أهم ما تعلمته في ٢٠١٦

|

حسين يونس

لا ينبغي أن تمر السنين من دون أن نتعلم منها أشياء مهمة تزيد من خبرتنا وتطور من حياتنا بشكل يجعلنا نرتقي أكثر وأكثر، ولاشك أنَّ عام ٢٠١٦ كان عاماً صعباً جداً على الأمة العربية والعالم أجمع على المستوى السياسي والإقتصادي، إلاَّ أنه لم يخلُ أيضاً من صعوبات شخصية تعرضنا لها جميعاً أدت بنا إلى دروس مستفادة، قد نتفق على بعضها أو نختلف، وهذا كله لا يهم .. لكن المهم هو مشاركة ما تعلمناه مع الآخرين الذين قد يجدون ضالتهم في بعض تلك الدروس المستفادة، وهذا من جمال المشاركة!

فمن أهم ما تعلمته في عام ٢٠١٦:

١) الوطن دائماً متناقض: اكتشفت مؤخراً أنه لن تجد على وجه الأرض أمة تحبك من أعماق قلبها وتتمنى لك الخير كتلك الأمة التي تنتمى إليها جينياً ولك فيها جذور، فالوطن هو المكان الوحيد الذي لا يمكن لأحد فيه أن يرفضك، فدائماً ما يشعر أهله أنك جزء منهم وتهتم لشأنهم، بالمقابل لن تجد أحد على وجه الأرض يمكن أن يكن لك العداء والحقد والحسد، وينهش عرضك ويأكل لحمك كأبناء ذلك الوطن! وذلك ليس لعيب فيه .. إنما هي الفطرة البشرية، ولنا في سيد الخلق محمد ﷺ أسوة حسنة، فعلى الرغم من حبه الشديد لمكة وأهلها، إلاَّ أنه لم يرَ في حياته عداء أشد شراسة من عداء أهلها له، وهذا التناقض باقٍ ما بقيت الدنيا، فأيقنت أني يجب أن أقبل ذلك التناقض. وفي اعتقادي أنَّ له تفسيراً علمياً عند علماء الإجتماع، ولكني لم أقف عليه بعد.

٢) أربعة أشهر نباتية: تجربتي مع الحياة النباتية بدأتها في الأول من سبتمبر بهدف صحي بحت، فقد وجدت الكثير من الدراسات تتحدث عن الهرمونات الكثيرة التي غزت لحوم الأبقار والدواجن وغيرها، وأجسادنا التي تتغذى على تلك اللحوم لها نصيب الأسد من تلك الهرمونات الضارة، لكني لاحظت خلال تلك التجربة أنَّ جلدي أصبح أكثر حساسية، فلو تعرضت لجرح طفيف أو خدش في الجلد، تبقى العلامات لفترة طويلة، وبالتأكيد هذه الملاحظات قد لا يكون سببها علمياً هو نقص اللحوم، ولكنها ملاحظاتي الخاصة لتلك التجربة، كما لاحظت أني أصبحت أجوع أكثر من السابق، الأمر الذي زاد من وزني ما يقارب ٤ كيلوغرامات، والشبع الذي كنت أتمتع به من تناول اللحوم كان يساعدني بشكل كبير في الحفاظ على وزني منخفضاً، وهذه الملاحظة مُثبتة علمياً، ويمكن العودة إلى نظام (د. أتكنز) الغذائي المبني على البروتينات الحيوانية. المهم أنَّ اليوم الذي أنهيت فيه حياتي النباتية وأكلت وجبة مشاوي مشكلة من لحوم الأبقار والدجاج، بقيت على إثرها في حالة شبع تعدَّت الـ ٢٤ ساعة لا أشتهي أي طعام، ناهيك عن حالة الصدمة التي تعرضت لها معدتي وشعرت أنها لا تقوى على هضم اللحوم بعد ذلك الإنقطاع.

٣) زوجتي قيمة أبدية: دائماً ما كنت أناكفها لأثبت لها أني قوي ومرغوب ولا يمكن لامرأة أن تكسر قلبي، إلى أن بلغت الأربعين وحدث معي ما أخبرنا به رب العزة في القرآن حيث اكتملت أركاني العقلية والنفسية والجسدية، لأدرك وقتها أنَّ زوجتي في حياتي قيمة أبدية، لباس ارتضيته لنفسي ولا يمكنني خلعه فقط بمجرد قرار أو أمنية، بل لا يمكنني أن أكون مع أي قيمة ثانية سوى زوجتي، هذا الإلتحام الروحي الذي وصلنا إليه اليوم ما كان له أن يكون لولا إلتحام المبادئ والرؤى والأهداف، ومن فضل الله على عباده أن جعل ديمومة علاقة الأزواج المُحبين مُتعدِّية لحدود الحياة الفانية، فالحمدلله رب العالمين.

