إدارة التفاوض – الجزء السادس

|

حسين يونس

نكمل اليوم بإذن الله مع التقنية الرابعة من تقنيات إدارة التفاوض: ( لا تجعل تنازلك الأول كبيراً )، فحتى تربح المفاوضات، تعلَّم كيفية تضييق فرص التنازل لديك، كن حذراً في الفترة التفاوضية الممتدة حول السعر، بحيث أنك لا تخلق نمطاً معيَّناً في الطريقة التي تقدم فيها التنازلات. لنقل أنك في مرحلة بيع مركبة مستعملة، وكنت قد ذهبت للتفاوض بسعر 15 ألف ريال وبإمكانك أن تخفض السعر إلى 14 ألف ريال كحد أدنى إن إحتاج الأمر ذلك، إذاً أنت تملك ألف ريال رصيد تفاوضي للتنازل، وما يجب الإنتباه إليه أنَّ الطريقة التي سيتم التنازل بها عن الألف ريال حرجة جداً، فهناك العديد من الأخطاء التي يقع فيها الكثير لابد من تجنبها:

  1. المساواة في حجم التنازل: هذا يعني أنَّ تخليك عن الألف ريال في التفاوض يساوي أربعة أضعاف قيمة الـ 250 ريال، تخيل ماذا يعتقد الطرف الآخر عندما تفعل ذلك، فهو لا يعلم رصيدك التفاوضي ولا إلى أي مدى يمكنه دفعك للتنازل، كل ما يعلمه أنه في كل مرة يدفعك فيها للتنازل يحصل على 250 ريال أخرى، لذلك سيبقى الطرف الآخر يحاول جاهداً دفعك للتنازل بكل ما أوتي من قوة، وفي الحقيقة من الخطأ أن تجعل تنازلك الثنائي على سبيل المثال مساوٍ لرصيدك التفاوضي كاملاً – الألف ريال، تخيل لو كنت أنت من سيشتري المركبة، وصاحب المركبة أقدم على تنازل بمقدار 250 ريال، وعندما ضغطت أنت عليه في التفاوض تنازل عن 250 ريال أخرى، ألا تراهن أنَّ تنازله القادم سيكون 250 ريال أيضاً؟
  2. التنازل النهائي كبير: لنقل أنك قمت بالتنازل عن 600 ريال ومن ثم ألحقتها بالتنازل عن 400 ريال أخرى، وخلال التفاوض أبلغت الطرف الآخر ما يلي: ( هذا هو الحد الأدنى الذي يمكننا الوصول إليه، لا يمكنني التنازل عن ريال واحد بعد ذلك )، المشكلة هنا أنَّ تنازلك عن 400 ريال كتنازل نهائي هو تنازل كبير، الإحتمالية الآن أنَّ الطرف الآخر يعتقد جازماً أنَّ تنازلك عن 600 ريال ومن ثم إلحاقها بـ 400 ريال أخرى سيمكنه من الحصول على مبلغ لا يقل عن 100 ريال أخرى من رصيدك التفاوضي، فقال لك: ( نحن نقترب من الإتفاق على سعر يرضينا جميعاً إذ إستطعت أن تتنازل عن 100 ريال أخرى )، أنت بطبيعة الحال رفضت وقلت له أنك لا تستطيع أن تخفض سعرك ولو بـ 10 ريالات، لأنك قلت له أنَّ هذا هو الحد الأدنى الذي يمكنك الوصول إليه، وردك هذا أدى إلى إنزعاج الطرف الآخر الذي يعتقد أنَّ تنازلك عن مبلغ 400 ريال يمكنك من التنازل عن مبلغ 10 ريالات تافهة، وأصبح يرى أنك صعب بشكل غير منطقي! إذاً إحترس من أن تجعل تنازلك النهائي كبيراً حتى لا تخلق عدائية لدى الطرف الآخر تجاهك.
  3. لا تضع أبداً رصيدك التفاوضي كله على الطاولة: نموذج آخر من نماذج التفاوض على السعر، وهو أن تضع كل رصيدك التفاوضي الـ 1000 ريال على الطاولة كتنازل واحد وتخبر الطرف الآخر بكل إخلاص: ( توفيراً للوقت والجهد، هذا كل ما أستطيع التنازل عنه )، إنَّ التفاوض على السعر بمثل هذه الطريقة يعتبر مشئوماً لا خير فيه، وستفاجأ عزيزي القارئ عندما تعلم أنَّ الغالبية العظمى من المفاوضين الغير محنكين يستخدمون هذه الطريقة في التفاوض على السعر، يقول “روجر داوسون – Roger Dawson” مؤلف كتاب “أسرار قوة التفاوضSecrets of Power Negotiation” عن هذه الطريقة بأنها ( نزع السلاح من جانب واحد )، ولعلك ستفكر الآن: ( من هو الشخص الذي يعيش على هذه الكرة الأرضية الذي من شأنه أن يكون قادراً على أن يجعلني أقوم بمثل هذا الفعل الغبي؟ )، الجواب سهل جداً، شخص ما تفقد مركبتك في الأمس وهاتفك اليوم قائلاً: ( أنا بصدد شراء مركبة من ثلاث مركبات متساوية معروضة علي، من ضمنهم مركبتك، وقد جمعت الأسعار النهائية لكل مركبة، وبقي أن أعرف سعرك النهائي الذي يمكنك الوصول إليه حتى يتسنى لي المقارنة بين الأسعار المنافسة وأختار واحدة )، فإذا لم تكن من المفاوضين المهرة، ستفزع وتخفض سعرك حتى العظام، على الرغم من أنَّ المتصل لم يعطي أي ضمان لك أنه لن تكون هنالك جولة تفاوضية أخرى.
