بينما كنت أبحث في المعجم عن تفسير معنى إسم « سوريا »، وإذ به يخبرني بأنها كلمة يونانية وتعني الشمس، فقلت سبحان الله .. حتى اليونانيون قد عرفوا قيمتها بأنها شمس الشام ودرتها .. ولا ريب أنها كذلك رغم الكسوف الذي يعتريها، كم يؤسفني الدمار الذي آلت إليه، وكم يُدمي قلبي أن أرى ملفاً عربياً جديداً ضمن ملفات تجَّار الفتن والمصائب، ليأخذ رقماً عالمياً تماماً كالملف الفلسطيني، وتبدأ معه المزادات العلنية في سوق النِّخَاسَة لبيع شعب بأكمله، شعب سمع عن طيور الحريَّة التي حطَّت رحالها في بلاد العرب ليبدأ معها حلم الخلاص، حلم روَّج له تجَّار الدم والأفيون ليقنعوا الشعب بأنه يسير في الطريق الصحيح، وما أن استيقظ الشعب المسكين حتى تراءت له الحقيقة أنه كان يتقلب في دركات كابوس مُظلم، فأدرك بعدها أنه قد خسر كل شيء .. ولم يبقى له إلاَّ حُطام مخيم .. يلوح على ساريته علم شبيه براية الأونروا.
ما أشبه الليلة بالبارحة، وكأني أرى التاريخ الفلسطيني يُعيد نفسه من جديد، وكأن هذه الحكاية قد كُتبت لأرض الشام فقط لا يُشاركها فيها أحد، نفس الأرض والعِرق والدين .. الفارق الوحيد أنَّ شعباً اختار المثلث الأحمر في رايته، والثاني اختار النجوم الحمراء .. علها تكون فأل خير.
أحبتي في سوريا .. أستغرب كيف خانتكم الذاكرة، أراكم تصرخون في كل منبر .. أين العرب .. أين المسلمين .. أين المجتمع الدولي .. أسألكم بالله .. ألم تتعلموا شيئاً من فلسطين وقضيتها؟! ألم تبصروا الطفل الفلسطيني الذي خرج من قبره ليقول لنظيره السوري:
على من تنادي وبمن تستنجد؟
ناديت قبلك بضعاً وستون عاماً ولم يجبني أحد ..
هون عليك يا أخي .. وأرقد بسلام!
نفس الحكاية تُسرد من أرشيف الظلم الإنساني وإزهاق الروح البشرية وإهانتها بين ..
تشريد ولجوء ..
مخيمات وهجرة ..
وثائق سفر وهويات تائهة ..
شريط أخبار لا يأتي بخير أبداً ..
خارطة وطن مُكفَّنة بكوفية أهل الشام ..
طاولة مفاوضات .. أولها (نشجب) .. وآخرها (نُطالب) .. وبين الكلمتين أجيال مُهدرة ..
أحبتي في سوريا، أنا أعلم أنكم عندما بدأتم ثورتكم كنتم تحلمون بالسيناريو التونسي .. أشهر بسطية وسيرحل سفاح الشام إلى جدة ليقيم مع أحبته هناك، أو السيناريو الليبي .. أشهر قليلة وستهب قوى الناتو والغرب لتحريركم من ظلم الطواغيت، ولكن كلا السيناريوهين لم يحدثا، لعله قد غاب عن ذهنكم أنكم مجاورون لبني صهيون .. سرطان الشام، ولعل نشوة الحرية الثورية قد أنستكم خصوصية دول الطوق، إذ الفتنة فيها ليست كفتن الأرض، وإذا ضربت نفسها هناك .. لا يمكن درأها ..
أنظروا إلى فلسطين .. فتنة أهلية .. وكأن العدو قد رحل وفكك ترسانته النووية ..
أنظروا إلى لبنان .. فتنة طائفية .. وكأن أحوال البلاد والعباد باتت رَخية ..
أنظروا إلى الأردن .. فقر في المال والأخلاق .. وعنصرية تُباع في الأسواق ..
وأما مصر .. فللغادرين فيها نصر .. ومن كل بستان زهرة .. ومن كل نبع قطرة ..
وأنتم اليوم دُمى على مسرح الأجندات العالمية، وضحية صراع عربي إقليمي على قيادة المنطقة والإستفادة من مجريات أحداثها .. بل وتنفيذ إملاءات القوى الغربية، فدول تدعوا وبإلحاح إلى إنشاء واستضافة كيان سوري معارض متمثل بـ « المجلس الوطني » ومن بعده بـ « الإئتلاف الوطني » واليوم « الحكومة المؤقتة »، وأخرى تدفع بشخصيات معينة للقيادة وتوفير الدعم المالي والمكاني لهم، وهذا كله ليس من أجل عيون الشعب السوري المكلوم في شيء، إنما لتنفيذ أجندات مُعدة مُسبقاً أو تم إعدادها خلال مجريات الأحداث.
المضحك المُبكي أنَّ هذه الدول التي تدعي أنها داعمة للقضية السورية رفضت إستقبال اللاجئين السوريين على أراضيها، في الوقت الذي سمحت فيه دولة مثل كندا باستقبالهم، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل النوايا التي تُبطِنها تلك الدول، السفاح « رفعت الأسد » وبكل وقاحة يهبط على أرضها وكأن شيئاً لم يكن، إن لم تتعلموا من جراح فلسطين .. تعلموا من جراحكم .. تعلموا من أحداث 1982م .. مجزرة حماة، من الذي أباد المسلمين هناك؟ من الذي ملأ أرحام الحرائر بأولاد الزنى؟ من الذي أمر بخلع حجاب العفيفات على نقاط التفتيش لتُنتهك أعراضهن من كلاب البعث على مرأى ومسمع من العالم؟ أليس هذا السفاح نفسه؟ لا تكاد تخلو عائلة في حماة إلا وفيها قتيل أو مفقود أو مهاجر جرَّاء تلك المجزرة، هل هؤلاء يكترثون لكم أو لدماءكم؟ هم لا يرونكم أصلاً، وأنتم بالنسبة لهم ملف مُلقى على طاولتهم يتداولونه للمتعة السياسية.
الأزمة الكبرى التي تتمخض عن هذه الإئتلافات التي تتشكل في كنف الزعامات العربية، أنها لا تتخذ أي قرارات لصالح الشعب السوري .. على الإطلاق، إنما تنفذ ما تُمليه عليها الدول المستضيفة والداعمة لها، وإذا فكرت هذه المجالس الإئتلافية والمؤقتة الإعتراض على شيء .. سيكون مكانها الطرد والتشريد، تماماً كما حدث مع « معاذ الخطيب » الذي أعلن استقالته منذ أيام ليتمكن من العمل بحرية على حد قوله، المشكلة أنه لو أبقى على رغبته في البقاء ضمن هذه المجالس والإئتلافات .. عاجلاً أم آجلاً سيرضخ للقوى الداعمة ويتحول الأمر إلى مؤامرات على الشعب السوري بأيدي أبناء الشعب نفسه، تماماً كما حدث معنا في فلسطين، والمشكلة الأنكى أن الشعب الطيب ينظر إلى تلك الرموز على أنها رموز إسلامية لا تُخطئ، أذكركم فقط بأن « ياسر عرفات » كان من الإخوان المسلمين في بداياته الثورية، و « جمال عبدالناصر » أيضاً كان كذلك، وكلنا يعلم مدى الإنحطاط الذي ألحقوه بشعوبهم وأوطانهم.
كم يُذكرني المشهد السوري اليوم بالمراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية وإنشاء منظمة التحرير، ومن ثم الأضرار واللعنات التي لحقت بالقضية، حتى أصبح من شبه المستحيل التخلص من هذا التمثيل « الصهيوفلسطيني » والذي لم يختره أحد من الشعب وفرض نفسه بالقوة من خلال قصة نضال مزعومة، اليوم الشعب الفلسطيني بأكمله يتجرَّع مرارة هذا التمثيل.
