لفتات عفوية ١

|

حسين يونس

كثيراً ما تستوقفنا مواقف نراها أو أخبار نسمعها عفوياً دون أي تخطيط لتأخذ منا الكثير من التفكير. في الأسبوع الماضي إستوقفتني بعض اللفتات والتي أخذت بعض الوقت من تفكيري دون أن أشعر، وفي الحقيقة أنا كثير الإستوقاف، وهذا الشيء غالباً ما يؤثر على خططي ومسيرتي اليومية، ولكني لا أستطيع تجاهل ما يلفت نظري ولا أستطيع التعامل مع الأحداث ببرود وكأن شيئاً لم يكن. واليوم، رغبت بمشاطرة قرائي الأعزاء هذه اللفتات لعلها تستوقفكم مثلما استوقفتني.

اللفتة الأولى: في مثل يوم البارحة الجمعة 2 أكتوبر من عام 1187م والذي وافق أيضاً ذكرى الإسراء والمعراج من تلك السنة، تم تحرير بيت المقدس من أيدي الصليبيين الغاصبين، وفتحت أبواب القدس الشريف أمام السلطان صلاح الدين الأيوبي وجيشه العظيم لتخفق راياته الصفراء عالياً فوق سمائها. الجميل أنَّ اليوم الذي دخل فيه المسلمون القدس وافق يوم الجمعة 2/10/1187م … والبارحة كان بالضبط الموافق ليوم الجمعة 2/10/2009م، أي قبل 822 سنة.

أتساءل عزيزي القارئ، ماذا كان شعور المسلمين في مثل هذا اليوم وهم يدخلون المسجد الأقصى لأداء الصلاة في يوم التحرير؟ كيف كان شعور النصر الذي لم نشعر به قط منذ أن خُلقنا إلى يومنا هذا؟ كيف كان شعور صلاح الدين القائد عندما صدقه الله ثمرة جهاده وحرر القدس التي بقيت في براثن الصليبيين لأكثر من 90 عاماً؟ هل سيأتي مثل هذا اليوم ونحن على وجه الأرض؟

لفتة طيبة لذكرى أكثر من رائعة أعادها الله علينا وعلى المسلمين وفلسطين محررة بالقوة … لا بالمفاوضات ليشفي صدور المؤمنين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللفتة الثانية: لفت نظري في جريدة الرياض يوم الخميس الماضي الموافق 1 أكتوبر 2009م مقالة للكاتب « عبدالله باخشوين » بعنوان: من «أنف العنزة» إلى «الفرنكوآراب» !! والتي وصف فيها فترة الخلافة العثمانية بالإستعمارية!، إستوقفتني هذه الكلمة وأثارت استغرابي، إذ كيف يمكن لخلافة عظيمة مثل الخلافة العثمانية استمرت لأكثر من 400 عام حصل فيها المسلمين على مكاسب كثيرة مثل فتح القسطنطينية على يد الخليفة الرباني « محمد الفاتح » أن تكون ظلام واستعمار؟! كيف تجرأ – غفر الله له – من أن يُهين هذه الخلافة العظيمة والتي أنقذت الدولة الإسلامية من الإنهيار والدمار عندما عمَّ الفساد نهايات الخلافة العباسية؟ ألا يكفيها شرفاً أنها حافظت على وحدة الأراضي الإسلامية من الحدود الإستعمارية وتأشيرات العبور التي نُعاني منها اليوم؟ ألا يكفيها شرفاً أن كان آخر خلفائها السلطان « عبدالحميد بن عبدالمجيد الثاني » والذي رفض بيع القدس لليهود عندما فاوضوه من خلال الصحفي اليهودي النمساوي « ثيودور هرتزل » والذي عرض عليه 5 ملايين قطعة ذهب وتسديد كامل لديون الدولة العثمانية وإعادة بناء الأسطول البحري للجيش العثماني؟ هكذا وبكل بساطة أصبحت الخلافة العثمانية فترة ظلام واستبداد واحتلال، ما هذا الإنقلاب في المبادئ والموازين؟ … بسم الله ما شاء الله … وماذا نطلق على فترة الإحتلال البريطاني، الإسرائيلي، الأمريكي؟ … فترة تطور وإزدهار؟ وماذا نطلق على الحرية والتي لن نراها إلاَّ في الجنة لأنه محكوم عليها بالمؤبد في السجون العربية إلى يوم القيامة؟ وماذا نقول عن صفقات بيع القدس وبغداد؟

