من نِعَم الله الكبرى على عباده أنه أمر بحفظ أنسابهم وحرَّم اختلاطها، وسخَّر لهم ذلك من خلال عملية سريِّة تحدث في ظروف حميمية دقيقة يكون فيها الطرفان (الرجل والمرأة) في قمة الالتصاق الجسدي المُعتِم، لتعبر النُطفة خلال تلك العملية بكل أمان وسلام وتستقر في بيتها الجديد في رحم المرأة، وقد أقرَّ العلم أنَّ الأجواء التي هيَّأها الله لسلامة النُطفة بيولوجياً في جسم الرجل ولاحقاً في جسم الأنثى، لا يمكن توفيرها خارج تلك الأجواء سوى في المعامل الطبية ولمدة لا تزيد عن ساعتين فقط مصحوبة بتكاليف مالية كبيرة، فخلايا الحيوانات المنوية تتلف بسهولة خارج جسم الإنسان ولا يمكنها أن تعيش سوى لبضع ثوانٍ إلى بضع دقائق خارج الجسم، الأمر الذي يجعلنا نَتَفكَّر في حكمة الله التي اقتضت تضييق سُبُل التكاثر البشري خارج نطاق الطبيعة، لتبقى محصورة في اطار الميثاق الغليظ الذي فرضه علـى الزوجين.
أذكر أني أول مرة استمعت فيها لخبر النُطف المُهرَّبة لأسرى سجون الاحتلال الإسرائيلي، شعرت وقتها بشيء في صدري.. لم أستسغ الخبر على الإطلاق! وقد يعود السبب إلى اطلاعي على أمور الإخصاب خارج الرحم المنتشرة مراكزها والمعروفة بـ (IVF – In Vitro Fertilization) والتي يشوبها الكثير من التحديات داخل المراكز الطبية المُهيأة لذلك، فما بالكم في ظروف صعبة جداً تحت احتلال غاشم؟ بالتأكيد الأمر يدعو إلى التساؤل خصوصاً أنَّ قضية التهريب غير واضحة وتشوبها الكثير من التساؤلات، وهذ أمر مشروع.
أضف إلى أنَّ الرأي الشرعي في هذا الصدد لا يُحلِّل تهريب النُطف للأسباب التي ذكرناها آنفاً، إضافة إلى أنه لا توجد ضرورة قائمة لذلك، فدافع الأسير هو الخوف من عدم الإنجاب مستقبلاً بسبب تقدُّم العمر، وهذا خلاف دافع الذين يلجؤون إلى مراكز الإخصاب (IVF) لعدم القدرة على الإنجاب. ويمكن الاطلاع على فتوى الشيخ «سمير مراد» الفلسطيني والذي فصَّل في هذه القضية (حكم التلقيح بالنُطف المُهرَّبة للفلسطينيين من سجون اليهود).
طبعاً لابد من لفت الانتباه إلى أننا عندما نخوض في هذا الموضوع، ليست غايتنا التعرُّض لأشخاص مُعيَّنين.. على الإطلاق، لكننا نسلط الضوء على إجراءات التهريب والتحديات المنوطة بها، فنحن لا نتهم أحداً ولا نُشكك في عِرض أحد، خصوصاً أنَّ العملية غير واضحة كما ذكرنا وكلها تكهنات لا ندري تفاصيلها.
لكن ما نعلمه يقيناً، هو سيطرة الاحتلال على مفاصل فلسطين بالكامل، وأذكر في لقاء سابق للقيادي في حركة حماس «إسماعيل هنية» ذكر فيه أنَّ العملية الاستشهادية الواحدة داخل الخط الأخضر قد تصل تكاليفها إلى ١٥٠ ألف دولار أمريكي، وذلك بسبب الرشاوى التي تُدفع إلى أفرد من الجيش الإسرائيلي لتسهيل عبور المجاهدين إلى داخل تل أبيب. وأتمنى ألاَّ يكون الجندي الإسرائيلي – الفاسد المُرتشي – جزءاً من عملية تهريب النُطف خارج السجون الإسرائيلية.
أعلم تمام العلم أنَّ أهل فلسطين تحت الاحتلال لهم ظروفهم الخاصة التي لا نستطيع تخيلها ونحن نعيش خارجها بسكينة وأمان، وهذا ما ذكرته في لقاء سابق (فلسطين التي رأيت) عندما زرتها أول مرة عام ٢٠١٦، حيث ذكرت وقتها أنَّ الشأن الفلسطيني صعب ومعقد.. وهذه نتيجة طبيعية لاحتلال مستمر منذ عقود طويلة، وأننا إن لم نكن نُقيم داخل فلسطين.. سيصعب علينا فهم الكثير من القضايا الشائكة، خصوصاً على صعيد السياسة الاجتماعية.
لكن أيضاً من الجدير بالذكر أنَّ الأسير الفلسطيني داخل سجون الاحتلال يخضع لضغوطات نفسية وظروف صعبة دفعت ببعضهم للجوء لمثل هذا الأمر، وأقول بعضهم لأنهم بالفعل قلَّة، وفقاً لإحصائيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا) فقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى اللحظة نحو (٤٦٥٠) أسيراً، وعدد الأطفال الذين تم إنجابهم عن طريق النُطف المُهرَّبة بلغ (١٠٠) طفل حتى اللحظة، أي ما نسبته (٢٪) فقط من عدد الأسرى، والإشارة إلى قلة العدد ليس انتقاصاً منهم، فقد تكون هذه النسبة الضئيلة هي المبدعة، ففكرة تهريب النُطف – حتى وإن لم نتفق معها – هي فكرة خارج الصندوق وتدل على تفكير إبداعي لإنسان يرغب بشدة في استمرارية وجوده على أرضه وأرض أجداده.
