في الأسبوع المنصرم جائتني رسالة عبر الفيسبوك من متابعة فاضلة مقيمة في الولايات المتحدة، تطلب فيها التواصل معي عبر الهاتف للإستفسار عن أمور شرعية تقلقها وتسبب لها الإكتئاب، فهي تشعر أنه كلما تعمَّقت في الأمور الدينية كلما أصبح لديها وسواس قهري بسبب الخوف من الله ولقاءه يوم الحساب، بالمقابل لديها معاناة كبيرة في إقناع زوجها وأولادها بالإسلام وآداء فروضه، ولا تدري كيف تحدِّثهم عنه خصوصاً أولادها الذين أصبحوا راشدين، ويشعرون بملل ونفور فور سماعهم أي شيء عنه بسبب نشوءهم في الغرب بعيداً عن أي قيم عربية وإسلامية.
في الحقيقة لم أكن أدري كيف أرد عليها، فلم أعتد تقديم إستشارات إجتماعية مباشرة عن طريق الهاتف لأنَّ هذا ليس مجال عملي، بالمقابل لم أكن أود أن أبخل عليها بنصيحة قد تغير حياتها إلى الأفضل، وكنت في حيرة من أمري … هل ألبي طلبها أم لا، فاستشرت والدتي وزوجتي وكلاهما أيَّدتا التواصل معها، لعلي أتمكن من إفادتها … وهذا ما حدث.
في الحقيقة ليس مهماً ما جرى في تلك المكالة المطوَّلة، فقد كنت على يقين من أني قد نجحت نوعاً ما في تخفيف قلقها تجاه الإسلام وعلاقتها مع الله، ولكني لست متأكداً من أني قد نجحت في تقديم ما ينفعها فيما يخص علاقتها بزوجها وأولادها، تلك العلاقة الملتهبة جداً، فالأسرة العربية النازحة من نار الثقافة الشرقية إلى جنَّة الثقافة الغربية لا تدرك حجم الجحيم الذي إنتقلت إليه إلاَّ بعدما تدفع ثمن إهمالها لثقافتها الأم.
بالنسبة لي كانت تجربة التواصل مع هذه السيدة مهمة جداً، فقد أدركت بعدها أني ناجح فيما أقوم به اليوم من لفت إنتباه المجتمع العربي في المهجر لعوامل الفشل التي تهدد وحدة أسرهم وأمنها، وتسليط الضوء على أسبابه وكيفية مواجهته قبل أن يخسر الجميع، بالمقابل قد لا أكون قادراً على تقديم حلول لمَن غرق في الوحل، فغالباً لا يستطيع الأهل وحدهم تجاوز تلك الإخفاقات إن حدثت لأنها أكبر منهم بكثير، فهم وحدهم في مواجهة ثقافة رأسمالية شرسة، سلبت منهم أولادهم وهم في حالة الإنكار ينظرون … لا يصدقون أنَّ ذلك يحصل معهم، ووقتها جميع الحلول تكون شبه مستحيلة مع الأسف الشديد، وهذه المكالمة جعلتني أتيقَّن من أنَّ منهجيتي سليمة فيما يخص كتاباتي عن كندا وتحدياتها، وأكدَّت لي – من فضل الله – أني أسير في الطريق الصحيح.
بعد المكالمة، جلست أفكر كثيراً في الأمور التي ساعدتني على مواجهة عوامل الفشل، فالأسباب كثيرة بلا شك وعلى رأسها فهمي لديني الإسلامي، إعتزازي بعروبتي، فكري الواقعي، قدرتي على التخطيط وإدارة المخاطر … إلخ، ولكن مازال هناك أمر مهم في حياتي … مهم جداً، يبدو أني تعودت على وجوده فأصبحت لا أنتبه إليه خلال زحمة الحياة، ما هو هذا الأمر؟
آه … عرفت عرفت … أو بالأحرى … تذكرت! فمجتمعي الشرقي الذي أنتمي إليه غالباً لا ينتبه لهذا الأمر ولا يلقي له بالاً، لا أدري ما السبب؟ ولكن عندما تقدم بي العمر أدركت مدى الحماقة التي يمكن أن يرتكبها المجتمع، وإهمال هذا الأمر هو على رأس تلك الحماقات.
