هل الإسرائيلي أفضل منك؟

|

حسين يونس

ماذا يخطر ببالك عندما تسمع تلك المقارنة؟ نعم أعلم … الإسرائيلي ذلك المخلوق الذكي والمتميز على جميع الأصعدة، له من الذكاء ما يفوق باقي البشر، يمكنه زرع المال والإتيان به من العدم … ذلك الكائن الذي لا يُقهر!

بالله عليك … Seriously ؟!

إن كنت قد نسيت عزيزي العربي فدعني أذكِّرك بأنَّ الإسرائيلي مخلوق بشري لديه طاقات محدودة حاله حال الناس، يحيا معك في نفس المجرة ولديه نفس عدد ساعات اليوم التي لديك، يمرض ويصح، يجوع ويشبع، يظمأ ويشرب، ينام ويستيقظ، يتنفس الهواء ويمشي على الأرض، وإذا أراد الصعود إلى السماء … يركب الطائرة، لديه هموم ومشاكل وضائقات مالية، ويدفع الضرائب تماماً كأي إنسان على وجه الأرض، ليس مخلوقاً نارياً أو جنِّياً خارقاً، خُلِقَ من نطفة مذرة، يحمل في بطنه العذرة، وآخره جيفة قذرة!

لكنه … 

يعلم كيف يُخفي أنيابه ويرسم إبتسامته من دماء الأبرياء، لتظهر كأنها قطرات من التوت النابت في مزارع حيفا، فيجعلك تتعاطف معه، وتصدق كلامه إذا شاهدت إعلامه، وسكِّينه مازالت تقطر من دمك.

يعلم أنَّ الثقة كنز كبير لا يمكن منحه للأصدقاء أو المغفلين والبلهاء، فالخيانة منهم قد تكون قاتلة وقاضية على كل أحلام البقاء.

يعلم كيف يُظهر النوايا الحسنة ويُبيِّت السيء منها دون أن ينتبه لذلك أصدق الأصدقاء مهما طال الزمان، ففي الوقت الذي تقدَّم تجاهنا بجرأة في المحافل الدولية ليلعب دور حمامة السلام، كنَّا نُدير ظهورنا لنشعر بشيء من الكبرياء الزائف، لنردد بعدها أننا وطنيون ونرفض التطبيع.

يعلم أنَّ كثرة الكلام لن ترفع شأنه ولن تُلمِع نجمه، وقِلَّته خير من كثرته، فرسم لنفسه مائة هيئة حتى ضلَّ من حوله، وحاروا به ولم يُدركوا مقاصده.

يعلم أولوياته ولا يكترث لغيرها، وكلما أنهى لقاءاً في الشتات الأوروبي كان يقول لأقرانه: (أراكم في أورشليم)، ليس ليمشي على السجادة الحمراء ويسكن القصور الخضراء، ولكن ليُحقق غاية ويرفع راية وإن كلَّفه ذلك جماجم الأرض.

يعلم أنَّ الشعوب فقط القادرة على جعل الحلم حقيقة، فصنع شعباً من أزقة العالم، وباعهم الحلم تلو الحلم حتى إستيقظوا ليروه يتحقق في كل صباح، فلم يخشى عليهم من الديمقراطية، ولم تُخِفه الدولة الدينية، ليرقصوا جميعاً رقصة النصر.

يعلم كيف ومتى يواجه، ولا يخشى من ذلك كما قيل لنا في الصغر، فقد قال الله فيهم: { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ } ولكنه لم يقل أنهم لن يقاتلوقكم! فأسأنا الفهم وإسترحنا … وأحسنوا الفهم وإستعدوا، فخسرنا وكسبوا، كسبوا كل شيء وخسرنا كل شيء، حتى كلام الله … خسرناه وهو السهل البيِّن.

يعلم كيف يُبقي يديه نظيفتين من خلال توظيف غيره للقيام بالأعمال القذرة دون أن تطاله غبَرة، وإذا إضطر للقيام بها … يعلم كيف يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً لتصبح أعماله بطولية، حتى وإن إمتلأ المشهد بأشلاء الأبرياء وجثث الشهداء، وليُصفِّق بعدها الجمهور على ذلك الإنجاز العظيم.

يعلم أنه عندما تولد لديه فكرة، سيجد مَن يكترث لها حتى تصبح مشروعاً قومياً، فهو ليس لقيطاً كما قيل لنا، بل لديه من يسأل عنه ويكترث له، حتى بتنا نحن اللقطاء … لا يرضى بنا أقرب الأقرباء، مهما ساء حالنا وكثرت أدلتنا.

يعلم كيف يكسب الأعداء ويجعلهم حلفاء في خدمته، فالعالم مصالح ولا يوجد شيء بلا ثمن، والدموع والشفقة لن يكترث لها الأقوياء وصانعو القرار، فكسب الجبابرة وطحن عظام الضعفاء، وأشعل شموع الحزن على أرواحهم، حتى بات العالم يُسبِّح بحمده وبركته ويطلب رحمته.

