حافظ على صوتك عالياً

|

حسين يونس

النصيحة الأولى التي تُسدى إليك كمهاجر عربي عندما تستعد إلى الرحيل، هو أنه يجب عليك الإحتراس من عرب المهجر والإبتعاد عنهم قدر المستطاع، وعندما تسأل عن السبب؟ يكون الجواب المعتاد: العرب يحبون النصب والإحتيال وكسر القوانين وتجاوزها والتحايل على الدولة والكذب مستشري في عروقهم … إلخ. ولعلي أختلف مع بعض ما قيل أو أتفق، ولكن … هنالك قضية غاية في الأهمية وأهم من كل ما ذُكر، ألا وهي أنَّ العرب يواجهون مشكلة في ممارسة الحريات كما ينبغي!!

ماذا أعني بذلك؟ من خلال احتكاكي بالجالية العربية، وجدت أنَّ نسبة كبيرة منها ماتزال متأثرة بإنعدام الحرية الفكرية والإنسانية، ولا أرى أنهم يمارسون حقوقهم الدستورية في كندا كما ينبغي، فأنا عندما قررت الهجرة إلى كندا كانت الحرية الفكرية وما يندرج تحتها من حرية الإعتقاد هي الأساس، وكنت متعطشاً لها بحيث بدأت بممارستها من اليوم الأول، بالمقابل، فقد سمعت بعض الإنتقادات المباشرة وغير المباشرة بأني يجب علي توخي الحذر وعدم الخوض في ما لا يجب الخوض فيه، ووقتها … شعرت أني أختنق، وكأني في بلد عربي … وكان ردي عليهم: ( إن لم أتمتع بحريتي الفكرية والإنسانية في كندا، فباطن الأرض أولى بي من ظاهرها )، الموت أولى ولا قيمة للحياة من دون هذه الحرية. ماذا أعني بممارسة الحرية الفكرية والإنسانية؟

في يوم الإثنين الموافق لـ 12 من ديسمبر من هذا العام، قام وزير الهجرة الكندي « جيسون كيني » بحظر النقاب في المحكمة لحظة مراسم أداء يمين الحصول على الجنسية الكندية، طبعاً الموضوع أقلقني كثيراً، وفي نفس اليوم بدأت التفكير بعمق في أحوالنا كجالية إسلامية، لدرجة أني قمت بقراءة الدستور الكندي لفهم الحرية الشخصية والدينية والتي يكفلها لي القانون، وهل من الممكن أن يطال هذا الحظر حجاب الرأس؟ وهل من الممكن أن تحذو كندا حذو فرنسا؟ كل شيء وارد، وبالتالي لو حصل هذا الأمر – لا قدَّر الله – سيترتب علينا نحن المسلمون خوض معركة من أجل البقاء هنا، أو حزم أمتعتنا والتوجه إلى بلد آخر يسمح لنا بممارسة شعائرنا الإسلامية من دون أي تحيز أو عنصرية.

إستيقظت في اليوم التالي، وقررت أن أبعث بريداً إلكترونياً إلى وزير الهجرة الكندي، مع إرفاق نسخة لرئيس الوزراء ومن أهم ما قلت فيها: ( الجالية الإسلامية الكندية من أهم أولوياتها حفظ الأمن في كندا، ونحن لا نقبل بأي حال من الأحوال أي تهديد يمكنه أن يشكل خطراً على أمن وسلامة كندا، بالمقابل، عندما جئنا إلى كندا كان هدفنا الحصول على الحرية الكاملة بما فيها الحرية الدينية، وحجاب الرأس يعتبر من أركان الإسلام الأساسية والتي لا نقبل بلمسها نهائياً، وإذا فكرت الحكومة الكندية بحظر حجاب الرأس مستقبلاً، لابد من أن يحظروا أيضاً حجاب الرأس لدى راهبات النصارى، وقلنسوة اليهود، وعمامة السيخ ). كما أرسلتها إلى من أعرف من العرب والمسلمين كي يقوموا بمثل هذه الخطوة حتى يبقى صوتنا عالياً لدى الحكومة الكندية، وليعلموا أنَّ هذه الأمور قد تشكل بلبلة داخلية ليست بالهينة.

الشاهد هنا، أن وزير الهجرة قام بالرد علي في نفس اليوم برسالة فحواها أنَّ حظر النقاب كان بطلب من القضاة حيث أنهم لا يستطيعون رؤية المنقبات يرددن القسم. طبعاً هنالك حلول لهذا المسألة بالتأكيد، لكن الحمدلله أنَّ هذا الحظر لم يطل أيَّـاً من المرافق الحكومية الأخرى سوى قاعة المحكمة التي تتم فيها مراسم القسم.

البعض قد يرى رسالتي ليست ذات أهمية، ولكني أراها خطوة مهمة جداً في طريق حماية الهوية العربية والإسلامية من أزمة قد تنعكس سلباً على أجيالنا هنا في كندا، فمن الأخطاء الكبيرة جداً والتي قد يقع فيها أغلب المهاجرين العرب هو النفور التام عن كل ما هو عربي، وعدم الرغبة بالإختلاط بالجالية العربية عموماً والإسلامية خصوصاً، ويبدأ المهاجر من دون وعي بتوريث هذا الكره والإنفصال عن كل ما هو عربي إلى أبناءه وبناته، حيث تبدأ لديهم بوادر أزمة في الهوية العربية والبحث عن هوية أخرى، ولا يوجد على الضفة الأخرى سوى الهوية الكندية والتي لا تتوافق مع هويتنا العربية، وهنالك فرق كبير وجوهري بين المواطنة الكندية والهوية، إذ لا يمنعك الحفاظ على هويتك العربية والإسلامية من ممارسة مواطنتك الكندية ولا حتى التنكر لها، فالهوية هي شيء منفصل تماماً عن المواطنة، حيث يجمع الوطن في طياته أكثر من هوية وعرق، بينما الهوية … هي الإيمان والإعتقاد.

تأكد تماماً عزيزي القارئ من أنَّ ممارسة الحريات كما كفلها لك الدستور الكندي هو السلاح الأقوى لحفظ هويتك هنا، ولا ترضى مهما حصل من أن تجعل رأسك في التراب كالنعامة، لأن هناك من يراك ويتأثر بك من أهل بيتك، وأغلب قصص النجاح العربي في كندا كانت مصحوبة بإعتزازٍ بالهوية، وأغلب قصص الفشل كانت مصحوبة بتنكرٍ للهوية، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش من دون هوية، هذا مطلب بشري وفطري لكل الأعراق.

في الأسبوع الماضي، طلبن مني فتاياتي ذواتا الستة والسبعة أعوام بالذهاب إلى مدرستهن الحكومية بالحجاب وهنَّ كلهنَّ إعتزاز، وأثناء إنتظار حافلة المدرسة، سألت جارتنا غير المسلمة زوجتي إن كنَّ الفتيات يصلينَّ الخمس فروض، وعندما أجابتها بالإيجاب، نظرت هذه الجارة إلى إبنتها المراهقة وقالت لها: ( هل رأيتي؟ هن يصلين خمس مرات في اليوم، وأنت لا تقوينَ على صلاتنا والتي هي مرتان فقط!! ). الهوية مهمة بالفطرة لكل الأعراق، وكل عرق يحاول جاهداً الحفاظ عليها، وتأكد عزيزي القارئ إن لم تعمل على بلورتها لأولادك، فإنَّ هناك من يعمل في المدرسة والشارع والإعلام على تشيكل هوية مخالفة تماماً لأولادك غير مرغوب بها.

كلمة أخيرة، أزمة الهوية لدى المهاجر العربي تنعكس على كل مجريات حياته دون أن يشعر، بل حتى تنعكس على أداء أبناءنا وبناتنا في تعليمهم ومدارسهم، وكلما اشتدت أزمة الهوية … كلما إنحدر معها المستوى التعليمي لأدنى مستوياته مصحوباً بضعف في الثقة بالذات.