في يوم الثلاثاء الماضي ٢١ يونيو أكملت أنا وزوجتي ١٣ عاماً سوياً، عشنا خلالها حياة صعبة وتحديات كثيرة لم تكن سهلة، إختلفنا مع بعضنا وتصالحنا وعاودنا الإختلاف، كرهنا وعشقنا بعضنا في نفس اللحظة، كان كبرياؤنا وعنفواننا يمنعنا في بعض الأحيان من رؤية بعضنا البعض، رجولتي كانت تمنعني من أن أرى زوجتي، وأنوثتها كانت تمنعها كذلك من رؤيتي، حتى وصلنا إلى مفترق طرق … لنقرر أنَّ حياتنا سوية لا يمكن لها أن تستمر، وقررنا أن ننفصل بما يُرضي الله ليستريح الجميع.
سأتكلم عن نفسي … في تلك اللحظة أدركت أني لن أقوى على العيش من دونها، وأعتقد أنها هي أيضاً أدركت هذه الحقيقة، فقد كنا لبعضنا الوقود والسند في المواجهة الشرسة لعوامل السقوط في حياتنا، وقد ساعدنا بعضنا على تجاوز أسوار المجتمع التي كانت تحول بيننا وبين الحياة الجميلة في الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم، لكن ذلك الكبرياء شكَّل حائلاً بين شعوري الداخلي تجاه ما تقوم به زوجتي في حياتي من دعم ومساندة وبين البوح به علناً، فقد كانت فقط تنتظر أن تسمع مني ذلك البوح كعرفان للجميل، ومازلت لا أفهم … لماذا نواجه دائماً مثل هذا الصراع الداخلي في نفوسنا؟ ربما لأننا تربينا على الإمتنان للأنثى في قالب الأم فقط ولم نتربى على الإمتنان لها في قالب الزوجة؟
أعتقد أنه لولا زوجتي في حياتي ما كنت قادراً على أن أكون الشخص الذي تعرفونه اليوم، فهي تحمَّلت الكثير في سبيل إنجاح زواجنا، وأنا أدري أنَّ الحياة الأسرية ومسؤولياتها شكَّلت لها تحدياً كبيراً لأنها كانت أكبر من طاقتها، الشيء الذي يحدث مع معظم إناث الوطن العربي بسبب الأحلام الوردية اليافعة عن الزيجة والزواج والتي تكون في ذهن كل واحدة منهن وهي في بيت أهلها، ليتفاجأن بعدها بأنَّ بناء الأسرة والمحافظة عليها يحتاج إلى جهد كبير ومكابدة وعناء، بل قد تكون اليوم أكبر تحدٍ للزوجين، وبعد إكتشاف الحقيقة … مِن النساء مَن تصمد ومنهن مَن تستسلم، وزوجتي إختارت الصمود، وأنا ممتن لها جداً على ذلك الإختيار!
الحديث في هذا الموضوع يطول، وأنا على قناعة تامة من أنَّ الكثيرين يودون الخوض في تلك المواضيع المهمة والمحرَّمة، ولن أتوانى عن مشاركتكم خبرتي لتستفيدوا منها بإذن الله، وذلك يوم السبت القادم ٢٥ يونيو (حزيران) في الحوار المرئي المباشر عبر صفحتي على الفيسبوك في الأوقات التالية:
- توقيت البث المباشر: ٥:٠٠ بعد الظهر (تورونتو) | ١٠:٠٠ مساء (الرباط) | ١٢:٠٠ منتصف الليل (مكة)
- رابط الصفحة: https://www.facebook.com/HusseinYounesWriter
كما سيمكنني تلقي أسئلتكم والإجابة عليها مباشرة، والإستماع إلى مشاركاتكم إن كنتم ترغبون بالحديث عنها.
تحديث: أشكر جميع المتابعين الكرام على إهتمامهم ومداخلاتهم وقت الحوار المباشر لمناقشة المقال أعلاه. يمكن مشاهدة تسجيل الحوار على الروابط التالية:
١) الفيسبوك: حوار مباشر على الفيسبوك (في مواجهة عوامل السقوط)
٢) اليوتيوب: