مجتمعات مسلوبة الحرية

|

حسين يونس

لا أدري إن كان ما أقوم به من تسليطٍ لأضواء النقد على سلبيات المجتمعات العربية أمرٌ جيد أم لا؟ أتساءل دائماً إن كان هذا العمل يفيد قراء الشبكة، أم أنا من المبالغين في طرحي؟ ولعل ما دفعني لذلك هو تفكري الدائم والعميق بالطرق التي ستؤدي بنا للنهضة والرقي، لقد وقفت على التاريخ وقارنت ما بين اليوم والبارحة، ووجدت فروقاً كثيرة، فعمل النقَّاد ليس له أي قيمة إن لم يكشف للمجتمع سلبياته التي تتسع فيها سُبل النقاش والتساؤل.

فمن الأمور الكثيرة التي أشغلت خاطري وأدت بي إلى تساؤلات متكررة، أوجه حياة مجتمعات الدول المتقدمة، وبالذات دول مثل أمريكا الشمالية التي نهضت بشعوبها من حروب أهلية دامية ولم تعد إليها، كيف تمكنت مثل تلك الدول من النهوض بهذه القوة والإنفراد بقيادة العالم؟ كيف تسنى لها إيجاد فرص الإبداع لأبنائها في مجال الإختراعات والتميُّـز المختلفة؟

فلو نظرنا في أحوال الشباب العربي وكمية الضغوطات الملقاة على عاتقهم من تقاليد إجتماعية، إلتزامات مالية وأسرية، وطموح مهنية… إلخ، أضف إلى ذلك إخفاقات عربية من قِبَل القيادات والحكومات السياسية والنزاعات العِرقية التي جعلت من المواطن كبش الفداء الأول يتحمل فشلها المتكرر والمُنقطع النظير، حتى أضحى المواطن المسكين يسأل ربه: ربي لماذا خلقتني عربياً؟

يستشعر الإنسان العربي القيود في كل مكان، فتقاليد مجتمعه تمنعه من أن يكون حراً مادياً ومعنوياً، أو حتى فكرياً وثقافياً، هذا المواطن في ضغوطٍ دائمة لا تنتهي وأعباءٍ كثيرة لا يستطيع الإفلات منها، فعلى سبيل المثال لو إستعرضنا بعض المحاور التي أدت إلى ضعف الإنتاج والرغبة الجامحة في الهجرة لوجدنا:

  1. السياسية: يعيش المواطن العربي كل يوم الهزيمة تلو الهزيمة، حتى أصبح كارهاً لأوضاع أمته المزرية والمهينة، فالشعور الدائم بالهزيمة والمؤامرة يولدان الضغط والإنفجار والرغبة في التمرد على كل ما هو موجود.
  2. المجتمع: عادات وأعراف إجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان أُلصقت إلينا وفُرضت علينا حتى أرهقتنا تمام الإرهاق، فالجميع يُراقب من حوله ويجعل من نفسه رقيباً وحكماً للتدخل في أمور الغير وتتبع زلاَّتهم دون أن يُكلف نفسه بالنظر إلى عيوبه التي تتخلله من كل جانب، أضف إلى ذلك الإلتزامات الإجتماعية المرهقة مادياً والمستنزِفة لوقتنا دون أدنى فائدة، علماً أنها لم تكن موجودة في المجتمع النبوي الشريف ولا السلف الصالح من بعده، كانت الحياة بسيطةٌ سهلة، قام العرب بتتعقيدها بذريعة الكرم والحرص على الآخرين من زيارات لا تتصف بسمات الخير والتقوى، مع التمسك بالروتين القاتل من أكل اللحوم الميتة وعدم إلتماس الأعذار للآخرين، فمن يُخطئ لا يملك أي فرصة لإصلاح خطئه، فقد حُكم عليك بالموت إجتماعياً وأصبحت غيبتك حلالاً، وإن بادرت بفكرة جديدة أو مشروع، يبدأ الجميع بإرسال موجات حسده عن طريق ذبذبات سلبية تخرج من عينيه ومن لسانه بإظهار سيئات ما تود القيام به، مما ولَّد الخوف من التعبير وطرح ما هو جديد.
  3. الإستهلاك: مجتمعاتنا إستهلاكية من العيار الثقيل، ولعل هذا الضعف والعقم في الإنتاج وإنعدام الإستقلالية عن الآخر، أثر كثيراً في زيادة الضغوط النفسية على المواطن العربي، إذ أنه لا يوجد لديه شيءٌ يفخر به أمام الأمم الأخرى غير دينه الإسلامي، كما أن الإحتقار العالمي الذي يحظى به العربي عموماً والمسلم خصوصاً يزيد من وهنه وضعف إنتاجه، فتخيل لو كانت لديك فكرة أو مشروع رائع، فإذا كنت مهتماً به كثيراً، سيتطلب منك الأمر العثور على جهات ومنظمات خارجية في الدول المتقدمة لتنجز ما توصلت إليه.
  4. العائلة: أمور العائلة من الأمور المرهقة في الوطن العربي، فقضية شرف المحارم ومراقبته وتبرير ما يحدث مسألة تُرهق الأب أو الأخ أو الإبن، فهو صاحب مسئولية كبيرة تجاه مجتمعه لمثل هذه القضايا المصيرية، حيث أنه يُضطر إلى مراقبة كل سكنات محارمه، لدرجة أنه إذا بدر أي تصرف من محارمه حتى لو لم يُخل بأدبيات المجتمع الملتزم، تجده يفكر ليلاً نهاراً في كيفية تبرير هذه التصرفات حتى لا تُحسب عليه أو على شرفه أي مخالفات أو ضربات جزاء، فالأنثى ليست حرة في تصرفاتها، الأمر الذي أدى بدوره في ضعف قدرتها على تحمل مسئولية نفسها ومن حولها في حالة غياب الذكور عنها.

