خلال الأسبوع الماضي وفي صدفة جميلة.. تقدمَّت إليَّ شابة كانت بصحبة والدتها في (Tim Hortons) وعرَّفتني بنفسها.. وقالت لي أنها إحدى المتابعات لي على الفيسبوك، وأشادت بما أكتب والموضوعات التي أتطرق إليها، فرحبت بها، وفي الحقيقة دائماً ما أتشرف عندما يتقدم إليَّ الأحبة المتابعون ليعرفوني بأنفسهم، وأسعد بلقائهم والتعرف إليهم، فتجاذبت معها أطراف الحديث على عجالة، وأعجبت جداً بشخصيتها وخبرتها الطيبة في وقت مُبكِّر من عمرها.
أعتقد أنَّ لقاء الناس يحتاج إلى تعلم الكثير من مهارات التواصل، أهمها.. عدم التصنُّع، ومحاولة الظهور أمامهم بذاتي التي عرفوها من خلال كتاباتي ورسائلي التي أحاول إيصالها لهم بكل شفافية وواقعية.
في اليوم الذي يليه، وخلال ممارسة الجري في الهواء الطلق، التقيت بمتابعة أخرى معروفة بنشاطها في المتابعة والمداخلة والتعليق، ولكني لم ألتقي بها قبل هذه اللحظة بشكل شخصي، وكانت تسير في نزهة بصحبة أطفالها خلال ممارستي للجري، وشعرت أنها التفتت إلي .. فعلمت أنها تعنيني فتوقفت وتعارفنا وسعدت جداً بلقائها.
وخلال الحديث قالت لي: (أعتقد أنك عصبي نوعاً ما)، فقلت لها (صدقتِ .. فأنا عصبي جداً)، وشعرت أنها تفاجأت أو استغربت ردي لأني لم أنكر اعتقادها أو أدفع عني تهمة العصبية، وقلت لها (أليس من الأفضل أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع مَن حولنا؟ بماذا سينفع الكذب؟!).
الشاهد من هذه الفلسفة التي أنتهجها في حياتي.. هو المحاولة دائماً أن أكون أنا نفسي وليس شخصاً آخر، ودائماً ما أتساءل .. لماذا ينبغي عليَّ أن أتحول إلى إنسان لا أعرفه بمجرد أني حملت القلم وبدأت في الكتابة ومشاركة من حولي تجربتي في #الحياة بغية إرشادهم إلى الخير؟
الكثير من الناس لا يعلمون أنَّ في ممارسة #الواقعية متعة كبيرة، وراحة للعقل والقلب والروح، لماذا أكذب على البشر وأتزين بشخصية اصطناعية تبني حاجزاً بيني وبينهم؟ والأسوأ.. أنها تبني حاجزاً بيني وبين نفسي!
طبعاً أنا لا أتفاخر بعصبيتي، وهذا ما قلته للأخت الكريمة، ولكن دائماً ما أحاول كبحها بشتى الوسائل والمهارات الممكنة، والذين يعرفونني منذ عقد من الزمان عندما كنت أحيا في الشرق، يعلمون أنَّ عصبيتي الآن قد خفَّت بكشل كبير، والفضل يعود بعد الله إلى الفنون التي أتعلمها كل يوم في كندا، إضافة إلى أنَّ هذا المكان الذي هاجرت إليه جعل روحي تستقر بعيداً عن الظلم والديكتاتورية والفوضى.
كنت أقرأ منذ قليل كتاباً للكاتب (جيمس ألتتشر – James Altucher) الذي كان يتحدث فيه عن طريقته في الرد على العنف إذا ما إعترضه شخص ما، فكان يقول (ذات يوم بينما كنت أسير في طريقي لحضور إجتماع، ولسبب ما.. خرج رجل من مركبته غاضباً يصرخ علي، وأوقف مركبته بغية الإعتداء علي.. فتحديته.. تحديته بإبتسامة على وجهي!).
الشاهد من أنَّ جيمس كان بمقدره رد العنف بالعنف، وهذا أمر سهل، ولكنه إستطاع السيطرة على نفسه ورد العنف المُحتَمَل بإبتسامة، وهنا كان الفوز العظيم.. الفوز على الموقف من أن يتدهور، والفوز على الشخص الذي على ما يبدو استحى من همجيته، والأهم.. الفوز على النفس بالسيطرة عليها.
فرسالتي لكم.. أن تطوروا أنفسكم، وحتى تطورها لابد من أن تعلموا مواطن الخلل فيها، وهذ الاستكشاف يحتاج إلى واقعية وشفافية وصدق مع الذات، لأنَّ المهارة وحدها إن تعلمناها من دون أن نستخدمها.. فهي إضاعة للوقت والجهد والمال، ولن يمكننا استخدامها وتفعيلها إلاَّ إذ أقررنا أننا بحاجتها.. فمرحباً بالواقعية.. ونعوذ بالله من المثالية!