بينما كانت خلود تحاول اختلاس النظر للرسالة الواردة على شاشة جوَّال جمال..
صرخ جمال: نتالي.. أحضري لي جوَّالي من فضلك..
نتالي: من أين؟
جمال: تركته في الصالة، ربما على طاولة السفرة..
نتالي: حاضر!
ارتبكت خلود وأصبحت تتلفَّت حولها لا تدري ماذا تفعل وهي تُفكِّر بسرعة.. أتلتقط الجوَّال أم تتركه في مكانه؟ فهي لم تعتد التجسس على جمال ولا تريد لابنتها أن تراها وهي تفعل هذا الفعل المُشين، وفي تلك الأثناء.. وصلت نتالي لتأخذ جوَّال أبيها..
نتالي: أمي.. ما بك تقفين هنا؟
خلود: لا شيء.. ذاهبة لأنام، وأنت لماذا مازلت مستيقظة؟
نتالي: أقرأ في غرفتي.. مازال الوقت مُبكراً..
خلود: غداً أول يوم دوام من المنزل، استعدي للنوم كي تأخذي قسطاً من الراحة.
نتالي: سأنام بعد قليل.
التقطت نتالي الجوَّال، وبينما كانت تسير به إلى أبيها، أنار الجوَّال شاشته لتظهر بعض إشعارات الرسائل الواردة التي كانت كثيرة، فلم تستطع خلود أن تقرأ إن كانت إيمان من ضمنهم أم لا، بعد ذلك.. أغمضت عينيها ووقفت ثوان قليلة تُفكِّر فيما عليها فعله، فشعرت أنها عاجزة تماماً عن التفكير، فإن تفوَّهت بأي كلمة أو قامت بأي فعل سيؤدي إلى حماقة أكيدة، فقررت أن تذهب إلى النوم لتطوي هذا اليوم.
***
أنهت سارة في تلك الليلة خطتها المبدئية لإدارة حياتها الجديدة خلال الحجر، كانت تشعر بحماس لإحداث تغيير جذري ينقلها وأسرتها إلى مرحلة أفضل خصوصاً بعدما تجاوب خالد معها قليلاً، فقد ساءت علاقتهما كثيراً في الآونة الأخيرة وعلى ما يبدو أنَّ أزمة الكورونا جاءت لإنقاذ تلك العلاقة.
كان خالد إنساناً واقعياً ذو شخصية شفافة لا يحتمل العلاقات الزائفة خصوصاً من أقرب الناس إليه، كما لا يحتمل تلقيح الكلام الذي كانت سارة تتقنه جيداً، وكل ما كان ينتظره منها بعض الكلمات الصادقة التي تُظهر مدى اهتمامها به، فشخصية خالد الشفافة دائماً ما تمكَّنه من إدراك إن كان كلام زوجته نابع من القلب.. أم فقط تقوم به من باب الواجب.
بينما كانت تستعد سارة للنوم، كانت تفكِّر بجدية كيف يمكن لها أن تساعد خالد على تجاوز عقبات عمله، فهو يحبه كثيراً، لكنه يكره المكان الذي يعمل فيه، فقد كانت تعتقد أنَّ السبب الرئيسي لمشاحناتها الدائمة معه هو عمله الذي لم يكن مُرتاحاً فيه.
دخلت إلى غرفة النوم فتفاجأت بخالد مازال مستيقظاً على السرير وجهاز الكمبيوتر بين يديه، ففي مثل هذا الوقت غالباً ما يكون خالد قد غطَّ في النوم..
سارة: توقعتك نائماً..
خالد: شعرت أني لا أريد أن أنام قبل أن أنهي بعض الأعمال ليوم غد.
سارة: هل هناك ما يمكنني مساعدتك به؟
ضحك خالد: وما الذي يمكنك فعله لمساعدتي؟
سارة: أنت دائماً تُقلل من قدراتي، لماذا لا تُجرِّبني؟! حدثني عن عملك وما تمر به، فإن لم أستطع مساعدتك.. ستكون نفَّست عن نفسك بالحديث معي!
خالد: المشاكل كثيرة ولا أدري من أين أبدأ..
سارة: حدثني عن أكثر مشكلة تتكرر معك بشكل يومي.
