مقالات

أمريكا بين الثعلب والذئب

طلب مني البعض التعليق على الإنتخابات الأمريكية ورأيي في فوز ترامب الرئيس المُنتَخب، وفي الحقيقة لم أكن أرغب في ذلك لسبب واحد .. أني لم يكن لدي شغف متابعة تلك الإنتخابات سوى للحصول على متعة المشاهدة وأمور أخرى إستهوتني بعيدة عن السياسة، إضافة إلى يقيني التام بأنَّ مَن يصل إلى البيت الأبيض سيكون رهين قيوده الخفية التي لا نراها، ومنصب رئاسة الولايات المتحدة هو منصب عبودية محكوم بمؤسسات الدولة، فلو جاء مَن جاء إليه .. لن يُحدث أي فرق على الإطلاق، والتاريخ - الأستاذ العظيم - خير شاهد على ذلك. لكن أحببت أن ألفت الأنظار لحقائق قد تكون غابت عن البعض، وسأجعلها في نقاط متتالية: منذ أول مناظرة بين هيلاري وترامب، قمت ببعض التغريدات على الفيسبوك والتويتر، وكان واضحاً ميلي إلى ترامب، لماذا؟ كانت المناظرة الأولى حول الإقتصاد تدور فعلياً بين رائد أعمال وموظفة، الأمر الذي جعلني أتذكر كتاب (الأب الغني الأب الفقير - Rich Dad Poor Dad) الذي يحاول مؤلفه تعليم الناس الحرية المالية من خلال ترك عبودية الوظيفة والإنتقال إلى حرية الإستثمار، وهذا تفوق كبير لترامب على هيلاري في قدراته القيادية لا يمكن تجاهله. خلال المناظرة لم يقرأ ترامب كلمة واحدة من أي ورقة، في الوقت الذي كانت تقرأ هيلاري من الورق الذي أمامها بمعدل ٥٠٪ وهذا ضعف كبير في قدراتها القيادية. هيلاري عجوز مهترءة وليست أهلاً للقيادة، وصدق ترامب حين قال عنها أنه ليس لديها ما يكفي من الجَلَد (Stamina) لقيادة أمريكا والعالم، وما حدث لحظة خسارتها أثبت صحة ذلك، فهي لم تقوى حتى على توجيه كلمة لمناصريها، وخرج مدير حملتها ليخاطبهم بدلاً عنها. لم أفهم لماذا يخشى العرب من ترامب ويتأملون الخير في هيلاري؟ وأنا لا أقصد عوام الناس، بل المفكرين والمحللين الذين - من المفترض - أنَّ لهم باعاً في السياسة، ولا تخفى عليهم ثقافة الحكم في أمريكا. لا أعتقد أنَّ مفكري العرب ومحلليهم لم ينتبهوا إلى أنَّ فترة حكم أوباما كانت الأسوأ على العالم العربي على الإطلاق، وهيلاري لن تحيد عن ذلك النهج. مشكلة العرب أنهم مازالوا يحلمون بأنَّ الغرب سيحل معضلاتهم الداخلية والإقليمية التي ورَّطوا أنفسهم فيها، وكأنهم يطلبون حلاً من الشيطان .. والشيطان لا يقدم حلاً أبداً، والسياسة الأمريكية الدولية لم ولن تأتي بتلك الحلول التي تتعارض مع مصالحها الإمبراطورية. في إعتقادي أنَّ المثالية تقود الناس إلى الفشل والواقعية تقودهم إلى النجاح، والعرب يعشقون المثالية ويكرهون الواقعية، وهيلاري كانت الخيار المثالي لهم وترامب كان الخيار الواقعي. في هذا العالم لا يمكنك أن تنجح وأنت مثالي، ومَن يُضطر إلى ذلك سيحتاج إلى أن يتحول إلى ثعلب، وهذا كان خيار هيلاري، بينما يمكنك تحصيل النجاح وأنت واقعي، لكنك ستضطر وقتها أن تتحوَّل إلى ذئب من شدة صراحتك، وهذا كان خيار ترامب. خيارات العرب بين هيلاري (الثعلب) وترامب (الذئب) هي كخيارت الموت حرقاً أو شنقاً، خياران أحلاهما مُر ونهايته خراب وشر. عندما تابعت ردود فعل الشارع العربي، وجدت أهمها يتمحور حول مخاوفهم من ترامب الذي سيعمل على إفلاسهم ونهب أموالهم لأنه صرَّح خلال حملته الإنتخابية أنه سيجعل دول الخليج تدفع فاتورة الحرب، وفي إعتقادي أنَّ هذا ليس سبباً وجيهاً لكره ترامب أو الخوف منه، لماذا؟ العرب هم دائماً مَن يدفع الفواتير، وأمريكا لا تدفع شيئاً على الإطلاق إلاَّ إذا كان هناك عائد ربحي، وأتساءل إن كانوا سمعوا الديمقراطي «جون كيري» خلال إحدى جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي عندما صرَّح بأنَّ العرب سيدفعون فاتورة الحرب في سوريا (https://youtu.be/dg-0KAu9N34). إضافة إلى أنه عندما تم إقرار قانون جاستا الذي سيعمل على إفلاس العرب ونهب أموالهم، لم يكن ذلك خلال فترة حكم ترامب الجمهوري، حتى لو ظهر أمامنا أنَّ أوباما الديمقراطي كان ضد القانون، ففي النهاية هي لعبة بين الثعلب والذئب، والعرب هم الضحية. تعامل العرب مع هيلاري (الثعلب) ذات اللسان المعسول سيزيد من نومهم، بينما التعامل مع ترامب (الذئب) ذو اللسان السليط سيضطرهم إلى الإستيقاظ. العرب في القرن الواحد والعشرين لم يدركوا بعد قوانين اللعبة الإنتخابية الأمريكية، ربما بسبب الديكتاتورية التي إستشرت في خلايا عقولهم، فقد كانوا يثورون لأي كلمة يتفوَّه بها ترامب، ولم ينتبهوا أنه كان يغير كلامه حسب المكان والزمان الذي كان يحشد فيه الأصوات. عندما إنتهت الإنتخابات بفوز ترامب، إنهالت شتائم العرب على الشعب الأمريكي لأنه اختاره، وكأن الشعب الأمريكي يكترث لأي قضية خارج حدوده، والجهل في فهم ثقافته وحجم التحديات التي تعصف به خلقت هذا الإنطباع الخاطئ عن إجتياجات المواطن الأمريكي الحقيقية الذي يبحث عن التغيير الذي وعد به أوباما ولم يأتي. ما لا يعلمه العرب أنَّ الديمقراطية السياسية في العالم الغربي عموماً وأمريكا خصوصاً مقيدة بالسلال، فالمواطن الأمريكي لا يختار من ينتخبه، إنما يصوَّت للمَجمَع الإنتخابي الذي يختار مُرشَّحي الرئاسة نيابة عنه. يمكن مشاهدة هذه المادة والتي تشرح بطريقة سهلة عملية الإنتخاب في أمريكا (https://youtu.be/AcVJbXfEjhY). عندما تفهم طريقة الإنتخاب في أمريكا، ستقدِّر وقتها طريقة الإنتخاب القديمة عند العرب في إختيار ولاة أمورهم (أهل الحل والعقد). في تقديري لو فازت هيلاري لن يتغير شيء في السياسية الأمريكية بل قد تسوء، بينما بفوز ترامب هناك إحتمالان: إما أن تزدهر أمريكا أو تنهار. ختاماً، قد يُثبت التاريخ يوماً ما ليس ببعيد، أنَّ ترامب (الذئب) كان أفضل للعرب من هيلاري (الثعلب) بكثير، لو تعلموا فنَّ السياسية وإدارة المصالح كما كان أجدادهم يتقنونه منذ مئات السنين.

