يا إعلامنا هذه مهمتكم

|

حسين يونس

بينما كنت أقلب صفحات الإنترنت لقراءة آخر الأخبار المحلية والعالمية اليومية – وهذا ديدني منذ سنين – إستوقفني خبر نشرته قناة العربية الفضائية على موقعها الإلكتروني صباح يوم الإثنين 20/10/2008م يتحدث عن الغياب العربي اللافت عن مسابقة “غوغل” للأفكار التي تغير العالم، وفحوى الخبر أن شركة ( جوجل – Google ) الأمريكية المعروفة بأشهر محرك بحث عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنت قامت بطرح مسابقة لأفضل خمسة أفكار من الممكن أن تغيِّر العالم للأفضل في مجالات التعليم وأمن المجتمع والطاقة والبيئة والتكنولوجيا والأدب والصحة وغيرها من الأمور المختلفة التي قد تساعد البشرية في حل معضلاتها بترجمة الأفكار الخمسة إلى مشروعات تُمَوَّل بقيمة عشرة مليونات دولار أمريكي، أي بمعدل مليوني دولار لكل مشروع من الأفكار الخمسة الفائزة، كما أنه من المسموح أن تشارك بأكثر من فكرة، وليس بالضرورة أن تترجم المشاركة إلى اللغة الإنجليزية، فعدد اللغات المعتمدة للأفكار هو خمسة وعشرون لغة من بينها اللغة العربية.

وقد تلقت الجوجل على موقع مشروعها ( www.project10tothe100.com ) ما يزيد عن مائة ألف فكرة لتغيير العالم وإنقاذه، حيث سيتم طرح أفضل مائة فكرة فقط للتصويت العام من قِبَل جمهور العالم في يوم الثلاثاء 27/1/2009م لإختيار أفضل عشرين فكرة للتصويت القبل النهائي لإختيار أفضل خمسة أفكار نهائية بمساعدة لجنة إستشارية مختصة، ومن ثم تمويل الأفكار الخمسة لتصبح مشروعات حقيقية.

يا لروعة الجوجل، ما هذا العالم؟ ما أجمل ما قامت به شركة جوجل… وما أقبح ما قامت به قناة العربية… التي قامت بنشر الخبر في آخر يوم لإستقبال الأفكار… ما أقبح إعلامنا العربي الذي لا يأبه ولا يُراعي أي إنتباه لأي من هذه المواضيع الهامة التي قد تكون في يوم من الأيام إذا ما لاقت إهتماماً نقطة إنطلاق الفكر والإبداع العربي من الخيال والتنظير إلى العمل والتطبيق، أنا شخصياً… لو علمت بالمسابقة في وقت التقديم الرسمي لشاركت فيها وقدمت ما يجول في خاطري من أفكار قد تكون صالحة لتحويلها إلى مشروعات تفيد العالم الثالث.

الإعلام العربي يزخر بنقل الأخبار والمواضيع الغثَّة ولا يجد وقتاً لنقل الأخبار والمواضيع النافعة إلا بعد إنقضاءها، في الحقيقة أنا أرى أنَّ إعلامنا معذور، فهو ليس لديه وقت لنقل الأمور التي تفيد الأمة، إعلامنا مشغول بجني الأموال من خلال تنمية الإنحطاط لدى العرب وإستغلال سذاجتهم التي أصبحت بهيمية بحتة من خلال التصويت للبرامج التافهة والسخيفة، إعلامنا مشغول بنقل أخبار الفنانين والمغنيين وحفلات العيد، لا ينقل سوى صور الإحتلال وحالات إغتصاب المحارم وبث الذبذبات السلبية بين أرجاء المعمورة، إعلامنا لا يجد وقتاً لنقل ما هو مفيد بالفعل إلاَّ بعد إنقضاءه حتى يزيد الحسرة في قلوب العقلاء، حسبي الله ونعم الوكيل.

من فترة وجيزة شاهدت محاضرة للدكتور “طارق السويدان” على قناة الرسالة الفضائية تكلم فيها عمَّا يود القيام به وزوجته الأستاذة “بثينة إبراهيم”، والمشروع عبارة عن إعادة هيكلة المناهج الدراسية العربية بما يوافق العلم الحديث ومستجدات العصر وربطه بواقع السوق وغيرها من الأمور الرائعة، وتكلفة المشروع تصل إلى ثلاث مليونات دولار أمريكي، ولكنه ومع الأسف لم يجد الدعم من أجل البدء في التخطيط وحشد الموارد اللازمة للتنفيذ.

أنا متأكد من أنَّ الجميع قد قرأ وشاهد صباح الأربعاء 22/10/2008م الخبر الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية بعنوان الهند تدخل سباق الفضاء الحديث لاستكشاف القمر، حيث إنطلق الصاروخ الهندي إلى الفضاء الخارجي تأسياً باليابان والصين في إنتزاع الصدارة الأمريكية، فليفرح بني يعرب بخدمهم الهنود، فليفرحوا قليلاً لأنهم سيبكوا كثيراً، سيصبح الهنود قريباً من أسياد العالم، أما العرب… فلا أجد لهم مكاناً على الخريطة، أخبار الهند مبهرة على صعيد منافسة الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المُحتضرة، هذه الإمبراطورية العجوز التي كثرت التنبؤات حولها بقرب زوالها ومشارفتها على الإنتهاء.

