أردوغان مثال القيادة الحي

|

حسين يونس

نتوقف اليوم مع الحدث العالمي المنقطع النظير لنستلهم منه دروساً في القيادة، فدائماً ما كنَّا نقرأ عن القيادة وماهيتها، وكيف يمكننا فهمها وتطبيقها، ومع ذلك لم نفقهها حق الفقه بسبب إنعدام الرموز والقدوات القيادية في الوطن العربي، ولا أقول شحِّها … بل إنعدامها، فالقيادة تختلف عن الإدارة في مفهومها، ففي الوطن العربي يمكنك أن تجد الكثير من المديرين، ولكنك لا تستطيع أن تجد قائداً واحداً فيهم أو حتى أن تسمع عنه، حيث أنَّ الإدارة تعني ( تنفيذ الأشياء بطريقة صائبة )، أما القيادة فتعني ( تنفيذ الأشياء الصائبة )، وهذا الشيء إن دلَّ فإنما يدلُّ على تحلي القائد بالمبادئ قبل الإلتزام بالقوانين، فتجد القائد يختلف عن المدير في النظرة الموضوعية للأمور فيمكنه أن يقبل ويرفض مرتكزاً على مبادئه السامية التي غالباً ما تكون خارج نطاق المصلحة الخاصة، فهو لا ينصاع أبداً للضغوط، وله نظرة واضحة في الفرق بين الدبلوماسية والضعف وبين السياسة والنفاق.

إذا أردت عزيزي القارئ أن تفهم ما هي القيادة بشكل عملي، فما عليك إلاَّ مشاهدة وتأمل تصرف رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” في “المنتدى الإقتصادي العالمي – World Economic Forum” يوم الخميس 29 يناير 2009م في مدينة دافوس السويسرية، حينما رد على رئيس دولة الإحتلال الصهيوني “شمعون بيريس” وعلَّق على كلمته الوقحة والتي مجدت حرب غزة وقتل الأطفال والإشادة بالقادة الإسرائليين، والأنكى من ذلك أنَّ بيريس كان يرمق الرئيس أردوغان وينظر إليه كلما ذكر كلمة الإرهاب، وكقائد حرّ يمثل الفكر القيادي الإسلامي، لم يحتمل الرئيس أردوغان ما سمعه عن حِليِّة قتل الأطفال والمسلمين في غزة، فرد مباشرة على الرئيس الصهيوني بعدما فرغ من كلمته، وأراد أن يعلِّق على بعض النقاط التي جاءت في خطابه، ولكن مدير الحوار لم يسمح له، فانسحب بكل بسالة وقال أنه لن يعود إلى هذا المنتدى مرة أخرى، هذه هي القيادة نتاج الفكر الحرّ، لا يرتبط بالعبودية والتبعية المذلة كما ذكرت آنفاً في مقالة ( الحرية تصنع القادة ).

بالمقابل إذا أردت عزيزي القارئ أن تفهم معنى الإدارة، فقد قام أمين عام جامعة الدول العربية “عمرو موسى” بشرحها في المنتدى ذاته أيَّما شرح وعبَّر عنها أيَّما تعبير عندما آثر الجلوس بعد إنسحاب الرئيس أردوغان ليقوم بعمله الإداري كما يجب بغض النظر إن كان هذا العمل صحيحاً أم لا، ولكنه في النهاية هو لا يمثل أي فكر قيادي، هو يُدير ولا يقود، أي لا يهتم للعمل إن كان صواباً في أصله، ولكنه يهتم بتنفيذ العمل بشكل صائب كما ذكرت آنفاً في تعريف الإدارة، وكما قال وزير خارجية قطر الشيخ “حمد بن جاسم آل ثاني” في مؤتمر غزة الطارئ في الدوحة أنَّ أمين عام الجامعة ليس سوى سكرتير للقادة العرب ينسق لهم الإجتماعات والمؤتمرات، فهو ليس قائداً ولا يتمتع أصلاً بحس القيادي، فماذا ننتظر منه؟ أن ينسحب؟ وحتى لو إنسحب أمين عام الجامعة مع الرئيس أردوغان لكان فُصل من منصبه فوراً، فالمدير يُملَى عليه عمله، أما القائد فلا، القائد لا يستطيع أن ينتظر الإملاءات ليتصرف، بل يتصرف من محض فكره الحرّ وإرادته الحية حتى في أحلك الظروف، وهذا بالضبط ما نحتاج إليه نحن العرب بالعموم، نحتاج لقيادة حقيقية تحفظ حقوقنا وفقاً لمبادئنا التي أقرها لنا الله سبحانه وتعالى.

إبحث عزيزي القارئ في أشلاء جثة التاريخ المترامية، وقارن حال قادة الأمس باليوم، وحتماً ستجد الجواب على حالنا المزري الذي نعيشه في كل دقيقة من حياتنا المذلة، ماذا بعد قتل المسلمين ومشاهدتهم بكل برود؟ هل نستكثر غضب أردوغان على ذلك؟ هل نستكثر تأثره على ما شاهده؟ والله إني لأجد موقفه في المنتدى الإقتصادي وإعتارضه الجريء لأقوى من عملية إستشهادية.

ومن الجدير بالذكر أنَّ “المنتدى الإقتصادي العالمي – World Economic Forum” أسسه رجل الأعمال السويسري “كلاوس شوابKlaus Schwab” عام 1971م.

 

أضف تعليق