أنصحكم بألاَّ تحترقوا بحسرتكم عندما ترون قادة المعارضة الأشاوس يتبادلون القبلات والصور التذكارية مع سفاح الشام، فإذا ما وضعت الحرب أوزارها بعد عقود من اليوم .. ستُنسى هذه الدماء الزكية وكأن شيئاً لم يكن، كنت أستغرب عندما يحشد كل فصيل فلسطيني قوته وعتاده لملاقاة الفصيل الآخر .. وبعد هدر مئات الأرواح يدعون بعضهم البعض بكل هدوء إلى فنادق القاهرة لحوار وطني، وإستغرابي أنَّ مثل هذه السكينة لم توجد في حساباتهم قبل إطلاق الرصاص!
رحمكم الله وأعانكم على ما ابتلاكم به، وجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجا، ليس لكم إلاَّ الله، ومن كان بوسعه العودة إلى وطنه وترك المخيمات .. فليبادر وليلاقي الله في بيته، أذكركم بأن أولادكم وأحفادكم سيقولون لكم ما قلناه لآبائنا .. لماذا تركتم أرضكم وعِرضكم؟ ألم تعلموا أنَّ الموت وقتها كان أجدى من المخيمات؟ لماذا شردتمونا معكم؟ وصدقوني وقتها لن تجدوا جواباً شافياً أبداً، وأسعدني ما قرأته اليوم من أخبار أهل درعا الذين رفضوا ترك ديارهم واللجوء إلى الأردن رغم القصف والقتل، لا تتركوا أرضكم مهما صعدت أرواح إلى السماء، فإن حدثت مصيبة في الدول التي تستضيفكم، لن يتوانى أهلها من إتهامكم بتسعير الفتنة، ولو حدثت فاقة مادية .. لن يعزوا الأمر إلى لصوص ومفسدي البلد، بل سيُلقون باللوم على ظهوركم، ناهيكم عن ألم التشريد وتقبيل الأيادي لنيل إقامة دائمة تسمح بالتنقل والعيش الكريم.
لا أدعي حلاً اليوم .. ولكن يعزُّ عليَّ ما آلت إليه أوضاعكم، والعودة إلى الوراء أصبحت مستحيلة، فقد انقضى أمر الله وأتمنى من كل قلبي ألاَّ توغلوا في نفق مشابه للنفق الفلسطيني، ولكن زفرات أخرجتها لتلامس ذاكرتكم، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ودمتم بخير.
* تقرير القناة الرابعة البريطانية عن معاناة اللاجئات السوريات في مخيم الزعتري الأردني والتحرش بأعراضهن وبيعهن في سوق الرِّقّ ببضعة دنانير.
لا حول و لا قوة إلا بالله … و حسبي الله و نعم الوكيل …
بس هما الي باعوا وطنهم وجابواالدب لكرمهم …وليست هي بثورة ومنذ متى اوربا وأمريكا تصنع لنا ثورات من تونس الى سورية اليسى هم من بنوا الخيم بتركيا قبل ما بتبدأ الفورة وهم من عملواتمثيلية درعا والاطفال وهم من اتفقوا على تحديد موعد هذه الفورة وجهزوا لهاهي اي شئ لكن ارجوك لاتقول ثورة اوليسى اهل درعا من ادخل الاسلحة لبلادهم انا لست مع انظمة ولكني لست مع موساد امريكا واوربا ولست مع الذين تعاملوضد بلادهم تحت مايسمى ثورة
لا يسعني إلاَّ أن أتفق مع تحليلك أختي الكريمة، والشعب السوري حاله كحال باقي الشعوب العربية التي غُرِّر بها من أجل أهداف دنيئة إستعمارية إنجيلية وتوراتية.
ولكن .. ما آلت إليه الأمور اليوم صعبة جداً، ولا يمكن فقط الإكتفاء بالوقوف والنظر إلى الشعب المكلوم وتوجيه أصابع الإتهام إليه من دون تحريك ساكن، فالعودة للوراء باتت مستحيلة وتسليم الزمام للنظام جريمة عظيمة ولا مخرج من الأزمة سوى بنصرة المظلوم والتصدي حتى لو وافق هذا التصدي أهدافاً غربية.
القضية السورية اليوم باتت معقدة ولله المشتكى.