خالد: مديري!
سارة: ما مشكلته؟
خالد: عزيزتي.. لا يوجد في هذا الكون أسوأ من العمل مع مدير أنت تفهمين أكثر منه! وقد يهون هذا الأمر إن كان يتمتع بشيء من الأخلاق والشخصية الكاريزمية التي تُغطي على نقصه في المجال المهني، لكن المصيبة تصبح أكبر عندما لا يفهم شيئاً ويتظاهر بالعكس ويفعل المستحيل كي يجعلك تُصدِّقين ذلك، وجزء من عملي المسرحي أن أسايره وكأنه بالفعل يفهم!
سارة: لكن هذا أمر موجود في كل الشركات يا خالد.. فهذه ليست أول مرة تتعامل مع مدراء من هذا القبيل!
خالد: نعم.. لكن هذا ليس كل شيء! فإضافة إلى أنه لا يقوم بعمله ولا يفهمه، يجلس طيلة اليوم في مكتبه يُنظِّر علينا من دون أي قيمة، يأخذ راتباً كبيراً ولا يبذل أي مجهود كي يُحلِّله، مخلوق حقير بكل ما تعني كلمة الحقارة من معنى.. أخلاقه متدنية ولسانه سليط وخلقته أقبح من خلقة الشيطان، لا أطيق أن أرى وجهه النكد أو أن أسمع نبرة صوته التي كنهيق الحمار، لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى و..
قاطعته سارة: يا إلهي يا خالد.. كم أنت مشحون عليه، ما هذا الوصف وما هذا الكم الكبير من الحقد؟! ما أكثر شيء يجعلك تُبغضه؟
أخذ خالد نفساً عميقاً ثم رفع نظره إلى الأعلى وهو يُفكِّر: أمور كثيرة، أهمها أنه دائماً ما يجتهد في انتقاص إنجازاتي، ويبحث بجهد عن عثراتي الصغيرة جداً كي يهاجمني من خلالها بأي ثمن! كم هو سافل.. يا الله كم أكرهه وأتمنى له الشر الأسود!
سارة: هل جربت أن تتواصل مع المدير العام بشكل مباشر؟
خالد: المدير العام في واد والشركة في واد آخر، فهو يهتم لشؤون الشركة الخارجية ولا يراعي شؤونها الداخلية.
نظرت سارة إلى خالد بحزن لا تدري كيف تساعده: دعنا نكمل الحديث في الغد، أنا متأكدة من أننا سنجد حلاً يجعلك تتجاوز مديرك السيء..
خالد: أتمنى ذلك من كل قلبي، فإن تجاوزت ذلك الغضيب، ستتحسن الدنيا بأسرها وسأتمكَّن من التألق في عملي بشكل كبير.. لا ريب!
***
بينما كانت تسير خلود إلى غرفة النوم، كانت تفكِّر سريعاً إن كان من الأفضل تهدئة الأمور مع جمال أم تصعيدها واعتزاله في الفراش والنوم في غرفة ابنتها نتالي، وفي النهاية قررت أن تنام في غرفتها مع جمال وكأنَّ شيئاً لم يكن، فهي لا تريد أن تفسح له المجال للاختلاء بنفسه والتواصل مع إيمان على راحته، بالمقابل لا تريد لعلاقتها مع جمال أن تتضرر إزاء غيرتها المُتفجِّرة!
بينما كان جمال منهمكاً في عمله – كما بدى لخلود – لم يكن عقله يتوقف عن التفكير في إيمان التي شاهدها في الصباح.. فقد انقلبت من سيدة عادية إلى عارضة أزياء، والأهم أنها أبدت لجمال سعادتها بلقائه بعد كل هذه المدة، فكان يحاول أن يشغل نفسه بأي شيء.. المهم أن يتوقف عن التفكير بها.
كانت خلود تسير في الغرفة وتنظر إلى جوَّال جمال الذي كان بجانبه، وبينما كانت تُغيِّر ملابسها سألته: كيف كان يومك؟
نظر إليها جمال باستغراب: هل أنت بوعيك؟ برأيك هل كان يوماً رائعاً؟!
خلود: لماذا تقول ذلك؟
جمال: أرجوكِ.. لا أريد التحدث بهذا الموضوع، دعيني أنام.. لدي الكثير من الأعمال في الصباح.
