نكمل اليوم بإذن الله مع التقنية الخامسة من تقنيات إدارة التفاوض: ( لا تتنازل في التفاوض حتى تحصل على شيء بالمقابل )، فالمفاوض المتمكن يعلم أنه في أي وقت يطلب منه الطرف الآخر التنازل في المفاوضات، فإنه يجب عليه تلقائياً أن يطلب شيئاً ما بالمقابل، دعونا ننظر في عدة طرق لاستخدام مناورة المقايضة في التفاوض:
الحالة الأولى: لنقل أنك بعت منزلك وطلب منك المشتري أن ينقل بعض قطع أثاثه إلى مرأب المنزل قبل دخول موعد تسليم المنزل بثلاثة أيام، على الرغم من أنك لا تريد السماح له بالإنتقال إلى المنزل قبل حلول موعد التسليم، إلاَّ أنك ترى أنَّ هنالك ميِّزة في السماح له بإستخدام المرأب الخاص بالمنزل، حيث أنك ستحصل على مشاركة عاطفية من قِـبَـل المشتري تساعدك في تقليل المشكلات والعقبات التي من المرجَّح أن تطفو على السطح لحظة إغلاق الصفقة، إذاً أنت على الأغلب متشجع لهذا التنازل، ولكن عزيزي القارئ أريدك أن تتذكر القاعدة التالية: “مهما كان التنازل صغيراً وبسيطاً الذي يطلبه الطرف الآخر، دائماً أطلب شيئاً بالمقابل”، أخبر المشتري أنك ستناقش طلبه مع عائلتك لترى ماذا يعتقدون إزاءه، واسأله أيضاً: “إذا فعلنا ذلك لك، ماذا ستفعل لنا؟”.
الحالة الثانية: إفترض أنك تبيع معدات رافعة للبناء، وقد قمت ببيع صفقة كبيرة لمتجر معدات بناء، وقد تم الإتفاق على موعد التوريد بناءاً على طلب العميل في منتصف شهر أغسطس، أي قبل موعد الإفتتاح بـ 30 يوماً، وبعد ذلك إتصل بك مدير العمليات لدي العميل وأبلغك بأنهم قد أنهوا أعمال بناء المتجر باكراً، وهم يرغبون الآن بتبكير موعد الإفتتاح ليكون في يوم عيد العمال بداية شهر مايو القادم، ويسألك: “هل هنالك أي طريقة تمكنك من توريد الرافعات يوم الأربعاء المقبل؟”، من المحتمل أنك ستسعد في داخلك لهذا الطلب الذي يعني أنك ستحصل على المال أسرع مما توقعت، وتقول في نفسك بالطبع يمكنني ذلك، فالرافعات قابعة في مستودعاتنا … بل يمكنني توريدها غداً إن شئت”، وعلى الرغم من رغبتك بقبول ذلك الطلب من العميل، إلاَّ أني مازلت عزيزي القارئ أرغب منك إستخدام مناورة المقايضة في التفاوض، أريدك أن تقول: “بكل صراحة، أنا لا أدري إن كان بالإمكان توريد الرافعات الأربعاء المقبل، يلزمني أن أتحقق من توفر الرافعات في المستودعات أولاً ومن مواعيد التسليم الأخرى، ولكن إسمح لي أن أسألك: إذا إستطعنا تنفيذ طلبك، ماذا يمكنك أن تفعل لنا؟”.
إعلم عزيزي القارئ أنه واحدة من ثلاثة أشياء ستحدث عندما تسأل شيء بالمقابل:
- من الممكن الحصول على شيء فوراً: من الممكن لمشتري منزلك أن يزيد الدفعة المالية الأولى، أو أن يشتري أثاثـك القديم في المرأب. أما صاحب المتجر سيفكر فيما يمكنه أن يغريك كي تورد الرافعات قبل موعدها، فيقول لك: “سأطلب من المحاسب أن يحرر لك شيكاً بالمبلغ اليوم”، أو “أهتم بتوريد هذه الرافعات قبل موعدها، وأنا سأقوم بالعمل معك مجدداً عند إفتتاح متجري الآخر الجديد في ديسمبر المقبل”.
- طلبك لشيء بالمقابل يرفع من قيمة تنازلك: عندما نكون في لحظة التفاوض، لماذا نتجاهل تنازلاتنا؟ دائماً إجعل الصفقة الكبرى تنتج منها، لعلك ستحتاج لها لاحقاً. بعد شحن مشتري المنزل لأثاثه إلى المرأب، خرجت معه في جوله حول المنزل وقد لاحظ المشتري أنَّ أحد مفاتيح الإنارة لا يعمل، وقد لاحظت أنَّ المشتري أخذ يتمتم أنه غير راض عما رأى، يمكنك القول: “هل تعلم كم سببت لنا إزعاجاً عندما أتحنا لك نقل أثاثك إلى المرأب، لقد فعلناه لأجلك أنت، والآن أريدك أن تتغاضى عن هذه المشكلة الصغيرة”. قد تحتاج في وقت لاحق الذهاب إلى صاحب متجر المعدات لتقول له: “هل تذكر شهر أغسطس الماضي عندما احتجت أن أورد لك الرافعات باكراً؟ هل تعلم كم كان من الصعب إقناع إدارتي على إعادة وضع جدول زمني لجميع الشحنات؟ فعلنا ذلك من أجلك، لذلك لا تجعلني أنتظر نقودي، حرر لي شيكاً بالمبلغ واجعلني أقبض مالي اليوم”. عندما ترفع من قيمة تنازلك، يمكنك أن تستفيد منه لاحقاً في المناورات التفاوضية.
