كنت أقرأ في القديم ما كتبه ابن الجوزي في كتابه (أخبار الحمقى والمغفلين) لأوصاف أشكالهم وكلامهم وغيرها من الأمور التي تدل على حماقتهم من وجهة نظره رحمه الله ومجتمعه في ذلك الزمان، وكنت أتناول قصصهم ومواقفهم وأتساءل في نفسي مستغرباً: (هل يُعقل أن يكتب ابن الجوزي مثل هذا الكتاب؟ هل إنتهى العلم في زمانه حتى يتفرغ لمثل هذا؟ أم هو ترف التأليف؟)، وبقيت مستغرباً حتى بدأت أشعر بحرارة قربهم مني، وبدأت أميِّز كلامهم وتعليقاتهم وأفكارهم وطرق تناولهم للمواضيع وغيرها من الأمور التي لا تستحق من الإنسان مجرد التعثر بها عدى عن أن يطرحها في نقاش عام.
الشاهد أني أدركت فيما بعد أن ابن الجوزي كان على حق في تأليف مثل هذا الكتاب حتى نكون على دراية تامة بهم ونحذرهم. فهم من طبقة سيئة تسلب منَّا راحتنا ووقتنا وتجعلنا نعيش في غيمة إحباط لا توصف، فاهتماماتهم سخيفة ولا يملكون فكراً أو مشروعاً في حياتهم ولا حتى أهدافاً ذات قيمة.
يقول ابن الجوزي في هذه الفئة أنهم كانوا يتطفلون عليه في أوقات عباداته وتأليفه للكتب وطلبه للعلم، فقد كان جدوله اليومي مزدحماً ولا يجد وقتاً لهم ولسخافاتهم ومواضيعهم ركيكة وليس لها أية قيمة، وكان طبعه لطيفاً مع الناس في زمانه ولا يُحب أن يكون فظاً مع أحد حتى هذه الفئة، فكان يُفرِّغ لهم من وقته اليومي عشر إلى خمسة عشر دقيقة لمجالستهم في الوقت الذي كان يجهز فيه قرطاسيته من أوراق وأقلام ويرتب كتبه ومنزله، بحيث يقوم بهذه التجهيزات ويستمع إليهم في نفس الوقت، فهم لا يستحقون أكثر من ذلك، وكان يقول أنَّ للجسد حُمَّى كنزلات البرد والأمراض العضوية، وهؤلاء الحمقى هم (حُمَّى الروح) أي النفس، وهذا وصف غاية في البلاغة منه رحمه الله.
كلام مهم يُغيِّر من حياتنا إلى الأفضل عندما نتجنب صحبة هذه الأمراض الروحية، ولأننا أصبحنا نصطدم بهذه الفئة بشكل يومي في كل جنبات حياتنا في العمل والتلفاز والشارع، ولا أحد يستطيع إنكار تأثره بهم في بعض الأحيان، وددت أن أصف لك عزيزي القارئ بشكل موقفي كيف لك أن تعرفهم، فالكثير يُعرِّف الأحمق على أنه شخص غير مُنتَظِم الهيئة فيه خلل خَلقي، وهذا ليس بالضرورة، فالكثير من الحمقى وسيمي الشكل، وهيئتهم جميلة، فالحماقة المقصودة هنا هي حماقة الجوهر وليس المظهر، ومن صفاتهم التي لا تُحصى:
- لا تستطيع التنبؤ بردَّة فعلهم، فغالباً ما يضعونك في مواقف لا تُحسد عليها.
- كثيري النظر للآخرين بسبب وبدون سبب، فمن الطبيعي أن ينظر الإنسان إلى من حوله في مشيه وجلوسه، ولكن ليس من الطبيعي أن يتلفت دائماً يمنة ويسرة كالمعتوه وبدون سبب، أو أن ينظر إلى شخص ما، ومن ثم يلتفت عنه إذا نظر الشخص إليه، ومن ثم يُعيد الكرَّه مرة أخرى، وهكذا.
-
غير واقعيين في وصفهم للأمور، دائماً ما تجد وصفهم مبالغاً فيه ولا يستند إلى الحقيقة الكاملة أو المنطق السليم، فالأمر دائماً ما يكون على عكس ما يصفون.