خلود: لماذا لا تريد التحدث معي؟
جمال: خلود.. لا أطيق أسلوب الإستهبال، أنت اختلقتِ مشكلة من لا شيء..
خلود: تتهمني الآن بأني من خلق المشكلة؟ هل هذا جزاء حبي لك؟!
جمال: مشكلة يا خلود أن تصل المرأة إلى عمرك وخبرتك، وتُفقدها مارقة طريق ثقتها بنفسها بكل سهولة.
خلود: لأنك ساذج كباقي الرجال، فأنت لا تدري ما يمكن لهذه المارقة القيام به كي تسلبك مني!
جمال: وما الذي يمكنها أن تقوم به؟
خلود: مَن الذي يستهبل الآن؟ أنت تعلم تماماً ما الذي يمكنها القيام به.. تتمسكن حتى تتمكَّن!
جمال: تتمكَّن من ماذا؟ إيمان تعلم أنَّ قصتنا انتهت وأني متزوج ومُرتبط بعائلة.. عن ماذا تتحدثين؟!
خلود: ألم أقل لك أنك ساذج! أنت لا تعلم ما الذي يمكن للنساء القيام به، المرأة يا محترم ترضى أن تكون زوجة ثانية وثالثة ورابعة وألف! وعائلتك التي تُهمك لا تُهمها على الإطلاق، وستفعل المستحيل لتسلبك منا بكل ما أوتيت من مَكر ودهاء، نحن معشر النساء أدرى ببعضنا.
بقي السِجَال دائراً بين جمال وخلود إلى وقت متأخر من الليل، وبينما كان جمال يُنافح عن حبه لخلود ويؤكد لها أنه ليس من أولئك الرجال السُذَّج الذين ينخدعون بحيل النساء.. كانت صورة إيمان لا تُغادر خياله، بل التصقت في داخله أكثر وأكثر بعد حديثه مع خلود، وكأنَّ خلود – من دون قصد – قد رسَّخت في وجدانه أنَّ إيمان ظهرت في حياته مُجدداً لأنها ترغبه وتريده، وعلى ما يبدو أنَّ هذه الفكرة قد راقت له كثيراً!
***
استيقظت سارة في الصباح الباكر وأيقظت عائلتها.. خالد ليستعد لعمله وأولادها ليستعدوا للمدرسة من المنزل، وبينما كانت تُجهِّز لهم طعام الإفطار، كانت تقرأ رسائل الجوَّال الواردة على مجموعات الأمهات الخاصة بالمدرسة، فالجميع كان يحاول أن يشارك تجربته أولاً بأول، فهناك مَن تمكَّن من تجهيز أولاده وأجهزتهم اللوحية (Tablet) بكل ما يلزم كي يحضروا الدروس من خلال الإنترنت، وهناك مَن أجَّل تلك التجهيزات حتى آخر لحظة، لا يعلمون من أين يبدؤون!
جلس الجميع يتناولون طعام الإفطار..
سارة لأولادها: أريدكم أن تلتزموا بأماكنكم التي حددتها لكم كي لا تضايقوا بعضكم، ولا تنسوا أن تضعوا السماعات خلال الدرس، وأنت يا خالد كل شيء جاهز لك لتعمل من غرفة النوم.
خالد: يبدو أنَّ الإنترنت يعاني مشكلة، فقد حاولت أن أشبك منذ قليل وكان بطيئاً جداً..
أحمد: وأنا أيضاً.. تطبيق (تيمز – Teams) الخاص بالمدرسة لم يتمكَّن من العمل على جهازي بسبب الإنترنت..
يارا: وأنا أيضاً..
ياسمين: وأنا أيضاً..
سارة: خالد.. ما العمل؟
خالد: هذا أمر مُتوقَّع، فالجميع بدأ باستخدام الإنترنت في نفس اللحظة والشبكة غير مُهَّيأة لهذا الاستخدام الكبير، سأطفئ الإنترنت من النقطة الرئيسية لمدة دقيقة وأعيد تشغيله مرة أخرى.