طلب مني البعض التعليق على الإنتخابات الأمريكية ورأيي في فوز ترامب الرئيس المُنتَخب، وفي الحقيقة لم أكن أرغب في ذلك لسبب واحد .. أني لم يكن لدي شغف متابعة تلك الإنتخابات سوى للحصول على متعة المشاهدة وأمور أخرى إستهوتني بعيدة عن السياسة، إضافة إلى يقيني التام بأنَّ مَن يصل إلى البيت الأبيض سيكون رهين قيوده الخفية التي لا نراها، ومنصب رئاسة الولايات المتحدة هو منصب عبودية محكوم بمؤسسات الدولة، فلو جاء مَن جاء إليه .. لن يُحدث أي فرق على الإطلاق، والتاريخ – الأستاذ العظيم – خير شاهد على ذلك. لكن أحببت أن ألفت الأنظار لحقائق قد تكون غابت عن …

أكمل القراءة

المثالية والتصنُّع

خلال الأسبوع الماضي وفي صدفة جميلة.. تقدمَّت إليَّ شابة كانت بصحبة والدتها في (Tim Hortons) وعرَّفتني بنفسها.. وقالت لي أنها إحدى المتابعات لي على الفيسبوك، وأشادت بما أكتب والموضوعات التي أتطرق إليها، فرحبت بها، وفي الحقيقة دائماً ما أتشرف عندما يتقدم إليَّ الأحبة المتابعون ليعرفوني بأنفسهم، وأسعد بلقائهم والتعرف إليهم، فتجاذبت معها أطراف الحديث على عجالة، وأعجبت جداً بشخصيتها وخبرتها الطيبة في وقت مُبكِّر من عمرها. أعتقد أنَّ لقاء الناس يحتاج إلى تعلم الكثير من مهارات التواصل، أهمها.. عدم التصنُّع، ومحاولة الظهور أمامهم بذاتي التي عرفوها من خلال كتاباتي ورسائلي التي أحاول إيصالها لهم بكل شفافية وواقعية. في اليوم الذي …

أكمل القراءة

«تل أبيب» أم «تل الربيع»؟

تل أبيب .. اليوم سأعتذر!

