إما أن تنشر الجهل.. أو لا تتفوه

|

حسين يونس

نشرت صحيفة كندا اليوم​ مقالي الأخير بعنوان (بالقانون، والحجة، والمنطق) على صفحتها الرسمية مساء السبت الماضي ٥ ديسمبر، وبلغ عدد المشاهدات أكثر من ٨٠ ألفاً في أقل من ٢٤ ساعة، وقد لاقى المقال استحسان الغالبية العظمى من قرَّاء الصحيفة، ما عدا فئة قليلة لم يعجبها نهاية المقال!

كنت قد ذكرت في نهايته الجملة التالية:

تعلمت من تلك التجربة عدم التسليم أبداً لتجارب الآخرين الفاشلة، وأن أحاول بنفسي مهما سمعت من تجاربهم، وتعلمت أيضاً ألاَّ أخشى على نفسي في ظل دولة العدل والقانون، لأنَّ الله سبحانه وتعالى قد قضى ببركتها حتى وإن كانت مُلحدة أو كافرة، فللعدل في السماء مكانة يجهلها عبدة الجيوش والمهانة.

في الحقيقة أنا أردت أن أوصل رسالة في نهاية المقال إلى من يدَّعي بأن العدل والقانون والنظام مرتبط فقط بتطبيق الإسلام وأنَّ هنالك أمم كثيرة عادلة لم تكن مسلمة، كنصارى الحبشة على رأسهم النجاشي الملك العادل الذي لم يُظلم عنده أحد. لكن يبدو أنَّ هذه الجملة لم تعجب فئة من الناس لأنها احتوت على كلمة “كفر”، لأنَّ تلك الفئة قد تنتمي لديانات ومعتقدات أخرى لا تؤمن بوحدانية الله ولا بنبوة محمد ﷺ، أو حتى لا تؤمن بوجود الله أصلاً، ووصفهم الشرعي في الإسلام أنهم كفَّار، والكفر في اللغة هو عكس الإيمان … أي الإعراض وعدم التصديق.

لو خاطبني نصراني وقال لي: (أنت كافر) فهذا أمر لن يزعجني، لأني فعلاً أنا كافر بعقيدة التثليث، ولا أؤمن بأن عيسى عليه السلام إله أو ابن الله، وتكفيره لي يُعزز من معتقدي الإسلامي ولا يضره أو ينقص منه شيئاً، فالله سبحانه وتعالى قد ذكر كلمة “الكفر” في القرآن مئات المرات لأهميتها وضرورتها لجعل الناس على بيِّنة من دينهم، وحتى لا يختلط عليهم أمر الإعتقاد والإيمان به كما أراد هو سبحانه، فمصطلح الكفر هو مصطلح شرعي بامتياز لا يمكن تجاهله، فكما ذكرت آنفاً أنَّ مَن لا يؤمن بوحدانية الله ولا ببعثة رسوله محمد ﷺ … هو كافر عند المسلمين، وهذا أصل من أصول الدين لا مراء فيه، لكنه قد يكون مؤمناً بأمر آخر … كاليهودية أو نصرانية أو البوذية … إلخ، ولكن إيمانه هذا لن يجعله مؤمناً عندنا نحن المسلمين، وهذه هي الوسطية.

فمن أصول الوسطية في الإسلام أن تلزم الحقيقة كما هي، بحيث لا تعتدي على دينك بأن تحرِّفه وتغير في أصوله الثابته، بالمقابل … لا تعتدي على المخالفين لك في دينك وعقيدتك بأن تلحق بهم الأذى والضرر.

المشكلة أنَّ هناك مَن جعل الأخلاق في الإسلام مدار الإيمان والكفر، ضارباً بعرض الحائط الإيمان بوحدانية الله وكتبه ورسله واليوم الآخر وبقية أركان الإيمان والإسلام التي لا يقوم الدين من دونها، فالأخلاق بلا شك مهمة وأساسية في الإسلام، ولكنها ليست مدار الكفر والإيمان، فلا ينبغي أن ينزعج عاقل من مصطلح الكفر إن كان مسلماً موحداً يأخذ دينه من القرآن لا من الإعلام، ولا ينبغي أن ينفتن بأخلاق الأمم الأخرى بأن يجعلهم مسلمين رغم أنوفهم … الإعتدال جميل في كل شيء.

في صباح اليوم تفاجأت بأنَّ إدارة الفيسبوك قد قامت بحذف المقال من دون سابق إنذار من موقع صحيفة “كندا اليوم”، وهذا من مساويء الفيسبوك أنه يستجيب إلى جموع الشكاوى من دون تحرِّي أو تدقيق، وقد حصل لي موقف مشابه من قبل إذ تم إغلاق حسابي على الفيسبوك لأنَّ تلك الفئة قامت بحملة ضدي ولم يعجبها ما أكتب! فإما أن أنشر الجهل والسخافة وكل ما هو ركيك … أو لا أتفوه بكلمة، وإن دل هذا الموقف على شيء، فإنما يدل على القيمة الحقيقة التي أقدمها في طرحي وفي كتاباتي التي أصابت هؤلاء المخالفين بمقتل، رغم أني لست داعية إسلامي وليس لي أي برنامج دعوي، ولكني رجل أحترم ديني وعقيدتي التي يريدون طمسها.

هؤلاء يريدون إرعابنا وخرسنا بأي طريقة، وإذا استطاعوا أن يمحوا كلمة “الكفر” من القرآن لفعلوا، واليوم سيمنعونك من التفوه بها، وغداً سيمنعونك من ذكر إسم محمد، وبعدها سيمنعونك من ذكر إسم الله … ليختفي الإسلام بعد ذلك من الوجود، لكن يأبى الله إلاَّ أن يتم نوره ولو كره هؤلاء المارقون.

أحببت أن أشارككم هذا الموقف كي تعلموا أهمية التوحيد الذي لا يريده لكم البعض، فهم يريدوننا في دائرة رمادية ضبابية لا نفرق بين الكفر والإيمان، حتى إذا وقعنا في الكفر … لم ندرك ذلك، وهنالك الكثير من المسلمين قد وقعوا في الكفر مع الأسف الشديد بسبب جهلهم بنواقض الإسلام، واستغرب كيف يمكن لمسلم أن يعلم شروط دخول أمريكا والخروج منها … ولا يعلم شروط دخول الإسلام والخروج منه؟

أختم بهذا المشهد رائع للشيخ الجفري في لقاء له مع قس قبطي، والذي وضَّح فيه بشكل جلي ما ذكرته لكم حول الكفر والإيمان.

دمتم مسلمين!

أضف تعليق