نعومي وولف

لعل ما كتبته الصحفية الأمريكية نعومي وولف – Naomi Wolf في كتابها الجديد نهاية أمريكا – The End of America خير دليل على ذلك. ومن أهم ما ذكرته في كتابها: ( أنَّ أمريكا التي عرفها الأمريكيون وغيرهم تقترب بسرعة من خط النهاية، وتدلل على رأيها بتقديم صورة قاتمة للأوضاع السياسية الراهنة في أمريكا ولمستقبلها في الأجل القصير، إلى درجة أنها تقدر أن الشهور القادمة قد تشهد ممارسات وإجراءات بالغة الأهمية لأن القوى السياسية والإقتصادية صاحبة المصلحة في وجود القوانين الإستثنائية قررت تثبيتها ودعمها لتصبح جزءاً لا يتجزأ من كيان الدستور الأمريكي ومن فلسفة الحكم في الولايات المتحدة )، وهذا بالطبع ينقض تماماً فكرة تأسيس الولايات المتحدة منبر الحرية لتصبح في منظومة الدول البوليسية كالإتحاد السوفيتي سابقاً وطليعة الدول العربية الرائدة في الإرهاب المدني.

السؤال المهم الآن بعد هذا الكتاب وغيره من الكتب السابقة، هو كيف ستتصرف الحكومات العربية المرتبطة بشكل وثيق بالمصالح الأمريكية؟ كل دول العالم العربي والإسلامي قامت بربط عملاتها ومواردها الثمينة بالدولار الأمريكي، ماذا سيحدث بنا لو إنهارت الولايات المتحدة فعلاً؟ هل ستستغل الحكومات العربية الفرصة للتحرر من القيود الأمريكية والنهوض من سباتها العميق لإعادة أمجادها؟ أم أنها ستنتظر دولة قيادية جديدة كالصين أو الهند للتحكم بمصيرها من جديد؟ سؤال مهم لم يتطرق إليه أحد ولم يُطرح للنقاش بعد.

أ. د. فاروق الباز

وأختم بما ذكره البروفيسور المصري الأمريكي فاروق الباز فيما يتعلق بما قامت به الحكومة الهندية، حيث كان على إطلاع مُسبق بمجريات الأمور، فعلَّق على أنَّ ما حدث ليس بمعجزة، والعرب يستطيعون القيام بمثله، فقد قامت الحكومة الهندية بوضع خطة إستراتيجية تعتمد على إستقطاب العلماء الهنود المتواجدين في أمريكا الشمالية وأوروبا وعرضت عليهم مشروعها الوطني، وتجاوب معها الكثير من العلماء والباحثين الهنود بالعودة إلى الهند للمشاركة في المشروع الكبير، ولاحِظ أن هذا يأتي في ظروف صعبة جداً للهند حيث تعاني من تعددية قاسية، فهي تحوي أكثر من مئة وعشرين ديانة ولغة، ومع ذلك إستطاعت الحكومة الهندية تخطي كل تلك الصعاب وجمع الشمل، وهذه إحترافية عالية تُحسب للهند، والحالة العربية أيسر وأسهل، فمعظم ما تعانيه الهند من تعدد ديني ولغوي ليس موجداً على الإطلاق، كل ما نريده حكومات واعية ومسئولة تهتم لشؤون شعوبها ومستقبلها.

 

رأيان حول “يا إعلامنا هذه مهمتكم”

  1. رداً على تعليق لؤي علي

    نحن أخي لؤي أفضل ما نتقنه في حياتنا هو ( الهزل ) و ( العبث )، أنا أعتقد أنَّ الإعلام العربي في مجمله – إلاَّ من رحم الله – هو عبارة عن مافيا الجريمة المنظمة والتي تشن حرباً ضروساً على عقولنا وعقول أبناءنا، فليفرح إعلامنا العربي بنتائج براءات الإختراع لعام 2008، فقد سجلت الدول العربية مجتمعة 173 براءة اختراع، في حين سجلت دولة العدو الإسرائيلي وحدها 1882 اختراع … عن أي شيء نتحدث؟!

    رد
  2. عذراً عن استهزائي بما نُقل عن أحد قنواتنا عبر الانترنت بأن امرأة عقدت قرانها على دلفين ولكن القناة فشلت في نقل مسابقة غوغل والتحفيز على المشاركة فيها. لابد من أن تعي أجهزة اعلامنا كم هي مهمة ولو فهمت دورها حق الفهم لاستُغلت كما هن مُستغلة في الغرب, فهي أهم ما يؤثر بالرأي العام والذي له وزنه الآن في اصدار القرارت وانجاح أو اسقاط الانتخابات.

    رد

أضف تعليق