-
لا تستطيع مناقشتهم وإقناعهم، فهم محبِّين للإعتراض من دون سبب، ومن ثم يعملون لاحقاً بما كانوا قد إعترضوا عليه بشدة، كما أنَّ نظرتهم للأمور فيها قصور ولا تحتوي على أي بُعد نظر.
-
أي إنسان يستطيع ومن دون عناء أن يحبطهم بكلمة أو أن يشحذ هممهم بكلمة، فهم يغيِّرون آراءهم بسرعة، ويسعون جاهدين للوصول إلى دفَّة القيادة واهمين بأنهم صالحين لها، وعندما يتمكنوا من الوصول، تحدث الكوارث.
- كثيري الخوف والتوجس من أي شيء، فأي إنسان يستطيع أن يُخيفهم ويؤثر فيهم سلباً.
-
بعضهم يدَّعي أنه صاحب فكر أو مشروع في الحياة، تجده كثير الكلام والتبجح أمام الرأي العام، ولكنهم قليلي الفعل لا يملكون أي قدرة على التغيير متمسكين بمملكة الأوهام.
-
يتصيدون أخطاء الآخرين ولا يستطيعون النظر إلى الجانب الإيجابي أبداً، دائماً ما يجذبهم الجانب السلبي، فالحمقى بطبيعتهم سلبيون غير قادرين على بث الروح الإيجابية فيمن حولهم أو ذكر محاسنهم إلاَّ عندما يوافق الأمر أو الشخص هواهم، فهم كثيري الإنتقاد من غير سبب وجيه، ويعتقدون دائماً أنهم من أصحاب الرأي السليم والسديد.
-
الشائعات ديدنهم، فهم يتأثرون بها أيَّما تأثر وينجرفون في ترويجها من دون تأكد.
-
عاشقين للتقليد الأعمى، فمن الصعب أن تجد فيهم أحداً على سجيته، دائماً يعيشون في شخصيات مصطنعة تأثروا بها من فيلم شاهدوه أو من قصة إستمعوا إليها.
نصيحة لك عزيزي القارئ.. إن صادفت أياً من تلك الصفات في شخص تعرفه.. إحذر صحبته!
ههههه .. لقد وصفت شعوبا بأكملها !!!!! … لم تستثني منها إلاّ كما تستثني قطرة ماء من دلو مملوءة.
بارك الله فيك على هذا الموضوع المفيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة رائعة جزاكم الله خيرا
ساقرا باذن الله كتاب “أخبار الحمقى والمغفلين ”
وفقنا الله و اياكم لما يحب و يرضى
أبدأ بالتعريف عن نفسي, أنا هويدا يونس أخت الكاتب المجتهد حسين يونس, لقد قمت بقراءة المقال بناءاً على طلبك وأعجبني كثيراً من أسلوب وتنسيق أفكار وجمل مترابطة, وأقوم الآن بطلب منك بكتابة مقال بعنوان “الأخوه والأخوه”, كيف يمكن أن يكون لك أخوه في الدنيا ولم تجمعك فيهم أي روابط أو مواقف للأخوه سوى “صلة الرحم” التي تندرج تحتها مطالب كثيره يقوم المرء بفعلها فقط لإرضاء أطراف معينه وخوفاً من غضب الرب, وكيف يمكن أن يكون لك أخوه بحق وحقيق لم تلدهم أمك؟!!!!!!!!!!!!!
وفقك الله ورعاك وجعلك فخراً وذخراً لأمه لم تفخر حتى بلذة الفخر ذاته……….
أختك التي تتمنى لك النجاح والتوفيق دوماً “أم خالد”.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقال واضح حقيقي لنا في حياتنا
ولكن المصيبه فيما لو كانوا بجانبك يعايشونك دائما
من اهلك وأقربائك لا تستطيع الاستغناء عنهم فانها كارثه.
الله المستعان.
مقال ممتاز وملاحظة مهمة في المجتمع حيث يغفل الكثير عن هذه الفئة التي تروح بك يمينا وشمالا إذا لم تكن واعياً لها.