عندما قرأت تاريخ الفتنة الكبرى، وبالتحديد الفترة التي كان الخلاف على أشدّه بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، كنت أرى أنَّ من أهم أسباب الأزمة التي أدت إلى تفاقم الخلاف بينهما هو تبادل الرسائل دون الإلتقاء وجهاً لوجه، وكنت أتساءل .. لماذا كل هذه البروتوكولات؟ لماذا لم يمتطي علياً رضي الله عنه خيله إلى الشام ليُلاقي معاوية شخصياً أو العكس ويتفاهموا على خلافة المسلمين؟ يعني بلغة اليوم، لماذا لم يرفع سماعة الهاتف عليه مباشرة بدلاً من رسائل الجوال وترك العقل للشيطان يشطح في تخيلات لا أصل لها؟ كنت جداً مُستغرب من ذلك!
هذا الشيء الذي فطن له « الحسن بن علي » رضي الله عنهما يوم ذهب إلى ( مَسكَن [1] ) على رأس جيش العراق لملاقاة معاوية والذي كان على رأس جيش الشام، وقبل النزال .. إلتقى الحسن رضي الله عنه بمعاوية وجهاً لوجه وتبادل معه الحديث مُباشرة وأخبره عن نيته في التنازل عن الخلافة إذا ما طبَّق معاوية حكم الله ورسوله، وانتهت المشكلة قبل وقوع أي قتال بين الجيشين، وسُمي هذا العام بـ ( عام الجماعة ) للخير الذي عمَّ على المسلمين من توحيد وقوة، وكان ذلك عام 41 هجرية.
الحسن ريحانة رسول الله .. هذا الإمام القوي التقي العادل الطاهر بن الطاهر سيد المسلمين بلا مُنازع بشهادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما رواه نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه يوم قال:
(( لقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على المنبَرِ والحسَنُ معَهُ وَهوَ يقبِلُ على النَّاسِ مرَّةً وعلَيهِ مرَّةً، ويقولُ: إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ اللَّهَ أن يُصْلِحَ بِهِ بينَ فِئتينِ منَ المسلمينَ عَظيمتينِ )) [2].
الشاهد من هذه المقدمة، منذ أيام بسيطة قمت بكتابة مقال بعنوان ( بل الفاجر القوي! ) عبرت فيه عن مدى استيائي من تجَّار الملة الإسلامية والإساءة الكبيرة التي ألحقوها بالإسلام وأهله بهذا التصدر الفاسد، ويبدو أنَّ المقال قد استشكل فهمه على مُعظم القراَّء، فهناك من بَنى أحكاماً مُسبَقة وأرسل لي رسالة بنتيجة الحُكم، وهناك من لم يحرمه الله فضل الحُكماء .. فكتب لي ناصحاً ومُستفسراً لما ذكرته من أفكار، فجزاهم الله عني كل الخير لما كتبوا وأرسلوا، فهذه هي الأخوة والصداقة الحقيقية، وهم بذلك سدوا على الشيطان باباً .. ليزول خاسئاً لم ينل غايته.
خطر لي بعد تلك الرسائل الواردة أن أكتب مقالاً أشرح فيه ( الفَهم السَوي ) لما كتبته في رأيي بولاية الفاجر القوي، وإليك عزيز ي القاريء ردي على شبهات المقال.
