٢٠٢٠

|

حسين يونس

إنه الأول من يناير لعام ٢٠٢٠، نعم.. لقد وصلنا إلى المستقبل الذي كان منذ عقود خيالاً علمياً في أفلام هوليود السينيمائية، أذكر أني عندما كنت أشاهد تلك الأفلام التي تصوِّر لنا المستقبل، كنت أسأل نفسي دائماً إن كنت سأدركه أم سأرحل عن الحياة قبل ذلك، قد تكون عزيزي القارئ في ربيع العمر أو خريفه، المهم أنك أدرت هذا العقد الجديد من الألفية الثانية، لكن السؤال المُحيِّر الآن.. ماذا بعد ذلك؟ ما هو المطلوب منا كأفراد وشعوب أن نقوم به حتى نستغل هذه الحقبة التاريخية كما ينبغي، ونثبت لأنفسنا وللعالم وللأجيال من بعدنا أننا كنا هنا وكان لنا أثر نافع؟

بعدما انتهيت من صلاة الفجر، عدت إلى النوم وأنا أرى شفق أول يوم في السنة الجديدة يشق نوره من النافذة، ورأيت فيما يرى النائم أني أُحلِّق في طائرة ليست بالكبيرة لكنها كانت شبه فارغة وفيها عدد قليل من الركَّاب، وكنت أجلس في آخرها بصحبة سيدتين مُسنتين مجهولتين لا أعرفهمها، لكن في المنام كانت بيننا علاقة ما، وعندما بدأت الطائرة بالهبوط، كان الجو جميلاً والسماء صافية، لكن الطائرة هبطت بعنف وشبه ارتطمت ببركة ماء تشبه حوض السباحة، المهم أنها لم تنفجر ونزلنا منها سالمين.

الغريب أني عندما أنام لا أرى الأحلام على الإطلاق، ومعروف عني في العائلة أني لست من هواة الأحلام ولا أقبل أن يكون للأحلام أي تأثير على حياتي لا من قريب ولا من بعيد، لكن أن أحلم وفي أول يوم في العام الجديد وبعد صلاة الفجر، شعرت أنه قد تكون إشارة لأمر ما مهم، يجب أن أنتبه له قبل أن ينقضي هذا العام من دون إنجاز يُذكر كما انقضت الأعوام الكثيرة الماضية. فالله تعالى أعلى وأعلم بمُراد ما رأيت، لكني أوَّلته على النحو التالي:

  1. الطائرة، هي الحياة الدنيا التي نُحلِّق فيها واهمين أنها لن تنتهي، مع يقيننا التام بأننا سنغادرها لا محالة.
  2. الهبوط السريع والقوي، هو انقضاء تلك الحياة بسرعة دون أن ننتبه.
  3. السيديتان المُسنتان، هم أهدافنا وآمالنا التي نحملها طيلة الحياة ولا نقوى على انجازها، فيشيب الهدف ويُصبح بلا قيمة تُذكر كلما تأخرنا في بلوغه وتحقيقه، ليبقى حِملاً يُرهقنا من دون أي فائدة، فلا نحن أنجزناه، ولا تخلصنا منه.

بقيت أسترجع الحلم في مُخيلتي طيلة الصباح وأنا أشرب القهوة، وبعدها خرجت إلى الهواء الطلق لأمارس الرياضة، وإذا برسالة تأتيني من زميل في العمل يُخبرني فيها أنَّ زميلاً لنا قد تُوفي عمَّه، والجنازة اليوم بعد صلاة العصر، فقلت سبحان الله.. كلنا ذلك الميت، وستهبط طائرتنا في أي لحظة وبسرعة فائقة ومن دون سابق إنذار، ولا أدري شخصياً إن كنت مستعداً لذلك الهبوط أم لا؟!

عندما انتهينا من صلاة الجنازة واتجهنا إلى القبر لدفن الفقيد، وقفت أنظر إلى القبور وقلت في نفسي.. سبحان مَن جعلني أزور المقابر في أول يوم في السنة الجديدة، كم نحن البشر مجانين! نحيا من دون أن نترك أي بصمة في الدنيا، ونغادرها دون أن نأخذ منها أي شيء ينفعنا في الآخرة!