- توقف طاحونة الطلب المستمر في التنازل: هذا هو السبب الرئيسي لاستخدام مناورة المقايضة في التفاوض، فإذا علم الطرف الآخر أنك في كل مرة يطلب فيها تنازلاً من طرفك ستطلب شيئاً بالمقابل، سيتوقف عن طلب المزيد من التنازلات لأنها عملية مكلفة، وبهذا ستتوقف عملية الطحن التفاوضية في طلب المزيد والمزيد من التنازلات.
أرجو منك عزيزي القارئ إستخدام كلمات مناورة المقايضة حرفياً كما ذكرتها لك اليوم دون تغيير، إذا قمت بتغيير كلمة واحدة منها، من الممكن أن تحدث الجملة تغيراً هائلاً في المعنى، على سبيل المثال قمت بتغيير الجملة من: “إذا إستطعنا فعل ذلك لك، ماذا يمكنك أن تفعل لنا؟” إلى “إذا فعلنا ذلك لك، لابد من أن تفعل ذلك لنا”، بهذا التغيير العنيف ستحدث صدىً سلبياً على مجريات التفاوض وتقلب الطاولة عليك، أنت قلبت التفاوض إلى مواجهة قاسية في لحظة حساسة جداً للطرف الآخر الذي يتعرض للضغط ويطلب منك أن تُسدي له خدمة.
بالطبع إذا حاولت أن تستفيد من الموقف إيجابياً بطلب شيء بعينه بالمقابل، قد ينفجر التفاوض في وجهك، ولكن عندما تسأل ما يجب عليهم أن يعطوك بالمقابل، لا تتكلم بصيغة الجزم والقدرة، ولكن ناور قائلاً: “أنا لا أعتقد أني قادر على جعل الإدراة توافق على ذلك، إلاَّ إذا كنت موافقاً على دفع نفقات التوريد” أو “إلاَّ إذا كنت جاهزاً على تبكير موعد الدفعات المالية”.
تذكر النقاط الرئيسية التالية لتقنية ( لا تتنازل في التفاوض حتى تحصل على شيء بالمقابل ):
-
دائماً أطلب شيئاً من الطرف الأخر مقابل التنازلات الصغيرة.
-
إستخدم هذا التعبير: “إذا إستطعنا فعل ذلك لك، ماذا يمكنك أن تفعل لنا؟”.
-
دائماً يمكنك أخذ شيء بالمقابل، أو رفع قيمة تنازلك أمام الطرف الآخر من أجل مقايضة لاحقة.
-
أهم شي أن توقف طاحونة طلب التنازل المستمر من قِـبَـل الطرف الآخر.
-
لا تغيِّر كلمات طلب المقايضة وتسأل عن شيء بعينه بالمقابل، لأنك ستحول التفاوض إلى مواجهة قاسية.
ولنا وقفات أخرى في تقنيات إدارة التفاوض في الأسابيع المقبلة بإذن الله.
المراجع:
“Roger Dawson” author of: “Secrets of Power Negotiation”.
جميل ان تطلب شيئا مقابل التنازل لكن لا تستطيعه دائما فمثلا نحن نعمل في قسم المبيعات و أحيانا لا مجال أمامك لتأخذ الصفقه إلا بالتنازل حسب طلب العيل لوجود تنافس قوي و سوق لا يفكر إلا بالسعر الرخيص فالعميل يطلب السعر الذي يريده و يطلب طريقه الدفع التي يريدها و مدة التنفيذ التي يحددها و ن لم توافق شركات عديدة جاهزة لتحل مكانك فماذا نفعل بهذه لاحاله ؟؟؟؟
@علي اروادي, لكل حالة تفاوضية حكمها ووضعها، فإذا نظرنا إلى التفاوض بشكل كامل … أي المقالات والتدوينات الأخرى للتفاوض هنا في الموقع، ستجد أني أطرح أيضاً قضية الخيارات المتاحة للعميل … وهي جزء مهم جداً من القوة التفاوضية، فإذا كان العميل لديه خيارات موازية لك ولمنتجك أو ربما أفضل … فبالطبع لن تكون قادراً على المقايضة كما لو كنت مميزاً جداً ومنفراً بالخدمات التي تقدمها والمنتجات التي تطرحها للعميل. وإذا كان العميل لا يكترث إلا للسعر والعمل معه سيكون غاية في التعب والإرهاق … فلعلك من الأفضل أن تنسحب ولا تفاوض لأن العملية برمتها غير مربحة.
فلكل حالة وضعها تقدرها أنت عندما تكون تحت الرصاص!
كل التوفيق،