1. مقتطف من المقال: ( سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي، فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف، فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيُغزى مع القوي الفاجر )
الإعتراض: إمارة الفاجر القوي تكون فقط في الجيش وليست في الخلافة أو الولاية الكبرى للمسلمين، فكيف تقول بذلك؟
الجواب: من يرى أنَّ إمارة الفاجر القوي لا تكون إلاَّ للجيش ولا يمكن أن تكون للخلافة، فقد فاته تماماً ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يوم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون تصرف المسلمين يوم الشر والفتن، فقال رسول الله: (( فإن كان للهِ في الأرضِ خليفةٌ جَلَد ظَهْرَكَ، وأخذ مالَكَ .. فأَطِعْهُ )) [3]، والشاهد هنا أن الأمير الظالم الفاجر قد يكون خليفة للمسلمين .. وليس فقط أميراً على الجيش، وهل هناك شك في أنَّ ما ذكره رسول الله في حق هذا النوع من الأئمة .. ظلم وفجور؟؟ هذا قمة الظلم والفجور، فنجمع بين النصوص الواردة على أنَّ المصلحة لو اقتدت تولية القوي الفاجر وقت انعدام القوي الأمين .. لا حرج في ذلك بل هو الأولى، والخلافة الإسلامية في ظل الحكم العاض أو العضوض مليئة بهذه الأمثلة ويشيب لها الرأس والولدان .. فقط عرِّج على التاريخ واقرأ!
2. مقتطف من المقال: ( خصلتا القوة والتقوى قلما تجتمعان في رجل واحد )، ( الفاجر دوماً جلدٌ قوي، والثقة التقي غالباً ما يكون ضعيفاً وليس أهلاً للقيادة ).
الإعتراض: لماذا اللجوء إلى الفاجر القوي والأمة الإسلامية مليئة بنماذج القوي الأمين والتاريخ خير شاهد على ذلك؟
الجواب: فيما يخص هذه المسألة من شُح القوة والأمانة في رجل واحد، فهذا رأي مِلت إليه لأنه يوافق الواقع، كما أنه رأي الكثير من أهل العلم وليس فيه أي مشكلة شرعية، والإختلاف فيه لا يمس شرع الله لا من قريب ولا من بعيد، وقد يكون هنالك لحظات مُنيرة في التاريخ الإسلامي خلال مسلسل الحكم الفاجر الظالم .. تماماً كما حدث مع ظهور « عمر بن العزيز » والذي لُقِب بخامس الخلفاء الراشدين .. وأنا لا أتفق مع هذا اللقب على الإطلاق ليس إنقاصاً من قدر عمر .. ولكن إنصافاً لمن كان قبله، فلو كان هنالك خليفة خامس للخلفاء الراشدين فهو « الحسن بن علي » رضي الله عنه الذي تولى أمر المسلمين مدة ستة أشهر قبل التنازل لمعاوية، ورغم ذلك هذه النماذج المُضيئة كانت قليلة جداً في التاريخ الإسلامي، ولا يمكن تعميمها على التاريخ بأنها كثيرة، وإن حدث وكانت كثيرة في الماضي .. فأنا أتكلم عن الحاضر، فقد يُوجد في زماننا اليوم أناس صالحون .. ولكنهم ليسوا أقوياء ولا قادة مع الأسف الشديد، كما لا يصلحون لتولي أمور المسلمين، وأنا أطلب من الأخوة المُنتقدين لهذا الرأي أن يدلوني اليوم على مكان القوي الأمين .. وأنا سأبايعه فوراً أميراً للمؤمنين.
3. مقتطف من المقال: ( ما الذي نريده حقاً من تطبيق الشريعة؟ رجم الزاني وقطع يد السارق؟ أم إعتقال المسلمين الغير مُصلين في شوارع الدولة وقت إقامة الصلاة؟ أم إجبارهم على إطلاق اللحى والنظر إليهم بازدراء إذا ما حلقوها؟ أم ضرب المرأة بالخيزَران على قدميها إذا كانت متبرجة؟ أم الهجوم على المقاهي والخمارات لتكسيرها؟ هل هذه هي هموم المسلمين؟ هل هذا ما نريده حقاً؟ ).