كل الخلافات الإسلامية من أولها لآخرها والتي جاءت بعد الخلافة الراشدة تخللها تدهور وفساد، من الأموية إلى العباسية إلى أموية الأندلس إلى العثمانية كذلك … ولكنها كانت أفضل من الحدود المفروضة علينا اليوم بأقلام البريطاني « مارك سايكس » والفرنسي « فرانسوا جورج بيكو »، أي خلل هذا؟ أليس منا رجل رشيد يعي ما يقول؟

اللفتة الثالثة: يتعمد أعداء الله من شتى الملل إهانة الإسلام وانتهاك قدسية كلام الله الكريم ومكانة نبيه العظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ببث صور ومقاطع مرئية عبر الإنترنت لكفرة يعبثون بالقرآن الكريم ويهينونه من خلال أفعال دنيئة مختلفة – والعياذ بالله – ورسمومات قبيحة لرسولنا الكريم، كل هذا من أجل كسر القدسية في قلوب المسلمين، فقد علم أعداء الله أنه بإهانتهم للقرآن الكريم عندهم وأمام أعينهم لن يعني ذلك لهم ولا لقومهم أي شيء، فهم بكل بساطة لا يكترثون لا بالقرآن ولا بالمسلمين، وأغلبهم أصلاً لا يعلم ما هو القرآن، ويعلمون أسامة بن لادن أكثر مما يعلمون نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فقاموا وبكل خباثة بمحاولة كسر هذه القدسية من خلال إرسال هذه المقاطع المرئية والصور الرقمية إلينا نحن المسلمين لكسر هذه القدسية في عقولنا ونفوسنا، فهم علموا أن المسلم لا يستطيع أن يرى الغبار يعلو المصحف، ولا يقبل أي نقاش حول مسلمات الإسلام، فجاءوا بمثل هذه المقاطع القذرة مثلهم.

لماذا هذه اللفتة؟ حدث معي في الأسبوع المنصرم أن شاهدتُ أختاً كريمة على ( الفيس بوك ) قامت بنشر صورة لأوراق مرحاض كتب عليها آيات من القرآن الكريم، طبعاً هي نشرتها بطيب نية من باب الإحتجاج، فقمت بنصحها بعدم نشر مثل تلك الصور لأنها ستعلق في ذهن من يراها من المسلمين، والعقل الباطن سيخزنها ويسترجعها بين الحين والآخر، مما سيؤدي إلى كسر هذه القدسية في نظرنا ونحن لا نشعر حتى وإن لم نجهر بما في داخلنا، والحل هو تجاهل ما يصلنا وعدم المساهمة في نشره.

الحمدلله، استجابت الأخت الكريمة وحذفت الموضوع تماماً من على صفحتها ولها مني جزيل الشكر.

8 رأي حول “لفتات عفوية ١”

  1. رداً على تعليق رامي اللولح

    لذلك يجب علينا أن نقرأ التاريخ لأنه خير مُعلم، وكما يٌقال: ( من قرأ التاريخ فقد أضاف عمراً إلى عمره )، وأنا لم أنكر أنَّ جميع الخلافات الإسلامية حوت في داخلها بعض السلبيات، وهذا ما ذكرته حرفياً، ولكن أخي الكريم صدقني أنك إن وقفت على التاريخ … ستعجز وتشيب عندما ترى الإنحطاط الذي وصلنا له اليوم … ولن يكون هنالك أي مكان لذكر سلبيات من قبلنا.

    رد
  2. أخي حسين أشكرك على الرد … على قصة أنه لن يكون هناك مكان لذكر سلبيات من قبلنا نظراً لما وصلنا إليه من انحطاط فهذا غير دقيق تماماً والا لما جاء القرآن في مجمله قاصاً لسلبيات وانحرافات الأمم من قبلنا تذكيراً وتحليلاً للأسباب وتوفيراً للحلول. وكان نزول القرآن عند أدنى وأحط مراحل وصل اليها الإنسان ألا وهو عبادة مادون الله سبحانه وتعالى. المهم أني أرى أيضاً أن التاريخ هو بأقلام من كتبوه وعلينا التنبه جيداً لما كتب وما أراد به كاتبوه. أشكرك وأنا سعيد جداً بالتواصل مع أطروحاتك الشيقة.