المواطن العربي غير حر على الإطلاق، بل هو لا يعلم ما هي الحرية أصلاً، لاحظ أن الكثير من هذه الإلتزامات الحياتية والإجتماعية غير موجودة في المجتمعات الغربية، حياة مرهقه يعيشها المواطن العربي لا تؤدي به إلى أي خير، فلو تأملت قليلاً إنجازات المهاجرين العرب لعلمت أن من أهم الأسباب التي أدت بهم إلى النجاح هو رُقي المجتمعات الغربية التي هاجروا إليها وإحترامها لخصوصية الفرد. كثيرٌ من المهاجرين العرب تميزوا وأصبحوا علماء بمجرد إنخراطهم في المنظومة الغربية وتحررهم من مجتمعاتهم العربية الخانقة التي لا يوجد فيها أي إيجابية سوى سماع آذان المساجد والطعام الحلال!

بالطبع أنا لا أدعو إلى التحرر من المسئوليات الشرعية التي أوكلها الله للرجل المسلم ولا لعدم الإلتزام بها… أبداً، ولكن من المهم أن تعلم عزيزي القارئ أن هنالك الكثير من القيود التي ألزمنا أنفسنا بها ولم يأمرنا بها ديننا الحنيف، ويمكننا التحرر منها بكل بساطة، كما ذكرت آنفاً أنه لا يتسنى في أغلب الأحيان حدوث هذا التحرر إلا بالهجرة من المجتمعات العربية إلى المجتمعات الغربية، فللأسف الهجرة أصبحت طموح وغاية وليست مجرد وسيلة لتحسين الأوضاع أو طلب العلم ومن ثم العودة من جديد إلى المجتمع العربي.

ختاماً، إعلم عزيزي القارئ أنه ليس بالضرورة أن تكون الهجرة هي الحل الأفضل، لأن ما يصلح لأحمد قد لا يصلح لخالد، ولكن إن تطلب الأمر البقاء في المجتمعات العربية، فأنا أتوقع أنك من الممكن أن تنعم بعيشةٍ هادئة بعض الشيء لو تعلمت كيف تتخلص مما هو غير لازم من الضغوط المذكورة آنفاً، فأنا أعتقد بإيجابية التفكير وقدرة الإنسان على التأقلم، وفكرة أن هنالك دائماً يوجد حل.

 

رأيان حول “مجتمعات مسلوبة الحرية”

  1. أعد “قوت القلوب” بإذن الله أن تكون هنالك مقالات عديدة ومفيدة عن المرأة العربية وأهميتها في بناء المجتمع ونهضته، فمما يزيد العبء والقيود على الرجل العربي خصوصاً والمجتمع عموماً ضعف قدرة المرأة العربية على تحمل بعض المسئوليات بشكل مباشر كما يحدث في الغرب مثلاً.

    كما أتمنى أن أتلقى ردود فعل والمشاركات الإيجابية من المرأة نفسها، وليكن قدرتها على التعبير والمشاركة الكتابية نقطة إنطلاق وتحول في حياتها، فلا ينبغي أن تدع المرأة هذه المهمة للرجل ليقوم بمهمة التعبير عنها.

    رد
  2. الأخ الكاتب الفاضل

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    إن ما تطرقت إليه من قيود مجتمعاتنا الشرقيه للمواطن العربي طبعا “الذكر” شيء حقيقي و واقعي .لكن هذا التطرق بهذه الصورة و الذي يوحي للقارئ أن الوضع كارثه عظمى ،كيف سيبدو لو كان الحديث عن المواطنه الفتاه في مجتمعاتنا . ماهو كم القيود الملجمه للفتاه في مجتمعاتنا. أعتقد أنه هنا تكمن الكارثه الحقيقيه

    الفتاه مقيده في بيت والدها بحكم خوفه عليها و تطويقه لها حتى تصل إلى بيت الزوجيه بأمان و سلام ثم تأتي قيود الزوج التي ما أنزل الله بها من سلطان ليقطع عنها الأكسجين و يفصلها عن العالم الخارجي بحكم رجولته و معرفته هو فقط للصواب-طبعا إلا من رحم ربي، لكنهم قله-

    إذا كان الشاب العربي مقيد فإن الفتاه العربيه مكممه.

    نحتاج إلى أن نغير فهمنا و ثقافتنا اتجاه أنفسنا و إتجاه من معنا و إتجاه من حولنا و إتجاه مجتمعاتنا حتى لا تنقيد و لا نقيد

    و لك جزيل الشكر

    رد

أضف تعليق