الإعتراض: لماذا الإستخفاف بأحكام الشريعة المُنزَّلة من السماء وكأنك تدعو إلى نظام وضعي عَلمَاني؟
الجواب: من الأهمية بمكان أن نعي ونفهم أنَّ حُكم الله تعالى في الأرض ورسالته السماوية أكبر بكثير من الفهم القاصر والذي روجَّ له الجُهَّال بأنه قطع يدٍ ورجم زانٍ وصلب خائن، وبات المسلم لا يعلم من الشريعة إلاَّ هذا، وكلما جاء ذكر تطبيق الشريعة أول ما يرد إلى الذهن من رواسب العقل الباطن والتدريس الفاشل للإسلام هو إراقة الدماء! والإسلام لم يأتي متعطشاً للدماء وإقامة الحدود كما تعلمناها وفهمناها، هذه الحدود جاءت لتقويم المجتمع وهي متروكة للحاكم يُقيم منها ما وجب ويُعطل منها ما لزم، تماماً كما فعل رسول الله مع الصحابي ماعز رضي الله عنه يوم جاء يعترف بخطيئة الزنى ويطلب إقامة حد الرجم عليه، وردَّه رسول الله أكثر من مرة ليتوب، وكذلك فعل مع الغامدية التي زنت، ولو كان هذا الحد لا هوادة فيه لكان وجب على رسول الله كخليفة لله في الأرض والقائد الأعلى للدولة الإسلامية أن يُقيم عليهم الحد فوراً إمتثالاً لأمر الله، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل إلاَّ بعدما أصر كل واحد منهما على إقامة الحد عليه، وكذلك فعل الفاروق رضي الله عنه عام القحط، إذ عطَّل قطع يد السارق لأن المصلحة اقتدت ذلك.
بينما جوهر الإسلام الحقيقي والذي لأجله بعث الله الرسل .. لا يمكن أن يُعطَّل أبداً، كالتوحيد، والعدل، والمساواة، والأخلاق، والإحترام، والرحمة، وحرية الإعتقاد .. إلى آخر ما فصَّلت في مقالي الرئيسي. هذه متطلبات أساسية لا تستوي المجتمعات من دونها.
من هنا عزيزي القارئ وجب إعمال العقل وفهم كتاب الله بدلاً من التقليد من دون فهم، إذ كيف بأمة مسلمة تحيا وتموت من دون أن تقرأ وتفهم رسالة الله لها والمتمثلة بالقرآن الكريم؟! كيف؟! ملايين المسلمين يحيون ويموتون ولم يقرأوا القرآن وإذا قرأوا شيئاً منه لم يفهموه، هذه مصيبة كبيرة وجب التنويه لها.
4. مقتطف من المقال: ( ماذا لو جاءنا نظام آخر – غير إسلامي – قادر على تحقيق جُلِّ مطالبنا؟ نظام القائم عليه حليق فاجر يحتسي الخمر ولا يُصلي، لكن دولته تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والقضاء فيها عادل دون تمييز، وتسمح بحرية الإعتقاد، والإحترام أساس التعامل، وتسمح للملتحين والمحجبات بالعمل بحرية، والجميع تحت مِقصَلة القانون .. إلخ، هل نقبل به؟ أم نُصِّر على شعار السيفين والقرآن .. بينما الظلم باسمهما ينتشر في كل مكان؟ ).
الإعتراض: كيف توافق على تولي العَلمَاني ولاية المسلمين؟ بل كيف تدعي أنَّ النظام العَلمَاني الغير إسلامي الذي يُجاهر علناً بعدم صلاحية أحكام الشريعة الإسلامية هو الأصلح لهذا الزمان؟
الجواب: معاذ الله أن نستخف بحكم الله وكتابه أو سنة نبيه أو أحكامه الثابتة، أو أن ندعو إلى غير حُكم الله تعالى وهو القائل: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } سورة المائدة الآية 50.