خلال زيارتي الأخيرة لفلسطين، كانت لي عدة لقاءات مع شبابها في مناطق الضفة الغربية والـ ٤٨، ومن المدن التي قمت بإلقاء محاضرة فيها كانت مدينة (تل أبيب) عاصمة إسرائيل في الأراضي المحتلة، وعندما أعلنت على السوشال ميديا عن تلك الزيارة، جاءت ردود الأفعال متباينة بين مَن باركها وشدَّ على يدي كي أعيدها، وبين مَن إستنكرها رفضاً للتطبيع مع إسرائيل (مُفترضاً – خطئاً – أني كنت أُحاضر صهاينة في الجامعات العبرية) وبين مَن إستفهم عن أهداف الزيارة وهوية الحضور، وكلها ردود أفعال لها وجهة نظرها ويمكن تفهُّمها، لكن ما عجزت عن تفهُّمه.. ردود الأفعال التي جاءت على هيئة (لماذا قلت تل …

أكمل القراءة

هل يجوز ضرب الأطفال في كندا؟

هل يجوز ضرب الأطفال في كندا؟

لاشك أنَّ ضرب الطفل وتنشئته بطريقة تؤدي به إلى الفهم والإنصياع عن طريق العنف، هي طريقة سيئة وفاشلة بكل ما تحمل كلمة الفشل من معنى، وضرب الطفل بالطريقة المتعارف عليها في الشرق غالباً ما تؤدي إلى تأخُّر تنمية مهاراته الشخصية والذهنية. لكن السؤال المهم .. هل ضرب الطفل عموماً وفي مواقف معينة ضمن منهجية تربوية يُساعد في تهذيبه ورفع حس الإنضباط لديه؟ سؤال مهم، قد تختلف الإجابة عليه من ثقافة إلى أخرى. لا يخفى على الجميع أنَّ جُل المهاجرين العرب الذين يأتون إلى كندا – بما فيهم أنا – يعلمون مُسبقاً أنَّ ضرب الأطفال فيها ممنوع، وكلما قرصت أم أذن …

أكمل القراءة

ماذا لو تحررت فلسطين؟

ماذا لو تحررت فلسطين؟

هل فكرت يوماً عزيزي القارئ ما الذي سيحدث لو تحررت فلسطين؟ ماذا لو إستيقظنا في الصباح لنجد دولة الإحتلال قد إختفت عن جميع التراب الفلسطيني مُخلِّفة وراءها كل شيء.. المجد الذي بنته، الشعب الذي زرعته، الأمة التي مزَّقتها، الأرض التي قسَّمتها.. ما الذي سنفعله في واقع مرير لم نشهد له مثيل في أرض عربية.. كيف سنتصرف؟ ما هي القضايا التي يجب أن نستعد لها في مثل هذا اليوم؟ هذا السؤال طرحته منذ أسابيع في بداية محاضرة عن التخطيط الناجح كنت قد ألقيتها في مدينة الخليل خلال زيارتي الأخيرة لفلسطين، وكان الهدف من تلك الإفتتاحية هو تسليط الضوء على أهمية التخطيط …

أكمل القراءة

هل الإسرائيلي أفضل منك؟

هل الإسرائيلي أفضل منك؟

ماذا يخطر ببالك عندما تسمع تلك المقارنة؟ نعم أعلم … الإسرائيلي ذلك المخلوق الذكي والمتميز على جميع الأصعدة، له من الذكاء ما يفوق باقي البشر، يمكنه زرع المال والإتيان به من العدم … ذلك الكائن الذي لا يُقهر! بالله عليك … Seriously ؟! إن كنت قد نسيت عزيزي العربي فدعني أذكِّرك بأنَّ الإسرائيلي مخلوق بشري لديه طاقات محدودة حاله حال الناس، يحيا معك في نفس المجرة ولديه نفس عدد ساعات اليوم التي لديك، يمرض ويصح، يجوع ويشبع، يظمأ ويشرب، ينام ويستيقظ، يتنفس الهواء ويمشي على الأرض، وإذا أراد الصعود إلى السماء … يركب الطائرة، لديه هموم ومشاكل وضائقات مالية، ويدفع …

أكمل القراءة

الإنكار

الإنكار

يوم ما مرض رجل بداء السكري، وأثبتت كل الفحوصات أنه يعاني من ذلك المرض ولابد له من مراعاة نسبة السكر في جسمه بحيث يجتنب الأطعمة المحتوية على سكريات عالية والتي – يقيناً – ستزيد من الحالة سوءاً، لكن ما حدث كان غريباً، فهذا الشخص تصرَّف بطريقة لم أفهمها، فقد إستمر يأكل السكر والحلويات والأطعمة الدسمة وكأنَّ شيئاً لم يكن، وتجاهل إرشادات الطبيب الذي أكَّد له من أنَّ حالته الصحية في تدهور ولابد من العمل فوراً على تغيير نمط الحياة قبل فوات الآوان، ولكن صاحبنا بقيَّ في حالة إنكار لا يُصدق أنَّ السكري قد غزاه وبقوة، وإعتقد – واهماً – بأنه …

أكمل القراءة