الشيء الذي نعمل من أجله، فالذي يستعجل ظهور النتائج قبل أوانها لم يفقه كنه ما يقوم به، لأنه من الممكن أن يتطلب وقت أطول لحصد النتائج.
الأخ الكاتب الفاضل…
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته…
كلام جميل و طيب و ما اعتدنا منك إلا الطيب .
ذكرت أعلاه عن مفاجأة و محاربة الشيطان و الذي قد يحاربنا بالوسوسة أو بتأثيراته السلبية بتحريض من حولنا. اسمح لي بذكر صورة أخرى سلبية ألا و هي النفس الأمارة بالسوء و التي برأيي تحتاج إلى أن تحارب حربا ضروسا لا هوادة فيها، لأن نفس الانسان تركن إلى الراحة و الهوى وتحتاج إلى قوة و عزيمة لحثها على العمل و التعب و الجد بالذات إن لم تكن ثمار العمل ( اللذة ) فورية .
عندما يهمٌ الانسان لعبادة أو لعمل فية مشقة أو مصلحة للغير ذو لذة غير عاجلة يحس بتثاقل عظيم فيسوفه أو قد يتركه نهائياً و هنا يحتاج كما ذكرت أخي في تعليقك إلى تعويد النفس بالتطبع حتى يصبح الأمر طبعا بعد التطبع يستلذ به و يداوم عليه .
و لك جزيل الشكر.
شكراً لردك الوافي أخي الكريم..
مفاجأة -> إصرار -> عادة
المفاجأة: خصوصاً إن كانت مفاجأة المرة الأولى، فستكون سهلة لمن اعتاد المفاجآت..
إصرار: وهنا تكمن الصعوبة ومجاهدة الهوى والنفس والشيطان.. وهي بذلك تكون عنق الزجاجة، والتي من بعدها ينتقل الإنسان للحياة الحلوة التي اختارها..
العادة: نتيجة يستحقها من وصل إليها..
جزاك الله خيراً..
رداً على تعليق لؤي علي : إستمر على ذلك أخي لؤي وستجد حلاوة في صدرك ليس لها مثيل، لا تسوف أبداً … فالتسويف هو الموت.
رداً على تعليق نجلاء حسين : بارك الله فيكي أختي نجلاء واعاننا الله على الشيطان، ومرحباً بك.
رداً على تعليق ريم حسن : أشكرك أختي ريم على هذه النظرة العميقة لفلسفة (فاجئ الشيطان).
في الحقيقة هنالك أمور لابد من فهمها عن الشيطان، فهو إن وجد منك إصراراً على أمر ما، فإنه وبكل بساطة يترك هذا الأمر وينصرف إلى غيره، وهذا لا يعني أنه سينصرف عنك وييأس منك … أبداً، ولكنه سيبقى يكافح ويناضل حتى يجد ثغرة فيك يتمكن من خلالها من النيل منك، بمعنى آخر، إذا وجدك الشيطان قوية في المحافظة على الصلاة حتى أصبحت عادة لا يمكن التخلي عنها، سيترك تشريدك عن الصلاة ويحاول ليدخل إليك من خلال المال، كثنيك عن الزكاة أو الصدقة، ومن الممكن بعد فترة من الإصرار والنضال من أجل ما هو أفضل، أن يتركك الشيطان بالكلية ويتسلل إليك من خلال من هم قريبون منك ليؤثروا عليك.
دائماً فكري بهذه الطريقة واسألي نفسك: هل يستطيع الشيطان أن يُثنيني عن الأكل والشرب؟ بالتأكيد لا، وهذه المرحلة التي يجب عليكي أن تبلغيها، لعلك جيدة في التخطيط والتجهيز الأعمال اليومية، ولكنك ضعيفة في التنفيذ.
مرحلة مفاجئة الشيطان هي مرحلة مؤقتة لإشعال وقود الطاقات الكامنة لتساعدك على مواجهة الشيطان، ولن يخلو الأمر من مقاومته وذلك بالإصرار على مفاجأته من 7 ايام كحد أدنى إلى 21 يوم كحد أقصى، حتى تنتقلي من مرحلة المفاجأة إلى مرحلة تبني عادة جديدة بحيث يصعب على الشيطان إختراقك في هذه الجزئية مجدداً.
إذاً الملخص كالآتي:
1. مفاجأة الشيطان (التنفيذ مباشرة دون تفكير).
2. الإصرار على التنفيذ (7 – 21 يوماً).
3. هنيئاً لك … تبنيت عادة جديدة (ممارسة بشكل يومي أو شبه يومي).
مفاجأة -> إصرار -> عادة
رائع جداً..
ويتفق مع قوله تعالى : [ فإذا عزمت فتوكل على الله ]
وهي ما يسميه مختصوا التنمية البشرية [ بالحسم السريع ] فما دام لديك هدف، فبادر بفعله ولا تتأخر..
يخطر ببالي الآن سؤال أجده وجيهاً..
إذا كان الشخص ممن يخطط ليومه، ويكتب قائمة أعماله خلال اليوم، فهذا الشخص ستكون خططه معلنة!! وسيغيب فيها عنصر المفاجأة!! فماذا يفعل؟
وبمعنى آخر.. هل يتعارض مبدأ التخطيط مع فلسفة عنصر المفاجأة؟
بارك الله فيك أخي الكريم..
نظرية رائعة وفلسفة عميقة جداً ^_^
سبحان الله, بالفعل كثرة التفكير في أمر ما قد تثنيك عنه مهما كان محبباً حسناً..تفتح بابا لوساوس الشيطان الذي أخذ على عاتقه مهمة صرف بني آدم عن كل خير إلى يوم يبعثون!
ما أجمل أن نفاجئ الشيطان -عدونا المبين- بأن لا نتردد في الخير, بل نقدم ونبادر حتى لا يفتننا الشيطان
ويرخي من عزيمتنا..
شكرا لك أخ يونس…
فعلاً، إن من أسوأ المشاعر التي تثقل كاهل المرء المثابر هي الشعور بضعف الهمة والتثبيط سواء من الشيطان أو من أصحاب السوء المثبطين لعزيمة المرء. استمعت كثيراً بطريقة الطرح والأفكار والتمثيل وخرجت بفائدة كبيرة ألا وهي: “الإبتعاد عن التلفاز قدر الإمكان – باستثناء ما صلح فيه من برامج – لأنه عدو للإنسان المثابر وليس بصديق”. طبعاً بالإضافة لهدف المقال الرئيسي “مفاجأة الشيطان وأعوانه” 🙂
فلسفة جميلة 🙂 بكلمات رائعة فعلا تحتاج إلى تدبر في كل تعاملاتنا
شكرا لك و كل عام وانتم بالف خير أكرمنا الله و اياكم و جميع المسلمين العتق من النار هذا العام
يا لها من فلسفة جميلة ان حثت على شيء فانما تحث على النشاط و عدم الكسل وعدم تأجيل عمل اليوم الى الغد. يسعدني أن أقول أنني فاجأت الشيطان اليوم وأدى ذلك الى رضى الوالدين. سأعمل جاهدا انشاءالله على تسديد العديد من هذه المفاجآت بشكل يومي الى الشيطان والله الموفق.