يُحكى أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شارون اجتمع مع الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون خلال رئاسة الأخير للعالم أنذاك، وأبلغه عن رغبته الشديدة في السيطرة على المسجد الأقصى والتسريع في بناء الهيكل المزعوم.
فقال كلينتون لشارون أنَّ هذا أمر قد يُشعل فتيل حرب كبيرة مع العرب، وأنه لا يرغب بتلك الحرب خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة، ونصحه بأن يُجري بالون اختبار، بحيث يقوم شارن بزيارة الأقصى بنفسه ليرى ردة فعل العرب، فإن سكتوا وكانت المعارضة لا تُذكر، يمكن وقتها الحديث عن ترتيبات المرحلة القادمة للسيطرة الإسرائيلية على كامل الأقصى، أما لو كانت المعارضة شديدة، فمن الأفضل تأجيل الأمر لوقت آخر يكون العرب فيه أكثر جاهزية لتسليمه من دون مقاومة.
وهذا بالضبط ما قام به شارون! ودنَّس المسجد الأقصى في سبتمبر عام ٢٠٠٠ وأشعل على إثر هذا الإقتحام فتيل الإنتفاضة الثانية التي قلبت الموازين الإسرائيلية وعكَّرت صفوهم لوقت طويل.
ذكرني هذا الموقف بما قام به الرئيس ترامب الأسبوع الماضي يوم وقَّع على قراراً تنفيذياً بمنع مسلمي سبع دول من دخول الولايات المتحدة الأمريكية.
ترامب وإدارته يعلمون تماماً أنَّ هذا القرار التنفيذي مُخالف للدستور، وأنه يمكن للقضاء الأمريكي التصدي له بكل سهولة، تماماً كما حدث اليوم مع «جيمس روبرت» القاضي الفيدرالي في محكمة مدينة سياتل الذي أصدر حكماً مؤقتاً بإيقاف القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب، وبناءً عليه يُسمح لكل العالقين في مطارات الولايات المتحدة بالدخول إلى أمريكا فوراً.
طبعاً البيت الأبيض سيطعن في هذا الحكم الذي أصدره القاضي لتبدأ لعبة القانون بين إدارة ترامب والقضاء الأمريكي إلى أن ينتصر أحد الطرفين.
لكن هذا كله لا يهم، فما يهم حقاً هو أنَّ ما يقوم به ترامب اليوم هو بالون اختبار.. تماماً كبالون شارون عام ٢٠٠٠ الذي أوحى له به الرئيس كلينتون، والهدف.. رصد ردة فعل الشعب الأمريكي والعالم إن كان سيكترث أحد للمسلمين من جهة.. وتقبُّل فكرة التفريق العنصري على أساس العِرق والدين من جهة أخرى.
العالم رفض هذا المبدأ الشيطاني، ولكن محاولات ترامب والذين خلفه لن تنتهي، فوصوله للبيت الأبيض لم يكن عبثاً.. بل دفعوا به دفعاً ليصل إليه، لأنه أفضل السيئين لقيادة المرحلة القادمة والتي تخفي خلفها خطة كبيرة جداً لتغير وجه العالم السياسي والديموغرافي والإقتصادي.
فالأمر لم يعد صعباً.. فبمساعدة رؤساء دول العالم الثالث.. وجماعات الإرهاب كالقاعدة وداعش.. وانقلابات العسكر (الربيع العربي)، بات العالم جاهزاً لمزيد من التفتيت والدمار والفقر، ليفنى مَن يفنى ويبقى مَن يبقى كالأبقار، تروضهم الذئاب إلى أن تقضي عليها تماماً.
المشكلة أنه بين هذا التلاطم الكبير، مازالنا نحن العرب نحلم بفراش وثير متجاهلين الواقع المرير! فإن لم يكن هنالك مَن يكترث لأمرنا من قادة دولنا.. بات لزاماً علينا أن نكترث لأنفسنا ونراعي مصالحنا لنتقي فتن الليل والنهار القادمة إلينا لا محالة!
البارحة فرَّقوا بين دولنا ومزَّقوا وحدتنا، واليوم فرَّقوا بين أبناء الشعب والملة الواحدة، وغداً سيفرقون بين المرء وزوجه وأهل البيت الواحد إلى أن نقضي على بعضنا البعض.
أعتقد أنه يجب علينا الإنتباه لردَّات فعلنا تجاه بعضنا البعض وتجاه المبادئ التي نؤمن به، فاستمرار قوى الشر في ممارسة الإرهاب الفكري والمجتمعي ضد العرب والمسلمين (إسلاموفوبيا) جعلنا نخاف من الإفصاح عن أفكارنا ومعتقداتنا أو حتى الاقتراب من أولئك الذين يشبهوننا من العرب! وأصبحنا فقط نتهم ونلوم بعضنا البعض في محاولة لتبرير أفعال الذئاب.. وهذه مصيبة كبرى!
إن كان لابد من اللوم والمراجعة.. فمن الأولى أن نلوم أنفسنا لأننا ساعدنا الذئاب في إحداث فجوات كبيرة بيننا كعرب ومسلمين، فقد أصبح من المستحيل أن تجد دولة عربية ليس لها مشاكل مع جارتها العربية، والكل جاهز لشن حرب على جاره بضغطة زر!
ما عسانا أن نفعل؟ لو فقط انتبهنا نحنا الشعوب العربية لحقيقة ما يجري، لاستطعنا إخماد الكثير من الفتن الحالية والقادمة، فلا تستهين بقدراتك كفرد في المجتمع، فالفتن عندما تشتعل.. يكون الشعب وقودها حتى تصبح أكبر من نار جهنم، فلا تكن سريع الإشتعال وكن كالماء.. تطفئ كل نار من حولك.
فلو كان هناك فائدة تعلمنها من الربيع العربي، فهي بلا شك.. إكتشاف الحجم الحقيقي لأنظمة الإستبداد مقابل قوة الشعب وإرادته لو كان واعياً متحداً، ذلك الشعب الذي يتحول إلى قطيع من الأبقار (الغوييم) إذا تمكَّن منه الذئاب!