    رد
  3. أخي حسين السلام عليكم وأشكر لك جهودك وكتاباتك. في الواقع استوقفتني اللفتة الثانية “لفتتة الخلافة العثمانية” وأعتقد أنك مصيب في كل ماطرحته وأستغرب موضة التعميم التي يقع فيها كثير من أهل الصحافة اليوم إما عن جهل أو خدمة لتوجهات معينة وآنية. الخلاصة أني أتفق معك في إيجابيات فترة الخلافة العثمانية ولن أزيد ولكن التعميم أيضاً في الإيجابيات قد يأخذ بنا بعيداً عن نقد سلبيات هذه المرحلة وماذا يمكن أن نستفيد منه وما أسباب سقوط الخلافة بعيداً عن نظريات المؤامرة والعدوان. في الوقع هذه اللفتة لفتتني الى موضوع مماثل وهو الوحد العربية بين سوريا ومصر والتي كان لها ايجابيات وسلبيات أيضاً والمشكلة أننا لا نحاول فتح ملفات الانفصال ومعرفة الأسباب التاريخية وراءه أو وراء تآمرنا مع الريطانيين والفرنسيين لإسقاط “الخلافة العثمانية” آنذاك … كلها طروحات يجب أن تدرس وأعتقد أن خير من يجيبك على كل هذه التساؤلات هم أولئك اللذين عايشوا تلك الفترة بحلوها ومرها. ومرة أخرى أرجو لك التوفيق والسداد.

    رد
  4. رداً على تعليق لؤي علي : في الحقيقة أنا فكرت في الموضوع، ولعلي سأكتب في نهاية كل شهر بعض اللفتات المهمة وتصبح عادة بإذن الله، فأجمل ما فيها أنها مهمة وذات معنى وسريعة وغير مملة على الإطلاق.

    رداً على تعليق ناديه : بالطبع أختي الكريمة، فمهمتنا ككُتاب هي شحذ الهمم والإستفادة من الماضي وبناء الحاضر، الكتابات الباردة ليس لها مكان في بيننا اليوم.

    رداً على تعليق فادي طعمه : شكراً أخي الكريم، فالأمانة العلمية من أهم ما يميز الكاتب الجاد، وملاحظتك تدل على عمق في القراءة وقليل هم من يُحسنون ذلك.

    رد
  5. أقدر لك – وأنا أقرأ جميع مقالاتك – كمية وحجم البحث والتقصي وتوثيق المعلومة بما يغني القارئ عن الشك والبحث بنفسه عن مراجع وتفاصيل النقاط المطروحة. إن حجم المراجع التي وقفت عليها بما يخص لفتة الإسراء والمعراج ولفتة الخلافة العثمانية لهي بحجم عدة كتب جمعت في مقال واحد فلك الشكر الموصول والدعاء لك بالتقدم والاستمرار.

    رد
  6. قمة يا أخي حسين وأشجعك على اضافة “لفتات” الى موقعك كجزء دائم. لقد حركت عندي الكثير من المشاعر الحميدة.

    رد
  7. احييك اكبر تحيه ايها الاخ الكاتب على اللفتات القيمه..لعلها تبعث الامل في نفوسنا والايمان بغد افضل وبالنصر القريب فها اجملهاهنكرى طيبه واشكرك على ت>كيرنا به>ه الوقائع اللتي يجب ان تحيا دوما بيننا وللابد…
    واللفته التانيه عن الخلافه العثمانيه والقائع التي حصلت والمده الطيله التي عاشت بلادنا تحت الاحتلال 400 عام !! لقد خلقت اجيال ونامت اجيال ولكن لا بد ان هناك شباب لن تنام وتحمل الوطنيه والقوميه والتي بها نامل وهي االاحلام لغد ووطن افضل وهي الامل ..ولا بد للقيد ان ينكسر …
    اما النقطه الثالثه والتي اشكرك جزيل الشكر على سرعه البديهه اننا لا نلتفت احيانا لمن يريدون بطعن الدين والقران ورد فعل كه>ا يغ>ي دافعهم وينامون على انغام غضبنا ..الحقيقه وكما قلت يا اخي ان القران اسمى من ان يطعن به ويجب علينا ان نحاربهم بالحكمه والاقناع فشكرا على اطللالتك ولك الخير في كل ما تعمله والى الامام وبعون الله ستصعد وهنيئا لك مجددا

    رد

أضف تعليق