بعد قليل من المعانة والجهد، تمكَّن الجميع من الدخول إلى أعمالهم من خلال إنترنت مُتقطِّع لكنه يفي بالغرض، كانت سارة في هذا اليوم كالمدير العام للمنزل والمراسل الصحفي، تتنقل بين أولادها وزوجها لتتأكد أنَّ كل شيء على ما يُرام.
بينما كان خالد منهمكاً في اتصالاته التي لا تنتهي، لدرجة أنه كان يدخل بيت الخلاء ويخرج منه وسمَّاعة الجوَّال على أذنيه، كانت سارة تُعاني مع أولادها الذين بدأت تظهر مشاكلهم في الدراسة من المنزل..
سارة: محمود.. ما بك؟ استيقظ وانتبه للدرس!
كان محمود أصغر أولادها يغط في النوم بينما الدرس لم ينتهي..
محمود: حسناً حسناً.. أنا مستيقظ، لكن الدرس ممل ولا أفهم منه شيئاً..
سارة: كيف ستفهم وأنت نائم؟
محمود: تعالي واستمعي للدرس.. المُعلمة مملة جداً..
سارة: ما هي المادة التي تحضرها الآن؟
محمود: اللغة العربية.
فكَّرت سارة قليلاً.. ولمعت عيناها، إنها فرصة ذهبية لمراقبة المُعلِّمَة إن كانت على المستوى المطلوب في التدريس أم لا، فهي مَدرَسَة خاصة عالمية وأقساطها باهظة.. فجلست بجانب محمود تستمع للدرس ولم تتفوَّه بكلمة، فقط كانت تنظر إلى محمود وتسأله: هل فهمت ما قالته المُعلمة؟
محمود: نعم نعم.. فهمت..
سارة: اشرح لي ما قالته المُعلمة؟
محمود: هي قالت أنَّ الجملة عندما يكون فيها فاعل.. تكون.. يعني.. تكون.. لا أدري!
سارة: يعني لم تفهم شيئاً؟
محمود بقليل من الخجل والخوف: لا.. لم أفهم!
جلست سارة قُرابة الساعة وهي تُعيد عليه الدرس، كان محمود قد بدأ يستوعب رويداً رويداً، وبعدها طلبت منه أن يُعيد عليها ما فهمه.. وكانت المفاجأة أنه قد فهم الدرس أخيراً..
محمود: أنت رائعة يا أمي.. أنت يجب أن تعملي معنا مدرسة للغة العربية بدلاً من مُعلِّمتنا التي لا تُجيد التعليم!
***
لم يكن ذلك الصباح جيداً لخلود وجمال، فقد استيقظوا متأخرين بسبب سهرة الأمس المُحتَدِمَة وكان الإرهاق بادياً على وجوههم، فلم يتريَّضوا ولم يتجاذبوا الحديث الودي كما جرت العادة في كل صباح، وبينما بدأ رامي ونتالي الدراسة من دون فطور، كان الجو العام في المنزل مُرتبكاً بسبب غياب طقوس خلود الصباحية، فقد كانت تَدُبُّ النشاط والانتعاش في جميع أنحاء المنزل من دون أن تشعر، ولأول مرة يفتقد الجميع الطاقة العظيمة التي كانت تخلقها خلود في المنزل.
بينما كان جمال يُسارع في تجهيز نفسه للعمل، كانت خلود تحوم في المنزل كالتائهة لا تدري ما الذي يحدث لها..
خلود: هل تريد أن أجهز لك الفطور؟
جمال: لا يوجد وقت، فقط كوب من القهوة وبعض التمر.. بضع ساعات من الآن وسيحين وقت الغداء.
كانت حركة خلود في المنزل مُريبة، فلم تتوانى عن اختلاس النظر إلى جوَّال جمال لترى إن كانت إيمان قد بعثت رسالة أم لا.
ولعدم وجود خادمة لديهم، كان جمال قد حوَّل الغرفة المخصصة لها إلى مكتب خاص به، وعلى الرغم من أنه كان منهمكاً في اتصالات العمل، إلاَّ أنه كان يقرأ الرسائل الواردة له كلما أتيحت الفرصة بين المكالمات، فقد كانت كثيرة ولا تنتهي.