    طريقة أخرى يستطيع الطرف الآخر النيل منك وجعلك تضع كل ما في جعبتك على الطاولة، حيلة: ( لا نحب التفاوض! )، لشرح هذه الحيلة تخيل نفسك مندوب مبيعات يحاول إستقطاب عملاء جدد، وبينما أنت جالس تناقش قضية الأسعار، ينظر إليك العميل بنظرة الإخلاص اللامتناهية ويقول لك: ( دعني أشرح لك طريقة عملنا في هذه المنشأة، عودة إلى عام 1926م عندما أسس صاحب العمل هذه المنشأة قال لنا: “دعونا نعامل المقاولين بطريقة حسنة ولا نفاوضهم على الأسعار، أطلبوا منهم السعر المنخفض النهائي الذي من الممكن الحصول عليه، بعد ذلك أخبروهم إذا كنا سنشتري أم لا”، إذاً هذه هي طريقتنا دائماً في العمل، لذلك أعطني سعرك النهائي وأنا سأعطيك القبول أو الرفض لأننا لا نحب التفاوض هنا )، العميل يكذب عليك بكل تأكيد، هو يحب التفاوض، هذه رؤية تفاوضية أو نفاذ في البصيرة التفاوضية إذ إستطاع الطرف الآخر جعلك تقدم له كل تنازلاتك الممكنة قبل الشروع في التفاوض.
  4. منح تنازل صغير لجس النبض: إعطاء تنازل صغير في بداية التفاوض لمعرفة ما يمكن أن يحدث يجعلك مغرٍ للطرف الآخر وفريسة سهلة له، بحيث أن تقول للطرف الآخر في بداية التفاوض: ( من الممكن أن أعصر نفسي وأمنحك 100 ريال خصم من السعر، ولكن هذا حدي الأدنى )، إذا ما رفض الطرف الآخر، ستقول في نفسك: ( هذا ليس سهلاً كما إعتقدت )، وتجد نفسك بعدها تعرض 200 ريال تنازلاً عن السعر الرئيسي، ومع ذلك لم يقبل الطرف الآخر بعرضك لشراء السيارة، فتذهب بجولة أخرى بتنازل 300 ريال، ومن ثم 400 ريال ولم يتبقى لك شيء في رصيدك التفاوضي تفاوض عليه، إذاً أنت أعطيتهم كل شيء، أترى ما الذي فعلته هنا؟ أنت بدأت بتنازل صغير ومن ثم بدأ التنازل يكبر، فبهذه الطريقة لن تفلح في الوصول إلى صفقة، لأنه في كل مرة يسألك الطرف الآخر مزيداً من التنازلات، ما يصب في صالح الطرف الآخر أكثر وأكثر، أنت بهذه الطريقة تبني نمطاً من التوقعات في ذهن الطرف الآخر. فالطريقة المثلى لعرض التنازلات هو أنت تبدأ بتنازل معقول من الممكن أن يضمن لك الصفقة، فمن الممكن أن تكون الـ 400 ريال ليست بعيدة عن خط المرمى، وتأكد بعدها إذا إضطررت لعرض المزيد من التنازلات المستقبلية، أن تكون أصغر وأصغر، فالتنازل الثاني يكون 300 ريال، ثم 200 ريال، ومن ثم 100 ريال، بتقليص حجم تنازلاتك ستتمكن من إقناع الطرف الآخر أنه قد تمكن فعلاً من دفعك إلى أبعد ما يمكنك الوصول إليه في التنازلات.

تذكر النقاط الرئيسية التالية لتقنية ( لا تجعل تنازلك الأول كبيراً ):

  1. طريقتك في التنازل تخلق نمطاً من التوقعات في ذهن الطرف الآخر.
  2. لا تجعل رصيدك التفاوضي للتنازل متساوياً، لأن الطرف الآخر سيبقى يدفعك للتنازل أكثر.
  3. لا تجعل تنازلك النهائي كبيراً، لأنه يخلق شعوراً عدائياً لدى الطرف الآخر.
  4. لا تفصح عن حجم رصيدك التفاوضي للطرف الآخر فقط لأنه يطلب منك العرض النهائي والأخير، أو لأنه يدعي أنه لا يحب التفاوض.
  5. ضيِّـق فرص تنازلك حتى تشعر الطرف الآخر أنه قد حصل على أفضل عرض لديك.

ولنا وقفات أخرى في تقنيات إدارة التفاوض في الأسابيع المقبلة بإذن الله.

المراجع:

“Roger Dawson” author of: “Secrets of Power Negotiation”.

رأي واحد حول “إدارة التفاوض – الجزء السادس”

أضف تعليق