يعلم كيف يصنع فخاً ويُلقي به مخالفيه ليفسح المجال للإنطلاق في الأعماق أكثر وأكثر، فأغراهم بمجده حتى تكتَّلوا حوله، وصنع لهم أعداءاً من ظهورهم، وأوهمهم بأنَّ لديه وصفة النصر، فهرول إليه الأغبياء وسلَّموه زمام أمورهم، وحتى يومنا هذا مازالوا يهرولون، وظهورهم مازالت تنجب أعداءاً.

يعلم كيف يتجسس في ثوب الصديق حتى ينزع سلاح خصومه ليُلبسهم ثوب الندم، فلم يترك قصراً إلاَّ دخله، ولا وزارة إلاَّ شكَّلها، ولا حكومة إلاَّ شارك في صنعها، ولا دستوراً إلاَّ صاغه، فتجذَّر في التاريخ كما تجذَّر نبات السرخس في الظلام على ظهر ضحيته، حتى أصبحت الضحية لا يمكنها البقاء من دون أن يشرب من دمها في كل يوم وكل لحظة.

يعلم أن تجارة الخوف أفضل تجارة، فباعه للعالم كما يُباع الماء، فاشترى الجميع تجارة لن تبور، وباعوه لشعوبهم كي تخور من شدة الرعب والهزيمة النفسية، ففقدوا توازنهم بينما كان هو يستكمل نصابه ليتزن، فسحق أعداءه ولم يُبقي من آثارهم شيئاً يُصلَّى عليه أو يُدفَن.

يعلم متى يُهدي النصر لأعداءه، ليُحوِّل ضعفه إلى قوة ونصر عدوه إلى هزيمة، ففي الإستسلام الإستراتيجي إسترداد للقوة وإستنزاف للأعداء وفرصة لإعادة الحسابات ورصِّ الصفوف وشحذ الهمَّة، فعرف متى يتوقف عن النصر … لأنَّ في ثناياه خطر أكبر من الهزيمة.

يعلم كيف يستغل حاجة الشعوب إلى الأديان والإيمان، فصنع لهم الأوثان وزيَّنها لهم كما زيَّن السامري عبادة العجل لأجداده، فباعهم إياه أفيوناً رخيصاً سهل المنال، فعبدوه حتى إنحنت ظهورهم وفسدت عقولهم وسخر منهم سفهاء الأرض وشياطينها.

يعلم كيف يُعكِّر الماء ليصطاد السمك، فنشر دخانه في السماء حتى عُمِّيَت الأبصار وتفرَّق الجمع وتبخرَّت وحدتهم الوطنية وروابطهم الدينية، وبات طموحهم دولة ورقية في أكشاك مهترئة هواءها فاسد لا تصلها أشعة الشمس.

يعلم أنه لو تمكَّن من الراعي ستتفرق الغنم، فلم يُطل الإنتظار وسدد عصاه على الرأس ليسقط الجسد، وترك ضحيته تعد الخسائر وهي تزفُّ لشعبها بشائر النصر، ومن شدة الكذب والزيف لم تحتمل حرب ساعة، فجاءت بعدها تُعاهد على السمع والطاعة.

هذا ما قام به الإسرائيلي ومازال، وليس فيما ذكرت سحر أو معجزة، إنما هي الحرب والمكيدة، وإن ثَقُل على نفسك ما ذكرت لك وإستعصى عليك هضمه، فأعلم أنَّ ذلك نتيجة طبيعية للهزيمة النفسية التي تعلمتها قبل أن تتعلم الأبجدية، فأتقنتها ورضيت بالدونية.

علمتني الحياة أنه لا يمكنك أن تهزم خصمك إن لم تصبح مثله، والأمة لا تقوى على ذلك، فذرائعها كثيرة وتجارة المبادئ عندها أسهل، وما عند الله خير وأبقى، فلنصبر ونحتسب، ولندع الدنيا للأعداء ونشتري بها الآخرة، والمهدي بات على الأبواب … كأني أراه يفتحها … يخرج منها … سالاً سيفه ليذبحنا، فعندما سمع حكاياتنا ضحك مما آلت إليه أحوالنا وقال: (ما أقبحكم … أنتم الأعداء … ولا أحد غيركم!).

ألقاكم – بإذن الله – يوم السبت ٢٠ أغسطس (آب) في حوار مرئي مباشر عبر صفحتي الرسمية على الفيسبوك لمناقشة المقال  أعلاه في الأوقات التالية:

  • توقيت البث المباشر: ١١:٠٠ الصباح (تورونتو) | ٤:٠٠ العصر (الرباط) | ٦:٠٠ المساء (مكة)
  • رابط الصفحة: https://www.facebook.com/HusseinTYounes

تحديث: أشكر جميع المتابعين الكرام على إهتمامهم ومداخلاتهم وقت الحوار المباشر لمناقشة المقال أعلاه. يمكن مشاهدة تسجيل الحوار على الروابط التالية:
١) الفيسبوك: حوار مباشر على الفيسبوك (هل الإسرائيلي أفضل منك؟)

٢) اليوتيوب:

أضف تعليق