جلست خلود في تلك الأثناء تتصفَّح حساب إيمان على إنستغرام، ولاحظت أنها نشرت بعض الصور الجديدة لها وهي تقرأ كتاب وتحتسي القهوة وتمارس الرياضة، كلها صور جديدة نشرتها في يوم واحد.
كانت خلود تُقلِّب الصور وتُعلِّق على كل واحدة..
(أصبحت الجاهلة مُثقَّفة؟!) مستهزئة بالكتاب الذي تقرأه إيمان..
(سُمّ الهاري) لكوب القهوة..
(ليت عظامك تتكسَّر!) وهي تمارس الرياضة في إحدى الصور..
بقيت على هذه الحال تأكل نفسها من الداخل من شدة غيرتها كما تأكل النار بعضها، قامت بعد ذلك وهي في قمة التوتر والسلبية تُحاول رسم ابتسامة مُصطنعة على وجهها لتقابل بها عائلتها.
***
بين الفينة والأخرى، عندما كان خالد يجد وقتاً للراحة، كان يسير في أرجاء المنزل وكأنه يسير فيه لأول مرة، كان يستمع للحوارات الدائرة بين أفراد الأسرة، بعضها يدور حول الدراسة وبعضها مشاكل وصراخ بين الأخوة، وبعضها مشاكسات بين سارة والأولاد.
عندما جاء وقت الغداء واجتمعت الأسرة على الطاولة لأول مرة في غير يوم عطلة، كانت السعادة مُرتَسمة على مُحيَّا الأولاد بسبب وجود أبيهم معهم، فخالد اعتاد تناول الغداء في العمل في أوقات الدوام العادية، واليوم خلال الحجر المنزلي.. سيتناوله برفقة عائلته بشكل دوري.
كان يُقلِّب النظر في وجوه أولاده وكأنه لأول مرة في حياته ينتبه لملامح وجوههم..
خالد: ألا تلاحظين يا سارة كيف كبر محمود؟ لقد أصبح له شارب..
سارة: ولسانه أصبح أطول وصوته أعلى..
محمود: دائماً تقولين عني كلاماً غير صحيح يا أمي!
خالد: ويارا أصبحت عروسة مثل ياسمين..
نظرت سارة إلى خالد مستغربة من حواره الغير اعتيادي: أريد أن أرى وجهك وبناتك قد أصبحن عرائس يُغادرن المنزل مع أزواجهن..
خالد: كل ما تريدينه يا سارة هو أن ينفطر قلبي!
سارة: أشاكسك يا مغفل، فأنا أعلم كم تحبهم..
خالد: لكن الذي يبدو أنه سيتزوج عما قريب هو أحمد.. أليس كذلك يا أحمد؟
أحمد: لا عليك يا والدي، لست مستعجلاً كثيراً على الزواج كاستعجالي لشراء سيارة..
ضحك خالد: سيارة؟! هل هي أهم من فتاة تحبها وتحبك؟
أحمد: الحب يا أبي يكون أجمل عندما يكون فوق أربع عجلات..
نظر خالد إلى سارة: ما هذا الجيل؟!
سارة: الله يعيننا عليه!
خرج خالد بعد الغداء إلى الشرفة ليدخن ويشرب القهوة، وجلس يُفكِّر بحاله وهو يقول في نفسه: يا الله كم أخذني العمل بعيداً عن أسرتي.. أشعر أني غريب عنهم وقد وصلت للتو من سفر بعيد، يا لها من حياة شقيَّة عندما يجهل المرء حال أولئك الذين يعمل جاهداً على حمايتهم وإسعادهم وبناء مستقبلهم.. ما أقبحها من حياة.. ما أقبحها من حياة.. ما أقبحها من حياة!
***
جلست خلود بعد الغداء – مرة أخرى – تُقلِّب صور المشاهير والعارضات على إنستغرام وكأنها دخلت في حالة من الإدمان الغير مُتَوقَّع، كانت تراقب وجوههم وأجسامهم ولباسهم، كانت تراقب كل شيء.. وبعد ذلك تنظر إلى نفسها في كاميرا الجوَّال لتقارن بينها وبينهم، فتارة ترفع أنفها بطرف أصبعها، وتارة تسحبه من الجوانب، ثم تُعيد النظر إلى وجهها.. وتقول في نفسها (هكذا أجمل.. لا.. بل هكذا أجمل!) واستمرت على هذا الحال ساعات متتالية.
