إنتهيت في المقالة السابقة من مقدمة التفاوض، وذكرت المصادر الثمانية الأساسية التي ترتكز عليها القوة التفاوضية: ( الحاجة، الخيارات، الوقت، العلاقات، الإستثمار، المصداقية، المعرفة، المهارات )، وقمت بشرح كل مصدر على حدا، أما اليوم فسأنتقل معك عزيزي القارئ بمزيد من التحليل من مرحلة: ماذا عليَّ أن أعلم؟ إلى مرحلة: كيف لي أن أعمل؟ والتي ستسهل عليك إستيعاب الطرق المثلى لإمتلاك قوة التفاوض وتغذيتها، فأنت كرجل أعمال تعمل في الخط الأمامي في الواجهة مع العميل، المكان الذي غالباً ما تُترك فيه وحدك ولا يرغب مديروك بالتواجد معك فيه، فأنت بحاجة لأن تتعلم أكثر عن كيفية عمل تلك المصادر حتى تغذيها مستقبلاً كيفما أمكنك.
قبل التوغل في المصادر الثمانية، هل فكرت يوماً بتعريف التفاوض؟ الكثير يجهل معناه ويعتبره معركة لابد من الإنتصار فيها، فالتفاوض وبكل بساطة عبارة عن محاولة يقوم بها طرفان بغية الوصول إلى حالة قَبول متبادلة ترضيهم معاً، كما أنه لا ينبغي أن تنتهي برابح وخاسر، فهي ليست معركة لابد من الإنتصار فيها، فالمعارك لا يكون فيها تنازلات وهي إما ربح أو خسارة، أما التفاض فيشمل في طيَّاته تنازلات من قِـبَـل الطرفين إذا ما قبلوا الدخول فيه.
كيف لنا أن نغذي مصادر قوة التفاوض الثمانية بما يعود علينا بالنفع والربح؟ فالطرق المطروحة آلياتها ليست محصورة بما ستقرأه هنا، وهي تعتمد بطبيعة الحال على ثقافة المكان الذي تعمل فيه، ومن الممكن تطوير هذه المصادر بما يتناسب مع المكان الذي تعقد فيه صفقاتك التجارية:
-
الحاجة: لتغذية قوة الحاجة، إكتشف المزيد من الإحتياجات الهامة للعميل، فكّر فيه وضع نفسك مكانه وتخيل كل ما يعانيه، فكّر في مشكلاته التي يواجهها والتي أنت فعلاً قادر على حلِّها، ماذا لو قرر العميل إهمال الحلول المطروحة وعدم التفاعل معها؟ ماذا سيكون الضرر عليه وعلى عمله؟ إذا كان الضرر والخسارة هامَّين للعميل فأنت تملك القوة، أما إن لم يكن كذلك فأنت لا تملك شيئاً. وإذا لم تكن تعلم مدى الضرر الذي سيلحق بالعميل وتكلفة خسارته جرَّاء تجاهله لمنتجك وعدم إدراكه لإحتياجاته والعواقب الناتجة عن ذلك التجاهل، فأنت لم تكتشف بعد إحتياجات العميل الحقيقية، والسؤال الآن، هل لديك المقدرة للعودة ومعرفة الجواب؟
-
الخيارات: لتغذية قوة الخيارات، لابد من التأثير في معايير الشراء لدى العميل في وقت مبَّكر جداً… أي في مرحلة بدايات عملية البيع، حاول بقوة وكافح من أجل إقناع العميل بمزايا منتجاتك المقدمة قبل الوصول إلى مرحلة طلب تقديم العروض ( Request For Proposal – RFP ) من قِبَل المنافسين في السوق، لأنك وبكل بساطة ستحدد خيارات العميل والتي ستصب في صالحك وصالح منتجاتك.