مشاريعي التي أحملها في نفسي وعلى ظهري منذ سنوات مازالت لم ترى النور حتى شابت وأثقلت كاهلي، وأخشى إن تأخرت أكثر من ذلك تصبح بلا قيمة حتى وإن أنجازتها، تماماً كالعجوز التي أصبحت كالجذع المُحترق لا يرغب بها أحد.

قد يكون التحدي الأكبر الذي نعانيه جميعاً هو البحث عن الإستقرار، لكننا لن نستقر إلاَّ عندما تستقر في نفوسنا حقيقة أنه لا استقرار في هذه الحياة، لأنَّ الأصل فيها عدم الإستقرار، خصوصاً في زماننا الحالي وما يشهده من بلبلة وتنقل لشعوب العالم بشكل لم يسبق له مثيل.

العالم الثالث يبحث عن أي طريقة لينتقل فيها إلى العالم الأول بحثاً عن الاستقرار المزعوم، والعالم الأول يبحث عن أي طريقة يغادر فيها إلى أي عالم يضمن له الاستقرار المزعوم بعيداً عن غلاء العالم الأول وحياته المُرهقة، ولا أحد قادر أن ينال ذلك الإستقرار بشكل دائم أو حتى شبه دائم، والجميع في حالة اضطراب.

ليس هدف هذا المقال بث السلبية في عقولكم ونفسوكم مع بداية العام الجديد، على العكس تماماً، الهدف هو أن ألفت انتباهكم إلى أنَّ قوانين النجاح وإنجاز الأهداف قد تغيَّرت، وما تنتظره أن يحدث أو يأتي كي تبدأ في إنجاز ما يجب عليك إنجازه لن يحدث ولن يأتي لا بالشكل الذي تتوقعه ولا بالطريقة التي اعتدت عليها، فكل ما عليك فعله حتى تحقق أهدافك وتنجز مشاريعك العالقة ما يلي:

  1. راجع كل أهدافك ومشاريعك المتراكمة وأسأل نفسك بكل صدق.. هل مازلت ترغب في تحقيقها وإنجازها أم لا؟ هل أصبحت بلا قيمة أو فائدة؟
  2. إن كانت بل قيمة، إحذفها وتخلًّص من عبئها وأبحث عن غيرها، وإن كنت ترى أنها مازالت ذات قيمة، فأعمل على إنجازها ولا تتردد لحظة.
  3. لا تنتظر الوقت المناسب للبدء في تحقيق ذلك الهدف وإنجاز ذلك المشروع، لأنَّ الوقت المناسب الحقيقي والفعلي هو الآن ودائماً سيكون الآن! فإن كنت تعيش الآن.. فهذا وقتك للإنطلاق.. فهيَّا انطلق يا جريندايزر!
  4. في النهاية، إرفع قيمة تلك المشاريع إلى درجة العمل الذي يأتي بالمال ليُصبح روتيناً تلتزم به كما تلتزم بعملك اليومي الذي تقوم به وأنت لا تحبه، وقتها فقط.. أحلامك ستتحقق، ومشاريعك سترى النور.

هذا ما ألزمت به نفسي لهذا العام، وكلي يقين من أني سأتخلص من بعض ما يُثقل كاهلي من دون قيمة، وسأنجز ما هو عكس ذلك، فأسأل الله لي لكم التوفيق والسداد، وكل عام أنت بخير!

6 رأي حول “٢٠٢٠”

  1. السلام عليكم كيففك استاذ حسين ,متابعك من اليمن .عندي عتب عليك كنت اتصفح الكثير من مقالاتك في الفترة الماضية التي قبل حوالي عشر سنوات , ارى انك تقول ستؤلف كتاب والى الان لم يرى هذا الكتاب النور ؟ الى متى يااستاذ حسين ,وتوقفت عن سلسلة خارج الحفرة ولاندري هل انتهت ام ماذا . المهم دمت بخير استاذ حسين . مروان من حضرموت اليمن

    رد

أضف تعليق