كانت سارة تحاول التواصل مع خلود من خلال الواتساب.. وبينما كانت خلود مستمرة في تصفُّح الإنستغرام، بدأت تلاحظ أنَّ سارة تبعث لها رسائل جديدة.. قررت أن ترد عليها وعلى غيرها من الرسائل الواردة..
خلود: حبيبتي سارة.. كنت مشغولة طيلة اليوم ولم أنتبه لرسائلك.. أرجو المعذرة..
سارة: لا عليكِ، فقط انشغل بالي عليك فلم أسمع منك أي حس أو خبر..
خلود: كيف كان يومك مع خالد والأولاد؟
سارة: كان يوماً مُرهقاً لكنه متعة جديدة..
خلود: وأنت التي كنت مُكتئبة من وجودهم في المنزل!
سارة: معك حق.. يبدو أني بالغت قليلاً، ولكن مازلت أعمل بنصائحك فيما يخص التخطيط لحياتي، جزاك الله خيراً يا خلود.
خلود: كيف هو التدريس عن بُعد؟
سارة: والله لا أدري ما أقول.. لقد حضرت حصة اللغة العربية مع محمود، وبصراحة لأول مرة أكتشف مدى تدني جودة التعليم في المدارس التي تُكلِّفنا الكثير من المال..
خلود: لماذا؟
سارة: المُعلِّمَة تفتقر للأسلوب السليم في التعليم، ناهيك عن سوء منهجية التدريس، وكأنها تقوم بذلك رغماً عن أنفها، اليوم فهمت لماذا محمود مستواه متدني جداً في اللغة العربية.
خلود: لماذا لا تتواصلي مع إدارة المدرسة؟
سارة: هذا بالضبط ما سأقوم به، ولكني أحببت في البداية أن أستفسر من الأمهات الأخريات اللاتي لديهن أطفال في نفس صف محمود، وقد شاطرنني جميعاً الرأي الذي خَلُصت إليه.
خلود: يبدو أنَّ فايروس كورونا سيكشف لنا الكثير من الأمور التي كنا نجهلها وكانت تختبئ في الظلام ولم نكن نراها بوضوح في أنفسنا ومَن حولنا..
سارة: معك حق!
انهت خلود الحديث مع سارة لتنتقل إلى رسائل شقيقتها أماني التي كانت تستفسر عن جمال وإيمان..
أماني: هل من جديد فيما يخص زوجك وحبه القديم؟
خلود: لا أعلم، لم يحدث شيء معين..
أماني: ألم تبعث له برسالة أو اتصال؟
خلود: لا أدري..
أماني: لماذا لا تدرين؟ خذي جوَّاله واقرأي الرسائل الواردة وتفقَّدي سجل الاتصالات أيضاً..
خلود: هل جننتِ؟ كيف سأتمكن من أخذ جوَّاله؟ ماذا لو رآني؟
أماني: تفقديه من دون أن يشعر كما تفعل كل النساء..
خلود: لا أدري ما هي كلمة السر..
أماني: لماذا لا تدرين؟ ألم تشاهديه ولو لمرة واحدة وهو يُدخلها أمامك؟
خلود: بلى ولكني لم أعر الموضوع انتباهاً، وهو غالباً ما يلجأ إلى بصمة الوجه ولا يُدخِل كلمة السر.. فكيف سأعرفها؟!
أماني: حاولي أن تعرفيها كي تتمكني من تفقُّد الجوَّال، فكل الرجال سفلة ينتظرون مثل تلك الفُرَص كي يستعيدوا شباباهم..
خلود: لكن جمال ليس كذلك..
أماني: ابقي عبيطة كما أنت إلى أن تقع الفأس في الرأس!
كانت تلك النصائح التي تأتي من أماني تغلي في رأس خلود كما يغلي البركان، وكأنَّ الشيطان وجد فرصته لينطق بلسان أختها.. كانت الكآبة تزداد في قلبها مع كل دقيقة تأتي فيها مثل تلك النصائح.. لم تكن تعلم ما الذي يجب عليها فعله، فهدفها ليس التجسس على جمال، إنما الاطمئنان أنَّ إيمان لا تُشكِّل خطراً على حياتها.