-
الوقت: لتغذية قوة الوقت، لابد من معرفة إن كان العميل يملك الوقت الكافي ليبحث عن خيارات أخرى أم لا، فعامل الوقت من أهم المصادر الثمانية التي من الممكن أن تكون منطلق التحكم بالمفاوضات، فإن كنت على إطلاع بوضع العميل، ستعلم يقيناً إن كان الوقت عامل قوة لك أم لا، فطريقة تصرف العميل وملاحقته لك بشكل يومي وإصراره في الحصول على العرض الخاص بك بشكل سريع، مؤشر على أنَّ وقت العميل قد أزف وآخر موعد لإنجاز عمله قد حان وإدارته تلاحقه لرفع التقرير النهائي، إسأل العميل كم من الوقت مازال متاحاً حتى تُقدم له العرض، فإن كان جوابة البارحة – كناية عن العجلة – فالوقت في صالحك، أخبر العميل أنَّ العجلة في تقديم العرض لن تمكنه من الحصول على سعر منخفض، فإن كان جوابه أنَّ السعر غير مهم الآن، فالوقت في صالحك، والأهم من ذلك كله أن تجعل العميل يضع ثقته فيك وفي شركتك من خلال إيمانه بأنك لن تخذله وستوفر له الحل المطلوب رغم ضيق الوقت.
-
العلاقات: لتغذية قوة العلاقات، وهذا بالطبع العمل الأهم الذي يجب عليك العمل عليه مُسبقاً حتى يكون له قيمة، لتحصل على علاقة متينة مع العميل تنفعك في المفاوضات، لابد من أن تعمل عن قرب من العميل حتى تُشعره بأنك الصديق الذي يكترث لحاله، ولا تشعره أنك بائع، حاول تناول المواضيع العامة والخاصة الممتعة قبل أن تبدأ معه أي موضوع يخص العمل أو الصفقة، لا تكن في عجلة من أمرك وأنت تتحدث إليه، إستمع وأنصت، أشعره أن كل وقتك له، ولا تزره كل يوم حتى لا يملَّ منك، إن كان العميل في منشأة كبيرة وتحتاج الكثير من الحلول الخاصة بمنتجاتك، فلا بأس من زيارته يوماً بعد يوم، أو ثلاثة أيام في الاسبوع، وليس بالضرورة أن يكون هنالك موعد مُسبق لزيارة العميل، فقط أطرق عليه الباب وسلم عليه وإسأله إن كان الوقت مناسباً للتحدث، كن خفيفاً لطيفاً في مرحلة كسب الثقة ولا تشعره أن زيارتك له تتطلب تحضيرات مسبقه تستهلك وقته، ولا تكن ثقيل الظل ينفر منك الجميع بمجرد رؤيتك، لأنك هكذا لن تكون موضع ترحاب، فغالباً ما يكون الحل الذي يرجوه العميل موجوداً في منتجاتك، ولكنه لا يعلم ذلك، وكل ما تحتاج إليه أنت الفرصة للتحدث إليه كي تشرح له ما يبحث عنه، وأفضل طريقة لحدوث ذلك يكون عن طريق العلاقات.
-
الإستثمار: لتغذية قوة الإستثمار، إجعل عميلك في مرحلة صنع القرار قريباً منك ومن منتجاتك بشكل حيّ، فبدلاً من إعطاءه كتيب المنتج أو مطبوعات تشرحه، قم بدعوته إلى إحدى المنشآت التي سبق لك أن طبقت فيها الحلول المُقدَمة وأره المنتج حيّاً يعمل أمامه، أشعره بقوتك وقوة منتجك المُطبق، فكلما زادت طاقة العميل المبذولة في التعرف بمنتجك، كلما أصبح أكثر إلتزاماً به وكلما أصبح صنع القرار في صالحك وقوة الإستثمار لك.
-
المصداقية: لتغذية قوة المصداقية، أحصل على شهادة شكر وعرفان من أكبر عملاءك، إسأل أفضل عملاءك عن الميّـزات التي وجدوها في منتجك وكيف إستطاعوا من خلاله تحقيق نتائج مبهرة، ستتفاجأ من النتائج التي ستحصدها من ذلك.