خلاصة تجربة:

( إحرص دائماً على التمتع بحريتك الفكرية والإنسانية في كندا وافهم دستورها الذي يكفل لك حريتك، وقف دون رأيك وحقك مجاهداً لدعم هويتك ومعتقدك، وإلاَّ … فباطن الأرض أولى بك من ظاهرها ).

7 رأي حول “حافظ على صوتك عالياً”

  1. احييك اخي على ما اجادت به أناملك و اتفق معك على ان الهويةتعتبر لبنة أساسية في نجاح اي فرد.العرب في أمريكا للأسف يتحايلون على القوانين المتعارف عليها لأسباب لا يمكن ان نذكرها لضيق الوقت و منها كما اسلفت الذكر الشعور بعدم الأمان و ضيق هامش الحرية هنا و ايضا غياب ثقافة و فكر يسمح لهم بالتعرف على نواميس بلد المهجر .فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد عرب مسلمين ملتزمين باداء شعائرهم الدينية لكن و يا للمفارقة العجيبة يتحايلون على القوانين بشتى الطرق و الوسائل رغبة منهم في الربح السريع و الاغتناء.استنادا الى ما سبق تجد بعض المهاجرين عاجزين كما هو الشأن بالنسبة الي في فرض ذاتي لا لشيء سو انني ابحث عن عمل حلال فتصبح المهمة أشبه بالمستحيلة لان جل الدكاكين يبيعون الخمر و يتاجرون في اليانصيب و السجائر لغياب الوازع الديني.و التالي تصبح المعادلة صعبة فإما ان ترضى بالحرام او تجد نفسك في الشارع .لحسن الحظ و للامانة أمريكا بلد يحترم جميع الديانات و الثقافات و هناك احترام تام بين شعوب العالم بالغم من اختلافاتنا فكريا و سلوكيا مقارنة بكندا او أوروبا مثلا .لي عودة في الموضوع .لك مني كل التشجيع اخي عبد الرحيم المغربي من نيويورك دمت بود

    رد
  2. جزاك الله اخي حسين والله انت تثلج صدري وتذكرني بالحديث الشريف الذي يقول فيما معناه أن المسلم القوي خير وأحب الى الله من المسلم الضعيف , الإنسان المسلم يجب أن يكون فطنا بكل النواحي وجميلاً ومتفهماً والأهم يعمل العقل مكان التسرع

    رد
  3. بقلى 5 دقايق بحاول اعصر دماغى عشان الاقى كلام ابدى بقى اعجابى بايجابيتك مش لاقى
    تجاوزا اسمحيلى احيك على ايجابيتك

    ربنا يوفقك

    رد
      • حياك الله أخي الكريم ومرحباً بك دائماً.

        أشكر مرورك ووإشادتك بمادة الموقع، والذي ينتقل إلى أن يكون صحيفة إلكترونية شبه يومية تفيد عرب كندا وفي كل مكان بإذن الله تعالى.

        أما بالنسبة لتعديل التعليقات والآراء، فسأعمل بإذن الله على ذه الخاصية إن أمكن توفيرها.

        كل التوفيق

        رد
          • ندى، دائماً أسعد بمرورك ومشاركاتك، وجميل جداً أنك مازلت تقرأين ما أكتب 🙂

            نقطتك في محلها، ولكن الحرية التي أدعو لها هي الحرية التي تضمن لي ولأسرتي حياة كريمة من دون خوف أو قلق مزمن، حياة منوطة بالسكينة والطمأنينة … أعلم من خلالها أني سآخذ حقي من دون اللجوء إلى عشيرة أو واسطة وهذه الأمراض الإجتماعية المعضلة في الوطن العربي.

            كنت دائماً ما أسأل نفسي … إن كانت هذه الحياة موجودة على الأرض … فلماذا أنا لست جزءاً منها؟! لماذا إذاً لا أحظى بها؟!

            صدقيني يا ندى أنَّ مثل هذه الحياة التي تمتاز بالحرية الإنسانية والفكرية … تحتاج إلى ( تطرف ) إن جاز تعبيرك.

            كل التوفيق.

أضف تعليق