***
عندما شارف اليوم الأول على نهايته، جلس خالد يُتابع نشرات الأخبار، فجلست سارة إلى جانبه..
سارة: هل من جديد؟
خالد: يبدو أنَّ الاقتصاد العالمي أخذ ضربة قوية من هذه الجائحة..
سارة: كيف؟
خالد: الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الدخل اليومي والأسبوعي بدأت بإعلان إفلاسها، وسوق الأسهم العالمي بدأ بالانهيار وأسعار النفط في هبوط حاد من كثرة المعروض وقلة الطلب.
سارة: هل سيطالنا هذا الأمر في الدول العربية؟
خالد: الله أعلم، لكن كل شيء مُحتَمَل.. فنحن جزء من هذه المنظومة الاقتصادية، والعالم اليوم يعتمد على بعضه البعض ولا يوجد أي دولة بمأمَن من هذه الأزمة.
سارة: الله يستر.. دعني أذهب إلى ياسمين، فهي تريد محادثتي من الصباح ولم أجد لها وقتاً.
خالد: هل يوجد شيء مُعيَّن؟
سارة: لا أدري.. قد تكون بعض أمور المراهقات.
ذهبت سارة إلى ياسمين التي كانت تنتظرها على باب الصالة، ومن ثم دخلت معها إلى غرفة النوم، وبعد دقائق.. كانت أصوات الحديث تعلو شيئاً فشيئاً إلى أن نهض خالد ليسير بجانب الباب ليستمع إلى الحديث الدائر.. وعلى ما يبدو أنَّ ياسمين كانت تريد شراء بعض المتاع الغالي الثمن، وكانت خلود تقول لها أن تصبر حتى تزول الجائحة ويأتي موسم التنزيلات، وياسمين تُلِحُّ على أمها بالطلب..
وقف خالد يستمع للحديث وهو مُشوَّش من تعب العمل ومن أخبار الكورونا إلى أن سمع كلمة قلبت كيانه.. فقد قالت ياسمين غاضبة لأمها: لا أريد منكم شيئاً.. عندما أتزوج سأطلب من زوجي أن يشتري لي كل ما أريد!
دار رأس خالد وكأنه سيفقد الوعي.. ونظر إلى باب الغرفة بغضب.. فتمالك نفسه وذهب إلى الشرفة للتدخين، وجلس يُفكِّر فيما سمعه من ياسمين التي يُحبها من كل قلبه وقال وفي نفسه غُصَّة (ستكون هذه أشقى أولادي وأتعسهم على الاطلاق!).
يتبع..
اين الجزء الخامس قرأت جميع الاجزاء في جلسة واحدة
في الحقيقة توقف عن قصص (كورونا تايم) بسبب انشغالي بإصدار كتابي الأول (أرض الميعاد – روايتي عن عالم لا نفهمه)، والحمدلله تم نشر الكتاب في شهر سبتمبر من العام الماضي (٢٠٢٠).
لدي نية أن أكمل (كورونا تايم) وأضعها في كتاب كأول رواية أصدرها بإذن الله.
هل ترغبين في قراءتها في رواية كاملة؟ شاركينا رأيك!
روعه …….عندما تجتمع الفائده مع المتعه والتشويق جزاك الله كل خير أستاذ حسين بانتظار الحلقه الخامسه بشغف
جميل في انتظار الجزء الخامس 👌🌸
إبداااااع،
“التهمت الـ 4 أجزاء”،
فانتظار الحلقة الـ 5،
دمت بخير أستاذ يونس،
شكراً لك من القلب 😊
أكرمك الله أستاذ يونس،
الشكر لله،
ثم لحضرتك على جهودك الطيبة،
من بداية تجربة كندا لهذا المقال،
دمت بخير أستاذ يونس،
اي زوج يقبل ايها المغفل؟…معناه لا احترام
سارة: أشاكسك يا مغفل، فأنا أعلم كم تحبهم
هذه العبارة لم تروق لي، أعتقد انها لا تقال بين الزوجين، كلمة مغفل قاسية حتى لو على سبيل المزاح.
بس تسلسل الحلقات و الأحداث جميل، جزاك الله خير