-
المعرفة: لتغذية قوة المعرفة، إسأل أكبر قدر من الأسئلة في مرحلة عملية البيع حتى تتفهم حاجيات العميل بشكل أكبر وأحصل على المعلومات التي تهمك وتهم العميل معاً، وحتى تتأكد من مصداقية الأجوبة التي حصلت عليها، لابد لك من الإعتماد على أكثر من مصدر في جمع المعلومات، فإذا ما حاول قسم المشتريات في شركة العميل تضليلك للتخلص منك، ستكون في أوج إستعدادك لمواجهة الموقف بقوة معرفتك.
-
المهارات: لتغذية قوة المهارات، إلتحق بمدرسة فنون المفاوضات وكن تلميذاً فيها، إسأل أفضل المفاوضين الذين تعرفت إليهم كيف تمكنوا من بلوغ ما بلغوه، إقتني أفضل الكتب والأشرطة السمعية والمرئية المتخصصة في فنون المفاوضات، شارك في المؤتمرات والمناسبات الخاصة بفنون المفاوضات، بكل تأكيد يمكنك أن تكون من كبار المفاوضين، ولكن ذلك لن يحصل عَرَضيّاً أو عن طريق الصدفة، كن على يقين أنك عندما تشحذ مهاراتك في مجال المبيعات، فإنَّ ذلك سيمكنك من كسب المزيد من المال، والتفاوض من أهم المهارات المطلوبة في رجل المبيعات خصوصاً وعالم المال والأعمال عموماً.
وبعدما تعرضنا للمصادر الثمانية لقوة التفاوض، سأتطرق لمسألة التفاوض نفسها وشرح ماهيَّـتها، فهي عملية حساسة لابد من التحضير لها ودراستها بشكل جماعي مع كل أعضاء فريق العمل لديك قبل الإجتماع بالعميل، ولا تتردد في طلب أي مساعدة من داخل أو خارج الشركة للتجهز للقاء العميل، فلا يوجد أسوأ من أن تذهب للتفاوض وأنت لا تملك المعلومات المهمة والكافية للتفاوض، الشيء الذي سيؤدي إلى خسارات فادحة قد تكون عفوية وأنت لا تدري، عدى عن أنك لن تستطيع أن تنطق بأي كلمة ذات قيمة.
من الشروحات الوافية التي أعجبتني لمراحل عملية التفاوض، ما قرأته في إحدى كتابات شركة ( Business Ability ) والتي شبَّهت مراحل عملية التفاوض بقشور البصلة، كما يلي:
-
الجزء المركزي: وهي المرحلة التي يتفق مديري الشركة على أهميتها، وأهمية القيمة التي ستُضفيها على المفاوضات مع العميل، ويتم على إثرها إنتقاء المفاوض المناسب وفريق عمله ذو المهارات المناسبة لإدارة التفاوض مع العميل للوصول إلى تفاوض ناجح.
-
الطبقة الداخلية: وهي المرحلة التي يتم فيها الإعداد للمفاوضات وتحديد الأهداف ودراسة حالة العميل، ودراسة نقاط القوة والضعف لدى الطرفين، والتفكير بمبدأ فوز– فوز ( Win-Win Stiuation ) والتخطيط بشكل إحتياطي وإحترازي لما يمكن أن يكون، وعندما تتعمق في هذه المرحلة، ستتفهم عزيزي القارئ لماذا تم إختيار البصلة دون غيرها لما تحتويه من مراحل عديدة.
-
الطبقة الخارجية: وهي المرحلة النهائية والتي يتم فيها الإجتماع مع العميل، وللحصول على أفضل النتائج يجب أن يُدار اللقاء بالتسلسل التالي: ( نقاش، إقتراح، صفقة، إتفاق ).
ولنا وقفات أخرى في إدارة التفاوض في الأسابيع المقبلة إن شاء الله نتكلم فيها عن صفات المفاوض الناجح.
المراجع:
-
“Kevin Davis” author of: “Getting Into Your Customer’s Head”
-
يعطيك العافية يا استاذ حسين على هذا الموضوع الشيق
اتمنى لك دوام التوفيق وشكرا
@عبدالله, بارك الله فيك أخي عبدالله، وأتمنى أن تكون قد إستفدت من المحتوى، وشاكر مرورك ومرحباً بك دائماً.
أنصحك بقراءة بقية السلسلة التفاوضية للإستفادة القصوى.
كل التوفيق،