سأتناول ما ذكرت هنا نقطة بنقطة وفقرة بفقرة:
- نظام غير إسلامي: هل تعتقد عزيزي القارئ أنَّ الخليفة الظالم الفاجر الذي سيجلد أظهار المسلمين ويأخذ أموالهم كما ذكر رسول الله في الحديث آنفاً [3] هو خليفة إسلامي على المنهج النبوي؟ هل تعتقد أنه يُطبق جميع أحكام الله وشريعته؟ والأهم من ذلك .. كيف سيتسنى لهذا الخليفة الظالم الفاجر أن ينشر ظلمه وفجوره من دون مساعدة أجهزة الدولة كالأمن والقضاء وغيرها؟ هل تعتقد أنَّ ما كانت عليه خلافات الحكم العضوض خلال المُلك الإسلامي – ولا أقول خلافة – من أيام بني أمية إلى العباسية إلى العثمانية كانت إسلامية تماماً؟ هل تعتقد أنَّ الزاني كان يُرجم والسارق تُقطع يده؟ اليوم الدول العربية والتي تدعي أنها إسلامية قد تلاعبت في أحكام الله كما تلاعب من كان قبلها، كلها دول ظلم واستبداد مخالفة لشريعة الله.
- تحقيق جُلِّ مطالبنا: ماذا تعتقد يمكن أن تكون مطالب رجل مثلي أو من هم على شاكلتي؟ دعارة وزنا؟ بروتوكولات بني صهيون ومواثيق الشيطان؟ سأترك التعليق عزيزي القارئ على هذه النقطة لحُسن ظنك.
- القائم عليه حليق فاجر يحتسي الخمر ولا يُصلي: هذا هو دَيدن الحاكم الفاجر الفاسق الظالم، راجع عزيزي القارئ التاريخ لترى هل هذا الكلام وجد في زمن الحكم العضوض من الممالك الإسلامية السابقة أم لا واحكم بنفسك!
- تسمح بحرية الإعتقاد – وتسمح للملتحين والمحجبات بالعمل بحرية: إذاً أنا اشترطت هنا صراحة بضرورة حرية الإعتقاد للمسلمين وإقامة أركان الإسلام والتمتع بحرية العمل والتنقل، ولم أتهاون أبداً التفريط بأركان دين.
- أم نُصِّر على شعار السيفين والقرآن .. بينما الظلم باسمهما ينتشر في كل مكان؟: معاذ الله أن أذكر الله أو كتابه أو شريعته بأي سوء، واللغة هنا واضحة إذ أشرت إلى تجار الملة الذين يستخدمون القرآن شعاراً ولا يعملون به كما يقتضي الشرع.
للإنتهاء من هذه النقطة أقول، قد يكون توجيه الإنتقاد لي صحيحاً لو كان هنالك نظام إسلامي حقيقي مُطبق اليوم على الأرض وأنا أطالب بتفضيل النظام الوضعي العَلمَاني عليه من خلال عزل الشريعة وتعطيل أحكامها، وهذا لم أقل به على الإطلاق، الأخوة الذين استشكل عليهم هذا الكلام لعلهم يرون أنَّ هنالك اليوم دول وحكومات إسلامية، والحقيقة أنه اليوم لا توجد دول وحكومات إسلامية على وجه الأرض بالمفهوم الإسلامي الحقيقي، ولكن يوجد تكتلات سكانية إسلامية منتشرة في أرجاء الأرض قد تزيد أو تنقص من دولة إلى أخرى، فحكومة إسلامية أو دولة إسلامية لفظ كبير ومحترم .. ويلزم أن يكون مفهوماً ومُطبقاً من منطلق الكتاب والسنة وليس من المواثيق الدولية والأمم المتحدة، فمن العبث أن نوهم أنفسنا ونخالف الواقع ونعتقد بأن هنالك حكومات إسلامية، يكفيك عزيزي القارئ أن تعود إلى دساتير الدول العربية لتعلم من كتبها لهم، جُلها أحكام فرنسية وبريطانية على منهج الفيلسوف الفرنسي « مونتسكيو »، وهنالك أحكام ضيئلة إسلامية لا تضر بمصالح الشيطان والدول الكبرى كالأحكام المدنية فيما يخص النكاح والمواريث.
بالله عليكم أين هو حكم الله المُطبَق اليوم والذي خرجت عليه؟ الدول العربية كلها بلا استثناء دول عَلمَانية لا تمت إلى شريعة الإسلام بأي صلة! والأصل والحكمة تقتضي منا اليوم أن نختار ما بين خير الخيرين أو شر الشرَّين، وهذا أيضاً منهج أحمد بن حنبل وابن تيمية رحمهما الله، نسدد ونقارب بين مفسدتين، وأنا لم أحرض ضد دولة مسلمة تُطبق شرع الله لأُفضِّل عليها العلمانية على الإطلاق.
أهم ما في الأمر ما رواه عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يخص الحاكم أو الإمام الفاسق الفاجر أو ما نسميه اليوم بـ ( الحاكم العَلمَاني )، فلو لم تكن ولايته جائزة لما سمح رسول الله بأن يبقى على المسلمين يوماً واحداً، ولأمر بالخروج عليه فوراً أو حينما يكون ذلك ممكناً، ولكنه اشترط صلى الله عليه وسلم أن يكون عماد الإسلام قائماً ( الصلاة ) ومسموحاً به [4].
5. مقتطف من المقال: ( استشهدت بحديث النعمان بن البشير فيما يخص إعادة الخلافة على المنهج النبوي [5] ).
الإعتراض: رسول الله يُخبرنا بما سيقع من قدر الله في المستقبل، وليس المقصود منه إلغاء حُكم شرعي، ولا يمكن فهمه بالرضا بحكم غير إسلامي، فكيف تقول بإلغاء الخلافة والشريعة؟
الجواب: أنا لا أدري كيف فُهمَ أني أقول بأن نص الحديث أو معناه هو إلغاء حكم الله؟! الحديث يُستدل به وبغيره من الأحاديث أنَّ الخلافة التي نحلم بها غير موجودة اليوم ولن تعود في وقتنا الحالي، وما كانت عليه الممالك الأموية والعباسية والعثمانية لم تكن خلافة إسلامية، بل كانت ملكاً عضوضاً بشهادة رسول الله، بل أكثر من ذلك، فقد ورد عن رسول الله أنه قال (( الخلافةُ بعدِي في أمتي ثلاثونَ سنةً، ثمَّ ملكٌ بعد ذلكَ )) [6]، فكيف تقبل عزيزي القارئ بغير كلام رسول الله؟ هو نفسه يؤكد على أنَّ ما كان من بعده من دول وممالك إسلامية لا تمت إلى المنهج النبوي الشريف، أفلا يكفينا ما قاله رسول الله؟ أم هو الجهل والهوى؟
ختاماً أحبتي .. قد أكون لم أوفق في إيصال فكرة المقال الأول، فكان لابد من هذا التفصيل .. عمل أبتغي به وجه الله تعالى، فالهدف من المقال هو إيصال فكرة التحلي بالعقل والحكمة والمصداقية منا كمسلمين، كما هو واجب أيضاً على جميع التيارات والأحزاب الإسلامية أن تَعِد الناس بما يمكنها فعله وإدراكه، لأنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون إدراك وتنفيذ ما يَعِدون الناس به، ويكفيك عزيزي القارئ الإطلاع على وثيقة الأمم المتحدة الأخيرة والتي وقعت عليها الدول العربية وعلى رأسها دول الحكم الشرعي والربيع العربي فيما يخص تعديل 15 بند من بنود حماية المرأة، والأحكام والعقوبات الوضعية المترتبة على ذلك والتي تتعارض مع الإسلام جملة وتفصيلاً، ورغم أنَّ هذه الوثيقة غير مُلزمة في الوقت الحالي إلاَّ أنها إشارة صارخة إلى التنازلات التي يمكن أن تقدمها – بل وقدمتها – حكومات الربيع العربي الإسلامية، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
العالم الذي نحيا فيه له سُنن وقوانين، وكل شيء يسير وفقاً لذلك، فإذا أردنا الخير والعزة والنصر لابد من اتباع تلك السُنن، وما نراه اليوم من أوضاع أبناء الأمة العربية والإسلامية لا يمكن أن ندرجه تحت مُسمى الإدراك والفهم، بل هو الجهل والتخلف والهزيمة.
