لا شك أنَّ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها واجهت إمتحانات ومحن كثيرة داخل مصر وخارجها، ولعل أصعبها كان امتحان فترة الرئاسة المصرية والتي آلت إلى الفشل بسبب عدم نضوج خبرة الإخوان الإدارية للدولة مصحوباً بجهود محلية وعربية غير مسبوقة لإفشال هذا الحكم، وأضع خطاً تحت الأخيرة، فلو نجح رئيس عنصري وجاهل مثل « جورج بوش الإبن » في إدارة أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ لفترتين رئاسيتين متتاليتن، فبلا أدنى شك أنَّ حكم الإخوان كان من الممكن أن يُكلل بالنجاح لو تكاتفت الجهود لذلك، ولعل ما صرح به رجل الأعمال المصري « أحمد أبو هشيمة » مؤخراً في لقاءه مع الإعلامي « طوني خليفة » في برنامج ( آسفين يا ريس ) حول الضغوط التي تلقاها من أجل المساهمة في إفشال إقتصاد مصر خلال فترة حكم الرئيس مرسي لإسقاط الجماعة، كان خير دليل على المؤامرات التي حيكت ضدهم، فليس من السهل أبداً أن يتكالب الجيش مع الإعلام والقوى السياسية بشتى أطيافها ودول إقليمية على نظام .. ثم لا يسقط !! هذه الجهود لو حيكت ضد أعرق الساسة المحنكين .. لفشل !!
من الجدير بالذكر أنَّ هذا تماماً ما حدث مع حكومة حماس في فلسطين عام 2006م، والذي يُفسر لنا سبب تشبث حماس اليوم بحكم قطاع غزة وحذرهم الشديد في المفاوضات مع حركة فتح حتى لا يؤخذوا غدراً مرة أخرى.
لكن لو نظرنا إلى سياسة إخوان مصر مقارنة مع سياسة إخوان تركيا سنجد أنها تختلف إختلافاً جذرياً من ناحية الفكر والتطبيق، فإخوان مصر لم يحالفهم الحظ في إدارة الجيش وبناء تحالفات سياسية داخلية ناجحة لاستيعاب الإختلاف المتأجج، وراهنوا فقط على الدعم الأمريكي لهم والذي اتضح مؤخراً أنه فخ وقعوا فيه كما يبدو من آخر تصريحات أطلقها وزير خارجيتها « جون كيري » الذي نفى صفة الإنقلاب عن تحرك الفريق السيسي، وأكد أنه كان تحركاً من أجل حماية الديمقراطية في مصر على حد زعمه.
مع الأسف الشديد .. هذه أيضاً لم يُفلح الإخوان فيها، وظهر لنا جلياً لين عودهم السياسي تجاه الولايات المتحدة والتي لا تُراهن إلاَّ على الخيل الرابحة، فهي لا يهمها أن يحكم مصر جماعة الإخوان أو جماعة الشيطان .. المهم أن تبقى لهم اليد العليا في المنطقة لحماية مصالحهم وحلفاءهم، فالولايات المتحدة وحدها تحتاج إلى خبرة عقود لإتقان سياسة التعامل معها في مُعترك السياسة الدولية.
إمتحانات الإخوان لم تنتهي بعد، فطريقهم أصبح شائكاً أكثر من السابق، ولعل إعتصام رابعة العدوية يُعد أصعب إمتحان مرَّ عليهم حتى اليوم، فهو بمثابة فرصة أخرى لا تخلو من التحديات السياسية لإظهار قدرتهم على حشد الجماهير والصمود في الميادين من جهة، وإدارة المفاوضات مع الأطراف المناوئة من جهة أخرى، فاعتصام رابعة ليس إمتحاناً لقدرتهم على الحكم الذي فشلوا فيه، ولكنه إمتحان لمصداقيتهم تجاه الجماهير التي حشدوها وراهنوا على حياتها ومستقبلها، وأنا على قناعة تامة من أن الإخوان قد بدءوا يدركون أنَّ الرئيس المعزول لن يعود إلى الحكم، وهنا الإمتحان الأصعب الذي يواجههم اليوم .. هل سيصمد الإخوان في وجه بركان الضغوط الداخلية والدولية لفض اعتصاماتهم من دون أن ينالوا نصيباً يعوض خسارتهم للحكم؟ أم أنهم سيرضون بأدنى الحلول التي تضمن لهم فقط البقاء كحزب سياسي يخسرون معه سمعتهم الشعبية؟ هل سيفلحون هذه المرة في إثبات قدرتهم السياسية على اجتناب أي إلتفاف على اعتصامهم كما تم الإلتفاف على حكمهم؟ هل سيتمكنون من تخطي مرحلة إعتصامات رابعة والنهضة بأقل الخسائر السياسية؟ أسئلة مهمة وإمتحان أهم لقدرة الإخوان السياسية ومصداقيتهم الميدانية.
لن يحتمل الإخوان إخفاقات جديدة، فقد يبدأ مؤيدوهم بالتساؤل إن كان ما قاموا به من إعتصام لدعم الجماعة قراراً صائباً أم شركاً وقعوا فيه من الإخوان؟ فهم اليوم أصبحوا محط أنظار وتعاطف العالم الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا، ولعل التعاطف العربي معهم يفوق التعاطف الداخلي، وتجربة 30 يونيو أثبتت أنَّ إرادة الشعب أداة العسكر الأخطر، فلا مكان لصنادق الديمقراطية ولا التعددية السياسية، والخروج من هذه الأزمة المعقدة يحتاج إلى حنكة داهية، والتي في اعتقادي لن يتمتع بها الإخوان إلاَّ من خلال لحلحة الحزب ليشمل فكراً سياسياً جديداً مع تحالفات قادرة على المناورة والإتيان بجديد.
ورد الصاع صاعين……..كان حسني مبارك ذكياً في التعامل مع الثورة عندما قامت………….هو قرر عمل مسرحية اشهد له بالذكاء فيها……..هو يعلم انه لو إستمر في العنف سيخسر لا محاله……كما خسر غيره…..وخصوصاًعندما رأى تواجد الاخوان وبشده في فعاليات الثورة……وقبل الدور المهين على نفسه خلف القضبان……..كانت تمثيلية وكان له دور البطولة………..هو يعلم ان ثلاثون عاماً كانت كافية ليسيطر على كل مقدرات الدولة واجهزتها……….حتى رغيف الخبز للمصري الغلبان كان في يده…………هو لعب هذه المسرحية حتى عندما ……….تحين ساعة الصفر…….تكون عودته شرسه كما رأينا ويضرب الاخوان بيد من حديد……وينتهي الفصل الاخير……..هو واهم…….فهو لم يعلم انه قتل كل المصريين………هو توقع انه سيجرهم للعنف…….ليقتل اكثر……….كان واهماً………ستأتيه نهايته عما قريب إن شاء الله.
وإضافة إلى ما تفضلت به، وقد يكون من أهم النقاط حول فساد الدولة وعودة الدولة العميقة وبراءة مبارك .. هو ضرب الإسلام السياسي في مصر، سواء كان هذا الإسلام متمثل بالإخوان أو غيرهم، لن يكون أبداً الإسلام موضع ترحيب في دولة يحكمها العسكر، فهم ولاءآتهم معروفة ولا تقبل بأي حال من الأحوال رأي الشريعة الإسلامية لأنها تتعارض تماماً مع مبادئهم وخططهم وتحالفاتهم.