٤) الحسد دين له أتباع: خلصت لقاعدة فحواها أنَّ الحسد قد أصبح ديناً عريضاً الانتشار، وقد يكون ثاني أقدم دين على الكرة الأرضية بعد التوحيد منذ أن قتل بسببه قابيل أخاه هابيل، فلم أرى في حياتي كائناً أشبه بالأفعى من الحاسد، فكلاهما لا يستطيعان العيش من دون السم الذي في داخلهما، وذلك السم في عقيدتهم أصل الوجود. ومما لا شك فيه أنَّ للحسد أتباع كثر، وإن اختلفت أعراقهم وألوانهم وألسنتهم إلاَّ أنهم متفقون – ضمنياً – على تَمنِّي ما عند الآخرين من دون عمل، وتَمنِّي زوال النعمة عن الذين يحسدونهم، وإتهام الناجحين بكل نقيصة، وتأليف قصص الرذيلة عنهم.

٥) مصطلحات ليست في محلها: لاحظت تداول الكثير من المصطلحات بين الناس وفي الإعلام من دون فهم دقيق لها، كالعنصرية والطائفية وغيرها، فالعنصرية ليست سيئة لو كانت مُستخدمة في مكانها الصحيح تماماً كإستخدام السكين أو أي شيء في هذا الوجود، فلا ينبغي أن يُلام البشر إن أحبوا التكتل حول عنصرهم الذي خُلقوا منه أو طائفتهم التي ينتمون إليها، فالبشر يُحبون الذين يشبهونهم وهذا حق لهم وليس فيه ضرر على أحد. لكن المشكلة إن تجاوز ذلك التكتل العنصري والطائفي ليطال قضايا في المجتمع تعتمد على الكفاءة، فلا يتم التوظيف إلاَّ مَن هو مِن نفس العنصر أو الطائفة بدلاً من تعيين مَن يستحق، أو اضطهاد فئة من الناس بسبب عنصرهم الذي خُلقوا منه أو طائفتهم التي ينتمون إليها، هنا تصبح تلك المصطلحات مذمومة لسوء استخدامها.

٦) الإسلام وقاية منهم: لم يحدث أن حاورت مُتشدقاً بشعارات السلام والإنسانية والديمقراطية والحرية، حتى أكتشف أنَّ كل ما يؤمن به لا يتعدى كلمات على ورق! وسرعان ما يسقط قناعه إذا شعر أني أتقرب من الإسلام، ويُجَنَّ جنونه إذا وجدك تعلم أطفالك التوحيد، والذكي منهم يبدأ معك الحوار بالجملة الشهيرة: (أليس من الأولى أن تعلمهم الأخلاق؟)، فأجيب: (ومن قال لك أن التوحيد يتعارض مع الأخلاق؟ بل لماذا لا نعلمهم التوحيد والأخلاق معاً؟) وكأنها المهمة المستحيلة! فاعلم عزيزي القارئ أنَّ مَن رأى منك إسلاماً وبدأ يُدندن حول الأخلاق وأهميتها، هو في حقيقة الأمر يُريدك أن تكفر مثله {حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم} والإسلام من فضل الله مليء بالأخلاق وإن هجرها العرب، والمعادلة بسيطة جداً حتى تكشف هؤلاء المتشدقون: (كلما تقربت من الإسلام = سقطت أقنعتهم، وكلما بعدت عنه = تجدهم حولك كالذباب!)، فلن تجد مُضاداً حيوياً أفضل من الإسلام {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً}.

٧) القلم وحده لا يكفي: على الرغم من روعة القلم الذي هو بداية كل شيء، إلاَّ أنه أصبح وحده لا يكفي، وقد خلصت إلى تلك الحقيقة عندما بدأت التدوين المرئي واللقاءات المباشرة عبر صفحتي على الفيسبوك، فكمية المعلومات التي يمكن إيصالها خلال الكاميرا أكثر بكثير مما يمكنك إيصاله في مقال، ناهيك من أنَّ الناس باتت تُفضِّل الصورة أكثر من رصِّ الكلمات في مقال أو كتاب، الأمر الذي بات يُشكِّل عبئاً على الكتَّاب والمفكرين بحيث أصبح من الصعب تجاهل أهمية العدسة لإيصال الأفكار بشكل سريع وعميق.