الحقيقة قاسية ولكنها مفيدة وبداية كل خير، وعلى ذكر الخير .. دمتم وحُسن ظنكم بألف خير!
* المصادر:
[1] مَسكَن منطقة مُطلة على نهر دجيل المتفرع من نهر دجلة شمال غرب بغداد، وهو المكان الذي إلتقى فيه جيش العراق بقيادة « الحسن بن علي » وجيش الشام بقيادة « معاوية بن أبي سفيان »، ولم يحدث أي قتال وقتها لتنازل سيد المسلمين الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحيح الجامع للألباني 1528، صحيح النسائي يتحقيق الألباني 1409.
[3] روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يوم قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! أَيَكونُ بعد هذا الخيرِ شَرٌّ، كما كان قبلَه شَرٌّ؟ قال: (( نعم ))، قلتُ: فما العِصْمَةُ؟! قال: (( السَّيْفُ ))، قلتُ: وهل بعد السيفِ بَقِيَّةٌ؟! قال: (( نعم، تكونُ إمارةٌ على أَقْذَاءٍ، وهُدْنَةٌ على دَخَنٍ ))، قلت: ثم ماذا؟! قال: (( ثم تَنْشَأُ دُعاةُ الضلالِ، فإن كان للهِ في الأرضِ خليفةٌ جَلَد ظَهْرَكَ، وأخذ مالَكَ؛ فأَطِعْهُ؛ وإلا فَمْتُ وأنت عاضٌّ على جِذْلِ شجرةٍ ))، قلتُ : ثم ماذا؟! قال: (( ثم يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بعد ذلك معه نهرٌ ونارٌ، فمن وقع في نارِهِ؛ وجب أَجْرُهُ، وحُطَّ وِزْرُهُ، ومن وقع في نهرِهِ؛ وجب وِزْرُهُ، وحُطَّ أَجْرُهُ ))، قال: ثم ماذا؟! قال: (( ثم يُنْتَجُ المُهْرُ، فلا يُرْكَبُ حتى تقومَ الساعةُ )). ورد هذا الحديث حسناً في مشكاة المصابيح للألباني 5323، وورد أيضاً صحيحاً في السلسلة الصحيحة للألباني 2739.
[4] روى عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: (( خِيارُ أئِمَّتِكمُ الَّذِين تُحِبُّونَهم ويُحِبُّونَكم ويُصلُّونَ عليكم وتُصلُّونَ عليهم، وشِرارُ أئِمَّتِكم الَّذين تُبْغِضُونَهم ويُبْغِضُونَكم وتَلْعَنُونَهم ويَلْعَنُونكم )) قِيلَ: يا رسولَ اللهِ! أفلا نُنَابِذُهم بالسَّيْفِ؟ فقال: (( لا، ما أقاموا فِيكمُ الصَّلاةَ، وإذا رأيتُم مِن وُلاتِكم شيئًا تَكْرَهُونَه، فاكْرَهوا عمَلَه ولا تنْزِعوا يدًا مِن طاعَةٍ )) صحيح مسلم 1855، صحيح الجامع للألباني 3258.
[5] روى النعمان بن بشير رضي الله أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: (( تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكاً عاضّاً، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ، ثم سكت )) حديث حسن، مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي بتحقيق الألباني 5306.
[6] روى سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله قال: (( الخلافةُ بعدِي في أمتي ثلاثونَ سنةً، ثمَّ ملكٌ بعد ذلكَ )) صحيح الجامع الصغير للسيوطي 4147، جامع بيان العلم من صحيح حديث الإمام أحمد بن حنبل 2/1169.
الله يعطيك العافية، كفيت ووفيت، ٳن شاء الله في ميزان حسناتك.
طلتك اليوم لقراءة هذا الموضوع بالتحديد هو بمثابة شعاع النور الذي يشق طريقة من بين ركام الجهل والحسد ..
فبارك الله فيك على مرورك وقراءتك وفهمك للموضوع.
كل التوفيق.