نحن نتفهَّم أنَّ الإنسان بالفطرة يشتهي الذرية، وقد يحرمنا الله منها إما عن طريق العُقم، الموت، السجن أو الاحتلال، وهذه أمور يُقدِّرها الله بحكمته وعدله ولا اعتراض على حُكمه، ويحق للإنسان أن يسعى – بما يُرضي الله – إلى كل السُبل الممكنة لتجاوز كل تلك العقبات، لكن ينبغي أن تكون من خلال طرق موثوقة وآمنة لا تُشكِّل أي خطر مهما كانت الرغبة مُلحَّة، وإن لم يتحقق الأمر.. فالصبر أولى وما عند الله خير وأبقى.
قد يعتقد البعض أنَّ أقصى دعم يمكننا تقديمه لأهل فلسطين هو الدعاء والمال، والحقيقة أننا يمكننا تقديم أنواع أخرى.. كالدعم الفكري والاستشاري، خصوصاً أننا نعيش في ظروف ميسورة خارج فلسطين تسمح لنا بالبحث والتفكير والانتباه لتفاصيل مهمة قد لا ينتبه لها من هم تحت النار، وهذا ما قمت به فيما يخص إضراب الأسرى عن الطعام، فقد كان لي رأي في تلك القضية، والأضرار البليغة الناتجة عن تجويع النفس والتي قد تُدمِّر الأعضاء الحيوية لا قدَّر الله.
أريد أن أؤكد على أنَّ الأسرى في قلوبنا، وقضية فلسطين هي قضية الأمة الأولى، وإسرائيل عدونا اللدود إلى يوم الدين، وستبقى فلسطين هي فلسطين.. تلك القديمة العتيقة من النهر إلى البحر، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، ولا يوجد قائد مُقدَّس ولا نظام مُقدَّس ولا جيش مُقدَّس ولا أسير مُقدَّس، إنما المُقدَّس هو حق الإنسان في العيش بحرية وكرامة بين أهله وعلى تراب وطنه، لا يخشى على عقله إذا فكَّر ولا على لسانه إذا عبَّر.
في الختام، قد أستيقظ غداً وأجد هجوماً على ما كتبت ومطالبات بالاعتذار.. وقد لا يكون، المهم أنَّ مَن يتابعني يعلم مَن أكون ومدى ولائي لقضيتي الفلسطينية وعقيدتي الإسلامية، وهذا رأيٌ أحببت البوح به، يحتمل الصواب وقد يحتمل الخطأ.. والله من وراء القصد.
شاهدت تقرير مفصل من قبل عن بعض تفاصيل هذه العملية المعقدة وفصل التقرير في ان الطبيب الفلسطيني يقوم بعمل تحليل dna للحيوانات المنوية للتأكد من انها للزوج وبالتالي ننتفي احتمايلة اي تلاعب من المهربين
لكن هذا الكلام لا يمنع التحرى الشرعي للمسألة خصوصا وان كانت سبب في الخوض في اعراض الشرفاء
فعلاً بدعة ما أنزل الله بها من سلطان وفيها شيء من الأنانية وعدم الشعور بالطفل عندما يكبر.
Dear Hussein,
You know how I do respect you and how I always waiting for your articles and videos from time to time, but this article and opinion about sperms and other stuff is very complicated, I agree with Intesar Baghdadi that this is very complicated issue and may reach to a point of prisoners families security .
As Palestinians, Our hearts are bleeding from what we watch and hear everyday about these phenomenal people, I know that you are a loyal Palestinian and a good Muslim inshallah and I read the Fatwas that you put links for, but I believe again that this issue is very very complicated and we can not dig in this issue deeply.
Again I respect you as a person and I follow all your updates but this time I don’t agree with you with what you wrote.
Thank you and Jazak Allah Kol Khair my friend
Yours: Rami Ramadan/ Calgary/ Canada
ياسيدي هم أدرى بشؤؤونهم وعندما تقوم اسرائيل باستخدام الموال العربية لطرح القضية من هذا المدخل بالذات فهي تلعب على حساسية العرض والأنساب عند كل غيور والتي ستدفع الغيورين والمثقفين أمثالك لطرح النقاش والتحليل العلمي والمنطقي وبالتالي يستوجب توضيحا من الأسرى وذويهم وبراهينا دامغة تثبت سلامة العملية وكشف دهاليزها التي لن تستطيع بكل ماتدعيه من الوصول إليها فالرجاء ياأستاذي منك ومن الجميع عدم الإقتراب من هذه المواضيع لديكم الكثير لتناقشوه في أماسيكم المترفة دعوهم ووجعهم
تفكير منطقي جداً ووجهة نظر صائبة ،وبالنسبة لموضوع مقاطعة الأسرى للطعام لطالما كانت تساؤلاتي عن جدوى ذلك، و رأيي مماثلاً لرأيك.