٨) لا تُخرس مُنتقديك: خلصت في الآونة الأخيرة إلى قناعة فحواها أنَّ الذين يتقصدون إهانتك وينالون منك، هم في حقيقة الأمر – دون أن يشعروا – يصنعون لك المجد! فلا تُخرسهم ودعهم يقولون ما يشاؤون، ووقتها أفرجت عن كل المخالفين المحتجزين لدي في قائمة الحظر، كما توقفت عن مسح التعليقات المسيئة. بالمقابل كنت دائماً ألاحظ ازدياد المتابعين على صفحتي الفيسبوكيَّة ولكن لا أسمع لهم حسيساً ولا أجد لهم تعليقاً وكأنهم كائنات فضائية! وعندما قررت أن أترك حرية التعبير على الصفحة لكل مَن يشاء، بدأت أشعر بوجودهم عند التعليقات السلبية التي تطالني .. وأخيراً ظهروا! ولاحظت وجود الأوفياء بكثرة يوم انتشرت قصة ابنتي نور على خشبة المسرح في المدرسة الكندية، حيث بدأ ينال مني المخالفون بقذارة كبيرة، فلم يحتمل الشرفاء نتن القيء الذي أفرزه هؤلاء المخالفين .. فتصدوا لهم، لدرجة أنَّ أحد الأحبة كتب لي: (أرجوك أستاذ حسين لا ترد على تلك التعليقات السيئة .. نحن سنتولَّى مهمة الرد عليهم)، وتساءلت في نفسي: (لو أبقيت على هؤلاء المخالفين في قائمة الحظر .. مَن كان سيستفز الشرفاء؟) وهذه من فوائد الحرية!

٩) الشرك كالكحول يُذهب العقول: كلما تقدم بي العمر يوماً، أدركت كم نحن محظوظون بأنَّ لهذا الكون إلهاً، وكلما نظرت وتبحَّرت في عقائد الأمم التي تؤمن بوجود الإله لكنها تشرك معه آلهة أخرى، كلما حمدت الله على عقيدة التوحيد التي تُنزِّه الإله تنزيهاً عقلانياً يليق بجلاله، وازددت يقيناً بأنَّ التوحيد طوق نجاة البشرية الوحيد، ذلك الطوق الذي يُحررك من كل الآلهة الضعيفة ويجعلك عبداً له وحده سبحانه، فالملحد الذي يعتقد – واهماً – أنه قد أصبح حراً لأنه كفر بوجود الله، هو في حقيقة الأمور قد خلق لنفسه مئات الآلهة التي يعبدها في كل لحظة دون أن يشعر، وما بين التوحيد والشرك .. يتم التعويل على العقل كي يقود البشر إلى الحقيقة، ولكنه قد يفقد قدراته الفذَّة إذا كان ثملاً من شدة الشرك.

١٠) فقط أجيب عن المجهول: في الآونة الأخيرة توقفت تماماً عن الإجابة على الأسئلة والمداخلات التي لها أجوبة، وأصبحت لا أجيب إلاَّ على الأسئلة التي ليس لها إجابة، والأسئلة الوحيدة التي ليس لها إجابة هي وجهة نظري الخاصة، فهي أمر غيبي لا يمكن لأحد أن يعلمه إذا لم أكتب عنه أو أبوح به، أما غير ذلك من الأسئلة فيمكن إيجاد أجوبتها من خلال بحث بسيط في الإنترنت، لأني ببساطة لا أريد أن تتحول حياتي كما تحوَّلت حياة المشايخ في برامج الإفتاء، كلها أسئلة لها أجوبة في الإنترنت، واليوم أصبح لا يوجد سؤال في الوجود ليس له جواب، ولكن الناس لا تحب أن تبحث!

في الحقيقة هنالك الكثير من الأمور التي تعلمتها خلال ٢٠١٦، ولكن هذه كانت أهمها ولا أريد أن أطيل عليكم المقال، ويمكن الحديث عنها في مناسبات أخرى بإذن الله، كما أريد أن أفسح لكم المجال لمشاركة ما تعلمتوه أنتم كي نستفيد جميعاً .. فشاركونا دروسكم وما خلصتم إليه، وكل عام وأنتم بألف خير!

رأي واحد حول “أهم ما تعلمته في ٢٠١٦”

  1. الكثير من ملاحظاتك تبدو لي صحيحة من خلال تجاربنا ايضا، فلا بد لنا الوقوف بتأني و تأمل دون النطق بالحكم على أشياء قد تبدو لنا مفيدة وهي غير ذلك او العكس، و هذا من معاني و فوائد الصبر الجميل.
    حفظك الله يا استاذ حسين.

    رد

أضف تعليق