أكتب هذه المقالة عزيزي القارئ وأنا على متن عملاق الجو طائرة إيربص 380 متجهاً إلى تورونتو لأحقق إحدى أهم أهدافي … الهجرة إلى كندا، وأستهل هذا المقال بحمد الله وشكره على توفيقه لي وإرشادي لما فيه خير لي ولذريتي … فله الحمد والمنة، وسيكون لي مقال تفصيلي عن رحلتي إلى كندا بعد عودتي إلى الرياض بإذن الله، ويعلم الله المجهود الذهني والبدني الذي بذلته لكي أنجز هذا الحلم، والضغط النفسي الذي أبى أن يفارقني طيلة الأسابيع المنصرمة وأنا ما بين متابع لأخبار غبار بركان أيسلندا والذي كاد أن يهدد سفري إلى كندا، وما بين تنسيق رحلة احتياطية مع شركة طيران أخرى كخطة بديلة إلى أن أحدث الله أمراً كان مفعولا، وها أنا الآن أحلق فوق سماء أوروبا … وبالتحديد فوق جمهورية أوكرانيا قبيل الحدود البولندية … أوكرانيا التي لها مكانة خاصة في قلبي حيث أمضيت فيها 6 سنوات متتالية لإنهاء دراستي الجامعية.
في الحقيقة، كثيرة هي الأحداث التي أنوي إطلاعك عليها عزيزي القارئ، ولكني إحترت من أين أبدأ، فقد تراكمت الأفكار والأحداث مع الأبحاث والمعلومات في وقت سريع وضيق جداً بسبب إنشغالي الغير إعتيادي في الفترة السابقة، ولكني قررت أن أشاطرك ما ينعش عقلك وروحك ويجعلك تطير معي في سماء النجاح والإنجاز، فلحظات الإنجاز لا تعوض ولا يمكن تجاهلها، وأنا أرى أنَّ الذي لا يأبه لإنجازاته ولا يفرح بها مهما صغرت ولا يشاطرها من حوله – حتى وإن لم يتفقوا مع ذلك الإنجاز – لهو خطأ كبير ولن ينعم صاحب هذا الخطأ بلحظات مثيرة في حياته لأنه ببساطة … لا يأبه لها، والآن إسمحوا لي أن أبدأ معكم شريط أحداثي من الأحدث إلى القدم.
في كل عام تقوم الشركة التي أعمل بها في الرياض – الشركة السعودية للحاسبات الإلكترونية – بتنظيم رحلة في شهر مايو للثلة التي حققت أفضل مبيعات للعام المنصرم، وقد منَّ الله عليَّ أن كنت من بين منجزي عام 2009م، القائمة التي شملت أكثر من 90 موظفاً في المبيعات، وكانت وجهة هذا العام إلى الشرق الأقصى من العالم إلى جمهورية كوريا الجنوبية، وقبل أن أخوض في تجربتي الحضارية الجديدة، أود أن أنوه مرة أخرى إلى لذة النجاح وبالذات … التميز، الشيء الذي يجب أن نضعه دائماً نصب أعيننا ما حيينا، فلا تقبل عزيزي القارئ بأن تكون شخصاً عادياً لا يرى في يومه سوى الوظيفة والأسرة والتلفاز والخروج مع الأصدقاء … إلخ، بإختصار وكما كنت دائماً أقول: « إحرص دائماً على ألاَّ تكون مجرد رقم في السجل المدني ».
إختلاف الحضارات متعتي … هكذا كان الحال دائماً وسيبقى في ترحالي بين دول العالم، هذه المرة من شبه الجزيرة الكورية في مدينة سول عاصمة كوريا الجنوبية، حيث أمضيت فيها مدة أربعة أيام ميزتها الأجواء الهادئة والطرقات المنظمة والتي يتخللها إزدحام شديد في أغلب أوقات اليوم بسبب الكثافة السكانية العالية، فتعداد سكان كوريا الجنوبية يصل إلى 50 مليون نسمة، وسيول وحدها تصل إلى 11 مليون نسمة، ورغم كل ذلك … لم أرى مخالفات مرورية صارخة أو تبادل للشتائم ما بين السائقين، كما لم أرى أحداً يغلق الطريق ليتسامر من خلال نافذة المركبة مع رفيقه في المركبة الأخرى خُيلائاً غير آبه بمن خلفه من البشر الذين تعطلت مصالحهم، ولعل أحدهم قد توفاه الله في طريقه إلى المستشفى بسبب قلة هرمونات المسؤولية، لم أرى في حياتي شعوباً مسؤولة إلى هذا الحد … وجوهاً بشوشة مبتسمة ترحب بالقادمين إليها … طالبين منك لحظة المغادرة العودة من جديد، لم أرى في سيول سوى الأخلاق والأدب واللطافة البالغة.
بينما كنت أتنقل بين الأمكنة السياحية والمتاحف والأجواء اللطيفة والهواء العليل كنت أتساءل خلسة … كيف إستطاع الكوريُّون أن يصبحوا على ما هم عليه اليوم؟ كيف فعلوها؟! كما تساءلت أيضاً … لماذا تدنت أخلاقنا كعرب ومسلمين إلى هذا الحد المشين؟ هل بسبب غرورنا الكبير الذي اعترانا لكوننا خير أمة أخرجت للناس؟ أم أننا ضمنا الجنة لأننا أصحاب الحق فلا يلزمنا الحفاظ على الأخلاق؟ هل من الممكن أن تصبح أمة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم على هذا النحو من سوء الأخلاق؟ لماذا تفرح نفوسنا وتنتعش في البلاد الأجنبية، بينما تتعس لحظة العودة إلى البلدان العربية؟ فكر جيداً عزيزي القارئ وحاول أن تجد جواباً لهذا التساؤل، فأنت إحدى مسننات هذه المنظومة العربية الكئيبة.
ما لفت إنتباهي أيضاً أنَّ الأجواء الكورية نظيفة جداً رغم كونها دولة صناعية، فلحظة وصولي إلى سيول كنت أعاني من بعض الحساسية في عيوني وأنفي وصدري، وبعد مرور 24 ساعة على وجودي هناك، ذهبت كل أعراض الحساسية المختلفة، كما أنك تلحظ حب الكوريَّين لبلدهم ودعمهم لصناعاتهم القومية بشدة، فنادراً ما ترى كوري يركب سيارة أجنبية سواء داخل كوريا أو خارجها، والأولوية دائماً للصناعة الكورية، فحب الوطن والإخلاص له عندما يصاحبه تخطيط ورؤى واضحة حقيقية قابلة للتنفيذ يؤدي إلى نجاحات باهرة، ويا دام عزك لو تلاقت هذه الرؤى والأهداف بين ولاة الأمر والشعب … تصبح الصورة مكتملة.
أعجبني تواضع أكابرهم وعُلية قومهم، فبينما كنت أقف أمام الفندق الذي نزلت فيه، كنت أرى في كل صباح مديرين ومسؤولين يغادرون الفندق متجهين إلى أعمالهم بكل أدب وتواضع، وتبقى التحيات الإنحنائية والإبتسامات متبادلة بينهم وبين مساعديهم وموظفيهم إلى أن تنقطع الأبصار عن بعضها مما يخلق وداً وإحتراماً متبادلاً يصل إلى أقصى مدى، وهذا بالطبع النقيض تماماً لما يحدث للمديرين التنفيذيين في البلدان العربية … لا يبتسمون ولا يُلقون التحية على من حولهم حِفظاً للهيبة … ولم يعلموا – أو قد يكونوا علموا – أنَّ هذا « حفظاً للخيبة وليس للهيبة » … شيء مُخزٍ حقاً، ويقول لي أحدهم: إتقِ الله يا حسين … إنك تبالغ في مدح الكفار!، قلت له: وماذا أفعل إن كنت واقعياً وعقلي لا يحترم إلا الحقيقة؟
أكثر ما أعجبني:
-
عرض التايكوندو الذي قامت الشركة بتنظيمه في ليلة العشاء الرسمي، وقاد كان خلاباً لا يمكن وصفه، لا أدري لماذا جذبني هذا النوع من العروض، من الممكن لأني مارست رياضة التايكوندو في مطلع شبابي، فخفة اللاعبين وإتزان حركاتهم وتحليقهم في السماء من خلال حركات بهلوانية من دون أي مساعدة حبس الأنفاس وخطف الأبصار، ويا ليتني أجد مكاناً مناسباً لبناتي لممارسة هذه الرياضة.
-
زيارة الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية، وهي منطقة منعزلة تديرها الأمم المتحدة، حيث نزلنا إلى ما يقارب نصف كيلو متر تحت الأرض لزيارة النفق الذي قامت كوريا الشمالية بحفره إبان الحرب الكورية 1950م، ليباغت الشماليون الجنوبيين بإحتلال عاصمتهم سيول، ولكنهم لم يفلحوا، وأصبحت هذه الأنفاق مقصداً للسائحين.
في طريق العودة إلى الرياض، توقفت في دبي ما يزيد عن عشر ساعات أمضيت فيها وقتاً جميلاً مع أخي المقيم هناك بين برج خليفة ومول دبي وطرقات الإمارات النظيفة دائمة التطور رغم الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها الإمارة، كما أعتقد أنَّ دبي بشكل خاص ودولة الإمارات بشكل عام تعتبر من أفضل دول المنطقة للعيش الأسري لما فيها من فعاليات كثيرة ومتنوعة تجعلك تقضي وقتاً جميلاً برفقة الزوجة والأولاد. ومن الجدير بالذكر أيضاً، روعة مطار دبي وتنظيمه ورقي التعامل فيه، أبهرني التنظيم القائم هناك، لكن ما لم يعجبني … أنهم أخبروني بأني مضطر لدفع قيمة فيزة العبور إلى دبي لأني أحمل جواز سفر عربي، ولو كان جوازي غربياً … لدخلت بالمجان!
في هذه اللحظات، دخلت الطائرة الأجواء الكندية … وهنا أكتفي لأختم، داعياً المولى عز وجل أن أراكم على خير مع أفكار مضيئة وتجارب جديدة تصلنا مع بعضنا البعض لنرى من خلالها الأمل … التجديد … الإنجاز!
ملاحظة: كتب هذا المقال في تاريخ 19 مايو 2010م بين السماء والأرض أثناء سفري من السعودية إلى كندا، وقد قمت بمراجعته ونشره في أول فرصة أتيحت لي.
السلام عليكم .. هل لازلت في كندا؟ سبحان الله, أخيراً حصلت انسان مثل تفكيري أنا سعودي وأعشق كندا حتى النخاخ لكن لم يتسير لي زيارتها حتى الان !
ممكن نتواصل؟
رداً على تعليق محمد بن مرضاح المري :
أخي محمد، سعدت يزيارتك وتعليق، وقد تشرفت بحضورك الكريم لدورتي في فن التفاوض، وأسأل الله أن يجمعنا معاً في دورة جديدة في الدنيا، وفي جنته في الآخرة بإذنه تعالى.
آسف للرد المتأخر، فقد كنت في إجازة مطولة … وها هي قد شارفت على الإنتهاء، وتأكد أخي الكريم أنه رغم هجرتي بعيداً عن العالم العربي، ستبقى أمتي وتنمية عقلها وتفكيرها هي قضيتي الأولى بإذن الله، ولن أستغنى عن قومي ما حييت، وسأبقى أكتب لكم وأؤلف ما فيه خير، عسى أن ينفعنا الله جميعاً.
وأشكر تعاطفك الكبير، ولك مني جزيل الشكر والتقدير … كل التوفيق،
لقد كان لي شرف الحضور والتعرف اليك اثناء محاضرتك فن التفاوض بفندق المطلق ولقد سعدت واستفدت بها كثيرا وازددت فائدة وسعادة بزيارتي لموقعكم هذا ولكنني حزنت كثيرا عندما علمت برغبتك في الهجرة في الخسارة امتنا لك ولأمثالك واسأل الله ان يحفظك وينفع بك الأسلام والمسمين وان يرزقك الثبات على الحق ويجمعنا في جنات النعيم
اخي الكريم الحمدالله على سلامتك
امتعتنا برحلتك اتمنى لك النجاح والتوفيق دائما. ودائما محلق في االسماء بما تفعل
وتكتب لتنفع من يحب أن يستفيد .الحمد لله على السلامه .
رداً على تعليق نورة : سلمك الله أختي الكريمة، وأنا في الحقيقة سعيد جداً بتزكيتك لي ولكتاباتي، ولك مني جزيل الشكر.
لا تحزني أختي، فمع الأسف … خيار الهجرة دائماً صعب، ولكنه لابد منه إذا أراد الإنسان أن يبلغ عنان السماء، فكما تعرفين الحال في الوطن العربي … الإمكانيات العلمية محدودة والجنسية الغربية مرغوبة أكثر للمناصب الكبيرة والمبالغة الهائلة.
لكن حتى إن هاجرت إلى كندا، ستبقى مدونتي العربية موجودة بإذن الله وسأعود بين الحين والآخر لتلبية الدعوات والمشاركة في الندوات العلمية والثقافية، ولإعطاء الدورات التدريبية بإذن الله تعالى.
وأنا فخور بأمثالك يا نورة … فقليل جداً العربيات اللاتي يقدرن النهضة والفكر الحر.
كل التوفيق أختي الكريمة لا تحرمينا من مرورك الدائم.
حمداً لله على سلامتك وعوداً حميداً ..
قرأت في بداية مقالك هذه الجملة:
“أكتب هذه المقالة عزيزي القارئ وأنا على متن عملاق الجو طائرة إيربص 380 متجهاً إلى تورونتو لأحقق إحدى أهم أهدافي … الهجرة إلى كندا”
فأذهلتني عن متابعة بقية المقال ..
هل يعني ذلك أنك ستهاجر الى كندا ، وتترك السعودية ؟؟؟
بصراحة أنا لاأعرفك شخصياً ولكنني فخورة بكون السعودية تضم أشخاصاً مميزين أمثالك ..
لا أملك إلا أن أدعو الله أن يحفظك في حلك وترحالك وأن يكتب لك الخير أينما توجهت ..
رداً على تعليق .: B . A . Y . A . N :.. : أشكرك أختي بيان، هذا من ذوقك المتميز في القراءة، وأسأل الله أن يجزيك خير ما دعوتي لي.
كل التوفيق
رداً على تعليق iCoNzZz : نعم أختي الكريمة، أنصح بزيارة كوريا الجنوبية، فهي منطقة متميزة ومناخ جميل وأخلاق عالية.
كل التوفيق
رداً على تعليق طالب العلي : أخي طالب، تحية طيبة وجزيل الشكر لتعليق يخرج من بين زحام مشاغلك اليومية.
صدقت فيما يتعلق بالإستثمار، وأتمنى أن يجعل الله من أوقاتنا ذخيرة إيجابية تطلق في سماء الإنجاز والإبداع بشكل مخطط وليس عشوائي حتى تصيب الهدف تلو الهدف.
كل التوفيق
رداً على تعليق حسين : أهلاً بك أخي حسين صديقاً جديداً.
أشكر حسك الفني في قراءة الموضوع، قليل من يتأمل ويلحظ مثلك تلك اللوحات الفنية.
أتمنى أن أراك مجدداً بإذن الله مع تعليقات وإضافات جديدة.
كل التوفيق
رداً على تعليق طريف خشانه : أهلاً بك عزيزي طريف صديقاً جديداً.
أشكر مرورك وإضافة تعليق، وسعيد جداً لحصول محتوى المدونة على إعجابك، متمني أن أراك مجدداً بإذن الله.
كل التوفيق
ماشاء الله تبارك الله .. طعم الإنجاز لاشيء يضاهيه .. أستمتعت وأنا أتجول هنا وهناك في هذه التدوينة .. بارك الله لك ويزادك من فضله ..
بالتوفيق يا أخي الكريم , سعدت بهذا المقال وتوقفت عند كوريا يبدو أنها بلد يستحق الزيارة
وبانتظار تجربتك في كندا
الحمد لله على السلامة اخي .. جميل هو شعور الانسان حال حصاد الثمار، كما أن التاجر يفرح حين يتحقق العائد على الاستثمار في امواله الذي كان يخطط له.
فأنت استثمرت في أثمن مواردك ألا وهو وقتك وطاقتك، وامل أن يكون العائد على استثمارك كما توقعت وأكثر إن شاء الله كما يتضح لي.
دعواتي لك بكل التوفيق ودوام التألق!
جميل اخي حسين
اخذتنا معك في وصف شيق إلى كوريا برشاقة اسلوبك وروعة خطابك …
اتمنى لك التوفيق في رحلتك الكندية وبانتظار ان تشاركنا هذه الرحلة
تعرفت اليوم الى موقعك وسرني جدا ما حتواه ،لك مني خالص الدعاء بالتوفيق و النجاح .
و لا شك بأن اللحظات الاستثنائية التي تمر بالانسان تعمق استثنائيته..
سفرا موفقا و عودا حميدا بإذن الله .
طريف خشانه